روائح الزهر تفوح في مدينة نابل التونسية

20 ألف دولار قيمة الكيلوغرام الواحد من زيت زهور البرتقال

عملية تقطير الزهور المنزلية
عملية تقطير الزهور المنزلية
TT

روائح الزهر تفوح في مدينة نابل التونسية

عملية تقطير الزهور المنزلية
عملية تقطير الزهور المنزلية

ليس أفضل من روائح الزهر تستقبلك بها منطقة نابل التونسية (شمال شرقي البلاد) وهي تحتفل بموسم جني زهر الأرنج (شجرة النارنج) الذي يتواصل طوال شهر أبريل (نيسان) الحالي. ومن يرد الحصول على أفضل أنواع الزهر فعليه أن يقوم خلال ساعات الصباح الأولى، فالزهور الندية تخشى على نفسها من أشعة الشمس وسرعان ما تنكمش ويذهب عن رحيقها الندى الصباحي المميز لها.
سكان مدن نابل ودار شعبان الفهري وبني خيار وبني خلاد وقربة وبوعرقوب وتاكلسة، يدركون هذا جيداً ويشمّرون عن السواعد ويجنون أفضل أنواع الزهر في الصباح الباكر سواء بالنسبة إلى العائلات التي تودّ الاحتفاظ بمؤونتها السنوية أو تلك التي تعمل على ترويجه في الأسواق أو توجهه إلى المصانع التي تحوله إلى زيت «النيرولي» المطلوب بكثافة في فرنسا وتُصنع منه أفضل العطور العالمية.
وعن إنتاج هذا الموسم، قال الصحبي مبارك رئيس اتحاد الفلاحة والصيد البحري بمنطقة نابل، إنها زادت بنحو 9 في المائة وتطورت من 1400 طن خلال الموسم الماضي إلى نحو 1535 طناً، وفق توقعات هذا الموسم. وأضاف أن نحو 400 هكتار مخصصة لهذه النبتة وهي توفر سنوياً ما يكفي الجهة من زيت الزهر وتوزّع بقية المحصول على حرفاء تونسيين وأجانب تعوّدوا على اقتناء الزهر.
وبخصوص الأسعار، أفاد مبارك بأنها في نفس مستوى السنة الماضية، حيث يتراوح سعر «الفاشكة» من الزهر المقطر (نحو 5 لترات) من 35 إلى 40 ديناراً تونسياً (ما بين 14 و16 دولاراً). وأكد أهمية هذا النشاط السنوي الذي يوفر فرص عمل لنحو 3 آلاف عائلة تونسية.
وتصدّر تونس سنوياً ما بين 700 و750 كيلوغراماً من روح الزهر «النيرولي» إلى فرنسا على وجه الخصوص بثمن يفوق 20 ألف دولار للكيلوغرام الواحد. وتحتل تونس المرتبة 35 ضمن البلدان المصدرة لزيوت زهور البرتقال، ويتم في الوطن القبلي تقطير عدة زهور أخرى كالورد والعطرشية التي ارتفع مستوى غرسها في السنوات الأخيرة.
وعن موسم الزهر وأهميته لدى العائلات، قال نبيل المرزوقي، أصيل مدينة نابل، إنه عادةً ما ينغمس في الأمور الحياتية ولا يشعر فعلاً بقدوم فصل الربيع إلا عندما تنتشر روائح الزهر في المدينة عند انطلاق عمليات التقطير التقليدية في المنازل. وأضاف أن عملية التقطير الشاقة تضفي رونقاً خاصاً على العلاقات الأسرية وتُشيع الفرح والسرور بموسم الربيع الحالم بطبيعته، على حد قوله.
ويتم تحويل 30 في المائة من الإنتاج باعتماد الطريقة التقليدية، بينما توجَّه النسبة المتبقية وهي في حدود 70 في المائة نحو معامل تقطير الزهر لاستخراج زيت «النيرولي» وعددها 6 مصانع مختصة في تقطير ماء الزهر، ويعود تأسيس أول هذه المصانع في الجهة إلى سنة 1903 في عهد الاستعمار الفرنسي لتونس.
ووصف الفرنسي جون بول جيرلان في كتاب بعنوان «طرق عطوراتي»، وهو من أشهر منتجي العطور الراقية في العالم، زيت النيرولي التونسي بأنه «ممتاز»، وقال إن هذا الزيت بات من المكونات الرئيسية للعطور التي تنتجها مصانعه في فرنسا.
وكانت مصانع جيرلان قد اضطرت منذ سنة 1955 الذي تجمدت فيه كل أشجار النارنج في فرنسا بسبب تراكم الثلوج، إلى السفر إلى مدينة نابل التونسية لشراء زيت النيرولي، ومنذ ذلك التاريخ حافظ جيرلان وعدد من مصنّعي العطور الفرنسية على عادة التوجه إلى نابل بانتظام خلال موسم تقطير الزهر لشراء زيت «النيرولي» التونسي.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».