«خيام العودة» في غزة... فلسطينيون جاءوا ومعهم «مفاتيح» منازل يحلمون بالعودة إليها

توزيع وجبات طعام على مشاركين في مسيرات العودة شرق جباليا بقطاع غزة أمس (أ.ف.ب)
توزيع وجبات طعام على مشاركين في مسيرات العودة شرق جباليا بقطاع غزة أمس (أ.ف.ب)
TT

«خيام العودة» في غزة... فلسطينيون جاءوا ومعهم «مفاتيح» منازل يحلمون بالعودة إليها

توزيع وجبات طعام على مشاركين في مسيرات العودة شرق جباليا بقطاع غزة أمس (أ.ف.ب)
توزيع وجبات طعام على مشاركين في مسيرات العودة شرق جباليا بقطاع غزة أمس (أ.ف.ب)

حمل المسنّ أحمد الحجار (84 عاماً)، من سكان مخيم جباليا للاجئين الفلسطينيين شمال قطاع غزة، مفتاح منزل عائلته الذي ولد به حين كانت تقطن العائلة في بلدة «المجدل» التي هجّرت منها عام 1948. مصطحباً أبناءه وأحفاده في ساعة مبكرة من صباح أمس الجمعة إلى حدود شمال بلدة بيت لاهيا شمال القطاع والتي لا تبعد سوى نحو 10 كيلومترات عن بلدته الأصلية التي هجر منها، آملاً في العودة إليها بعد 70 عاماً من الاحتلال.
وعند وصول الحجار مع أبنائه الأربعة وأكثر من 12 حفيداً إلى «خيام العودة» التي نُصبت في الأيام الأخيرة على طول الحدود الشرقية والشمالية لقطاع غزة، استقر في إحداها وعينه على الحدود القريبة من بلدته التي هُجّر منها إلى جانب والديه وأجداده حين كان يبلغ من العمر نحو 14 عاماً، لكنه ما زال يتذكر كثيراً من التفاصيل عن حياته وهو صغير في تلك البلدة قبل الهجرة منها.
وبينما كان يتحدث الحجار إلى أبنائه وأحفاده عن الجمال الخلاب الذي كانت تتمتع به بلدتهم القريبة من ساحل البحر الأبيض المتوسط، وعن الحياة البسيطة التي كان يعيشها السكان الفلسطينيون في بلادهم التي هجّروا منها، سواء في الزراعة أو تربية المواشي والصيد وغيرها، كان العشرات من الشبان الغزيين يستمعون إليه وهم ينظرون إلى بلداتهم المحتلة القريبة من الحدود والتي يتحصن فيها المئات من الجنود الذين انتشروا على الحدود في محاولة لقمع أي محاولة للاقتراب من السياج الأمني.
وقال المسن الحجار لـ«الشرق الأوسط» بأنه يأمل بأن يعود إلى بلدته المجدل ليعيش مع أبنائه وأحفاده بعد سنوات من التهجير القسري، مشيراً إلى أن مشاركته في مسيرة أمس على الحدود إنما تأتي تأكيداً لحق الفلسطينيين في العودة إلى أراضيهم التي هجروا منها وذلك من خلال كل الطرق الممكنة ومنها المسيرات السلمية التي أعلن الفلسطينيون عن تنظيمها على الحدود.
وأشار الحجار إلى أن هناك عائلات من اللاجئين الفلسطينيين ما زالت تملك أوراقاً ثبوتية لمنازلها وأراضيها التي هجّرت منها وما زالت تتمسك بحقها في العودة إلى بلداتها وقراها المحتلة. وقال: «نحن ومن خلفنا أحفادنا لن نفرّط بأراضينا مهما طال أو قصر بنا الزمن».
وكان العديد من العائلات وعشرات الشبان وصلوا إلى الخيام في ساعات متقدمة مساء الخميس وقضوا الليلة في أجواء حماسية أشعلوا خلالها النيران وأدوا وصلات غنائية وطنية وأخرى إسلامية لفصائل مثل «حماس» و«الجهاد الإسلامي»، وسط أجواء من السمر استعداداً للمسيرات الحاشدة التي شهدتها الحدود ظهر الجمعة.
ولوحظ حضور عدد كبير المسنين والنساء والأطفال والمرضى وأصحاب الإعاقات المختلفة، وعائلات بكامل أفرادها، إلى خيام العودة التي تم تزويدها بوسائل دعم لوجيستي جيدة بهدف توفير كافة وسائل الراحة والطعام والمياه والكهرباء للمشاركين في المسيرات. كما أدى شبان في أكثر من منطقة حدودية وصلات من الدبكة الشعبية أو ما يعرف بـ«الدحية» وهي تراث من الفن الشعبي الفلسطيني.
ووفرت اللجنة العليا المشرفة على المسيرات وجبات طعام ومياه باردة للمشاركين في المظاهرات الحدودية. كما وفرت الإنترنت المجاني للناشطين للتغطية الإعلامية المباشرة عبر منصات التواصل الاجتماعي. وسط محاولات من الاحتلال الإسرائيلي للتشويش على شبكة الإنترنت والبث التلفزيوني المباشر.
وقالت المواطنة سامية حسان (46 عاماً) إنها جاءت إلى الحدود الشرقية لمدينة غزة «بهدف مشاركة أبناء الشعب الفلسطيني آمالهم وحقهم في العودة لأراضيهم التي هجروا منها بالقوة العسكرية إبان حرب العصابات الصهيونية عام 1948»، مشيرة إلى أن المسيرات «كانت سلمية ولم تشهد أي أحداث عسكرية إلا أن ذلك لم يردع الاحتلال من غطرسته العدوانية وإطلاقه النار وإلقاء قنابل الغاز تجاه المتظاهرين». وأشارت حسان إلى أنها جاءت مع زوجها وأبنائها وشقيقاتها إلى الخيام مساء الخميس، وقضوا ليلتهم حتى ساعات الفجر الأولى، قبل أن يناموا قليلاً ويصحوا باكراً بسبب الحشود الضخمة التي وصلت في ساعات مبكرة من صباح الجمعة.
وأضافت في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «نحن وأبناؤنا وأحفادنا نأمل بأن نعود قريباً لبلاد آبائنا وأجدادنا. من حقنا أن نعيش بحرية وكرامة في بلادنا كما تعيش الشعوب الأخرى. من حقنا أن نتنعم بثروات بلادنا التي سلبت منا بالقوة». وطالبت «كل الفصائل الفلسطينية بالوحدة الوطنية والتطلع لتحقيق حلم العودة والتحرير للأجيال الحالية والقادمة ومواصلة المسيرات على طول الحدود من أجل تحقيق ذلك».
أما أحمد أبو رتيمة، أحد منسقي «الهيئة العليا لمسيرات العودة»، فقال إنهم سيواصلون الاعتصام السلمي على حدود القطاع حتى موعد مسيرة العودة الكبرى في الخامس عشر من مايو (أيار) المقبل، الذي يصادف الذكرى السبعين للنكبة الفلسطينية. وأوضح أبو رتيمة لـ«الشرق الأوسط» أن هناك برنامجاً واسعاً متفقاً عليه وطنياً بين الفصائل والجهات المختلفة الداعمة لهذه المسيرات بمواصلة الاعتصام السلمي، معتبراً أن استخدام الاحتلال للقوة المفرطة بحق المتظاهرين «يؤكد انزعاج الاحتلال وتخبطه وخوفه من هذه المسيرات السلمية ودورها في تحقيق أهدافها الوطنية الكبيرة». ودعا إلى حشد كل الطاقات الفلسطينية من أجل المسيرة التي ستنظم في منتصف مايو (أيار) المقبل بمشاركة من اللاجئين الفلسطينيين على الحدود المحتلة في كافة أماكن تواجدهم من الأردن أو سوريا أو لبنان.



الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)

ضمن مخاوف الجماعة الحوثية من ارتدادات تطورات الأوضاع في سوريا على قوتها وتراجع نفوذ محور إيران في منطقة الشرق الأوسط؛ صعّدت الجماعة من ممارساتها بغرض تطييف المجتمع واستقطاب أتباع جدد ومنع اليمنيين من الاحتفال بسقوط نظام بشار الأسد.

واستهدفت الجماعة، حديثاً، موظفي مؤسسات عمومية وأخرى خاصة وأولياء أمور الطلاب بالأنشطة والفعاليات ضمن حملات التعبئة التي تنفذها لاستقطاب أتباع جدد، واختبار ولاء منتسبي مختلف القطاعات الخاضعة لها، كما أجبرت أعياناً قبليين على الالتزام برفد جبهاتها بالمقاتلين، ولجأت إلى تصعيد عسكري في محافظة تعز.

وكانت قوات الحكومة اليمنية أكدت، الخميس، إحباطها ثلاث محاولات تسلل لمقاتلي الجماعة الحوثية في جبهات محافظة تعز (جنوب غربي)، قتل خلالها اثنان من مسلحي الجماعة، وتزامنت مع قصف مواقع للجيش ومناطق سكنية بالطيران المسير، ورد الجيش على تلك الهجمات باستهداف مواقع مدفعية الجماعة في مختلف الجبهات، وفق ما نقله الإعلام الرسمي.

الجيش اليمني في تعز يتصدى لأعمال تصعيد حوثية متكررة خلال الأسابيع الماضية (الجيش اليمني)

وخلال الأيام الماضية اختطفت الجماعة الحوثية في عدد من المحافظات الخاضعة لسيطرتها ناشطين وشباناً على خلفية احتفالهم بسقوط نظام الأسد في سوريا، وبلغ عدد المختطفين في صنعاء 17 شخصاً، قالت شبكة حقوقية يمنية إنهم اقتيدوا إلى سجون سرية، في حين تم اختطاف آخرين في محافظتي إب وتعز للأسباب نفسها.

وأدانت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات حملة الاختطافات التي رصدتها في العاصمة المختطفة صنعاء، مشيرة إلى أنها تعكس قلق الجماعة الحوثية من انعكاسات الوضع في سوريا على سيطرتها في صنعاء، وخوفها من اندلاع انتفاضة شعبية مماثلة تنهي وجودها، ما اضطرها إلى تكثيف انتشار عناصرها الأمنية والعسكرية في شوارع وأحياء المدينة خلال الأيام الماضية.

وطالبت الشبكة في بيان لها المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية بإدانة هذه الممارسات بشكل واضح، بوصفها خطوة أساسية نحو محاسبة مرتكبيها، والضغط على الجماعة الحوثية للإفراج عن جميع المختطفين والمخفيين قسراً في معتقلاتها، والتحرك الفوري لتصنيفها منظمة إرهابية بسبب تهديدها للأمن والسلم الإقليميين والدوليين.

تطييف القطاع الطبي

في محافظة تعز، كشفت مصادر محلية لـ«الشرق الأوسط» عن أن الجماعة الحوثية اختطفت عدداً من الشبان في منطقة الحوبان على خلفية إبداء آرائهم بسقوط نظام الأسد، ولم يعرف عدد من جرى اختطافهم.

تكدس في نقطة تفتيش حوثية في تعز حيث اختطفت الجماعة ناشطين بتهمة الاحتفال بسقوط الأسد (إكس)

وأوقفت الجماعة، بحسب المصادر، عدداً كبيراً من الشبان والناشطين القادمين من مناطق سيطرة الحكومة اليمنية، وأخضعتهم للاستجواب وتفتيش متعلقاتهم الشخصية وجوالاتهم بحثاً عمّا يدل على احتفالهم بتطورات الأحداث في سوريا، أو ربط ما يجري هناك بالوضع في اليمن.

وشهدت محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) اختطاف عدد من السكان للأسباب نفسها في عدد من المديريات، مترافقاً مع إجراءات أمنية مشددة في مركز المحافظة ومدنها الأخرى، وتكثيف أعمال التحري في الطرقات ونقاط التفتيش.

إلى ذلك، أجبرت الجماعة عاملين في القطاع الطبي، بشقيه العام والخاص، على حضور فعاليات تعبوية تتضمن محاضرات واستماع لخطابات زعيمها عبد الملك الحوثي، وشروحات لملازم المؤسس حسين الحوثي، وأتبعت ذلك بإجبارهم على المشاركة في تدريبات عسكرية على استخدام مختلف الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والقنابل اليدوية وزراعة الألغام والتعامل مع المتفجرات.

وذكرت مصادر طبية في صنعاء أن هذه الإجراءات استهدفت العاملين في المستشفيات الخاصعة لسيطرة الجماعة بشكل مباشر، سواء العمومية منها، أو المستشفيات الخاصة التي استولت عليها الجماعة بواسطة ما يعرف بالحارس القضائي المكلف بالاستحواذ على أموال وممتلكات معارضيها ومناهضي نفوذها من الأحزاب والأفراد.

زيارات إجبارية للموظفين العموميين إلى معارض صور قتلى الجماعة الحوثية ومقابرهم (إعلام حوثي)

وتتزامن هذه الأنشطة مع أنشطة أخرى شبيهة تستهدف منتسبي الجامعات الخاصة من المدرسين والأكاديميين والموظفين، يضاف إليها إجبارهم على زيارة مقابر قتلى الجماعة في الحرب، وأضرحة عدد من قادتها، بما فيها ضريح حسين الحوثي في محافظة صعدة (233 كيلومتراً شمال صنعاء)، وفق ما كانت أوردته «الشرق الأوسط» في وقت سابق.

وكانت الجماعة أخضعت أكثر من 250 من العاملين في الهيئة العليا للأدوية خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، وأخضعت قبلهم مدرسي وأكاديميي جامعة صنعاء (أغلبهم تجاوزوا الستين من العمر) في مايو (أيار) الماضي، لتدريبات عسكرية مكثفة، ضمن ما تعلن الجماعة أنه استعداد لمواجهة الغرب وإسرائيل.

استهداف أولياء الأمور

في ضوء المخاوف الحوثية، ألزمت الجماعة المدعومة من إيران أعياناً قبليين في محافظة الضالع (243 كيلومتراً جنوب صنعاء) بتوقيع اتفاقية لجمع الأموال وحشد المقاتلين إلى الجبهات.

موظفون في القطاع الطبي يخضعون لدورات قتالية إجبارية في صنعاء (إعلام حوثي)

وبينما أعلنت الجماعة ما وصفته بالنفير العام في المناطق الخاضعة لسيطرتها من المحافظة، برعاية أسماء «السلطة المحلية» و«جهاز التعبئة العامة» و«مكتب هيئة شؤون القبائل» التابعة لها، أبدت أوساط اجتماعية استياءها من إجبار الأعيان والمشايخ في تلك المناطق على التوقيع على وثيقة لإلزام السكان بدفع إتاوات مالية لصالح المجهود الحربي وتجنيد أبنائهم للقتال خلال الأشهر المقبلة.

في السياق نفسه، أقدمت الجماعة الانقلابية على خصم 10 درجات من طلاب المرحلة الأساسية في عدد من مدارس صنعاء، بحة عدم حضور أولياء الأمور محاضرات زعيمها المسجلة داخل المدارس.

ونقلت المصادر عن عدد من الطلاب وأولياء أمورهم أن المشرفين الحوثيين على تلك المدارس هددوا الطلاب بعواقب مضاعفة في حال استمرار تغيب آبائهم عن حضور تلك المحاضرات، ومن ذلك طردهم من المدارس أو إسقاطهم في عدد من المواد الدراسية.

وأوضح مصدر تربوي في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن تعميماً صدر من قيادات عليا في الجماعة إلى القادة الحوثيين المشرفين على قطاع التربية والتعليم باتباع جميع الوسائل للتعبئة العامة في أوساط أولياء الأمور.

مقاتلون حوثيون جدد جرى تدريبهم وإعدادهم أخيراً بمزاعم مناصرة قطاع غزة (إعلام حوثي)

ونبه المصدر إلى أن طلب أولياء الأمور للحضور إلى المدارس بشكل أسبوعي للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة هو أول إجراء لتنفيذ هذه التعبئة، متوقعاً إجراءات أخرى قد تصل إلى إلزامهم بحضور فعاليات تعبوية أخرى تستمر لأيام، وزيارة المقابر والأضرحة والمشاركة في تدريبات قتالية.

وبحسب المصدر؛ فإن الجماعة لا تقبل أي أعذار لتغيب أولياء الأمور، كالسفر أو الانشغال بالعمل، بل إنها تأمر كل طالب يتحجج بعدم قدرة والده على حضور المحاضرات بإقناع أي فرد آخر في العائلة بالحضور نيابة عن ولي الأمر المتغيب.