أفلام جديدة حول مستقبل الأرض والسينما معاً

من سبيلبرغ لسودربيرغ

من «غير العاقلة» لستيفن سودربيرغ - «ناب أبيض»: رسم فرنسي - من «رَدي بلاير وَن» لستيفن سبيلبرغ
من «غير العاقلة» لستيفن سودربيرغ - «ناب أبيض»: رسم فرنسي - من «رَدي بلاير وَن» لستيفن سبيلبرغ
TT

أفلام جديدة حول مستقبل الأرض والسينما معاً

من «غير العاقلة» لستيفن سودربيرغ - «ناب أبيض»: رسم فرنسي - من «رَدي بلاير وَن» لستيفن سبيلبرغ
من «غير العاقلة» لستيفن سودربيرغ - «ناب أبيض»: رسم فرنسي - من «رَدي بلاير وَن» لستيفن سبيلبرغ

تشمل العروض السينمائية في باريس وجميع فرنسا هذا الأسبوع على فيلمين يعبّران، على نحو مؤكد، عن حب الفرنسيين للكلاب.
أحدهما هو من الرسوم المتحركة وعنوانه «ناب أبيض» (Croc‪ - ‬Blanc) عن رواية جاك لندن المعروفة (مع تغييرات كبيرة) حول زوجين وجدا كلباً صغيراً في البراري الثلجية البعيدة فتبنياه ليصبح مصدر حماية لهما من الأشرار، وأيضاً من الثعالب التي تغير على دجاجات المزرعة. التنفيذ، كما يشي الشريط الدعائي (ترايلر) ركيك، لكن هذا لم يمنع النقاد الفرنسيين في ستة مطبوعات على الأقل من منحه علامات متفوقة. صحيفة «باريزيان»، على سبيل المثال، وجدت رسوماته «مبتكرة ومذهلة»، وكذلك مجلة «برميير»، التي اعتبرت أن الفيلم كان أميناً لبناء الرواية الأصلية.
الفيلم الثاني هو «القلادة الحمراء» للمخرج المخضرم جين بيكر مع فرنسوا كلوزو ونيكولاس دوفواشيل وجان - كوانتين شاتلين، الذي يدور حول ثلاثة رجال تربط بينهم الحرب العالمية الثالثة وكلب نجده في مطلع الفيلم يواصل النباح ليل - نهار في معسكر سجن صاحبه فيه.
الإعجاب بالفيلم، المقتبَس بدوره عن رواية (تلك التي وضعها الطبيب المتحول إلى الرواية جان - كريستوف روفين) بين النقاد كان معتدلاً ومقتضباً.

نقاد فرنسا غاضبون

من جهة أخرى، لم يكن معتدلاً ولا مقتضباً رد فعل الصحافة الفرنسية على قرار مهرجان «كان» الفرنسي إلغاء عروض أفلام المسابقة المبكرة، كما ورد هنا يوم الأحد الماضي، 25 مارس (آذار). في البداية من خلال كتابات صحافيين ونقاد في وسائطهم المختلفة ويوم أول من أمس من خلال نقابتهم. النقابة أصدرت بياناً أعربت فيه أنها قلقة من جراء هذا القرار بسبب تأثيره على العمل الصحافي اليومي. السؤال الذي تطرحه النقابة في بيانها هو: «كيف ستتسع صالة ديبوسي التي تحتوي على 1068 كرسياً لـ4000 ناقد وصحافي؟».
وفي الاعتبار أنه مهما كانت الدوافع التي من أجلها اتخذت إدارة المهرجان الفرنسي هذا القرار، فهي فقد وضعت العروض الصحافية في أزمة كبيرة. فالعادة جرت سابقاً أن يتم عرض الفيلم الصباحي، الذي تم الآن إلغاؤه، في قاعة «غراند أوديتوريوم»، التي تتسع لـ2300 شخص وهذه كانت تمتلئ عن آخرها بحلول الساعة التاسعة. لذلك كانت صالة «ديبوسي» ملاذاً موازياً بكراسيها الألف. لكن الآن وبعد حرمان الصحافة من حفلة الصباح فإن المسألة الحسابية البسيطة هذه لن تكون بسيطة التطبيق على الإطلاق.
هناك تبعات أخرى تخشاها الصحافة الفرنسية، كما العالمية، وهو أنه باعتماد عروض المسابقة المتأخرة لمجرد مواكبة العرض الأول لكل فيلم سيؤدي إلى تأخير نشر المادة النقدية ليوم أو يومين. كذلك سيؤدي إلى تقليص المقابلات التي يقوم بها الصحافيون خلال المهرجانات إلا إذا رضي الصحافيون بإجراء المقابلات من دون مشاهدة الفيلم أولاً.
ليس هناك رد فعل أميركي أو أوروبي آخر على هذا القرار أسوة بالنقابة الفرنسية التي تضم 245 ناقداً سينمائياً، والتي تم تأسيسها سنة 1946، وتُعتَبَر من بين الأقدم في تاريخ النقابات والجمعيات النقدية في العالم.

سبيلبرغ يمزج

إذا ما كان هناك كلبان في عروض الأفلام الفرنسية حالياً، فإن العروض الأميركية تخلو من الحيوانات في أدوار بطولة هذا الأسبوع، رغم وجود فيلم أنيميشن بينها. الفيلم هو «شرلوك نومز» (على وزن «شرلوك هولمز») ويرودي حكاية ألغاز تحاول أن تثير الاهتمام طوال الوقت وتفشل طوال الوقت كذلك. فالرسم بليد كذلك الابتكار والخيال ما ينتج عنه عمل يتجول في سوق العروض حالياً باهتمام جماهيري محدود وقلة اكتراث نقدي.
هناك أغنيتان مرميّتان في شريط الصوت من تأليف إلتون جون الذي يقول في مقابلة مبثوثة على المواقع إنه شارك في الإنتاج. لكن وظيفته كما نقرأها على الشاشة في نهاية الفيلم هو «المنتج المنفذ»، وهي مهنة مختلفة عن مهنة «المنتج» تماماً.
«شرلوك نومز» (يؤديه جوني دب صوتياً) ليس وحده بين أفلام الرسوم هذا الأسبوع، بل تدخل الرسوم في عقر دار فيلم ستيفن سبيلبرغ الجديد «Ready Player One». وهو مزيج من الرسوم والتصوير الحي لحكاية تقع في المستقبل البعيد نوعاً (2045) حيث الحياة المتعددة المازجة بين قليل من الواقع والكثير من الواقع المدمج والمتخيّل. «تستطيع أن تكون من تريد»، يقول الفيلم في أحد مشاهده.
شهد الفيلم عرضه الأول في مهرجان «South by Southwest» في مدينة أوستن في تكساس حيث وجد الجمهور نفسه أمام عودة المخرج إلى سينما الترفيه الخالص. تلك التي كان اشتهر بها ونفذ من خلالها معظم أفلامه في السبعينات والثمانينات من قبل أن يبدأ بالمزج بينها وبين أفلام جادة إلى اليوم.
حتى أفلامه من نوعية الخيال العلمي منذ العقد الأول من هذا القرن حملت ذلك المزيج: «آ. آي: ذكاء اصطناعي» (2001) عن عالم يغدو فريسة التقدم العلمي الذي انتهجه ما يلقى به في فوضى بشرية عارمة تجعله، متمثلاً بشخصية الصبي المُصنّع، يبحث في نهاية الفيلم عن عاطفة مفقودة.
في فيلمه اللاحق «تقرير الأقلية» (Minority Report) نجده يحذر من مغبة قيام السلطات بالتجسس على مواطنيها عبر آخر الإنجازات التقنية بدواعي منع الجريمة. هنا، يتحدث عن الضياع الكبير الآخر عندما تسطو تلك التقنيات على الحاضر والتاريخ معاً وتمنح المواطنين قدرة التحوّل من هوية إلى أخرى عبر المرور بشخصيات مختلفة.

الكاميرا في الجيب

إذ ينطلق فيلم سبيلبرغ من التاسع والعشرين من هذا الشهر في الصالات حول العالم متوقعاً حصد المعجبين الأول لجانب الجدد، يطرح المخرج ستيفن سودربيرغ فيلمه الجديد «غير عاقل» (Unsane) في المجمّعات السينمائية ذاتها حول العالم إنما بحظوظ نجاح أقل.
يحكي الفيلم، الذي شهد عرضه العالمي الأول في مهرجان برلين الأخير، قصة امرأة (كلير فوري) كانت انتقلت إلى مدينة جديدة عليها، وتسلمت وظيفة محللة اقتصادية في أحد المصارف، لكنها مضطرة لزيارة محلل نفسي تبعاً لحالات نفسية لا تعلن عنها مسبقاً. في زيارتها الأولى توقع على عقد، من دون أن تقرأ تفاصيله، ولاحقاً تكتشف أنها وقَّعت على اتفاق يقضي بأن تتحول إلى مختبر حي يعيش أيامه داخل حجرة صغيرة في العيادة.
لاحقاً يطرح علينا المخرج السؤال حول ما إذا كانت بطلة الفيلم عاشت كابوساً أو أن ما جرى معها في تلك الأيام التي وجدت نفسها سجينة كان واقعياً.
هذا سؤال قديم يا صاحبي. ولم يعد ملحّاً كما كان الوقت عندما طرح منذ الثلاثينات (أحد إسكتشات لوريل وهاردي طرحه كوميدياً في «قضية جريمة»). وسبق لمارتن سكورسيزي أن أبدع في التوغل إلى فحواه سنة 2010 عندما قدم «جزيرة معزولة» (Shutter Island) حول ذلك التحري (ليوناردو ديكابريو) الذي يصل إلى سجن فوق جزيرة في الخمسينات لمعاينة أحد المرضى من المجرمين فإذا برحلته تكشف على أنها مدبّرة لسجنه هو.
لكن الفارق بين فيلم سودربيرغ وفيلم سبيلبرغ شاسع على جبهتين: فيلم سبيلبرغ يحمل رسالة تحذير شاملة حول مصير العالم. فيلم سودربيرغ يحمل رسالة من نوع «اقرأ جيداً قبل أن توقِّع على اتفاق ما».
الجبهة الثانية تقنية: مصوّر باستخدام خمسة أنواع كاميرا ديجيتال. فيلم سودربيرغ مصوّر بهاتف من نوع iPhone 7 Plus. فرق شاسع من أن تأتي إلى مكان التصوير المجهز بكاميرا وطاقهما، وبين أن تأتي المكان والهاتف في جيبك تسحبه من مكانه وتصيح «أكشن».
ليست هي المرّة الأولى، كما ادعى بعض الصحافيين مرحبين، التي يتم استخدام كاميرا هاتف لتصوير فيلم طويل، بل الثانية على الأقل. قبل سنتين قام شون بايكر بتحقيق فيلم «Tangerine» بتصويره مستخدماً موديلاً أقدم من «آي فون» هو «iPhone 5» لكن المشكلة هي أنه حتى ولو بدت النتيجة على الشاشة جيدة (تصويراً وإضاءة) فهي جيدة بشروط تجعل من المستحيل قبولها على أساس فني.

حلقة مفقودة

الواقع هو أن تصوير فيلم (قصير أو طويل) بكاميرا هاتف (زوّد سودربيرغ هاتفه بعدسة 18 مم) يفرض على المخرج شروط عمل مختلفة بحيث عليه أن يبرر، على سبيل المثال هنا، لماذا تبدو وجوه الأشخاص عند التقاطها منتفخة، خصوصاً إذا ما كانت اللقطة قريبة. اليد الممتدة تبدو، للسبب نفسه، كما لو كانت يد وحش ضخم وليست يداً آدمية.
سودربيرغ يروّج لفيلمه بالقول إن كل ما تحتاج إليه لتصوير فيلم هو سيناريو جيد وهاتف جوال. لكن إذا كانت هذه السينما المقبلة فإنها - بالأحرى - نهاية السينما كما عرفناها.
في العروض من أسبوع سابق «باسيفيك ريم: ثورة» الذي يأتي بمثابة الجزء الثاني من «باسيفيك ريم»، الذي قام بتحقيقه المخرج غويلرمو دل تورو قبل عامين بنجاح كبير. الفيلم الجديد أقل إجادة وتحت إدارة ستيفن ثالث هو ستيفن دينايت ويدور حول هجوم يبدأ - كما العادة - مباغتاً وحاسماً ولا نجاة منه وينتهي مهزوماً ومدحوراً إلى أن يحين موعد إطلاق جزء جديد.
بطل هذه المقطوعة من الخيال العلمي هو جايك (جون بوييغا الذي سبق وأن وجدناه محارباً في «ستار وورز: القوة تستيقظ» (2015) ثم «ستار وورز: الجيداي الأخير» (قبل أشهر قليلة). يؤدي هنا دور ابن أحد أبطال الجزء الأول الذي ضحّى بحياته دفاعاً عن كوكب الأرض ضد الغزاة الأول. لكن الابن ليس كأبيه لنحو ثلث الفيلم الأول قبل أن يقرر الالتحاق بالمقاومين الذين تقودهم امرأة (رينكو كيكوشي) التي هي في الوقت ذاته شقيقته. الباقي من الفيلم يحوي كل الضجيج الممكن صوتاً وصورة الذي نستخلصه من كل فيلم يقوم على معارك طاحنة بين الأشرار والأخيار.
في حقيقته، يبدو هذا الجزء أقرب إلى حلقة مفقودة بين سلسلة «كوكب القردة» لناحية حكاية الصراع بين الآدميين الساعين لاستعادة الأرض من غزاتها، وسلسلة «ترانسفورمرز» لناحية تشابه الوحوش الميكانيكية مع تلك التي في هذه السلسلة التي تجترّ كذلك حكاياتها من جزء لآخر.
«باسيفيك ريم: ثورة» احتل المركز الأول بعد خمسة أسابيع من سطوة «بلاك بانثر» الذي قاد بطولته ممثل أسود أيضاً هو تشادويك بوزمان. لكن في حين أن بوييغا بريطاني فإن بوزمان أميركي المولد. على ذلك فإن خروج الفيلمين متواليين ببطولة من ممثلين من أصول أفريقية وبنجاح يمنح هذه الفترة من العام الحالي على الأقل تجديداً في الوجوه لم يكن متوقعاً نجاحه إلى هذا الحد (خصوصاً بالنسبة لفيلم «بلاك بانثر»). والفيلمان يشتركان كذلك في أن المرأة فيهما تقاتل ببراعة، وهي التي تنقذ الرجال وليس العكس.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».