{جنديات داعش» في الغرب

قلق أوروبي من العائدات من سوريا والعراق

نسوة من {داعش} خلال تدريبات في الرقة السورية قبل طرد التنظيم منها («الشرق الأوسط»)
نسوة من {داعش} خلال تدريبات في الرقة السورية قبل طرد التنظيم منها («الشرق الأوسط»)
TT

{جنديات داعش» في الغرب

نسوة من {داعش} خلال تدريبات في الرقة السورية قبل طرد التنظيم منها («الشرق الأوسط»)
نسوة من {داعش} خلال تدريبات في الرقة السورية قبل طرد التنظيم منها («الشرق الأوسط»)

لا يزال تنظيم داعش يسبب هلعاً بالغاً لعموم القارة الأوروبية لا سيما أن حديث العائدين من العراق وسوريا، عطفاً على المتسللين من ليبيا إلى أرجاء القارة الأوروبية يملأ الأرجاء، وتُعقَد من حوله المنتديات، وإن كانت الحوارات غالباً ما تدور من حول رجال «داعش»، وقليلاً ما يتم الاهتمام بنسائهم اللائي بِتْنَ يمثلن ركناً خطيراً في سياق منظومة التطرف.
وقبل بضعة أيام شهدت العاصمة الإيطالية روما ندوة عن النساء المنخرطات في التطرف والعمليات الإرهابية، وقد أقيمت الندوة في مركز ابن رشد الثقافي في روما.
الحوارات التي دارت في تلك الأمسية قد أحضرت على طاولة البحث مخاوف أوروبية كثيرة، مؤكد أنها تمثل قلقاً أوروبياً وسعياً لإيجاد حلول لإشكالية أمنية خطيرة تجعل من نهار الأوروبيين قلقاً، ومن ليلهم أرقاً.
وتبقى العاصمة الإيطالية روما بنوع خاص في حالة قلق مضاعف من الدواعش رجالاً ونساء بأكثر من أي عاصمة أوروبية، حتى وإن لم تشهد عمليات إرهابية بنفس قوة ما شهدته باريس أو بروكسل بنوع خاص.
ولعل روما تمثل في منهجية «داعش» وضعاً خاصاً، ذلك أنهم ما برحوا يرددون أنها المدينة التي وعد الله عباده المؤمنين بفتحها بعد مدينة القسطنطينية، التي فتحها الأتراك عام 1453، وقد شاهد العالم كثيراً جداً رايات «داعش» مرفوعة على المسلة المصرية في ميدان الفاتيكان، في إشارة لا تخطئها العين لنيات التنظيم القائمة والمقبلة هناك.
وللمتطرفات الأوروبيات في إيطاليا نصيب لا بأس به. وفي مقدمة الأسماء المعروفة، يأتي اسم «فاطمة سيرجيو»، أول وأشهر داعشية إيطالية، وكانت تُسمَّى من قبل ماريا جوليا، وقد حكمت عليها محكمة إيطالية في مدينة ميلانو بالسجن أربعة أعوام، بتهمة السعي إلى المشاركة في عمليات وهجمات إرهابية والتدريب على السلاح والمتفجرات وتجنيد أعضاء من الجنسين عبر وسائل الاتصال الحديثة، والعهدة هنا على الراوي، صحيفة «كورييري ديلاسيرا» الإيطالية.
والشاهد أن «فاطمة» لم يتوقف دورها عند التطوع للقتال مع الدواعش خارج إيطاليا وفي سوريا تحديداً، ولكنها أشركت أسرتها من حولها، وهم زوجها الألباني الدو كوبوزي، ووالدتها التي مولت سفر ابنتها وزوجها وشقيقها الأصغر إلى سوريا، بل أكثر من ذلك فإن فاطمة سيرجيو عينها استطاعت تجنيد المجندة الإيطالية بشرى حايك الإيطالية - الكندية، وكثير من الإيطاليات بفضل اتصالاتها ودعواتها للشابات صغار العمر للالتحاق بـ«داعش» في سوريا لقتال من أطلقت عليهم «الكفار»، ولنصرة «الإسلام»، بحسب تعبيرها.

بلجيكا واعتقال نساء «الدواعش»
تُعدّ بلجيكا خاصرة رخوة في أوروبا، وقد شهد العالم عمليات إرهابية في أراضيها كان «الدواعش» وراءها، ورغم تصريحات القائمين على حكوماتها ببذل كل الجهود لمواجهة خطر الإرهابي المتنامي، فإن مسارب بعينها، و«خلايا نائمة» بذاتها لا تزال تسبب قلقاً وهلعاً للبلجيكيين، ولهذا تحاول السلطات الأمنية والقضائية سد الذرائع التي تسمح للداعشيات بالتسرب إلى الداخل.
في 21 مارس (آذار) الماضي كانت محكمة بلجيكية تعاقب ثلاث سيدات غيابياً بالسجن لمدة خمسه أعوام وغرامة مالية، على خلفية المشاركة في أنشطة جماعة إرهابية، كما أصدرت المحكمة قراراً يقضي بسرعة اعتقالهن في أقرب وقت لتنفيذ العقوبة.
ولعل حيثيات الحكم تبين الكارثة التي يمكن أن تحلّ في بلجيكا في المدى القريب، لا سيما إن سُمِح لمثل هؤلاء الداعشيات بالعودة إلى البلاد.
فعلى سبيل المثال هناك كوثر إحدى الداعشيات الثلاث المدانات، وقد أشارت المحكمة إلى أن لها نشاطاً ملحوظاً في جماعة «داعش»، وعملت على تزويج فتيات بلجيكيات من مقاتلين في صفوف «داعش»، كما أظهرت صراحة التأكيد والدفاع عن عقيدة التنظيم الوحشية، مما يجعلها خطراً على المجتمع.
أما على صعيد الحياة السياسية، فيبدو الأفق مسدوداً أمام أي احتمالات لقبول عودة الداعشيات حتى وإن أبدين الندم، وقبلن حكم المحكمة؛ إذ تحدث عضو البرلمان البلجيكي بيتر ديروفر، من كتلة التحالف الفلمنكي، أكبر الأحزاب في الائتلاف الحكومي الحالي، بالقول: «لن نسعى لإعادة هؤلاء الذين سافروا عن عمد إلى تنظيم داعش، وسبق لهن أن هاجمن الدولة البلجيكية عبر وسائل التواصل الاجتماعي»، وفي إشارة إلى بشري، العضوة الثانية التي أدانتها المحكمة، فقد سبق وكتبت عبر «فيسبوك» عام 2015 ساخرة من السلطات البلجيكية وسياستها لمواجهة التطرف، ثم زواجها لاحقاً من أحد عناصر «داعش»، وإنجاب أطفال لا يزال أملهم في العودة إلى أوروبا شبه معدوم رغم أن أمهاتهم أوروبيات الجنسية.

{داعشيات} بريطانيا خطر داهم
ولا يختلف الحال في بريطانيا كثيراً عن الوضع في روما أو بروكسل، إذ يبدو أن الفراغ الروحي والاجتماعي، الثقافي والإنساني، لكثير من العناصر النسائية في الغرب اليوم، وأوروبا تحديداً قد وجد متنفساً عبر الحملة الإعلانية الكبيرة التي أطلقها تنظيم داعش بهدف إغراء الفتيات والنساء للالتحاق بالتنظيم في سوريا والعراق».
وكانت المرأة إحدى كلمات السر التي يعتمد عليها تنظيم «داعش» لتجنيد الشباب المسلم من بقية أرجاء العالم، وضم عناصر قتالية جديدة.
ولعل النساء الأجنبيات والأوروبيات بنوع خاص كن يمثلن عامل جذب لكثير من الشباب أكثر من الأموال كمحفز على القتال، بل وصل الأمر بهم إلى تقديم النساء كهدايا وجوائز لمن يجتاز المسابقة الرمضانية، وكأنهن سلعة تُباع وتشترى وتهدى.
ورغم أن عدد البريطانيات اللواتي انضممن إلى «داعش» غير واضح، فإنه من المؤكد أن رجال الأمن البريطانيين وأجهزتهم الاستخبارية رصدوا عودة أكثر من عشرة بريطانيات بصحبة أطفالهن كن قد غادرن إلى سورياً، من مجموع ألفي بريطاني تقريباً استطاعوا الوصول إلى معسكرات الدواعش في العراق وسوريا.
ولعل الكارثة الكبرى التي تنتظر بريطانيا تتمثل في الجيل الثاني من الأطفال الذين وُلدوا لآباء وأمهات بريطانيات أثناء انضمامهم إلى التنظيم في بلاد الشام، ما يجعل من مسألة المتابعة والمراقبة لاحقاً مسألة شائكة وموضوعاً معقداً إلى الدرجة التي حدت بوزير الدفاع البريطاني في 7 ديسمبر (كانون الأول) الماضي لأن يصرح بالقول: «إرهابي ميت لا يمكنه أن يشكل ضرراً على بريطانيا»، ما يعني أنه يفضل القضاء على عناصر «داعش» رجالاً ونساءً عوضاً عن عودتهم للوطن بريطانيا والاستحقاقات الكارثية التي قد تنشأ من تلك العودة المحتملة، بأطفالهم، خصوصاً الذين بلغوا مرحلة الصبا، فتظل فترة الإقامة مع الدواعش تمثل بالنسبة للبريطانيين مخزوناً من الكراهية التي تضحى قنابل موقوتة قابلة للانفجار في أي لحظة.

ليندا الألمانية... {داعشية إشكالية
في الخامس عشر من يوليو (تموز) من عام 2017، كانت قوات الأمن العراقية تلقي القبض على فتاة ألمانية تدعى «ليندا وينزيل»، والمثير حتى الدهشة أن الفتاة كانت على مستوى ودراية في إطلاق النيران إلى الدرجة التي جعلت منها «قناصاً» لدى «داعش» في الموصل، والمفاجأة أن عمرها لم يكن يتجاوز الـ16 عاماً، وتعيش في بلدة بولسينتز بالقرب من مدينة دريسدن الألمانية الشهيرة.
بدا الأمر محيراً ولا يزال في أوساط السلطات الرسمية، فكيف استطاعت الفتاة صغيرة العمر خداع المصارف الألمانية، وتزوير توقيع والدتها للحصول على الأموال اللازمة لشراء تذكرة سفر إلى إسطنبول في تركيا، قبل أن تواصل طريقها إلى سوريا، وهناك غيرت اسمها وظهرت على «فيسبوك» مرتدية الحجاب.
ولعل الأكثر إثارة أن ليندا هذه كانت تحت أعين مسؤولي الاستخبارات الألمانية ضمن المجموعات المشتبه فيهم بالتخطيط لجرائم خطيرة ضد الدولة، قبل أن تسافر إلى الخارج وتسقط في فخ الدواعش.
أما كيف جرى الإيقاع بها فهذا ما يحيلنا إلى الدور شديد الخطورة الذي لعبته وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة إذ يرجح أن تكون قد وقعت فريسة لعنصر داعشي عالي التدريب نفسياً ومعنوياً، استطاع أن يقيم معها علاقة رومانسية عبر الإنترنت.
وتالياً كان من اليسير عليه أن يطلب إليها الانتقال إلى سوريا للانضمام إليه والعيش في جواره.
ويقدم المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات دراسات مستفيضة عما يجري في عموم العواصم الأوروبية. وفي ألمانيا تحديداً يبدو المشهد مثيراً وأكثر خطورة، فقد رصدت مجموعة «الوقاية من الإرهاب» التابعة لوزارة الداخلية، خطابات إلكترونية مكثفة للمتطرفين على الإنترنت إلى المراهقات المسلمات المقيمات في ألمانيا، ويبدو أن هذه المحاولات تنجح الآن أكثر مما في السابق في توريط المراهقات في العمل مع التنظيمات المتطرفة، وتصوِّر هذه الرسائل الانتماء إلى التنظيمات المتطرفة على انه احترام حد «الملوكية» للمرأة، لأنها تقوم على ولادة وتنشئة الجيل المقبل من المقاتلين.
غير أن واقع الحال يكون مغايراً طولاً وعرضاً، شكلاً وموضوعاً حين الوصول إلى أرض الواقع، إذ يضع القائمون على التنظيم نساء الأجنبيات في منازل خاصة، ويحبسهن حتى يوافقن على اختيار أي عضو من التنظيم والزواج به بحجة عدم جواز خروج المرأة بغير محرم، ولاحقاً يُستغللن لإشباع شهوات قيادات التنظيم وأفراده الذين يتبادلون الأدوار بشكل أسبوعي وبعقود من زواج المتعة.
أما الكارثة الأكبر التي تواجه الأوروبيات السيئات الحظ اللواتي ينضممن إلى التنظيم الدموي، فتتمثل في الوقوع في براثن ما يعرف بـ«كتائب الخنساء الإرهابية»، وهن الأداة الأكثر عسفاً وخسفاً للتنظيم في التعامل مع نساء «داعش»، حيث من مهامهن الرسمية معاقبة النسوة اللواتي يخالفن أوامر التنظيم، وأحياناً يتم اتهام بعض الداعشيات لا سيما من الجنسيات الأوروبية بالكفر والردة، ولعل هذا ما يفسر لنا حالة الندم والرغبة في العودة إلى العواصم الأوروبية حتى وإن كان السجن هو المصير الذي ينتظرهن، فقد بكت ليندا كثيراً، وذرفت الدموع الغزيرة أمام عدسات المحطات الألمانية التلفزيونية مبدية الأسف الشديد على فعلتها وقائلة: «أريد العودة لبيتي ولعائلتي، أريد الابتعاد عن الحرب والسلاح والضجيج».
وضمن الحديث المتصل وغير المنفصل عن خطورة الداعشيات بشكل عام والأوروبيات منهن بنوع خاص ما اكتشفته وأعلنت عنه السلطات العراقية أخيراً، حيث تم القبض على عدد وافر منهن، وبينهن جنسيات أجنبية، وفي حوزتهن أطفال من الطائفة الإيزيدية، وقد كشفت التحقيقات أنهن كن يخططن للهرب بهم إلى بلادهن، وهنا فإن الاحتمال الأكبر كان استخدام هؤلاء الأطفال في عمليات إرهابية، وغالباً كان التخطيط لاستعمالهم كقنابل بشرية وسط جموع المدينة المسالمين في العواصم الأوروبية.
ولعل الخوف دب في قلوب أجهزة الأمن والاستخبارات الأوروبية الأسابيع القليلة الماضية بنوع أكثر رعباً بعدما بث تنظيم داعش في الأسبوع الأول من شهر فبراير (شباط) الماضي إصداراً جديداً لما يعرف بـ«ولاية البركة» التابعة له سوريا، حيث تظهر الداعشيات وهن يقدن العمليات الإرهابية للتنظيم للمرة الأولى بشكل علني فيما أطلق عليه «غزو الثأر للعفيفات» ضد عناصر حزب العمل الكردستاني.
ويكاد المتابعون لشأن داعش القطع بأن المجاهدات من الداعشيات بحسب توصيفهن، قد تقدمن الصفوف القتالية للتنظيم أخيراً على جبهات القتال في ثلاث دول سوريا والعراق وليبيا، وقمن بتنفيذ عدد من العمليات الانتحارية، أما السبب وراء ذلك فهو تعويض نقص المقاتلين الذي يعاني منه التنظيم في الوقت الحالي.
ويبقى السؤال الأخير قبل الانصراف وهو السؤال المحير لعموم الأوروبيين... ما الذي يدفع فتيات في عمر الزهور يتمتعن بمناخات الحرية داخل المجتمعات الأوروبية، للالتحاق بجماعات ظلامية سوداء المظهر والمخبر، جماعات لا تتسق بأي حال من الأحوال مع نشأة وتربية وتعليم فتيات أوروبا التي عرفن التنوير منذ أزمنة بعيدة؟
في كتابهما الشيق «جهاد النساء»، يكشف لنا الطبيب النفسي فتحي بنسلاما، والمتخصص في علم الاجتماع فرهاد خوسرو خافار أن النساء يشكلن نحو 10 في المائة من نحو خمسة آلاف من المتطرفين الأوروبيين الذين انضموا إلى «داعش»، وعند المؤلفين أن الدواعش نجحوا في تصدير الفكرة الجهادية الخيالية، أو العالم المثالي الذي تروج له آلتهم الدعائية، حيث ترسم لهن صورة زوجة مقاتل في ثياب أمير جذاب وشجاع وصادق، وأم أشبال يشكلون الجيل الجديد من الجهاديين الجاهزين منذ نعومة أظفارهم.
أما الباحث السياسي رالف غضبان وفي حديث له لموقع «دويتشه فيلله» باللغة العربية فيرى أن ما يدفع هؤلاء الفتيات للالتحاق بـ«داعش» ليس سبباً دينياً، بل هو راجع إلى مرحلة النمو التي يعيشها هؤلاء الشباب والمراهقون، مرحلة الرغبة في تحقيق الذات بشكل غير واقعي من خلال الالتزام بقضايا كبرى. أصوات أخرى ترى أن الداعشيات لا سيما الانتحاريات منهن لسن إلا مرتزقة تقوم الولايات المتحدة باستخدامهن في حروبها بالوكالة.


مقالات ذات صلة

مسؤولون يرفضون التعليق على الغارة الأميركية التي قتلت عميلاً سرياً سورياً

المشرق العربي آلية تزيل ما بقي من مركبة عسكرية إسرائيلية أُحرقت في بلدة بيت جن السورية في 28 نوفمبر 2025 (أ.ف.ب)

مسؤولون يرفضون التعليق على الغارة الأميركية التي قتلت عميلاً سرياً سورياً

رفض ممثلو وزارتي الدفاع والداخلية السوريتين، ومبعوث الولايات المتحدة إلى سوريا التعليق على ما تردد من أنباء حول مقتل خالد المسعود الذي كان يعمل ضد «داعش».

أفريقيا الكابتن إبراهيم تراوري خلال ترؤسه اجتماع الحكومة أمس الخميس (وكالة أنباء بوركينا فاسو)

بوركينا فاسو تعيد عقوبة الإعدام لمواجهة توسع الإرهاب

قررت السلطات العسكرية في بوركينا فاسو، الخميس، إعادة العمل بعقوبة الإعدام التي أُلغيت عام 2018، خصوصاً فيما يتعلق بتهمة الإرهاب.

الشيخ محمد (نواكشوط)
المشرق العربي من عملية ضد «داعش» في ريف إدلب (وزارة الداخلية السورية)

السلطات السورية تحارب «داعش» بقاعدة بيانات وخبرة استخباراتية سابقة

تواصل الحكومة في دمشق حملتها ضد تنظيم «داعش»، التي عملت عليها قبل عملية التحرير في شمال غربي سوريا، مدفوعة حالياً بالعزم على تحقيق الاستقرار طريقاً للتنمية.

سعاد جروس (دمشق)
المشرق العربي عناصر من قوات الأمن السورية (أ.ف.ب)

الداخلية السورية: القبض على متزعم «ميليشيا الدفاع الوطني» في حلب

أعلنت وزارة الداخلية السورية، اليوم الاثنين، القبض على متزعم ما كان يعرف بـ«ميليشيا الدفاع الوطني في محافظة حلب خلال حكم النظام السابق».

«الشرق الأوسط» (دمشق)
المشرق العربي طائرة تتبع القيادة المركزية الأميركية تتزود بالوقود في الجو خلال التدريبات (القيادة المركزية الأميركية عبر منصة إكس)

الجيش الأميركي: نفذنا مع سوريا غارات جوية على مخازن أسلحة لـ«داعش»

قال الجيش الأميركي، الأحد، إنه دمر الأسبوع الماضي 15 موقعاً تضم مخازن أسلحة تابعة لتنظيم «داعش» في جنوب سوريا.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
TT

«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)

ارتبط مسمى «حزب الله» بنوعين؛ أعلام صفراء في لبنان، وحسن نصر الله أمين عام حزب الله، لبنان، لكن النوع العقائدي الأكبر خطورة يسير في دماء العراق، حزب هو بذات الاسم، عقائديون أكبر أثراً في سفك الدماء، حيث يرعون الأمر أكبر من مجرد حزب أصفر له الضاحية الجنوبية في لبنان؛ مسكن ومقر ومشيعون.
بين دجلة والفرات، حزب يسمى كتائب «حزب الله العراق»، له أكثر من 13 عاماً وهو في تشكيله الحالي، ليس بالهين عوضاً عن ميليشيات «الحشد الشعبي» التي أخذت كل الوهج الإعلامي كونها مرتبطة بنظام إيران، لكن «حزب الله العراق» وكتائبه تمر في أزقة السواد وبأخطر من دور ميداني تمارسه «الحشد الشعبي»، لأن العقائدية ونشرها أشد خطورة من ميدان يتقهقر فيه الأضعف، نظراً للضربات الآمنة التي يقودها الحلفاء أولو القوة من غرب الأرض لوقف تمدد النزيف، دائماً ما يكون مصنع الوباء يمر بحزب الله العراق.

قبل أشهر، كان الحزب تعرض لواحدة من أعنف الغارات على مواقعه، بعد هجوم صاروخي استهدف قاعدة التاجي في العراق، وقتل فيها جنديين أميركيين وبريطانياً، وجاء الرد خلال ساعات قليلة بفعل غارات أميركية - بريطانية مشتركة، ضد منشآت لميليشيات حزب الله العراقي في محافظتي بابل وواسط ومنطقة سورية محاذية للحدود العراقية.
نظرة سريعة على حزب الله العراق، من التاريخ، كان عماد مغنية (قتل في 2008 بغارة إسرائيلية في دمشق) الإرهابي اللبناني التابع لإيران، وحزب الله لبنان، كان أحد صنّاع هيكل هذا الحزب في العراق، حيث بدأ في العمل وفقاً لتوجيهات وأوامر نظام الملالي في تكوين حزب يشبه حزب الله اللبناني، وهو ما يبدو أن الأوامر جاءته في تجويد هذا الحزب ليكون بذراعين: عسكرية وعقائدية، ويبدو أن مغنية تجاوز أخطاء عديدة في تشكيل ووهج حزبه اللبناني، فصنع بهدوء هيكلة مختلفة للحزب، جعلت كل المساجد والحسينيات وقوداً يضخ فيها البذور التي يرغبها أولو العمائم.
ظهر الحزب بحضوره الأول بقوام تجاوز 4 آلاف شخص، منتمين بعضويات عدة داخله، وتنامى العدد حتى قبل تصنيف الولايات المتحدة له كـ«تنظيم إرهابي»، لكنه جعل دوره التسويقي للحشد والتنظيم أكبر من مجرد عسكرة، بل فكرة أكثر ارتباطاً في نشر آيديولوجيا عبر مواقع عدة، ومنها تفريخ عناصر في قطاعات مهمة داخل العراق؛ منها وزارة التعليم ووضع لبنات التعاون مع أحزاب دينية؛ منها «الحزب الإسلامي» الذي يتغذى بمنهج الإخوان المسلمين.
ربما ما يدور أن الحزب هو جزء في تكوين «الحشد الشعبي» لكن ذلك يمر بتقاطعات، حيث يشير عبد القادر ماهين، المتخصص في شؤون التنظيمات الإرهابية، إلى أن الحزب يظهر كونها جزءاً من تكوين الحشد، لكنه جزء يصنع الكعكة الميليشياوية ويشارك في تسميمها ويعمل على توزيعها في المناطق المجاورة.
يشير ماهين في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط» إلى أنه لا أمين عاماً للحزب أسوة بحزب الله اللبناني، حيث يظهر فيه حسن نصر الله، مبرراً ذلك أن الفرق بين تكوين الحزبين هو الحاجة والدور، حيث يتمركز في جنوب العراق بعتاد عسكري، له هدف في وضع حضور طاغٍ يحاول تفخيخ الحدود، لأن الهدف يرتبط مع إمبراطورية إيران الكبرى الممتدة، ولا يظهر له الأثر السياسي كممثلين له كما هو الحزب اللبناني ليكون أثره في تشكيل الحكومات والبرلمانات.

إذن ما الدور الذي يلعبه الحزب؟

الحزب كما يرى ماهين، أنه ذو دور عسكري في الأصل، لكن الترتيبات ما بعد 2009 جعلته أكثر قدرة في تكوين فريق احتياط عسكري ليس أكثر وفق الحاجة، يدعم التوجهات والسياسات الإيرانية، لكن ما أخل بتلك القاعدة مشاركته المباشرة في دعم نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وأصبح أكثر من 4 أو 5 آلاف جندي مشاركين في السيطرة على مدن سورية تحت إمرة إيران في سوريا التي تتشكل من 4 فصائل مسلحة.
الحزب ليس عسكرياً فقط؛ كان ولا يزال صاحب دور في الترويج العقائدي، وتصوير الحضور الإيراني بشكل إيجابي مزعوم، إضافة إلى عمله الاقتصادي، حيث يدخل عناصره الكبرى في مفاصل مهمة في الاقتصاد العراقي، من شركات اتصالات وشركات نفطية، وأخرى ذات علاقة بقطاع الطيران، وإدارة المطارات والمنافذ، وبعض الأشخاص أبرزهم هادي العامري الذي كان صاحب صولات وجولات حين حمل حقيبة وزارة النقل العراقية في وقت سابق، وكان أبرز مهددي الاستمرار الكويتي في بناء ميناء مبارك الكبير، حيث هددت كتائب الحزب الشركات من الاستمرار بالعمل، وحينها ظهر العامري بأن ذلك المشروع «يغلق القناة الملاحية لموانئ العراق».
مرحلة مختلفة ظهرت، حين عاودت الآلة العسكرية الحزبية لكتائب حزب الله العراق، بالعمل من خلف الصفوف، حيث كانت أبرز مهددي السفارات وأكثر ملغمي مسارات الحلول السياسية، بل ومن رمى بقادة العراق اليوم في تحدي أن يرضخوا أمام شعب بدأ في كراهية الحضور الإيراني، وكان الحزب أبرز علامات استهداف المتظاهرين في العراق في كل البلاد، بغية كسر حدة السيوف الشعبية لتصبح مجرد مقبض دون رأس حربة كي يحافظ الحزب على الوجود الإيراني، خصوصاً أنه أبرز متلقٍ للأموال من نظام إيران وأكثرها غناءً.
الدور الاقتصادي لكتائب حزب الله العراق أصبح أكثر وضوحاً، حيث كان أكبر المنتفعين في عام 2015، من «الفدية القطرية» التي وصلت إلى أكثر من مليار دولار، مقابل إطلاق سراح قطريين كانوا يقضون وقتهم في الصيد جنوب العراق، ورغم أن الأنباء قالت إن الخاطفين لعدد من أبناء الأسرة الحاكمة القطرية ومعاونيهم الذي بلغ 28 شخصاً، كانوا من تنظيم «داعش»، لكن التقارير المسربة لاحقاً في بدايات 2016 حيث جرى تخليصهم وعودتهم إلى قطر، كانوا يتبعون لكتائب حزب الله العراق، وهو ما ينافي الرواية الرسمية القطرية التي تقول إنها دفعت المبلغ للحكومة العراقية.
الدور المستقبلي لن ينفك عن منهجية تتقاطع مع حزب الله اللبناني، حيث لدى الحزب اليوم الرؤى ذاتها، خصوصاً في اعتماد سياسة «افتعال الأزمات»، كي لا ينكسر الحضور الإيراني ونفوذه في المؤسسات الدينية وبعض السياسية، التي يجد فيها بعضاً من رجاله الذين يقبعون في سياسة تخفيف الضغط على النظام السياسي ومحاصصته التي تستفيد منها ميليشيات إيران في العراق، وما بعد مقتل قاسم سليماني، غربلة يعيشها الحزب الذي يجرب يوماً بعد آخر أسلوب التقدم خطوة بخطوة، مستفيداً من تكتيك الفأر في نشر طاعون على أرض هي الأهم لإيران.


«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
TT

«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)

ارت طموحات تنظيم «داعش» الإرهابي للتمدد مجدداً تساؤلات كثيرة تتعلق بطبيعة «مساعيه» في الدول خلال العام الجاري. واعتبر مراقبون أن «(أزمة كورونا) جددت طموحات التنظيم للقيام بعمليات إرهابية، واستقطاب (إرهابيين) عقب هزائم السنوات الماضية ومقتل زعيمه السابق أبو بكر البغدادي». ووفق خبراء ومتخصصين في الشأن الأصولي بمصر، فإن «التنظيم يبحث عن أي فرصة لإثبات الوجود»، مشيرين إلى «مساعي التنظيم في أفريقيا عبر (الذئاب المنفردة)، ومحاولاته لعودة نشاطه السابق في العراق وسوريا عبر تبني عمليات القتل»، موضحين أن «المخاوف من العناصر (الانفرادية) التي تنتشر في أوروبا وأميركا تتزايد، خاصة وأنها تتحرك بانسيابية شديدة داخل محيطهم الجغرافي».
وقال أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية، إن «(داعش) مثل تنظيمات الإرهاب تبحث عن فرصة مُناسبة للوجود، ومن الفُرص المُناسبة، وجود أي شكل من أشكال الفوضى أو الارتباك، وعندما تكون جهود الدول موجهة لمحاربة (كورونا المستجد)، فيبقى من الطبيعي أن يسعى التنظيم للحركة من جديد، وانتظار فرصة مناسبة لتنفيذ أهدافه، خاصة أن (داعش) في تعامله مع الفيروس روج لفكرة (أن كورونا عقاب إلهي لأعدائه، على حد زعم التنظيم)، خصوصاً أن (كورونا) كبد أوروبا خسائر كبيرة، وأوروبا في الدعايا الداعشية (هذا الغرب الذي يحارب الإسلام، على حد تصور الداعشيين)، لذا فـ(داعش) يستغل هذا، في مواجهة بعض الارتكازات الأمنية، أو الأكمنة، أو الاستهدافات بالشوارع، لإثارة فازعات، ومن الوارد تنفيذ بعض العمليات الإرهابية».
وأكد عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) استغل (أزمة الفيروس) بالادعاء في بيان له مارس (آذار) الماضي، بأن الفيروس (عذاب مؤلم من الله للغرب، خاصة للدول المشاركة في العمليات العسكرية ضده، على حد زعمه)، ويحاول التنظيم نشر الخوف من الوباء، والبحث عن إيجاد مصارف لتمويل العمليات الإرهابية».
ووفق تقرير سابق لمجموعة «الأزمات الدولية» في نهاية مارس الماضي، أشار إلى أن «التنظيم أبدى مع ظهور الفيروس (نبرة شماتة)، وأخبر عناصره عبر افتتاحية جريدة (النبأ) التابعة له في نهاية مارس الماضي، بضرورة استمرار حربهم عبر أرجاء العالم حتى مع تفشي الوباء... وادعى أن الأنظمة الأمنية والدولية التي تسهم في كبح جماح التنظيم على وشك الغرق، على حد قول التنظيم».
ويشير عبد المنعم في هذا الصدد، إلى أنه «بالعودة لزاوية (حصاد الأجناد) في عدد (النبأ) الأخير، زعم التنظيم أنه شن 86 هجمة إرهابية في شهر واحد، هو مارس الماضي، وهو أعلى رقم منذ نهاية نوفمبر (تشرين ثاني) الماضي، الذي سجل 109 هجمات، فيما عُرف بـ(غزوة الثأر) للبغدادي وأبو الحسن المهاجر اللذين قُتلا في أكتوبر (تشرين أول) الماضي في غارة جوية».
ووفق تقارير إخبارية محلية ودولية فإن «(داعش) يسعى لاستعادة سيطرته على عدد من المناطق في سوريا والعراق من جديد، وأنه يحتفظ بنحو من 20 إلى 30 ألف عضو نشط، ولا ينقصه سوى توفر المال والسلاح». وأشارت التقارير ذاتها إلى أن «التنظيم يحاول استغلال انشغال سوريا والعراق بمكافحة الفيروس، لاستعادة سيطرته على مناطق من الصحراء السورية في الغرب، إلى وادي نهر الفرات شرقاً، مروراً بمحافظة دير الزور والمناطق ذات الأغلبية السنية في العراق، والتي لا يزال يوجد فيها بعض عناصره».
ويشار أنه في أبريل (نيسان) الماضي، هاجم التنظيم بلدة السخنة في صحراء حمص، وأسفر عن مقتل 18. وفي دير الزور أعلن التنظيم مقتل اثنين... وفي العراق، قتل ضابط شرطة عند نقطة تفتيش في الحويجة غرب كركوك على يد التنظيم، كما قتل اثنان من مقاتلي البيشمركة الكردية في هجوم للتنظيم أبريل الماضي، كما أسفر هجوم للتنظيم على مطار الصادق العسكري عن مقتل اثنين.
وفي هذا الصدد، قال عمرو عبد المنعم، إن «أكثر هجمات (داعش) كانت في العراق أخيراً، وشهد التنظيم نشاطاً مكثفاً هناك»، مضيفاً: «في نفس السياق دعت فتوى نشرها التنظيم على (تلغرام) للهروب من السجون السورية، وهذا ما حدث، فقد هرب 4 نهاية مارس الماضي، من سجن تديره قوات سوريا الديمقراطية، وفقاً لتقارير إخبارية».
وسبق أن طالب أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» في سبتمبر (أيلول) الماضي، «بتحرير أنصار التنظيم من السجون ...»، وسبقه البغدادي «وقد حرض بشكل مُباشر على مهاجمة السجون في سوريا والعراق».
وبحسب المراقبين «حاول (داعش) أخيراً زيادة حضوره الإعلامي على منصات التواصل الاجتماعي مجدداً، بعد انهيار إعلامه العام الماضي». ورصدت دراسة أخيرة لمرصد الأزهر لمكافحة التطرف في القاهرة «تداول التنظيم تعليمات لعناصره عبر شبكات التواصل الاجتماعي، بالادعاء بأن الفيروس يمثل (عقاباً من الله، ويحتم اتخاذ خطوات لتكفير الذنوب)، وجعل التنظيم الإرهابي - على حد زعمه - السبيل الوحيد للخلاص من الفيروس، والقضاء عليه، هو (تنفيذ العمليات الإرهابية)، ولو بأبسط الوسائل المتاحة». اتسق الكلام السابق مع تقارير محلية ودولية أكدت «تنامي أعداد حسابات أعضاء التنظيم وأنصاره على مواقع التواصل خصوصاً (فيسبوك)، حيث تمكن التنظيم مجدداً من تصوير وإخراج مقاطع فيديو صغيرة الحجم حتى يسهل تحميلها، كما كثف من نشر أخباره الخاصة باستهداف المناطق التي طرد منها في العراق وسوريا، وتضمين رسائل بأبعاد عالمية، بما يتوافق مع أهداف وأفكار التنظيم».
ووفق عبد المنعم فإن «(داعش) يستغل التطبيقات الإلكترونية التي تم تطويرها في الفترة الأخيرة في المجتمع الأوروبي، والتي قدمتها شركات التكنولوجيا والذكاء الصناعي في أوروبا مثل تطبيق Corona-tracker لجمع البيانات عن المصابين، وتوجيه بعض الأسئلة لتحديد نسبة الخطورة، وفرض التنظيم على الأطباء والممرضين في الرقة الحضور اليومي الإجباري، ومن خالف تعرض لعقوبات شديدة».
وعن الواجهة التي يسعى «داعش» التمدد فيها خلال الفترة المقبلة. أكد الخبير أحمد بان، أن «أفريقيا هي الواجهة المفضلة لتنظيمي (داعش) و(القاعدة)، والفترة الأخيرة شهدت تصاعدا لعمليات في الغرب الأفريقي وداخل الساحل، وعمليات داخل موزمبيق، فـ(داعش) في حالة سباق لتصدر المشهد هناك، مع توفر آليات تساعده على ذلك من بينها، تهريب السلاح، وحركة العصابات». فيما أبدى عمرو عبد المنعم، تصوراً يتعلق بـ«زيادة العمليات الإرهابية في نيجيريا، وأنه طبقاً لبيانات صدرت أخيراً عما يُعرف باسم (ولاية غرب أفريقيا) أفادت بوجود أكثر من مائة مقاتل هاجروا لنيجيريا من سوريا والعراق».
وتجدد الحديث في فبراير (شباط) الماضي، عن مساعي «داعش» للوجود في شرق أفريقيا أيضاً، بعدما أظهرت صوراً نشرها التنظيم عبر إحدى منصاته تتعلق بتدريبات على أسلحة تلقاها عناصره في مرتفعات «غل غلا» الوعرة بولاية بونتلاند الواقعة شمال شرقي الصومال.
تعليقاً، على ذلك أكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) يهدف إلى السعي لمناطق بالقارة السمراء، بعيداً عن سوريا والعراق، لـ(تفريغ قدرات عناصره القتالية)، فضلاً عن تأكيد عبارة (أنه ما زال باقياً)».
تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية أشارت أيضاً إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال المراقبون إن «عودة هؤلاء أو ما تبقى منهم إلى أفريقيا، ما زالت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيراً منهم شباب صغير السن، وأغلبهم تم استقطابه عبر مواقع التواصل الاجتماعي».
فيما قال خالد الزعفراني، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، إن «مساعي التنظيم للتمدد داخل أفريقيا سوف تتواصل عبر (الذئاب المنفردة)»، مضيفاً أن «ما يقوم به التنظيم في أفريقيا، والعراق وسوريا أخيراً، لإثبات أن لديه قدرة على تحقيق إنجازات، وأنه (عابر للحدود)، وأنه غير مُتأثر بهزائم سوريا والعراق».
وكان أبو محمد العدناني، الناطق الأسبق باسم «داعش» قد دعا في تسجيل صوتي عام 2014 المتعاطفين مع التنظيم، إلى القتل باستخدام أي سلاح متاح، حتى سكين المطبخ من دون العودة إلى قيادة «داعش»... ومن بعده دعا البغدادي إلى «استهداف المواطنين». وتوعد التنظيم عبر مؤسسة الإعلامية «دابق» بحرب تحت عنوان «الذئاب المنفردة».
في ذات السياق، لفت أحمد بان، إلى أن «التنظيم يسعى لاكتشاف أي ثغرة لإثبات الوجود أو تجنيد عناصر جُدد، خاصة وأن هناك عناصر (متشوقة للإرهاب)، وعندما يُنفذ (داعش) أي عمليات إرهابية، تبحث هذه العناصر عن التنظيم، نتيجة الانبهار».
من جانبه، قال الخبير الأمني اللواء فاروق المقرحي، مساعد وزير الداخلية المصري الأسبق، إن «تنظيمات الإرهاب خاصة (داعش) و(القاعدة) لن تتوانى عن سياسة التجنيد، ومن هنا تنبع فكرة الاعتماد على (الذئاب المنفردة) أو (العائدين) بشكل كبير».
وبينما رجح زغلول «حدوث بعض التغيرات داخل (داعش) عام 2020». قال اللواء المقرحي: «لا أظن عودة (داعش) بفائق قوته في 2020 والتي كان عليها خلال عامي 2014 و2015 نتيجة للحصار المتناهي؛ لكن الخوف من (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، لاستنزاف القوى الكبرى»، لافتاً إلى أن «كثيرا من العناصر (الانفرادية) تتحرك في أوروبا وأميركا بانسيابية داخل الدول، وهذا هو الخطر».


ألمانيا... صعود {اليمين المتطرف}

انتشار أمني عقب وقوع مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة وسقوط 9 قتلى في مدينة هاناو الألمانية قبل بضعة أيام (إ.ب.أ)
انتشار أمني عقب وقوع مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة وسقوط 9 قتلى في مدينة هاناو الألمانية قبل بضعة أيام (إ.ب.أ)
TT

ألمانيا... صعود {اليمين المتطرف}

انتشار أمني عقب وقوع مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة وسقوط 9 قتلى في مدينة هاناو الألمانية قبل بضعة أيام (إ.ب.أ)
انتشار أمني عقب وقوع مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة وسقوط 9 قتلى في مدينة هاناو الألمانية قبل بضعة أيام (إ.ب.أ)

عندما وصف رجل ألماني في شريط على «يوتيوب» سوسن شبلي، السياسية الألمانية الشابة من أصل فلسطيني، والتي تنتمي للحزب الاشتراكي الديمقراطي، بأنها: «دمية متحدثة باسم الإسلاميين»، ظنت أن محكمة ألمانية سترد لها حقها بعد «الإهانة» التي تعرضت لها، ولكنها فوجئت عندما حكمت المحكمة بأن هذه الصفة وغيرها من التي ألصقها بها الرجل، هي «ضمن حرية التعبير التي يصونها القانون الألماني»، وليست إهانة ولا تحريضاً على الكراهية.

في الواقع، لم تكن تلك المرة الأولى التي تتعرض لها شبلي لتوصيفات عنصرية كهذه. فهي وغيرها من السياسيين المسلمين القلائل في ألمانيا، والسياسي الأسود الوحيد كرامبا ديابي، معتادون على سماع كثير من الإهانات، بسبب ديانتهم ولونهم فقط؛ حتى أنهم يتلقون تهديدات عبر البريد الإلكتروني والاتصالات، تصل أحياناً لحد التهديد بالقتل.
ورغم أن هذه التهديدات التي يتعرض لها السياسيون المسلمون في ألمانيا تجلب لهم التضامن من بقية السياسيين الألمان، فإن أكثر من ذلك لا يُحدث الكثير.
في ألمانيا، تصنف السلطات ما يزيد على 12 ألف شخص على أنهم من اليمين المتطرف، ألف منهم عنيفون، وهناك خطر من أن ينفذوا اعتداءات داخل البلاد.
يشكل اليمينيون المتطرفون شبكات سرية، ويتواصلون عادة عبر الإنترنت، ويتبادلون الأحاديث داخل غرف الـ«تشات» الموجودة داخل الألعاب الإلكترونية، تفادياً للمراقبة.
وفي السنوات الماضية، ازداد عنف اليمين المتطرف في ألمانيا، وازداد معه عدد الجرائم التي يتهم أفراد متطرفون بارتكابها. وبحسب الاستخبارات الألمانية الداخلية، فإن اعتداءات اليمين المتطرف زادت خمسة أضعاف منذ عام 2012.
وفي دراسة لمعهد «البحث حول التطرف» في جامعة أوسلو، فإن ألمانيا على رأس لائحة الدول الأوروبية التي تشهد جرائم من اليمين المتطرف، وتتقدم على الدول الأخرى بفارق كبير جداً. فقد سجل المعهد حوالي 70 جريمة في هذا الإطار بين عامي 2016 و2018، بينما كانت اليونان الدولة الثانية بعدد جرائم يزيد بقليل عن العشرين في الفترة نفسها.
في الصيف الماضي، شكل اغتيال سياسي ألماني يدعى فالتر لوبكه، في حديقة منزله برصاصة أطلقت على رأسه من الخلف، صدمة في ألمانيا. كانت الصدمة مضاعفة عندما تبين أن القاتل هو يميني متطرف استهدف لوبكه بسبب سياسته المؤيدة للاجئين. وتحدث كثيرون حينها عن «صرخة يقظة» لأخذ خطر اليمين المتطرف بجدية. ودفن لوبكه ولم يحدث الكثير بعد ذلك.
فيما بعد اغتياله بأشهر، اعتقل رجل يميني متطرف في ولاية هسن، الولاية نفسها التي اغتيل فيها السياسي، بعد أن قتل شخصين وهو يحاول الدخول إلى معبد لليهود، أثناء وجود المصلين في الداخل بهدف ارتكاب مجزرة. أحدثت تلك المحاولة صرخة كبيرة من الجالية اليهودية، وعادت أصوات السياسيين لتعلو: «لن نسمح بحدوثها مطلقاً مرة أخرى»، في إشارة إلى ما تعرض له اليهود في ألمانيا أيام النازية. ولكن لم يحدث الكثير بعد ذلك.
وقبل بضعة أيام، وقعت مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة في مدينة هاناو في الولاية نفسها، استهدفا من قبل يميني متطرف لأن من يرتادهما من المسلمين. أراد الرجل أن يقتل مسلمين بحسب رسالة وشريط فيديو خلَّفه وراءه بعد أن قتل 9 أشخاص، ثم توجه إلى منزله ليقتل والدته، ثم نفسه. أسوأ من ذلك، تبين أن الرجل كان يحمل سلاحاً مرخصاً، وينتمي لنادي الرماية المحلي.
بات واضحاً بعد استهداف هاناو، أن السلطات الألمانية لم تولِ اليمين المتطرف اهتماماً كافياً، وأنها لا تقدر حقيقة خطره على المجتمع، رغم أنها كشفت قبل أيام من جريمة هاناو عن شبكة يمينية متطرفة، كانت تعد لاعتداءات على مساجد في أنحاء البلاد، أسوة بما حصل في كرايستشيرش في نيوزيلندا.
وجاء الرد على اعتداء هاناو بتشديد منح رخص السلاح، وبات ضرورياً البحث في خلفية من يطلب ترخيصاً، على أن يرفض طلبه في حال ثبت أنه ينتمي لأي مجموعة متطرفة، ويمكن سحب الترخيص لاحقاً في حال ظهرت معلومات جديدة لم تكن متوفرة عند منحه. كما يبحث وزراء داخلية الولايات الألمانية تأمين حماية للمساجد وللتجمعات الدينية للمسلمين واليهود.
ولكن كل هذه الإجراءات يعتقد البعض أنها لا تعالج المشكلة الأساسية التي تدفع باليمين المتطرف لارتكاب أعمال عنف. وفي كل مرة تشهد ألمانيا اعتداءات، يوجه سياسيون من اليسار الاتهامات لحزب «البديل لألمانيا» اليميني المتطرف، بالمسؤولية عنها بشكل غير مباشر. ويواجه الحزب الذي دخل البرلمان الفيدرالي (البوندستاغ) للمرة الأولى عام 2018، وبات أكبر كتلة معارضة، اتهامات بأنه «يطبِّع سياسة الكراهية»، وبأنه يحرض على العنف ضد اللاجئين والمهاجرين، من خلال ترويجه لخطاب الكراهية. وحتى أن البعض ذهب أبعد من ذلك بالدعوة إلى حظر الحزب للتصدي للعنف المتزايد لليمين المتطرف.
والواقع أن مشكلة اليمين المتطرف تزداد منذ أن دخل «البديل لألمانيا» إلى «البوندستاغ». فهو - كما حملته الانتخابية - يركز خطابه على مواجهة سياسة اللاجئين التي اعتمدتها حكومة المستشارة أنجيلا ميركل. وكثير من الأسئلة التي يتقدم بها نوابه في البرلمان تهدف لإثبات خطأ هذه السياسة، وعدم قدرة اللاجئين على الاندماج. ورغم أن نوابه في البرلمان يحرصون على عدم تخطي القانون في خطاباتهم، فإن كثيراً من السياسيين المنتمين لهذا الحزب؛ خصوصاً في الولايات الشرقية، لا يترددون في الحديث بلغة لا يمكن تمييزها عن لغة النازيين. أبرز هؤلاء السياسيين بيورغ هوكيه الذي لم يستطع أعضاء في حزبه تمييز ما إذا كانت جمل قرأها صحافي لهم، هي مقتطفات من كتاب «كفاحي» لهتلر، أم أنها أقوال لهوكيه.
كل هذا خلق أجواء سلبية ضد المسلمين في ألمانيا، وحوَّل كثيرين من الذين ولدوا لأبوين مهاجرين إلى غرباء في بلدهم. في هاناو، يقول كثيرون من الذين فقدوا أصدقاءهم في المجزرة، بأنهم لم يعودوا يشعرون بالأمان، ولا بأنهم جزء مقبول من المجتمع. وبعضهم يرى أنه ما دام حزب «البديل لألمانيا» مقبولاً بين الأحزاب الأخرى، فإن خطاب الكراهية سيستمر، والجرائم كالتي حصلت في هاناو ستتكرر.
ما يزيد من هذه المخاوف ومن الشبهات، أن السلطات الألمانية لم تأخذ خطر اليمين المتطرف على محمل الجد طوال السنوات الماضية. وهناك فضائح متتالية داخل المؤسسات الأمنية تظهر أنها مليئة بمؤيدين أو متعاطفين مع اليمين المتطرف؛ خصوصاً داخل الشرطة والجيش. ويواجه رئيس المخابرات الداخلية السابق هانس يورغ ماسن اتهامات بأنه متعاطف مع اليمين المتطرف، وهو ما دفع جهازه لغض النظر عن تحركاتهم طوال السنوات الماضية، والتركيز عوضاً عن ذلك على خطر الإسلام المتطرف. ومنذ مغادرته المنصب، أصدرت المخابرات الداخلية تقييماً تقول فيه بأن خطر اليمين المتطرف بات أكبر من خطر الإسلام المتطرف في ألمانيا.
وطُرد ماسن الذي ينتمي للجناح المتطرف في حزب ميركل (الاتحاد المسيحي الديمقراطي) من منصبه، بعد اعتداءات كيمنتس في صيف عام 2018، بسبب رد فعله على التطورات هناك. وعارض ماسن ميركل في قولها بأن شريط فيديو من هناك أظهر ملاحقة نازيين جدد للاجئين، شتماً وضرباً. وخرج ماسن ليقول بأنه لم يتم التثبت من الشريط بعد، ويشكك في وجود نازيين جدد هناك. وكانت تظاهرات كبيرة قد خرجت ضد لاجئين في كيمنتس، بعد جريمة قتل ارتكبها لاجئان (عراقي وسوري) بحق أحد سكان البلدة.
وتعرض كذلك لانتقادات بعد جريمة هاناو لقوله بأن الرجل يعاني من اضطرابات عقلية، وهو الخط نفسه الذي اتخذه حزب «البديل لألمانيا» عندما رفض طبع المجرم بأنه يميني متطرف؛ خصوصاً أن الأخير تحدث في شريط الفيديو عن «التخلص» من جنسيات معينة من دول عربية ومسلمة.
ويعيد ماسن صعود عنف اليمين المتطرف لموجة اللجوء منذ عام 2015، إلا أن ألمانيا شهدت عمليات قتل وملاحقات عنصرية قبل موجة اللجوء تلك. ففي عام 2011 كشف عن شبكة من النازيين الجدد عملت بالسر طوال أكثر من 12 عاماً، من دون أن يكشف أمرها، ما سبب صدمة كبيرة في البلاد. ونجح أفراد هذه الشبكة في قتل تسعة مهاجرين لأسباب عنصرية بين عامي 2000 و2007، إضافة إلى تنفيذهم 43 محاولة قتل، و3 عمليات تفجير، و15 عملية سرقة.
وقبل اكتشاف الخلية، كانت الشرطة تستبعد أن تكون عمليات القتل ومحاولات القتل تلك تتم بدوافع عنصرية، رغم أن جميع المستهدفين هم من أصول مهاجرة. وعوضاً عن ذلك، كانت التخمينات بأن الاستهدافات تلك لها علاقة بالجريمة المنظمة والمافيات التركية.
ورغم أن الكشف عن ارتباط هذه الجرائم باليمين المتطرف زاد الوعي الألماني لخطر هذه الجماعات، وأطلق نقاشات في الصحافة والمجتمع والطبقة السياسية، فإن التعاطي مع الجرائم التي لحقت، والتي اشتبه بأن اليمين المتطرف وراءها، لم يكن تعاطياً يحمل كثيراً من الجدية.