وارين بيتي الوسيم وكلينت إيستوود الخارق للتوقعات

وجوه السبعينات الرائعة (2)

كلينت إيستوود في شخصية المخبر «ديرتي هاري»
كلينت إيستوود في شخصية المخبر «ديرتي هاري»
TT

وارين بيتي الوسيم وكلينت إيستوود الخارق للتوقعات

كلينت إيستوود في شخصية المخبر «ديرتي هاري»
كلينت إيستوود في شخصية المخبر «ديرتي هاري»

مع روبرت دينيرو في «شوارع منحطّـة» بضعة وجوه واعدة أخرى أهمها اليوم هارفي كايتل الذي استوى بوصفه ممثل شخصيات أكثر منه نجمًا. وعلى نسق هذا الفيلم المنتج سنة 1973 عاد المخرج مارتن سكورسيزي فقدّم دينيرو في «صحبة طيّـبة» عام 1990 جامعًا حوله نخبة من الممثلين الذين برعوا في أدوارهم النمطية، ومنهم بول سورفينو وتوني دارو ومايك ستار وفرانك فنسنت، لكن الممثل الرئيس الثاني في الفيلم لم يكن سوى راي ليوتا الذي لم يستطع إلا أن يشق طريقه بين الأدوار العنيفة معظم الأحيان.
ما بين 1973 و1990 لعب دينيرو تسعة عشر فيلمًا معظمها بارز ومهم. وأربعة منها من إخراج سكورسيزي هي الفيلم المفصلي بالنسبة لدينيرو «سائق التاكسي» (1976) و«نيويورك، نيويورك» (1977) و«الثور الهائج» (1980) و«ملك الكوميديا» (1982). بذلك وجد دينيرو في كنف سكورسيزي التعاون الذي عادة ما يربط ممثلين كثيرين بمخرجين معيّـنين: جون واين مع جون فورد، راندولف سكوت مع بَـد بوويتيكر، جيمس ستيوارت مع ألفرد هيتشكوك وأنطوني مان.. إلخ. كل فيلم من هذه المذكورة قدّم دينيرو بشخصية مختلفة: سائق التاكسي الذي ينتقل إلى التطرف، الموسيقار العاشق الذي يهبط حين تصعد محبوبته (ليزا مانيللي) في عالم الغناء والملاكم جاك لاموتا الذي دمر نفسه بعواطفه وغيرته ثم الموهبة الكوميدية التي تختار اختطاف كوميدي كبير (جيري لويس) لكي تثبت لها تلك الموهبة.

* كوميديا
* إذا كانت شخصيات دينيرو مختلفة كما هو الحال فعلًا، فإن مفرداته الأدائية لا تتغيّـر كثيرًا. لا يزال مدهمًا في الكثير من الأحوال لكن تعبيراته متشابهة. وعلى قيمة فيلم «نيويورك، نيويورك» وانفرادية «ملك الكوميديا» إلا أنهما ليسا في المصاف ذاتها حين قياسهما بـ«العراب 2» لفرنسيس فورد كوبولا (1974) و«1900» لبرناردو برتولوتشي (1976) و«صائد الغزلان» لمايكل شيمينو (1978) و«ذات مرّة في أميركا» لسيرجيو ليوني (1984) وهي بعض أفلام دينيرو الأفضل في تلك الفترة. يمكن لنا أن نضم إليها، متأخرة بعض الشيء «اعترافات حقيقية» لأولو غروسبارد (1981) و«الإرسالية» لرونالد جوفي (1986) و«قلب أنجل» لألان باركر (1987). في كل واحد من هذه الأفلام لازمه ممثل جيّـد آخر: روبرت دوفول في «اعترافات حقيقية»، ميكي رورك في «قلب آنجل»، جون سافاج وجون غازال وكريستوفر وولكن في «صائد الغزلان»، كما بيرت لانكاستر وجيرار ديبارديو في «1900».
أما وقد أعجب دينيرو بالكوميديا حاول التمثيل في الكثير منها لاحقًا، فبدا أقرب إلى حركات لوي دو فونيس في «نحن لسنا ملائكة» لنيل جوردان (1989) وصولًا إلى الدور الهازل في أفلام خفيفة كوميدية وضحلة فنيًّا مثل «قابل الآباء» و«حلل هذا» (1990) وتابعه الجزء الثاني «حلل ذلك» (2002) و«قابل آل فوكرز» (2004) ورديفه «فوكرز الصغار» (2010) كما «الزواج الكبير» (2013).. كذلك فإن أفلامه الجادّة من منتصف التسعينات وصاعدا أصيبت بقراراته الخاطئة بشأنها فظهر في عدد من الأعمال البوليسية التي لم تضف له جديدًا بل أخذت من ماضيه منها Flawless أو «بلا شائبة» (1999) و«15 دقيقة» (2001) و«مرسل من الله» (2004) و«قتل محق» (2008) و«ماشيت» (2010). إنه كمن قرر أنه لن يبلغ أعلى مما بلغه ولن تكون العروض بأفضل من تلك التي وفّـرتها له الأيام السابقة فانكب على ما هو متوفر. طبعًا سيعود إليه سكورسيزي في «كايب فير» (1991) و«كازينو» (1995) وسيطلبه البعض لأفلام فوق المتوسط منها «كوبلاند» لجيمس مانغولد (1997) وقبل ذلك «الشرفاء» The Untouchables لبرايان دي بالما (1987) وبعده «رونين» لجون فرانكنهايمر (1998) من دون أن ننسى «جاكي براون» لكونتين تارنتينو (1997) و«حرارة» لمايكل مان (1995).

* موهبة وارين بيتي
* المخرج جون فرانكنهايمر من الذين وقفوا وراء موهبة أخرى تجلّـت في هذين العقدين الفريدين، الستينات والسبعينات، وهي موهبة تشخّـصت في ممثل وسيم المحيا اسمه وارين بيتي. هذا وُلد سنة 1937 وفي فمه ملعقة فنيّـة. والدته كاثلين مدرّسة دراما، وشقيقته الكبرى شيرلي ماكلين اتجهت قبله إلى التمثيل. بدايته كانت كبيرة من حيث إنها تمّت على يدي المخرج إيليا كازان عندما قرر إخراج «رائع على الحشيش» Splendor in the Grass سنة 1961، قلب الفيلم ليس عند بايتي بل في الشخصية التي تؤديها نتالي وود. إنها الفتاة ذات الطبقة المتواضعة التي عانت جراء الوقوع في حب الابن الوسيم لأحد الأثرياء وهذا الوسيم كان وسيما فعلًا (السباق على الوسامة بينه وبين روبرت ردفورد حينها).
المرّة الثانية له على الشاشة وردت في العام ذاته في رواية كتبها تنيسي ويليامز وأخرجها جوزيه كونتيرو ولم تترك أثرًا يذكر هي «الربيع الروماني للمسز ستون». هذا وضعه أمام الممثلة فيفيان لي في حين أن فيلمه الثالث «الكل يسقط» لجون فرانكنهايمر (1962) وضعه أمام إيفا ماري سانت وسوف نجد أن بايتي من هنا لعب أمام بعض أشهر وأجمل الممثلات الأميركيات وعلى قدر كبير من التناسب.
بايتي لم يكن مجرد وجه وسيم بل كان ممثلا رائعا منذ تلك الأفلام ثم عندما أسند إليه المخرج آرثر بن بطولة «ميكي وان» سنة 1965 لاعبًا شخصية محتال صغير مهدد بالموت. بعد أفلام منخفضة الصيت اختاره آرثر بن لبطولة أهم فيلم وأعلى نجاح حققه بايتي إلى ذلك الحين وهو دوره في «بوني وكلايد» (1967).
المشروع كان وصل إلى آرثر بن بعدما دار على أكثر من مخرج. النيّـة الأولى كانت قيام الفرنسي فرنسوا تروفو بتحقيقه لكن هذا اعتذر عنه ونصح بزميله جان - لوك غودار. كاتبا العمل اللذان اشتغلا وسيطين لوارين بيتي الذي كان قرر إنتاج الفيلم بنفسه، فوجئا بغودار يقترح عليهما تغيير مواقع التصوير (بل الحكاية كلها) لتدور في اليابان. هنا استقر الرأي على ذلك المخرج الذي كان انطلق من خلفية تلفزيونية قبل أن يحقق ثلاثة أفلام صعبة هي «المسدس الأعسر» The Left - Handed Gun وسترن معاد للوسترن مع بول نيومان في البطولة و«صانعة المعجزات»: دراما معادية للمسلّـمات الاجتماعية والتربوية ثم «ميكي وان» كما تقدّم. المخرج نفسه كان بدأ تحقيق «القطار» لكن شغله لم يعجب المنتجين فاستبدلوه بجون فرانكنهايمر سنة 1964 «بوني وكلايد»، وأمام فاي داناواي التي شاركته البطولة، كان فيلم عصابات مستوحى من الثنائي الفعلي الذي اختص بسرقة المصارف في بعض ولايات أميركا الوسطى. كلايد (بايتي) كان أقرب إلى روبن هود إذ كان يسرق المصارف ويوزّع بعض الغنائم على المتضررين في تلك العشرينات الحالكة. لذلك أحبّـوه وحموه باستثناء خيانة أدت إلى مقتله وبوني في مشهد عنيف لا يُـنسى في آخر الفيلم. جين هاكمان، وهو ممثل آخر قدير صعد إلى مرتبة النجوم وإن لم يستطع الاستحواذ عليها لأكثر من عقدين، لعب دورًا مساندًا كان علامة فارقة في تاريخه.
من هنا، ونسبة إلى نجاح هذا الفيلم سنة 1967 باتت كل الخيارات متاحة لبايتي اختار منها ثلاثة أفلام ذات منحى نقدي، إذ كان بايتي يقف على يسار الخط (كما روبرت ردفورد ودستين هوفمن) ويؤمن بأن عليه الإيعاز بأميركا أكثر ليبرالية وانفتاحًا. من هنا كان فيلمه الوحيد مع المخرج روبرت التمن «ماكاب ومسز ميلر» (وفيلمه الوسترن الوحيد كذلك - 1974) و«المنظر الموازي» The Parallax View لألان ج. باكولا، وهو فيلم نظرية مؤامرة تشويقي رائع، و«شامبو» للمخرج الفذ هال أشبي.
الموقف الأعلى شأنًا كان في إنتاجه وبطولته كما لإخراجه فيلم «حمر» (1981) راويًا حكاية الشيوعي جون ريد الذي آمن بالثورة الشيوعية فهاجر إلى موسكو. لكن بايتي يكشف هنا، وبالقدر نفسه، كيف أن المثاليات تبددت والآمال كذلك عندما أدرك جون ريد أن الثورة التي سمع بها ليست هي ذاتها المطبقة على الأرض فخسر بذلك وطنه ومستقبله معًا.
فيلم بايتي اللاحق كان «عشتار» الذي بصرف النظر عما قيل فيه آنذاك (مثّـله وأنتجه بايتي بعد ست سنوات من الغياب عن الشاشة) كان فيلمًا جيّـدًا (معظم النقاد الأميركيين الذين تناولوه ذمًّا حينها عادوا عن مواقفهم) للمخرجة المغيّـبة إلين ماي. لكن الموعد المهم التالي لبايتي كان نسخته الخاصّـة من حكايات التحري «دك ترايسي» الذي هو أيضًا ثاني عمل من إخراجه. دستين هوفمن شارك بايتي في «عشتار» وقام بدور مساند في «دك ترايسي». كذلك بين ممثلي أدوار الشر الذين جمعهم بايتي لفيلمه آل باتشينو في جولة له مع الشخصية الأكبر حجمًا من الحقيقة.
ورد «دك ترايسي» سنة 1990 ومن حينها فإن عدد الأفلام التي قام بايتي ببطولتها أو إخراجها أو إنتاجها لا يزيد على أربعة هي «باغزي» لاعبًا دور رئيس العصابة اليهودي الذي أنشأ مدينة لاس فيغاس (إخراج باري ليفنسون سنة 1991) و«علاقة حب» لمخرج متوارٍ هو غلن غوردون كارون (1994) ثم «بولوورث» (أخرجه بايتي نفسه - 1998) ثم «تاون أند كنتري» (بيتر شلسوم - 2001). أهم هذه الأفلام وأحد أهم محطّـات بايتي هو «بولوورث»: كوميديا ساخرة من الإدارة السياسية الأميركية تتناول حرب العراق وتتهم الإدارة الأميركية بسعيها لاستحواذ النفط ومحاباتها لإسرائيل ولكل ما لم يسبق لفيلم أن عرضه في ساعتين. بايتي لم يمثل ويخرج وينتج فقط، بل كتب الأغاني وغنّـاها على وتيرة «الراب ميوزك». عمل لا يُـنسى.

* ممثل - مخرج
* كل من سبق لنا تناولنا له (جاك نيكولسون وآل باتشينو في الجزء الأول من هذه الدراسة، ثم دينيرو وبايتي) أخرج أفلامًا وحقق عبرها بعدًا ثانيًا لنفسه. نيكولسون حقق ثلاثة أفلام مؤكدة (الأول «الرعب» متنازع عليه بينه وبين روجر كورمان) هي «سق، قال» Drive، He Said عام 1971 ثم «الذهاب جنوبا» (وسترن، 1978) و«كلاهما جاك» (امتداد لفيلم رومان بولانسكي «تشايناتاون»، 1990). آل باتشينو تخصص بشكسبير بدءًا بـفيلمه التسجيلي «البحث عن ريتشارد» (المقصود به ريتشارد الثالث، 1996) و«قهوة صينية» (بحث في شكسبير بين كتّـاب سيناريو وباتشينو، 2000) و«وايلد سالومي» (شكسبير هناك لجانب أوسكار وايلد، 2011). أما دينيرو فأخرج عملين هما «حكاية من برونكس» (1993) و«الراعي الطيّـب» (2006).
لكن الممثل الذي تحوّل إلى الإخراج على نحو فاق نجاحه نجاح أترابه المذكورين (وبعض من سيلي ذكرهم) هو كلينت إيستوود.
كتبت أكثر من مرّة عن إيستوود لذا سأكتفي هنا بتقسيم مهنته إلى مراحلها الأهم: إذ طرق إيستوود (84 سنة حاليًّا) باب التمثيل لأول مرّة، ظهر في أحد عشر فيلمًا لاعبًا أدوارًا صغيرة أو صغيرة جدًّا. هذه المرحلة بدأت سنة 1955 وتوقّفت سنة 1958 بعدما لجأ إيستوود إلى التلفزيون ليشارك بطولة مسلسل «روهايد» (1959 إلى 1965).
المرحلة الثانية هي تلك التي سلّـم فيها ناصية القيادة لمخرج إيطالي سحبه من بين الوجوه وأسند إليه بطولة ثلاثة من أفلام سيرجيو ليوني كان مصيبًا إذ فعل ذلك مؤسسًا عبر «حفنة من الدولارات» (1964) و«لأجل حفنة دولارات أكثر» (1965) ثم «الطيّـب والرديء والبشع» (1966).
المرحلة الثالثة هي تلك التي عاد إيستوود على أثر مغامراته الوسترن الطليانية إلى أميركا. انفتح هناك على أكثر من مخرج لكن أبرزهم دون سيغال الذي وظّـفه في المزيد من الوسترن («بغلان للأخت سارا»، 1970 و«المخدوع»، 1971) وفي سلسلة أفلام بوليسية. هذه تضمّـنت «خديعة كوغن» (1968) و«ديرتي هاري» (1971) «هروب من ألكاتراز» (1979). «ديرتي هاري» بز الأفلام جميعًا بنجاحه وتحوّل إلى سلسلة شملت أربعة أفلام أخرى هي «ماغنوم فورس» (1973) و«الفارض» (1976) و«وقع مفاجئ» (1983) و«البركة الميّـتة» (1988).
شغل إيستوود في تلك المرحلة الثالثة تضمّـنت أعمالًا أخرى مع عدد من المخرجين المتفاوتين: كان واحدًا من مجموعة في الفيلم الحربي «حيثما تجرؤ النسور» لفرانكلين شافنر (حربي، 1968) وطلب منه تد بوست بطولة «اشنقهم عاليًا» (وسترن، 1968) وإيستوود عاد فمنح بوست فرصة تحقيق الجزء الثاني من أفلام شخصية التحري هاري وهو «ماغنوم فورس» (1973) وجون سترجز منحه بطولة «جو كيد» (وسترن آخر، 1972) ومايكل شيمينو الذي كتب لإيستوود «ماغنوم فورس» حقق أوّل أفلامه مخرجًا بموافقة إيستوود وهو «ثندربولت ولايتفوت» (1974).
في هذه المرحلة ذاتها، بدأت مرحلة إيستوود الرابعة: الإخراج. وهذه تنقسم إلى خطين: أفلام مثّـلها وأخرجها إيستوود وأخرى أخرجها فقط. هذا كله بدأ بفيلم تشويقي بسيط ومؤثر بعنوان «اعزف لي ميستي» سنة 1971. بعده مهنة شملت حتى الآن 37 فيلمًا ممهورًا ببصمة مهنية وفنية عالية.
إيستوود الذي لم يتوقع له أحد النجاح في التمثيل ونجح، لم يتوقع له أحد النجاح في الإخراج، ففاق التوقّـعات.



«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
TT

«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما

في مسعى لتمكين جيل جديد من المحترفين، وإتاحة الفرصة لرسم مسارهم المهني ببراعة واحترافية؛ وعبر إحدى أكبر وأبرز أسواق ومنصات السينما في العالم، عقدت «معامل البحر الأحمر» التابعة لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» شراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»، للمشاركة في إطلاق الدورة الافتتاحية لبرنامج «صنّاع كان»، وتمكين عدد من المواهب السعودية في قطاع السينما، للاستفادة من فرصة ذهبية تتيحها المدينة الفرنسية ضمن مهرجانها الممتد من 16 إلى 27 مايو (أيار) الحالي.
في هذا السياق، اعتبر الرئيس التنفيذي لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» محمد التركي، أنّ الشراكة الثنائية تدخل في إطار «مواصلة دعم جيل من رواة القصص وتدريب المواهب السعودية في قطاع الفن السابع، ومدّ جسور للعلاقة المتينة بينهم وبين مجتمع الخبراء والكفاءات النوعية حول العالم»، معبّراً عن بهجته بتدشين هذه الشراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»؛ التي تعد من أكبر وأبرز أسواق السينما العالمية.
وأكّد التركي أنّ برنامج «صنّاع كان» يساهم في تحقيق أهداف «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» ودعم جيل جديد من المواهب السعودية والاحتفاء بقدراتها وتسويقها خارجياً، وتعزيز وجود القطاع السينمائي السعودي ومساعيه في تسريع وإنضاج عملية التطوّر التي يضطلع بها صنّاع الأفلام في المملكة، مضيفاً: «فخور بحضور ثلاثة من صنّاع الأفلام السعوديين ضمن قائمة الاختيار في هذا البرنامج الذي يمثّل فرصة مثالية لهم للنمو والتعاون مع صانعي الأفلام وخبراء الصناعة من أنحاء العالم».
وفي البرنامج الذي يقام طوال ثلاثة أيام ضمن «سوق الأفلام»، وقع اختيار «صنّاع كان» على ثمانية مشاركين من العالم من بين أكثر من 250 طلباً من 65 دولة، فيما حصل ثلاثة مشاركين من صنّاع الأفلام في السعودية على فرصة الانخراط بهذا التجمّع الدولي، وجرى اختيارهم من بين محترفين شباب في صناعة السينما؛ بالإضافة إلى طلاب أو متدرّبين تقلّ أعمارهم عن 30 عاماً.
ووقع اختيار «معامل البحر الأحمر»، بوصفها منصة تستهدف دعم صانعي الأفلام في تحقيق رؤاهم وإتمام مشروعاتهم من المراحل الأولية وصولاً للإنتاج.
علي رغد باجبع وشهد أبو نامي ومروان الشافعي، من المواهب السعودية والعربية المقيمة في المملكة، لتحقيق الهدف من الشراكة وتمكين جيل جديد من المحترفين الباحثين عن تدريب شخصي يساعد في تنظيم مسارهم المهني، بدءاً من مرحلة مبكرة، مع تعزيز فرصهم في التواصل وتطوير مهاراتهم المهنية والتركيز خصوصاً على مرحلة البيع الدولي.
ويتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما عبر تعزيز التعاون الدولي وربط المشاركين بخبراء الصناعة المخضرمين ودفعهم إلى تحقيق الازدهار في عالم الصناعة السينمائية. وسيُتاح للمشاركين التفاعل الحي مع أصحاب التخصصّات المختلفة، من بيع الأفلام وإطلاقها وتوزيعها، علما بأن ذلك يشمل كل مراحل صناعة الفيلم، من الكتابة والتطوير إلى الإنتاج فالعرض النهائي للجمهور. كما يتناول البرنامج مختلف القضايا المؤثرة في الصناعة، بينها التنوع وصناعة الرأي العام والدعاية والاستدامة.
وبالتزامن مع «مهرجان كان»، يلتئم جميع المشاركين ضمن جلسة ثانية من «صنّاع كان» كجزء من برنامج «معامل البحر الأحمر» عبر الدورة الثالثة من «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» في جدة، ضمن الفترة من 30 نوفمبر (تشرين الثاني) حتى 9 ديسمبر (كانون الأول) المقبلين في المدينة المذكورة، وستركز الدورة المنتظرة على مرحلة البيع الدولي، مع الاهتمام بشكل خاص بمنطقة الشرق الأوسط.


رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».


ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».