«جدة التاريخية» رسميا ضمن قائمة التراث العالمي

الأمير سلطان بن سلمان يعلن انضمام المنطقة بعد جهود متكاملة لتقديم ملفها

جانب من المنطقة التاريخية في جدة («الشرق الأوسط»)
جانب من المنطقة التاريخية في جدة («الشرق الأوسط»)
TT

«جدة التاريخية» رسميا ضمن قائمة التراث العالمي

جانب من المنطقة التاريخية في جدة («الشرق الأوسط»)
جانب من المنطقة التاريخية في جدة («الشرق الأوسط»)

لم يكن يوم أمس، يوما عاديا بالنسبة لسكان جدة، المدينة الساحلية المطلة على البحر الأحمر، ذات الأهمية التاريخية والاقتصادية والثقافية في السعودية، إذ أعلن الأمير سلطان بن سلمان بن عبد العزيز رئيس الهيئة العامة للسياحة والآثار في السعودية، اعتماد منطقة جدة التاريخية في قائمة التراث العالمي، وذلك بعد موافقة لجنة التراث العالمي على تسجيلها خلال اجتماع اللجنة التابعة لليونيسكو في دورتها الـ38 المنعقدة حالياً في قطر.
وقال الأمير سلطان بن سلمان: «إن المملكة العربية السعودية وهي تضيف موقعا جديدا إلى قائمة التراث العالمي تدرك أن العمق الحضاري الذي تتمتع به يمثل منطلقاً رئيساً وشاهداً قوياً على دورها في التواصل الإنساني، وهو الدور الممتد عبر العصور لسكان هذه المنطقة الجغرافية المحورية، مبينا أن هذا التسجيل يمثل جزءا من مبادرة متكاملة ضمن مشروع الملك عبد الله للعناية بالتراث الحضاري الذي اعتمده مجلس الوزراء - حديثا - ويشمل منظومة من البرامج والمشاريع لتطوير مواقع التراث الوطني وتأهيله وفتحه للمواطنين.
وأكد الأمير سلطان في تصريح له أن تسجيل جدة التاريخية ومن قبلها موقعي مدائن صالح والدرعية التاريخية يمثل إقرارا عالميا بأهمية المواقع الأثرية والتاريخية في المملكة ومكانتها العالمية.
وأشاد رئيس الهيئة العامة للسياحة والآثار بالجهود التي بذلها أمراء منطقة مكة المكرمة الأمير ماجد بن عبد العزيز، والأمير عبد المجيد بن عبد العزيز - رحمهما الله، وما قدمه الأمير خالد الفيصل إبان توليه إمارة منطقة مكة المكرمة ورئاسته اللجنة العليا لمشروع تنمية وتطوير جدة التاريخية، فضلا عن جهود الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي للدور الذي أدته الوزارة في دعم الملف وتسجيله، والأمير مشعل بن ماجد بن عبد العزيز محافظ جدة رئيس اللجنة التنفيذية للمشروع، والأمير مشعل بن عبد الله بن عبد العزيز أمير منطقة مكة المكرمة رئيس اللجنة العليا لمشروع تنمية جدة التاريخية وتطويرها، إلى جانب المسؤولين الذين عملوا مع الهيئة وأمانة محافظة جدة على تنفيذ مشروع متكامل للمحافظة على منطقة جدة التاريخية وتنميتها، منوها بالشراكة المميزة بين الهيئة العامة للسياحة والآثار واللجنة العليا لمشروع تنمية وتطوير جدة التاريخية من خلال مشروع متكامل لتطويرها بهدف تهيئتها كموقع تراث وطني.
وأوضح الأمير سلطان بن سلمان أن الهيئة، وبناء على الموافقة السامية، طبقت كامل الاشتراطات والأسس الفنية التي حددتها «اليونيسكو» لاعتماد تسجيل جدة التاريخية ضمن قائمة التراث العالمي.
وثمن الأمير سلطان جهود ملاك المباني في منطقة جدة التاريخية و«أهالي جدة الكرام الذين كانوا شريكاً في هذا الإنجاز».
من ناحيته، قال الأمير مشعل بن ماجد محافظ جدة في تصريح نقلته وكالة الأنباء السعودية: «إن هذا القرار يعد إنجازاً وطنياً رائداً يتوج سنوات من العمل الجاد والشراكة البناءة من مختلف الجهات الحكومية لحماية هذا الموقع التاريخي البارز والاهتمام به»، مشيرا إلى أن هذا الإنجاز هو ثمرة عمل طويل وجاد تبنته الهيئة العامة للسياحة والآثار بالشراكة مع المحافظة والأمانة إثر صدور قرار مجلس الوزراء الموقر بالموافقة على تسجيل ثلاثة مواقع سعودية في قائمة التراث العالمي بناء على ما رفعه رئيس الهيئة وتكليف الهيئة باستكمال الملف ومتابعة التسجيل.
وأضاف: «إن تسجيل جدة التاريخية في قائمة التراث العالمي يترتب عليه بذل المزيد من الجهود لحماية الموقع والمحافظة عليه وتهيئته وتأهيله وفقاً للالتزامات الفنية والبرنامج الزمني الذي تقدمت به المملكة في ملف الترشيح وخطة الإدارة».
في حين قال الأمير مشعل بن عبد الله في تصريح له: «إن تسجيل محافظة جدة على لائحة التراث العالمي الذي تُشرف عليه منظمة اليونيسكو، يؤكد الأهمية التاريخية التي تحظى بها جدة منذ القدم، وما تتميز به من طابع عمراني عريق جعلها تكون ضمن قائمة التراث العالمي، وهذا التسجيل يجعلنا أكثر فخراً واعتزازا بتراثنا الأصيل».
وأكد أن من عوامل هذا التسجيل العالمي الهام لمحافظة جدة هو ما تتميز به من معالم أثرية وطنية قديمة ومساجد قديمة اهتمت بها الدولة من حيث الترميم كالمسجد الجامع ومسجد المعمار وبيت نصيف وأهمية هذا البيت التاريخي الهام، إضافة إلى كثير من المباني التاريخية المصنفة والبوابات القديمة ومسار الحج، مبيناً أن هناك مشاريع قائمة لحماية جدة التاريخية والحفاظ عليها وترميم مبانيها من قبل الدولة أعزها الله، حيث تتميز المباني بالطراز العمراني الذي يعبر عن تراث البحر الأحمر من الرواشين والواجهات الجميلة والتوزيع الداخلي الذي يناسب حياة أهل جدة قديماً.
ميدانيا، قال فواز العبدلي، وهو صاحب متجر متاخم للمنطقة التاريخية: «إن جدة تستحق الانضمام، رغم أن البسطاء هنا يعدونها أهم المواقع التي تحتضنها عروس البحر الأحمر». وأضاف: «هنا التاريخ والمستقبل، من قلب المدينة ورئتها، ولطالما بدأ كبار التجار والشخصيات السياسية والثقافية حياتهم من هنا، وكانت ملهما للدكاترة والمهندسين والمفكرين.. نحن فخورون بمنطقتنا كثيرا، ونطمع في تسجيل كل المناطق التي تستحق في بلادنا بقائمة التراث العالمي، فهي لا تقل أهمية عن أي أماكن أخرى في العالم».
وتعرف مدينة جدة التاريخية محلياً باسم «جدة البلد». وتعتبر جدة القديمة متحفاً مفتوحاً للأجيال، فهي تحوي التراث الذي يحكي تاريخ جدة بصورة حية، تقع وسط المدينة وتضم مجموعة كبيرة من المواقع التاريخية.
في هذه الأثناء، قال سمير عبد الله قمصاني، وهو خبير سياحي ومدرب سياحي دولي معتمد بالشرق الأوسط، إن صانع مجد مدينة جدة هو ثالث الخلفاء الراشدين عثمان بن عفان رضي الله عنه الذي أمر بأن تكون «جدة ميناء مكة المكرمة والمدينة المنورة، قبل نحو 1400 عام».
وبين أن من أهم ما يمكنك ملاحظته، هو سور جدة الذي بني لحمايتها من الهجمات الخارجية، بالإضافة إلى الحارات التي تحكي قصة سالفة من الزمن الغابر، وعدد من المساجد التاريخية والأسواق التي ما زال أهل جدة وزوارها يرتادونها حتى يومنا هذا.
وبحسب قمصاني، يحيط سور جدة بها من جميع جهاتها إحاطة السوار بالمعصم، وهو سور أمر ببنائه أحد سلاطين المماليك لحمايتها من غارات الغزاة البرتغاليين في سعيهم إلى السيطرة على الملاحة في البحر الأحمر، وتخلل السور سبع بوابات ربطت جدة بالعالم خارجها.
وأضاف أنه من المؤكد أن هذه البوابات السبع بنيت على مراحل وفق الضرورة وهي باب مكة، وباب المدينة، وباب شريف، وباب جديد، وباب البنط، وباب المغاربة، أضيف إليها في بداية القرن الحالي باب جديد وهو باب الصبة.
وسرد الخبير السياحي قصة بناء السور، بقوله إن حسين الكردي، وهو أحد أمراء المماليك هو من بنى السور في حملته عندما اتجه ليحصن البحر الأحمر من هجمات البرتغاليين فشرع بتحصينه وتزويده بالقلاع والأبراج والمدافع لصد السفن الحربية التي تغير على المدينة.
وشرع حسين كردي في بناء السور وإحاطته من الخارج بخندق زيادة في تحصين المدينة من هجمات الأعداء وبمساعدة أهالي جدة تم بناء السور وكان له بابان، واحد من جهة مكة المكرمة والآخر من جهة البحر.
ويذكر أن السور كان يشتمل على ستة أبراج كل برج منها محيطه 16 ذراعاً ثم فتحت له ستة أبواب، فيما جرت إزالة السور لدخوله في منطقة العمران عام 1947.
وأفاد قمصاني أن مساحة جدة (التاريخية) حتى عام 1947 لا يتجاوز الكيلومتر المربع الواحد، فيما كان عدد سكانها 40 ألف نسمة، قبل أن تبدأ التوسع اعتبارا من عام 1948، لتصل مساحتها الحالية أكثر من ألفي كيلومتر مربع، وبتعداد سكاني يتجاوز الخمسة ملايين نسمة.
وقال إن جدة القديمة، نمت نموا رأسيا عبر العصور، وتشكلت من تكتلات كثيفة من المنازل وقصور التجار والمساجد والمنارات تخللتها بعض الساحات الصغيرة والأزقة المتعرجة.
وتتكون المدينة القديمة من ثلاث مناطق داخل الأسوار التي كانت تحميها من ناحية اليابسة، وهي: محلة الشام التي تقع إلى الشمال الغربي من المدينة، ومحلة المظلوم التي تعتبر أقدم محلة تأسست في جدة وتقع في الشمال الشرقي منها، ومحلة البحر التي تقع في الجنوب الغربي.
وتتوزع هذه المناطق إلى حارات، هي: حارة المظلوم التي سميت هذه الحارة نسبة للسيد عبد الكريم البرزنجي الذي قتلته الحكومة العثمانية، وحارة الشام التي تقع في الجزء الشمالي من داخل السور في اتجاه بلاد الشام، وحارة اليمن وتقع في الجزء الجنوبي، وحارة البحر وتقع في الجزء الجنوبي الغربي من مدينة جدة وهي مطلة على البحر.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».