قبل ساعات من مغادرته نيويورك، أمس، متوجهاً إلى سياتل في إطار جولته في الولايات المتحدة، التقى الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد السعودي، مندوبي الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن، وحثهم على ضرورة تحمل المجلس مسؤولياته لوضع حد لانتهاكات الميليشيات الحوثية المدعومة من إيران، واحترام المعاهدات والمواثيق الدولية.
والتقى الأمير محمد بن سلمان، المندوبين الدائمين: الأميركية نيكي هيلي، والبريطانية كارين بيرس، والفرنسي فرنسوا دولاتر، والروسي فاسيلي نيبينزيا، والصيني زاوشو ما. وأوردت وكالة الأنباء السعودية أنه جرى خلال اللقاء «بحث الأوضاع العامة في الشرق الأوسط، بما فيها تطورات الأزمة في اليمن، والانتهاكات الحوثية المدعومة من إيران»، مضيفةً أن ولي العهد أكد لممثلي الدول الكبرى «ضرورة أن يتحمل مجلس الأمن المسؤولية في هذا الصدد، وضرورة احترام المعاهدات والمواثيق الدولية والقانون الدولي واتفاق الأمم المتحدة»، مشدداً على «التزام المملكة العربية السعودية ميثاق الأمم المتحدة والتعاون الكبير بينهما». وحضر اللقاء أيضاً عن الجانب السعودي السفير لدى الولايات المتحدة الأمير خالد بن سلمان، ووزير الخارجية عادل الجبير، والمندوب الدائم لدى الأمم المتحدة عبد الله المعلمي.
أسبوع حافل في نيويورك
وأمضى ولي العهد السعودي أسبوعاً حافلاً في نيويورك، إذ عقد اجتماعات على مدار الساعة مع الرؤساء التنفيذيين للمصارف والشركات المالية والاقتصادية الكبرى، بالإضافة إلى شخصيات سياسية ومجموعات دينية، وأشرف على توقيع اتفاقات سعودية - أميركية، ورعى نشاطات ثقافية نُظمت بالتزامن مع زيارته.
واجتمع ولي العهد مع الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون، بحضور الأمير خالد بن سلمان والجبير. وتبادل الطرفان «الأحاديث الودية»، وفقاً لـ«واس». كما استقبل وزير الخارجية السابق جون كيري. وجرى خلال اللقاء تبادل الأحاديث الودية بحضور الأمير خالد بن سلمان.
واجتمع ولي العهد مع عدد من القيادات الدينية في الولايات المتحدة بحضور السفير السعودي في واشنطن، والأمين العام لرابطة العالم الإسلامي الدكتور محمد العيسى، ووزير الخارجية. وجرى خلال اللقاء «تأكيد أهمية المشتركات الإنسانية بين أتباع الأديان لتعزيز القيم الإيجابية للتعايش والتسامح».
وكان ولي العهد قد التقى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، وبحث معه الموضوعات ذات الاهتمام المشترك وما تقدمه المملكة لبرامج الأمم المتحدة المختلفة في إطار دعمها للجهود الإنسانية والتنموية، ودورها في صون الأمن والسلم الدوليين بالشراكة مع الأمم المتحدة.
وعبر غوتيريش عن تقديره لما تقوم به المملكة من مساهمات إنسانية في العالم، وتقدمه من أجل الشعب اليمني، ودعمها وتمويلها خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن، داعياً الدول إلى المساهمة في هذا الجهد الإنساني. وجدد التنديد باستهداف مدن المملكة بالصواريخ الباليستية من قبل ميليشيا الحوثي.
المملكة تلتزم القانون
وفي كلمة له عقب اللقاء، أكد الأمير محمد بن سلمان، أن السعودية تعمل مع حلفائها في الشرق الأوسط من أجل ضمان أمن المنطقة واستقرارها. وقال إن المشكلات في الشرق الأوسط هي مع الأفكار التي لا تؤمن بمبادئ الأمم المتحدة، وتنتهك بشكل صارخ كل قوانين وأعراف الأمم المتحدة في تدخلها في الشؤون الداخلية للدول الأخرى وفي الترويج لآيديولوجيات عابرة للحدود ليست لها علاقة بالمصالح الوطنية. كما أشار إلى أن المملكة، وهي من الأعضاء المؤسسين للأمم المتحدة، تدافع عن مصالحها وتحافظ على أمنها، كما تلتزم القوانين الدولية. ولفت إلى أن السعودية تؤمن بمبدأ سيادة القانون، وسيادة الدول في العالم. وأضاف: «نحن في المملكة نعمل مع الحلفاء لحماية مصالحنا وأمننا، كما نتعاون مع الأمم المتحدة ونحاول قدر الإمكان حل مشكلات الشرق الأوسط بالطرق السياسية، ولذلك نحاول قدر المستطاع تجنب أن تخرج الأمور عن السيطرة، وتفادي أكبر قدر ممكن من الإشكاليات».
نشاطات اقتصادية ومالية
وشهد ولي العهد والأمين العام التوقيع على البرنامج التنفيذي المشترك بين كلٍّ من السعودية والأمم المتحدة ممثلةً في مكتب تنسيق المساعدات الإنسانية بغرض: دعم وتمويل خطة الأمم المتحدة للاستجابة الإنسانية في اليمن لعام 2018. ومثّل المانحين في التوقيع على البرنامج السفير السعودي لدى اليمن المدير التنفيذي لمركز إسناد العمليات الإنسانية الشاملة في اليمن محمد آل جابر، ومن الأمم المتحدة مساعدة الأمين العام للأمم المتحدة والمراقب المالي بيتينا توتشي بارتسيوتاس. وتتضمن الاتفاقية تقديم مبلغ مليار دولار من المملكة ودولة الإمارات العربية المتحدة، منها 930 مليون دولار لمنظمات الأمم المتحدة، و70 مليون دولار لتأهيل الموانئ والطرق لزيادة حجم المواد الإغاثية والواردات التجارية.
وحضر اللقاء والتوقيع أيضاً الأمير خالد بن سلمان، ووزير الدولة مساعد بن محمد العيبان، ووزير الخارجية عادل الجبير، والسفير عبد الله المعلمي، ومحمد آل جابر سفير المملكة في اليمن، وكبار المسؤولين في الأمم المتحدة.
وقبل يوم من مغادرته نيويورك على الساحل الشرقي الشمالي للولايات المتحدة، متوجهاً إلى سياتل ولوس أنجليس على الساحل الغربي، التقى الأمير محمد بن سلمان أيضاً كلاً من الرئيس التنفيذي لمصرف «مورغان ستانلي» جيمس غورمان، والرئيس التنفيذي لمصرف «جي بي مورغان» جيمس ديمون. وتخلل اللقاءين تبادل للآراء حول الخدمات التي يقدمها المصرفان في المملكة وفرص التعاون والشراكات الاستراتيجية. وحضر اللقاءين الأمير خالد بن سلمان، ووزير الطاقة والصناعة والثروة المعدنية خالد الفالح، ووزير المالية محمد الجدعان، ورئيس مكتب إدارة الدين العام بوزارة المالية فهد السيف.
مع مؤشر «فوتسي»
وقبل ذلك اجتمع مع الرئيس التنفيذي لشركة «فوتسي» مارك ميكبيس، وجرى استعراض عدد من الموضوعات المالية والاقتصادية المتعلقة بالأسواق المالية وانضمام السوق المالية السعودية إلى مؤشر «فوتسي» الذي يعكس ثقة المستثمرين في الإصلاحات الاقتصادية والمالية وفق «رؤية المملكة 2030». حضر اللقاء الأمير خالد بن سلمان، والجدعان، ورئيس مجلس هيئة السوق المالية محمد القويز، ورئيسة مجلس إدارة «تداول» سارة السحيمي، والمدير التنفيذي لشركة «تداول» خالد الحصان.
واجتمع الأمير محمد بن سلمان بصفته أيضاً رئيس مجلس إدارة صندوق الاستثمارات العامة، مع أكثر من 40 مسؤولاً تنفيذياً من الشركات العالمية الكبرى. واستعرض خلال الاجتماع 3 مشاريع تنموية كبرى في المملكة العربية السعودية، وهي مشروع «نيوم»، ومشروع البحر الأحمر، ومشروع القدية. وتحدّث ولي العهد خلال الاجتماع عن «أهمية هذه المشاريع ومساهمتها في الارتقاء بمستقبل المملكة والمنطقة ككل على صعيد الأثر الاقتصادي وتحقيق الرفاه الاجتماعي»، مؤكداً «التزام المملكة الريادة البيئية والاستدامة كجزء لا يتجزأ من الجهود المبذولة في هذا السياق».
وكان الأمير محمد بن سلمان قد وقّع مع رئيس مجلس إدارة صندوق رؤية «سوفت بنك» ماسايوشي سون، مذكرة تفاهم لإنشاء «خطة الطاقة الشمسية 2030، التي تعد الأكبر في العالم في مجال الطاقة الشمسية، وهي تشكل إطاراً جديداً لتطوير قطاع الطاقة الشمسية في السعودية، وسيتم بموجبها تأسيس شركة جديدة لتوليد الطاقة الشمسية وبدء العمل على محطتين شمسيتين بقدرة 3 غيغاوات و4.2 غيغاوات بحلول عام 2019، والعمل أيضاً على تصنيع وتطوير الألواح الشمسية في السعودية لتوليد الطاقة الشمسية بقدرة ما بين 150 غيغاوات و200 غيغاوات بحلول 2030، وتعد مذكرة التفاهم هذه مكملة لما تم التوقيع عليه مسبقاً في مبادرة مستقبل الاستثمار في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. وتشير الاتفاقية إلى أن دراسات الجدوى بين الطرفين حول هذا المشروع ستكتمل بحلول مايو (أيار) 2018. وتشير الاتفاقية كذلك إلى أن الطرفين ملتزمان باستكشاف تصنيع وتطوير أنظمة تخزين الطاقة الشمسية في السعودية، وتأسيس شركات متخصصة للأبحاث وتطوير ألواح الطاقة الشمسية بكميات تجارية في السعودية تسمح بتسويقها محلياً وعالمياً.
وتشير هذه المذكرة إلى التزام الطرفين بإنتاج الألواح الشمسية بقدرة تقدر بـ200 غيغاوات في السعودية وتوزيعها عالمياً، بالإضافة إلى استكشاف الفرص المتعلقة بتأسيس صناعات في مجال منظومات توليد الطاقة وبطارياتها في المملكة، والتي من شأنها أن تساعد على دعم تنويع القطاعات وخلق فرص العمل في مجال التقنيات المتقدمة. ويتوقع أن تساعد هذه المذكرة والمشاريع التي ستنتج منها السعودية على توفير النفط في إنتاج الطاقة في المملكة، وهذا من شأنه أن يعزز دور السعودية في إمداد أسواق العالم بالنفط لا سيما أن الطلب على النفط يتزايد باطراد مع نضوب الإنتاج في بعض المناطق. كما أن هذه المشاريع من المتوقع أن تسهم بما يقدَّر بـ100 ألف وظيفة في السعودية، وزيادة الناتج المحلي للسعودية، كذلك بما يقدر بـ12 مليار دولار، بالإضافة إلى توفير ما يقدر بـ40 مليار دولار سنوياً.
الشراكة السعودية ـ الأميركية
وبحضور عشرات المسؤولين السعوديين والأميركيين، رعى ولي العهد حفلاً تحت عنوان الشراكة السعودية - الأميركية. وقال الأمير محمد بن سلمان خلال الحفل إن «السعودية دولة مهمة في الشرق الأوسط والعالم الإسلامي والعربي... والولايات المتحدة دولة مهمة جداً في العالم». وأشار إلى أن السعودية تمتلك أكبر اقتصاد عربي، وتعد من العشرين الكبار في اقتصاديات العالم... ويوجد فيها مئات الآلاف من السعوديين الذين يحملون الجنسية الأميركية، كما أن الولايات المتحدة فيها مئات الآلاف من السعوديين الذين يتعلمون ويعملون. وشدد على أن العلاقة بين السعودية وأميركا عميقة ومتشعبة، وهذه العلاقة «سبب مهم جداً للنمو الاقتصادي وخلق الوظائف، وأيضاً سبب رئيسي للأمن في البلدين، وكذلك للنجاحات السياسية والأمنية والاقتصادية».
وبعيداً عن الرسميات، التقطت الكاميرا بعض الصور للقاء في أحد المقاهي بنيويورك جمع الأمير محمد بن سلمان مع رئيس بلدية نيويورك السابق مؤسس «بلومبيرغ» مايكل بلومبيرغ. وبدا ولي العهد السعودي برفقة بلومبيرغ يتناولان القهوة في أحد المقاهي، يرافقهما الأمير خالد بن سلمان، في استراحة قصيرة بين «زحمة» اللقاءات في المدينة الأميركية.