أثار إعلان تنظيم «داعش» الإرهابي عن قيام عناصره بتجديد ما وصفوه بـ«المبايعة والولاء لزعيم التنظيم المزعوم أبو بكر البغدادي»، حالة من التساؤلات حول مستقبل التنظيم، فيما يُعتقد أنه أول تعهد علني بالولاء للبغدادي منذ انهيار ما تسمى بـ«دولة الخلافة» في سوريا والعراق، العام الماضي.
وبينما عد مراقبون الإعلان «مُجرد مُناورة كشفت عن صراعات كبيرة داخل التنظيم». قلَّل خبراء في شؤون الحركات الأصولية من هذا الإعلان الداعشي، مؤكدين أن «التنظيم من ضعف لضعف، وأنها مجرد مُحاولة لـ(استعادة الإلهام) وجمع العناصر حول شخص يمثل القيادة أو الرمز من وجهة نظرهم، وهو البغدادي».
يقول خبراء مكافحة الارهاب والتطرف لـ«الشرق الأوسط»، إن «هناك احتمالين لهذا الإعلان في هذا التوقيت بالتحديد، إما أنها محاولة من رجال زعيم التنظيم ليظل لهم الكلمة العليا، لا سيما مع عدم قدرة البغدادي على ممارسة مهامه، أو قد يؤشر هذا لتقدم أجنحة أخرى أو الحديث عن قيادة جديدة».
وأعلن مقاتلو التنظيم في بيان نشروه على مواقع للتواصل الاجتماعي تابعة للتنظيم، ووسائل إعلامية خاصة بهم تجديدهم لما وصفوه بـ«البيعة للبغدادي».
وشهدت الأشهر الماضية نجاحاً كبيراً في محاربة التطرف على المستوى العسكري، حيث نجح التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية والقوات العراقية في السيطرة على الأراضي التي كان يسيطر عليها «داعش»... وقد أسفر هذا عن تراجع كبير في قدرات التنظيم العسكرية الميدانية، وكذلك الإعلامية... وبناء على ذلك، لم يعد لمقاتلي التنظيم موطئ قدم في العراق، وهذا ينطبق على سوريا أيضاً.
وقلل مراقبون من إعلان «البيعة المزعومة» لا سيما أن معظم قيادات «داعش» وكوادره تفرقوا وانتقلوا إلى مناطق مختلفة بعد الهزائم التي تعرض لها داخل العراق وسوريا، على نحو يفرض عقبات متعددة أمام الحصول على مبايعتهم بشكل مباشر من جديد، لا سيما في ظل صعوبة فتح قنوات تواصل معهم، وهو ما دفع اتجاهات كثيرة إلى ترجيح أن يكون الإعلان صادراً عن قيادة التنظيم نفسه من أجل تحقيق أهداف كثيرة خاصة بتعزيز تماسكه الداخلي.
ويعانى «داعش» من تراجع حاد في سوريا والعراق، حيث فقد ما يقرب من 98 في المائة من الأراضي التي كان يسيطر عليها، ولم يعد يوجَد سوى في مناطق متفرقة داخل الدولتين... ورغم أنه يحاول مواصلة نشاطه واستعادة بعض المناطق عبر شن كثير من الهجمات الخاطفة، فإنه لم يحقق نتائج بارزة في هذا السياق.
وسيطر المقاتلون الأكراد على الرقة بسوريا في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي بدعم من التحالف الدولي. ويُشار إلى أنه حين خسر «داعش» مدينة الرقة فقد خسر معها (بوصفها عاصمة دولة «الخلافة المزعومة»)، الأدوات الإعلامية الاحترافية كافة، كالاستوديوهات، وقسم وسائط الإعلام، ومراكز الإنتاج التي كانت تخرج على العالم بمجلة «دابق» وبأشرطة فيديو محترفة تُمجد فضائل الحياة تحت «وهم الخلافة المزعومة».
وما زال التضارب يحيط بمصير البغدادي، وهو عراقي الجنسية، هل لا يزال على قيد الحياة أم قتل؟ لكن خبراء يعتقدون أنه «يختبئ في الصحراء الشاسعة على الحدود العراقية السورية».
وكانت تقارير إعلامية قد أعلنت أخيراً مقتل البغدادي، بعد صدور بيان عن التنظيم يؤكد مقتله، دون أن يكشف البيان عن ملابسات مقتله. ومنذ عام 2014 سرت شائعات كثيرة حول احتمال مقتل زعيم التنظيم، لكن لم يتم تأكيد أي منها... وتعرض الولايات المتحدة مبلغ 25 مليون دولار للقبض عليه.
وكان المرصد السوري لحقوق الإنسان، أعلن مقتل البغدادي مطلع يوليو الماضي. ولم تكن تلك المرة الأولى التي يعلن فيها عن مقتله... ففي يونيو (حزيران) الماضي، أشار الجيش الروسي إلى «احتمال» أن يكون البغدادي قُتِل. لكن في سبتمبر (أيلول) الماضي، رجح ستيفن تاونسند، قائد التحالف الدولي ضد «داعش» في العراق وسوريا، أن «البغدادي ما زال على قيد الحياة، وقد يكون مختبئاً في مكان ما في وادي نهر الفرات الأوسط، وهي المنطقة المحصورة بين مدينة القائم غرب العراق، ومدينة دير الزور شرق سوريا».
وفي مطلع العام الحالي، قالت صحيفة «صن» البريطانية، إن «هناك اعتقاداً بأن زعيم (داعش) هرب إلى أفريقيا للاختباء بعيداً، وربما يوجد في شمال تشاد، أو في المنطقة الحدودية التي لا تخضع للقوانين بين الجزائر والنيجر».
وكان آخر تسجيل صوتي للبغدادي بثه في نوفمبر عام 2016... أما الظهور العلني الوحيد للبغدادي (46 عاماً) يعود لشهر يوليو عام 2014 عند تأديته الصلاة في جامع النوري الكبير بغرب الموصل، حيث أعلن إقامة «الخلافة المزعومة» في مناطق بالعراق وسوريا.
وجدير بالذكر أن الضربات الجوية الأميركية أفضت إلى مقتل معظم مساعدي البغدادي ومنهم، أبو عمر الشيشاني وزير الحرب السابق وقائد القوات المسلحة في التنظيم، وحاكم المنطقة العراقية أبو مسلم التركماني، والمتحدث باسم التنظيم أبو محمد العدناني، وحاكم سوريا أبو علي الأنباري.
من جانبه، قال أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الإسلامية، إن «توقيت إعلان (داعش) لعناصره مبايعة البغدادي، لا نستطيع أن نفصله عما يحدث في سوريا الآن»، مضيفاً: «أعتقد أن الفوضى التي سوف تنتج عن ضرب سوريا، سوف تتيح لـ(داعش) فرصة كبيرة للظهور من جديد... وأن الفراغ الذي سينتج عن التدمير في سوريا سوف ينتشر فيه (داعش)».
وأكد بان أن تجديد البيعة للبغدادي ربما له صلة بإعادة تنظيم أمور التنظيم الداخلية، أو أن هناك صراعات داخل التنظيم خاصة مع إعلان موت البغدادي، أو أن رجال البغدادي يحاولون أن يظل لهم الكلمة العليا داخل التنظيم، خصوصاً مع اختفاء وعدم قدرة البغدادي على ممارسة مهامه، لافتاً إلى أن «هذا قد يؤشر أيضاً لتقدم أجنحة أخرى أو الحديث عن قيادة جديدة للتنظيم الإرهابي».
المراقبون رجحوا أن «داعش» هدف من إعلان البيعة «المزعومة» المحافظة على ما تبقى من هيكله التنظيمي الذي وصل إلى مرحلة الانهيار، حيث يعد الإعلان بمثابة رسالة مفادها أن «التنظيم قوي ومتماسك، وقادر على البقاء وإدارة وضبط حدود العلاقة بين القيادة والكوادر، إلى جانب الإيحاء بأن عناصره لا تزال متمسكة بقيادته... وهي مزاعم بالطبع قد لا تتوافق مع المعطيات الموجودة على الأرض».
خبراء وباحثون قالوا إن «التنظيم يهدف من (إعلان البيعة) إلى ترسيخ مكانة القيادة الحالية (أي قيادة البغدادي) وضمان ولاء الفروع الخارجية في الدول لها، إذ إن تجديد البيعة (المزعومة) يعنى ضرورة التمسك بالبغدادي وتنفيذ توجيهاته في الداخل والخارج»، مضيفين: «قد يشير ذلك الإعلان إلى أنه صادر بالفعل عن قيادة التنظيم الحالية، من أجل تعزيز نفوذها، خصوصاً أنها تسيطر على كل الوسائل الإعلامية داخل التنظيم، وكانت حريصة على عدم نشر تقارير أو بث مقاطع فيديو تظهر مبايعة المجموعات المختلفة للبغدادي».
كما أكدوا أن «الإعلان هدفه تجنب الانشقاق المتواصل من عناصر التنظيم بسبب الهزائم الكبيرة التي تعرض لها في المناطق الرئيسية التي سيطر عليها في الأعوام الماضية، والتي من الممكن أن تدفع ببعض قياداته وكوادره إلى تكوين مجموعات أو تنظيمات فرعية أخرى أو الانضمام إلى بعض التنظيمات القائمة والمنافسة للتنظيم، التي ما زالت تنشط داخل بعض المناطق في سوريا تحديداً».
كلام الخبراء، أكده أيضاً أحمد بان بقوله إن «الإعلان عن البيعة لوقف الانشقاقات التي يعاني منها التنظيم حالياً ولتأكيد الولاء لقيادته».
ويظل «الفارّون من (داعش)» إشكالية كبيرة ما زالت تنشر القلق في أوروبا وأفريقيا بعد انحسار التنظيم وفرار معظمه من العراق وسوريا إلى ليبيا وبعض الدول المجاورة، وكان المصطلح يُطلق في البداية - قبل هزيمة التنظيم - على بعض المنضمين إليه ممن خُدعوا بدعايته، ثم سرعان ما اكتشفوا - بعد انضمامهم إليه - أن الأوضاع على أرض الواقع تختلف اختلافاً جذرياً عما يروجه التنظيم، لذا قرروا تركه والعودة إلى دولهم.
والآن، وبعد هزيمة التنظيم أصبح المصطلح يحمل معنى مغايراً تماماً، إذ لا يمكن الجزم بما إذا كان هؤلاء الفارين لا يزالون يحملون الفكر الداعشي أم لا؟ وقد أعربت كثير من حكومات الدول الغربية عن خوفها الشديد من هؤلاء.
وأشارت تقارير كثيرة إلى أن عمليات الإعدام التي طالت بعض قيادات وعناصر التنظيم، الذين اتهموا بمحاولة الانشقاق فرضت تداعيات عكسية، حيث أدت إلى تصاعد هذه الظاهرة خلال الفترة الأخيرة، بشكل أسهم في تراجع تأثير ونفوذ التنظيم.
بينما قال الدكتور خالد الزعفراني، الخبير في شؤون الحركات الأصولية، إن «التنظيم يحاول أن (يلم) العناصر حول الرمز وهو البغدادي، ويحاول أن يستعيد (فكرة الإلهام)، وجمع العناصر حول شخص يمثل القيادة»، مضيفاً أن «تجديد البيعة للبغدادي في محاولة من التنظيم، لتنظيم نفسه وإظهار الولاء، فضلاً عن محاولة (لم) الشتات الحادث في التنظيم، خصوصاً أن الضربة الأميركية لسوريا سوف تكون محاولة جديدة للتنظيم، إما أن يكون من جديد أو يختفي للأبد».
وأكد الزعفراني في الصدد ذاته أن «داعش» لجأ للبحث عن بدائل مثل الدعوة لتجديد الولاء في محاولة منه لتحقيق «شو إعلامي» عالمي، لافتاً إلى أن ذلك جزء من استراتيجية التنظيم، مضيفاً أن «التنظيمات المتطرفة وتياراتها تندرج تحت فكر واحد، ألا وهو أنهم يعتقدون أنهم (جماعة المسلمين)... ومن عداهم ليسوا بمسلمين»، لذلك استخدم «داعش» مفردات دينية، مثل التي جاءت في إعلان «المبايعة المزعومة»، مثل «خليفة المسلمين»، و«أمير المؤمنين»، وغيرها.
وقال مراقبون إن «داعش» يسعى في «المرحلة الحالية إلى إعادة تنظيم صفوفه من جديد للتعامل مع المعطيات الجديدة التي أنتجتها الخسائر التي تعرض لها في الفترة الماضية، في ظل انخراطه في معارك مسلحة على أكثر من جبهة، وضد أطراف متعددة سعت إلى إخراجه من المناطق التي سيطر عليها في السابق... ويحاول التنظيم استغلال مثل هذه الآليات في إقناع بعض المجموعات الفرعية والخلايا النائمة بمواصلة الولاء لقيادته الحالية، وعدم الإقدام على الانشقاق، بشكل سوف يوجه ضربة قوية للتنظيم، ويخصم من قدرته على تفعيل نشاطه من جديد داخل الدولتين».
وتشير تقديرات الولايات المتحدة في عام 2016 إلى أن عدد مقاتلي «داعش» الذين تسربوا إلى سوريا والعراق بلغ 36500 مقاتل، بينهم 6 آلاف أجنبي (غير عربي)، فيما تشير أرقام الأمم المتحدة إلى أن عددهم يبلغ 30 ألفاً، بينهم 7 آلاف أجنبي، بحسب قائمة نشرتها الشرطة الدولية (إنتربول).
وتذهب الأمم المتحدة إلى أن ما بين 10 في المائة إلى 30 في المائة من مقاتلي «داعش» عادوا إلى أوطانهم قبيل الهزائم الأخيرة في العراق وسوريا. وتجمع أجهزة الاستخبارات على أن «داعش» لديه 8 فروع رئيسية و50 تنظيماً منضوياً تحت لوائه في نحو 21 بلداً.
ورجح مراقبون أن «يكون إعلان البيعة الآن هو نداء لهواء للتجمع من جديد تحت قيادة البغدادي». لكن خالد الزعفراني قلل من تأثير هذا الإعلان على تجميع شتات التنظيم في كثير من الدول، مؤكداً أن «التنظيم من ضعف لضعف خصوصاً خلال المرحلة المقبلة من عمره».
تجديد الولاء للبغدادي يُثير تساؤلات عن مستقبل «داعش»
مناورة كشفت صراعات التنظيم ومحاولته «استعادة الإلهام»
تجديد الولاء للبغدادي يُثير تساؤلات عن مستقبل «داعش»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة