الأمم المتحدة: التصدي لرسائل الإرهابيين يقتضي التواصل معهم بما يلائمهم

غوتيريش افتتح منتدى «الاستثمار في الشباب لمكافحة الإرهاب»

مبنى الأمم المتحدة في نيويورك.
مبنى الأمم المتحدة في نيويورك.
TT

الأمم المتحدة: التصدي لرسائل الإرهابيين يقتضي التواصل معهم بما يلائمهم

مبنى الأمم المتحدة في نيويورك.
مبنى الأمم المتحدة في نيويورك.

رأى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، أنه على الرغم من أن الشباب من الأهداف الرئيسية لتجنيد المتطرفين، فإنهم يستطيعون أيضاً الاضطلاع بأدوار قيادية في مكافحة الإرهاب، وفي العثور على فرص أكبر لجميع الناس.
وكان غوتيريش يتحدث في افتتاح منتدى «الاستثمار في الشباب لمكافحة الإرهاب» الذي نظم برعاية باكستان والنرويج والأمم المتحدة، في المقر الرئيسي للمنظمة الدولية في نيويورك، إذ قال إن «الجماعات العنيفة المتطرفة تستهدف الشباب وتستثمر فيهم؛ لأنها تدرك جيداً إمكاناتهم الهائلة ورغبتهم الكبيرة في التغيير». وأضاف: «المنخرطون في أنشطة تجنيد الأعضاء وشبكات التطرف، يتواصلون بشكل شخصي وفردي مع الشباب، مستغلين شعورهم بعدم الرضا، ويستمعون إليهم ويقدمون رؤى وتحليلات بديلة»، ملاحظاً أنهم «يستغلون شعورهم بالظلم ويستخدمون رسائل توجيهية سلبية ونظريات المؤامرة والأكاذيب». وأكد أن «الجماعات المتطرفة قد تستخدم التكنولوجيا الرقمية لزيادة انتشارها عبر الحدود والثقافات».
وقال غوتيريش أيضاً: «لا أوافق على أن الشباب هم قادة الغد؛ بل هم أكثر فأكثر قادة اليوم». وشكر الشابات والشبان الذين «يتقدمون ويضطلعون بهذه المسؤوليات». وأفاد بأن «ما يقرب من نصف سكان العالم (46 في المائة) يبلغ من العمر 24 سنة أو أقل، وأفريقيا والشرق الأوسط لديها أعلى نسب الشباب»، مشدداً على أن «تطرف الشباب هو مصدر قلق عميق في البلدان الغنية والفقيرة على حد سواء، حيث تتدفق الأفكار السامة عبر الحدود بلمسة زر واحدة، أو نغمة أو تغريدة» على «تويتر». ولاحظ أن «الجماعات الإرهابية تستغل المظالم الاجتماعية والاقتصادية والسياسية لإغراء الشباب من خلال الدعاية الكاذبة التي تمجد الآيديولوجيات المشوهة، بينما يستخدم المجندون عديمو الضمير وسائل الإعلام الاجتماعية لجذب المراهقين غير المرتابين على الطرق الخطرة»، مؤكداً أن «الجماعات المتطرفة العنيفة تستهدف وتستثمر في الشباب لأنهم يدركون إمكاناتهم ورغبتهم القوية في التغيير». ورأى أن «الجدية في منع الصراعات، تتطلب جدية في الانخراط مع الشباب والاستثمار فيهم، كما أن التصدي لرسائل الإرهابيين يقتضي التواصل مع الشباب وفق ما يلائمهم».
وبعد عرض شريط فيديو قصير يسلط الضوء على جهود باكستان لتحويل المد ضد الإرهاب، والشروع في جهود متعددة الأبعاد لتهيئة بيئة للسلام المستدام، تحدثت المندوبة الباكستانية الدائمة لدى الأمم المتحدة مليحة لودي، عن مبادرتها لعقد هذا المنتدى، مشيرة إلى وجود «استراتيجية شاملة ضد المد الإرهابي». وقالت: «واجه بلدي وشعبه هذا التهديد بثبات وتصميم»، مضيفة أن «الشباب هم الأكثر عرضة للإرهاب»؛ لأن «الجماعات الإرهابية والمتطرفة تنتهز هذه الثغرة وتجذب الشباب إلى أساليبها العنيفة، من خلال اللعب على حساسيتهم إزاء الظلم والقمع، ومن خلال نشر الكراهية والتعصب والعنف، للرد على أوجه لا تعد ولا تحصى من انعدام المساواة». ووافقت على أن غياب الحكم الرشيد وغياب حكم القانون يسهمان في إيجاد «الظروف المؤدية إلى الإرهاب»، مشيرة إلى أن «الإرهاب ينشأ بشكل أكبر بسبب التدخل الأجنبي والاحتلال، والظلم والتهميش السياسي والاقتصادي، وكذلك التمييز والتهميش الاجتماعي». وقالت إن باكستان «شهدت على ظهور الإرهاب وتوسعه في المنطقة، نتيجة للاضطراب الذي لا ينتهي، والنزاع الناجم أساساً عن سلسلة من التدخلات الأجنبية في الجوار الباكستاني على مدى العقود الكثيرة الماضية». غير أنها أكدت أن بلادها «قلبت المد وقامت بأكبر حملة عسكرية ضد الإرهاب من أي مكان آخر في العالم، ونشرت 200 ألف جندي» لهذه العمليات. وأضافت: «استكملنا استخدام القوة بسياسة شاملة لمكافحة التطرف على المستوى الوطني، تشمل عناصر سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية». ولفتت إلى أن «باكستان حشدت الزعماء الدينيين والعلماء لإصدار فتاوى لا لبس فيها لإدانة الإرهاب».
ودعا المندوب النرويجي الدائم لدى الأمم المتحدة توري هاتريم إلى تمكين الشباب، واصفا إياهم بأنهم «من أهم الأصول» في الحرب ضد الإرهاب.
وأعرب وكيل الأمين العام لشؤون مكافحة الإرهاب فلاديمير فورونكوف، عن تقديره لمبادرة إقامة حوار حول مشاركة الشباب في مكافحة الإرهاب. وكرر أمله في أن ينعكس ذلك في وثيقة ختامية توافقية في المراجعة السادسة التي ستقوم بها الجمعية العامة لاستراتيجية الأمم المتحدة الدولية لمحاربة الإرهاب صيف العام الحالي. وشجع الأمين العام كل الدول على المشاركة في المداولات التي سيعقدها مجلس الأمن حول الشباب والسلم والأمن في 23 أبريل (نيسان) الجاري، والمؤتمر رفيع المستوى لرؤساء وكالات محاربة الإرهاب في 28 و29 يونيو (حزيران) المقبل.


مقالات ذات صلة

تركيا: استضافة لافتة لرئيس وزراء كردستان ورئيس حزب «حراك الجيل الجديد»

شؤون إقليمية إردوغان مستقبلاً رئيس وزراء إقليم كردستاني العراق مسرور بارزاني (الرئاسة التركية)

تركيا: استضافة لافتة لرئيس وزراء كردستان ورئيس حزب «حراك الجيل الجديد»

أجرى الرئيس التركي رجب طيب إردوغان مباحثات مع رئيس وزراء إقليم كردستان العراق مسرور بارزاني، بالتزامن مع زيارة رئيس حزب «حراك الجيل الجديد»، شاسوار عبد الواحد

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
أفريقيا جنود ماليون خلال تدريبات عسكرية على مواجهة الإرهاب (أ.ف.ب)

تنظيم «القاعدة» يهاجم مدينة مالية على حدود موريتانيا

يأتي الهجوم في وقت يصعّد تنظيم «القاعدة» من هجماته المسلحة في وسط وشمال مالي، فيما يكثف الجيش المالي من عملياته العسكرية ضد معاقل التنظيم.

الشيخ محمد (نواكشوط)
المشرق العربي مقاتلان من الفصائل الموالية لتركيا في جنوب منبج (أ.ف.ب)

تحذيرات تركية من سيناريوهات لتقسيم سوريا إلى 4 دويلات

تتصاعد التحذيرات والمخاوف في تركيا من احتمالات تقسيم سوريا بعد سقوط نظام الأسد في الوقت الذي تستمر فيه الاشتباكات بين الفصائل و«قسد» في شرق حلب.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
الولايات المتحدة​ علم أميركي يرفرف في مهب الريح خلف سياج من الأسلاك الشائكة في معسكر السجن الأميركي في خليج غوانتانامو (د.ب.أ)

بايدن يدفع جهود إغلاق غوانتانامو بنقل 11 سجيناً لعُمان

أعلنت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) أنها نقلت 11 رجلاً يمنياً إلى سلطنة عُمان، هذا الأسبوع، بعد احتجازهم أكثر من عقدين من دون تهم في قاعدة غوانتانامو.

علي بردى (واشنطن )
أميركا اللاتينية شرطة فنزويلا (متداولة)

السلطات الفنزويلية تعتقل أكثر من 120 أجنبياً بتهم تتعلق بالإرهاب

أعلن وزير الداخلية الفنزويلي ديوسدادو كابيلو، الاثنين، أن السلطات اعتقلت أكثر من 120 أجنبياً بتهم تتعلق بالإرهاب، عقب الانتخابات الرئاسية المتنازع عليها.

«الشرق الأوسط» (كاراكاس )

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟