الضربة الأميركية المحتملة قد تسرّع الحرب بين إسرائيل و«حزب الله»

وسط تقارير عن تعزيزات في جنوب لبنان وسحب مئات المقاتلين من سوريا

استكمال بناء الجدار الحدودي الفاصل بين لبنان وإسرائيل في بلدة كفر كلا الجنوبية (أ.ف.ب)
استكمال بناء الجدار الحدودي الفاصل بين لبنان وإسرائيل في بلدة كفر كلا الجنوبية (أ.ف.ب)
TT

الضربة الأميركية المحتملة قد تسرّع الحرب بين إسرائيل و«حزب الله»

استكمال بناء الجدار الحدودي الفاصل بين لبنان وإسرائيل في بلدة كفر كلا الجنوبية (أ.ف.ب)
استكمال بناء الجدار الحدودي الفاصل بين لبنان وإسرائيل في بلدة كفر كلا الجنوبية (أ.ف.ب)

تترقب الساحة اللبنانية تطورات الأحداث السورية والاتجاه الذي ستسلكه إذا ما نفّذت الولايات المتحدة الأميركية تهديداتها بتوجيه ضربات عسكرية إلى مواقع استراتيجية تابعة للنظام السوري، رداً على استخدام الأخير الأسلحة الكيماوية ضدّ المدنيين في مدينة دوما في الغوطة الشرقية، وترصد انعكاساتها على لبنان، خصوصاً أن القوات الإيرانية ومقاتلي «حزب الله» جزء أساسي من «بنك الأهداف» الأميركي في سوريا.
وتتجه الأنظار إلى جنوب لبنان فور وقوع الضربة العسكرية الأميركية المحتملة في سوريا، والتلويح الأميركي بأن الردّ لن يكون محدوداً هذه المرّة على غرار قصف مطار الشعيرات العسكري قبل عام، بل سيكون أقوى وأوسع، وهذا ما يمنح «حزب الله» هامش تحرّك أكبر للقيام بعملية ضد إسرائيل انطلاقاً من جنوب لبنان، مع ربط هذا الاحتمال بمعلومات تتحدث عن تعزيز الحزب لمواقعه جنوب نهر الليطاني، الواقعة تحت حماية القرار 1701 وقوات الطوارئ الدولية (يونيفيل).
وما دامت احتمالات نشوء مواجهة عسكرية قائمة أكثر من أي وقت مضى، فقد رأى مدير معهد الشرق الأوسط للشؤون الاستراتيجية، سامي نادر، أن «الخطورة تمكن في أن تداعيات ما قد يحصل في سوريا على لبنان باتت أكبر من السابق، لأن المواجهة الأميركية أصبحت مواجهة مع إيران، وما دام (حزب الله) جزءاً من المنظومة العسكرية الإيرانية، فإن ذلك سيعرّض استقرار لبنان الهشّ للخطر».
ويبدو أن استخدام الكيماوي في دوما فتح الباب أمام جميع الدول للتدخل الواسع في سوريا، خصوصاً إسرائيل، إذ أكد نادر لـ«الشرق الأوسط»، أن إسرائيل «معنية الآن بالتطورات السورية أكثر من ذي قبل، وهي تستفيد من الحشد الدولي ضدّ نظام الأسد». ورأى أن «ما يعني تل أبيب هو وقف التمدد الإيراني وعدم السماح بالجسر البري، ووجود صواريخ إيرانية في سوريا ولبنان تهدد الأمن القومي للدولة العبرية، وعدم السماح لطهران ببناء قواعد بحرية في المتوسّط». وباعتقاد نادر فإن «همّ إسرائيل ليس رحيل بشار الأسد عن الحكم، بقدر ما يعنيها رحيل إيران عن سوريا وتقليص نفوذها في لبنان، وبالتالي فإن (حزب الله) سيكون رأس حربة الردّ على الضربات الغربية في سوريا انطلاقاً من جنوب لبنان».
وتتقاطع احتمالات المواجهة، مع توعد إيران بأن قصف إسرائيل لمطار «تيفور» في ريف حمص، الذي أدى إلى مقتل إيرانيين لن يمرّ من دون ردّ، وما يُحكى عن تعزيزات لـ«حزب الله» في جنوب لبنان، والدفع بالمئات من مقاتليه الذين سحبهم من سوريا إلى الحدود مع إسرائيل، وربط ذلك كلّه بتهديدات رئيس أركان الجيش الإسرائيلي غادي أيزنكوت، الذي أكد أن «الحرب المدمرة ستأتي على (حزب الله)». وقوله إن هذه الحرب في حال اندلاعها «لن تكون مثل سابقاتها، وإن كل ما يقع تحت استخدام (حزب الله) في لبنان سيدمَّر، من بيروت وحتى آخر نقطة في الجنوب».
وفي ظلّ عدم استبعاد أي خيار دراماتيكي، اعتبر النائب والوزير السابق محمد عبد الحميد بيضون، أن الأمر «يتوقّف على حجم الضربة الأميركية الفرنسية في سوريا». ورأى في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أنه «إذا اقتصر الأمر على ضرب المطارات العسكرية والمواقع التابعة للنظام فحسب، فإن احتمالات الحرب ليست سريعة، لكن إذا استهدفت القوات الإيرانية، فإن (حزب الله) سيكون أداةً إيرانيةً لفتح حرب مع إسرائيل». وقال بيضون، وهو سياسي شيعي مناهض لـ«حزب الله»، إن «المعلومات والوقائع تشير إلى أن الأميركيين والإسرائيليين عازمون على إنهاء كل المواقع الإيرانية في سوريا، لكن طهران التي خسرت في الحرب السورية 45 مليار دولار، وآلاف الجنود والضباط من جيشها وميليشياتها، لن تقبل بإنهاء دورها في سوريا». وأضاف: «كنت أتوقع أن تنفجر الحرب بين (حزب الله) وإسرائيل عام 2019، لكن الأمور تبدو متسارعة، وعلينا ترقب ماهية الضربة الأميركية وحدودها». وشدد بيضون على أن الحرب «متوقفة على عزم الغرب طرد إيران من سوريا، وهو ما يدفعها إلى إشعال حرب انطلاقاً من جنوب لبنان».
وفي ظلّ هذه العوامل، عبّر سامي نادر عن خشيته من «انتقال المواجهة من سوريا إلى لبنان وبشكل تصاعدي». وقال: «إذا لم ينجح لبنان في تحييد نفسه ووضع سياسة النأي بالنفس موضع التنفيذ ستكون العواقب وخيمة». واعتبر أنه «مع وجود سلاح غير شرعي (سلاح حزب الله) لا يمكن للبنان أن يحيّد نفسه عن التطورات المقبلة على سوريا»، مذكّراً بأن إسرائيل «منذ سنة تقريباً لا تكف عن بث تقارير عن احتمال تنفيذ عملية عسكرية في لبنان». وأضاف نادر أن «الخطير في الأمر أن الضربة الإسرائيلية على مطار تيفور، أتت متزامنة مع التهديدات الأميركية بتوجيه ضربة عسكرية للنظام السوري، ما يرجّح الدخول في مواجهة واسعة لن يكون لبنان بمنأى عنها».



تقلبات المناخ تهدد الأمن الغذائي في اليمن

الجفاف واضطرابات المناخ يضربان الأراضي الزراعية ويتسببان في خسائر كبيرة للمزارعين اليمنيين (رويترز)
الجفاف واضطرابات المناخ يضربان الأراضي الزراعية ويتسببان في خسائر كبيرة للمزارعين اليمنيين (رويترز)
TT

تقلبات المناخ تهدد الأمن الغذائي في اليمن

الجفاف واضطرابات المناخ يضربان الأراضي الزراعية ويتسببان في خسائر كبيرة للمزارعين اليمنيين (رويترز)
الجفاف واضطرابات المناخ يضربان الأراضي الزراعية ويتسببان في خسائر كبيرة للمزارعين اليمنيين (رويترز)

يشتكي غالبية مزارعي الحبوب في اليمن من تراجع إنتاجهم سنوياً بسبب تقلبات المناخ وتغير مواسم الأمطار وما تسببه غزارتها غير المتوقعة من جرف للتربة وتخريب للأراضي، وهو ما يتسبب لاحقاً في الإضرار بأمنهم الغذائي خلال الأشهر المقبلة التي تدخل فيها البلاد حالة من الجفاف الموسمي.

وينتهي، منتصف الخريف، موسم زراعة الحبوب في غالبية أنحاء اليمن، بالتزامن مع انخفاض درجات الحرارة وانقطاع الأمطار الموسمية ودخول البلاد في حالة من الجفاف، ويبدأ المزارعون حصر إنتاجهم من الحبوب وتخزينها للاستهلاك، كما يتم تخزين الزرع كأعلاف للمواشي التي تعاني من جفاف المراعي وشح الحشائش والأعشاب التي تتغذى عليها.

وبقدر ما يشعر المزارعون بالفرح خلال فترة جمع محصول موسم زراعة الحبوب، التي تشهد احتفاليات متوارثة تتعدد فيها الأغاني والأهازيج، يخالطهم شعور بالحزن بسبب اضطرارهم لانتظار موسم الأمطار المقبل لأشهر طويلة، وأملهم بهطول أمطار شتوية تساعدهم في زراعة أنواع أخرى من الحبوب.

امرأتان يمنيتان في محافظة تعز تنقلان العلف لتخزينه كغذاء للمواشي بعد انتهاء موسم الحصاد وبدء مواسم الجفاف (البنك الدولي)

يقول سعيد محمد، وهو مزارع مخضرم في مديرية الشمايتين جنوب محافظة تعز (جنوب غرب) إن فصلي الخريف والشتاء يشهدان في الغالب تراجعاً كبيراً في الإنتاج الزراعي، لكن بعض الأعوام قد تشهد سقوط أمطار خفيفة تساعد بعض المزارعين في إنتاج كميات محدودة من حبوب مختلفة عن تلك التي أنتجوها خلال الموسم السابق.

ويوضح المزارع السبعيني في رسالة نقلها لـ«الشرق الأوسط» أحد أبنائه، بسبب عدم خبرته في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، أن بعض المزارعين يحتاطون لمواسم الجفاف بتجميع مياه السيول في خزانات مبنية من الحجارة والأسمنت لزراعة أنواع من الخضراوات، بينما ينتظر آخرون هطول الأمطار الشتوية الخفيفة، وهي نادرة ويقضي المزارعون شتاءهم في انتظارها.

الأمل بأمطار الشتاء

ينتج المزارعون خلال موسم الأمطار الصيفية الذرة الشامية والذرة الرفيعة بأنواعها ومن البقوليات اللوبياء، أما في الشتاء فيكتفون بالذرة الشامية والشعير والعدس والخضراوات.

لكن المزارع حسين أحمد، من مديرية القبيطة التابعة لمحافظة لحج (جنوب)، يشير إلى أن أمطار الشتاء عادة ما تكون وخيمة على المزارعين، خصوصاً مالكي المواشي التي قد تعاني لأسابيع وأشهر طويلة من الجوع وانقطاعها عن المرعى، واعتمادها على ما جرى تخزينه من أعلاف.

مزروعات حبوب يبست في انتظار الأمطار بسبب عدم خبرة المزارعين اليمنيين بتغير مواسم الأمطار (غيتي)

ويبين أحمد، لـ«الشرق الأوسط» أن الأمطار الشتوية تأتي خفيفة وعلى مدى أيام طويلة متصلة مصحوبة بانتشار ضباب كثيف، خصوصاً في المرتفعات الجبلية، ويمنع المزارعون من استخدام الأراضي بشكل جيد، بينما لا تتمكن المواشي من مغادرة مأواها بسبب هذه الأمطار.

إلا أنه، وبعد انقشاع الضباب وتوقف الأمطار، تعود الحياة إلى المراعي التي تعود الحشائش للنمو فيها، وهو ما يفيد المزارعين في الحصول على المزيد من الألبان ومنتجاتها.

وتساهم أمطار الشتاء، على ندرتها، في زيادة المياه الجوفية بفضل هطولها البطيء والطويل مما يساهم في تغلغلها داخل طبقات الأرض وفقاً للخبراء الجيولوجيين، كما تعمل على تحسين جودة الإنتاج الحيواني.

وتراجعت المساحة التي تحتلها زراعة الحبوب في اليمن من أكثر من 585 ألف هكتار قبل الحرب الدائرة في البلاد منذ عام 2014، إلى أقل من 529 ألف هكتار بحسب بعض البيانات والتقديرات عن هيئات حكومية وأخرى تحت سيطرة الجماعة الحوثية، أي بما يزيد على 56 ألف هكتار، من إجمالي المساحة المحصولية المقدرة بـمليون و 124 ألف هكتار.

استثمار بلا ضمانات

يستمر موسم زراعة الحبوب أكثر من 5 أشهر، ويبدأ غالباً منتصف مايو (أيار) الذي يشهد إلقاء البذور في التربة، لينتهي في أواخر أكتوبر (تشرين الأول) وبدايات نوفمبر (تشرين الثاني) بحصد السنابل، ثم نزع الزرع.

مزارع يمني يحصّل منتوجاً قليلاً من قصب السكر الذي يزرع على نحو محدود في البلاد (رويترز)

ويرى الخبير الزراعي محمد سيف ثابت أن أوضاع المزارعين في السنوات الأخيرة تتشابه في جميع الفصول، خصوصاً مع تبدل مواسم الأمطار الصيفية وتغير مواقيتها، ما يصعِّب عليهم تحديدها أو توقعها، إلى جانب التغير الكبير في كمياتها وما تتسبب به من جرف للتربة وتخريب للأراضي.

ويقول ثابت في إيضاحاته لـ«الشرق الأوسط» إن ما يعاني منه المزارعون في الصيف خلال الأعوام الأخيرة، يشبه إلى حد كبير ما يمرون به في الشتاء، حيث يلجأ الكثير منهم إلى بذل جهد كبير وإنفاق أموال في تسوية الأرض ودفن البذور متوقعاً هطول الأمطار. إلا أن تلك البذور قد تتحلل قبل هطول الأمطار، أو تنبش الطيور التربة لتناولها، وهو ما يدفع بعضهم إلى دفن بديل عنها. أما إذا هطلت الأمطار ولم تنبت تلك البذور بسبب تحللها أو نبشها من قبل الطيور، فإنه يستحيل على المزارعين إعادة التجربة قبل أن تعود التربة إلى الجفاف مرة أخرى.

الذرة الرفيعة من أكثر أنواع الحبوب التي يفضلها المزارعون اليمنيون لسهولة الحصول على منتوج وفير منها (إكس)

وأبدى مصدر في وزارة الزراعة اليمنية انزعاجه من لجوء غالبية المزارعين إلى حصد سنابل الحبوب قبل نضجها وتناولها بعد شيها أو سلقها بوصفها وجبات إضافية، فيما يُعرف محلياً بـ«الجهيش»، وهو ما يتسبب في إهلاك الكثير من المحصول والإضرار بالأمن الغذائي للمزارعين خلال الأشهر اللاحقة.

وتابع المصدر الذي فضل عدم ذكر اسمه، أن هذه العادة المتوارثة أصبحت غاية لغالبية المزارعين، لكن الفارق أن المزارعين في السابق، قبل عشرات وربما مئات السنين،كانوا يعتمدون على «الجهيش» بوصفها وجبات أساسية، إلى جانب قلة استهلاكهم لها، في الوقت نفسه الذي يملكون فيه كميات من ناتج الحبوب يغطي موسم الجفاف.

أما في الوقت الراهن؛ فإن غالبية المزارعين يكتفون بالحصول على «الجهيش» ولا يقومون بتخزين سوى كميات قليلة من الحبوب.