«هاملتون» الأميركي يحصد أكثر جوائز المسرح البريطاني

جوائز «أولفييه» وُزّعت في ليلة عاصفة

من مسرحية «هاملتون»: التي حصدت سبع جوائز
من مسرحية «هاملتون»: التي حصدت سبع جوائز
TT

«هاملتون» الأميركي يحصد أكثر جوائز المسرح البريطاني

من مسرحية «هاملتون»: التي حصدت سبع جوائز
من مسرحية «هاملتون»: التي حصدت سبع جوائز

قبل يومين، ليل الأحد الماضي، شهدت قاعة «رويال ألبرت هول» توزيع جوائز «جمعية لندن المسرحية» التي أُسّست سنة 1978 وغُيّر اسم جوائزها في عام 1984 ليقترن باسم كبار ممثلي ومخرجي المسرح البريطاني وهو لورنس أوليفييه.
حسب القوانين فإنّ جوائز لورنس أوليفييه تمنح للمسرحيات الدرامية والموسيقية كما للمسرحيات المقتبسة عن الأوبرات، وتلك التي تُقدّم خارج حلقات مسارح منطقة «وست أند» الشهيرة. وكان حفلها حتى عام 1916، يُقام في قاعة «رويال أوبرا هاوس» قبل أن ينتقل إلى قاعة «رويال ألبرت هول».
وبينما كان المطر ينهمر بغزارة خارج القاعة، كان الحضور يتابعون تفاصيل الحفل بشغف كبير، ذلك لأن إحدى المسرحيات المتنافسة، وهي مسرحية «هاملتون»، حظيت بـ13 ترشيحاً وهو ما لم يحدث في تاريخ هذه الجوائز منذ إنشائها قبل 42 سنة. وأعلى عدد من الترشيحات قبل «هاملتون» حدث في العام الماضي، حيث خرجت مسرحية «هاري بوتر والطفل الملعون» بتسعة جوائز.
من برودواي إلى وست أند
«هاملتون» مسرحية غنائية أميركية قُدّمت بنجاح كبير على مسارح «برودواي» في نيويورك وخرجت بـ11 جائزة توني (الموازي المسرحي للأوسكار) من أصل 14 ترشيحاً. وهي مأخوذة عن مسرحية سابقة إنّما غير غنائية قُدّمت لأول مرّة سنة 1917 في نيويورك. أمّا الشخصية التي تدور المسرحية حولها فهي شخصية ألكسندر هاملتون السياسي الأميركي الذي كان أحد أكبر المؤثرين في حقبة الاستقلال الأميركي عن التبعية البريطانية، تلك الحقبة التي انتهت بإعلان وثيقة الاستقلال الأميركي في الرابع من يوليو (تموز) سنة 1776.
لم يكن من الممكن غضّ الطّرف عن بعض التحدي في نقل «هاملتون» إلى المسرح البريطاني. فالموضوع يدور حول خروج الولايات المتحدة من التبعية البريطانية بما يحمله من حساسية تاريخية، والشخصية التي تتمحور المسرحية حولها ليست مشهورة كما حال أبراهام لينكولن على سبيل المثال. على أنّ هذا التحدي كان بدوره أحد الأسباب الرئيسية التي من أجلها شهدت المسرحية ذلك النجاح الجماهيري الكبير في العاصمة البريطانية. هذا إلى جانب أنّها انتقلت بغنائها ورقصها وموسيقاها إلى الخشبة البريطانية. ولكن بين الترشيحات الـ13 اكتفت المسرحية بسبع جوائز معظمها أساسي مثل جائزة «أفضل مسرحية موسيقية» و«أفضل إنجاز موسيقي» وأفضل ممثل رئيسي في مسرحية، كما أفضل ممثل مساند. بيد أن جائزة أفضل مخرج لمسرحية موسيقية ذهبت إلى سام منديز (المخرج السينمائي الذي أنجز، فيما أنجز، Road to Perdition وSkyfall) وذلك عن مسرحية The Ferryman.
أميركا واردة أيضاً في مسرحيتين خرجتا بجوائز. الأولى «ملائكة في أميركا» التي تم تقديمها أولاً على مسرح «ناشيونال ثيتر» قرب ووترلو (قبل أن تنتقل إلى برودواي) وهي نالت جائزة «أفضل مسرحية معاد إحياؤها». الثانية هي «فتاة من البلد الشمالي» وذلك لارتباطها بقيام المغني والملحن الأميركي بوب دايلان بكتابة موسيقاها.
بالنظر إلى تفاصيل الجوائز الممنوحة، نجد أنّ «هاملتون» إذ فازت بـ«أفضل مسرحية موسيقية جديدة»، فإنها بذلك تجاوزت ما طمحت إليه المسرحيات الأربع الأخرى التي تقدمت، كذلك، لهذه الجائزة وبعضها له أصول سينمائية مثل «فرانكنستاين الشاب» و«أميركي في باريس». المسرحيتان الأخريان هما «الكل يتحدث عن جامي» والثانية «فتاة من البلد الشمالي».

جوائز أخرى

> جائزة أفضل مسرحية جديدة ذهبت إلى «رجل العبّارة» (The Ferryman) التي كانت قد قُدّمت على منصتي «رويال كورت» و«غيلغد ثيتر» في العام الماضي. المنافسة هنا كانت مع ثلاث مسرحيات أخرى من بينها مسرحية انتقلت إلى الخشبة اقتباساً من فيلم «نتوورك» الشّهير الذي يعود إلى السّبعينات. أحد المسرحيات المتسابقة في هذا القسم كانت «أوسلو» التي وضعها ج. ت. روجرز عن خلفيات وأسرار مباحثات أوسلو بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل. وهذه قُدّمت لأول مرة على خشبة مسرح مستقل (خارج برودواي)، لكنّ هذا لم يمنعها من حصد جوائز مشهودة متعدّدة من بينها جوائز من جمعيات نقدية.
> في المقابل خرجت مسرحية «ملائكة في أميركا» بجائزة «أفضل مسرحية معاد إحياؤها»، كما ذكرنا، وذلك من بين أربعة ترشيحات قوية. «هاملت» و«من يخاف فرجينيا وولف؟» و«شاهدة الادعاء»، هذه الأخيرة لها تاريخ يبدأ سنة 1925 عندما وضعت الكاتبة أغاثا كريستي روايتها القصيرة بالعنوان نفسه. في عام 1953 تحوّلت إلى مسرحية لأول مرّة ثم إلى فيلم سينمائي أخرجه بيلي وايلدر عام 1957. والتقطت محطة BBC البريطانية الرواية وحوّلتها إلى مسلسل بُثّ عام 2016.
أمّا مسرحية «هاملت»... فحدّث عن تاريخها الطويل (سينما وتلفزيون ومسرح) بلا حرج.
جوائز التمثيل كانت، بطبيعة الحال متعددة. جايلز تيريرا نال جائزة أفضل ممثل في مسرحية موسيقية عن «هاملتون» (لعب الدور الرئيسي). شيرلي هندرسن أطبقت على جائزة أفضل ممثلة في مسرحية موسيقية عن دورها في «الفتاة من البلد الشمالي».
«أفضل ممثل في مسرحية»، كما اسم الجائزة نالها برايان كرانستون عن «نتوورك» لاعباً الدور ذاته الذي أداه الرّاحل بيتر فينش في النسخة السينمائية عام 1976. والموازي النسوي لهذه الجائزة نالته لورا دونلي عن «رجل العبارة» (ولو أنّ النّقاد البريطانيين فضّلوا، في العموم، أداء أميلدا ستاونتون في «من يخاف فرجينيا وولف؟»). هذا موسيقياً. أمّا دراميا فقد فاز برتي كارفل عن «حبر»، ودنيس غوف عن دورها في «ملائكة في أميركا».
في الأدوار المساندة: مايكل جيبسون عن دوره في «هاملتون»، وشيلا أتيم عن دورها في «فتاة من البلد الشمالي». في حقل الإخراج ذهبت جائزة أفضل مخرج لسام منديز، كما ذكرنا، ولم يكن هناك من منافسين أقوياء، حسب التقارير، باستثناء توماس كايل مخرج «هاملتون». في كل الأحوال، تسبب كايل في منح المسرحية بالإضافة لما سبق ذكره، جائزة «أفضل إنجاز موسيقي» وجائزة أفضل تصميم رقص مسرحي، كما جائزة أفضل تصميم إضاءة، وجائزة أفضل تصميم صوتي.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».