الفلسفة الإسلامية أضاءت القرون الوسطى

كتاب يرد على ادعاءات أرنست رينان

الفلسفة الإسلامية أضاءت القرون الوسطى
TT

الفلسفة الإسلامية أضاءت القرون الوسطى

الفلسفة الإسلامية أضاءت القرون الوسطى

أصدرت دار آفاق للنشر والتوزيع المصرية هذا العام، ترجمة لكتاب علي بن مخلوف وهو بعنوان: «لماذا نقرأ الفلاسفة العرب؟» ولقد قام بنقله من الفرنسية إلى العربية الدكتور أنور مغيث.
ويسعى الكتاب في ملامحه الكبرى إلى تقديم الفلسفة العربية باعتبارها جزءاً من التراث الإنساني وحلقة مصيرية في نمو الفكر البشري، كما يرفض تلك الفكرة الشائعة، والتي أصبحت متجاوزة الآن، والقائلة بأن العصر الوسيط كئيب ومظلم وممل، للتأكيد بأنه عصر شحذ العقل وتشذيبه وتدريبه عن طريق التأمل، أو لنقل إنه كان بوتقة لتفاعل الأفكار وتزاوجها، مما سمح بإنجاب عصر النهضة ومن ثم انبثاق الزمن الحديث.
ويرى المؤلف أن الفلسفة العربية، مثلها مثل الفلسفة الصينية وفلسفات أخرى، هي طريق واحدة من طرق الولوج إلى تاريخ الحقيقة التي تتقاسمها البشرية، فالفترة الفاصلة ما بين القرن الثامن إلى القرن الخامس عشر لا يمكن بترها عن الدار العالمية للفكر فهي جزء لا يتجزأ منها، فإذا كانت هناك مداخل مختلفة بين الشعوب وتباينات بينها، فهذا لا يعني عدم تلاقحها وتأثر بعضها ببعض. وبهذا الصدد يستشهد المؤلف علي بن مخلوف بقول شهير لـ«مونتاني»: «القول نصفه ينتمي إلى من يقوله ونصفه الآخر ينتمي إلى من يتلقاه».
ويقول المؤلف إن الفلسفة نبتت في التربة الإسلامية مرتين، الأولى على شاكلة لاهوت أي كعلم للكلام والثانية في صورة تيار فلسفي خالص تغذى من منابع يونانية. إلا أن من أهم مميزات التوجه الفلسفي الإسلامي في مرحلته الثانية أنه دخل بغطاء «الحكمة» والله حكيم، وهذا ذكاء في نقل الفلسفة وترجمتها، كما أنه توجه ميز بوضوح بين علم الكلام والدين، إذ حاول فلاسفة الإسلام الاستناد إلى القرآن الكريم مباشرة لدعم وجودهم في البنية الإسلامية وإيجاد موطئ قدم لهم، وهنا نتذكر بوضوح مجهودات ابن رشد في كتابه: «فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من اتصال»، من دون أن ننسى هنا نقيضه الغزالي الذي كان مدافعا عن الفرقة الكلامية الأشعرية، ولم يكن رقيقا قط مع فلاسفة اليونان، خصوصا أرسطو في إلهياته، ولا مع فلاسفة الإسلام وخصوصا الفارابي وابن سينا، على الرغم من أنه تشرب أساليبهم في القول وخبر طرقهم في البرهان.
يتوقف علي بن مخلوف عند ذلك الحكم النمطي الذي كرسه «أرنست رينان» كون الفلسفة الإسلامية مجرد وسيط ورابط أوصل الفلسفة الإغريقية من أثينا إلى باريس ثم أكسفورد وبادو. فرينان يتحمل قسطا من المسؤولية في اختزال مجهودات فلاسفة الإسلام وهو القائل: «لا يوجد ما نتعلمه لا من ابن رشد ولا من العرب ولا من العصر الوسيط» فالتربة الإسلامية انتصرت من وجهة نظره للتعصب الديني على حساب العقل رغم قتال ابن رشد الذي باء بالفشل، حيث بعده، حسب زعمه، توارى الفكر ودخل العرب في سبات لم يستفيقوا منه إلا بعد وخز الاستعمار والمتمثل عنده في حملة بونابرت على مصر!. يقول رينان: «عندما مات ابن رشد في عام 1198 فقدت الفلسفة العربية معه ممثلها الأخير وتم تأمين انتصار القرآن على الفكر الحر لستة قرون على الأقل». هذا القول يراه علي بن مخلوف تأويلا يضع النص الديني في تعارض مع الرسالة الفلسفية لابن رشد وهو مغالطة واضحة، فمجهود ابن رشد الضخم كان هو وضع استراتيجية لإقحام الفلسفة من خلال كونها حكمة والله حكيم، والعمل على تبرير الفلسفة انطلاقا من القرآن نفسه، فالفلسفة كانت عند ابن رشد موجودة كبرنامج في القرآن، فهو نص يتحدث عن «الكتاب والحكمة» ناهيك على أن الراسخين في العلم الواردة في القران هم الذين يؤمنون بالنص القرآني دون التخلي عن العقل.
ولا يمكن أن نقرا هذا الكتاب دون الوقوف على ما يسميه المؤلف بالنموذجين الموجهين للفلسفة العربية وهما: «النموذج البرهاني» الذي جعل منه الفلاسفة أعلى مستويات التفكير وإن كان لا يصلح إلا للخاصة، وأيضا «النموذج الطبي» الذي مارس تأثيرا على الأفق الفلسفي العربي، منذ أعمال محمد بن زكريا الرازي الذي جمع شمل الطب القديم في كتابه المشهور بـ«الحاوي»، إضافة إلى كتابه «الطب الروحي» والذي عالج فيه الاضطرابات النفسية. واللافت في الطب العربي بحسب علي بن مخلوف هو أن قوامه تأسس على ركيزتين وهما: الانشغال بالذات والعناية السخية بالآخرين، أي كيف يتحكم الإنسان في ذاته وفي الآخر ليعيش عيشة متوازنة. ولنتذكر أن ابن سينا وابن طفيل وابن رشد... قد مارسوا الطب، فالفلسفة لم تكن منفصلة عن الطب أبدا فهما معا كانا سبيلين يطمع من خلالهما الفيلسوف إلى العيش وفق متطلبات العقل.
لقد كانت الفلسفة العربية حقا هي تلك البوتقة الكبرى التي جمعت كل التراث الإنساني القديم، فعملت على جعله يتمخض بالدرس والتمرين... لينجب لنا الزمن الحديث، مما يعني أنه لنا يد فيه، فهو منا وإلينا، فدرب الحقيقة هو جهد كل البشر.


مقالات ذات صلة

أمين رابطة العالم الإسلامي يزور تنزانيا

المشرق العربي الدكتور محمد بن عبد الكريم العيسى‬ في خطبة الجمعة بأكبر جوامع مدينة دار السلام التنزانية

أمين رابطة العالم الإسلامي يزور تنزانيا

ألقى معالي الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي، رئيس هيئة علماء المسلمين، فضيلة الشيخ الدكتور محمد بن عبد الكريم العيسى‬، خطبةَ الجمعة ضمن زيارة لتنزانيا.

«الشرق الأوسط» (دار السلام)
شمال افريقيا شيخ الأزهر خلال كلمته في الاحتفالية التي نظمتها «جامعة العلوم الإسلامية الماليزية» (مشيخة الأزهر)

شيخ الأزهر: مأساة فلسطين «جريمة إبادة جماعية» تجاوزت بشاعتها كل الحدود

لفت شيخ الأزهر إلى أن «ظاهرة جرأة البعض على التكفير والتفسيق وما تسوغه من استباحة للنفوس والأعراض والأموال، هي ظاهرة كفيلة بهدم المجتمع الإسلامي».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
الخليج يوضح المعرض أهمية الفنون في مصاحبة كتابة المصاحف ونَسْخها عبر العصور (مكتبة الملك عبد العزيز)

معرض في الرياض لنوادر المصاحف المذهّبة

افتُتح، في الرياض، أول من أمس، معرض المصاحف الشريفة المذهَّبة والمزخرفة، الذي تقيمه مكتبةُ الملك عبد العزيز العامة بفرعها في «مركز المؤسس التاريخي» بالرياض.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
آسيا في هذه الصورة التي التُقطت في 6 فبراير 2024 رجل يدلّ على ضريح الصوفي الحاج روزبيه المهدم في نيودلهي (أ.ف.ب)

هدم ضريح ولي صوفي في إطار برنامج «للتنمية» في دلهي

في أوائل فبراير (شباط)، صار ضريح صوفي أحدث ضحايا «برنامج الهدم» الذي تنفذه هيئة تنمية دلهي لإزالة «المباني الدينية غير القانونية» في الهند.

«الشرق الأوسط» (نيودلهي)
يوميات الشرق مصلون يشاركون في جلسة للياقة البدنية بعد الصلاة في مسجد منطقة باغجلار في إسطنبول في 8 فبراير 2024 (أ.ف.ب)

حصص رياضة داخل مساجد تركية تساعد المصلين على تحسين لياقتهم

يشارك مصلّون في حصة تدريبات رياضية في مساجد بمدينة إسطنبول التركية بعد انتهاء صلاة العصر، ويوجد معهم مدرّب لياقة بدنية.

«الشرق الأوسط» (إسطنبول)

محمود الرحبي: لا أكتب لنيل جائزة واللحظات الجميلة تأتي بدون تخطيط

محمود الرحبي
محمود الرحبي
TT

محمود الرحبي: لا أكتب لنيل جائزة واللحظات الجميلة تأتي بدون تخطيط

محمود الرحبي
محمود الرحبي

يعد الكاتب محمود الرحبي أحد أبرز الأصوات في خريطة السرد بسلطنة عمان. وعلى الرغم من أن بعض رواياته لا تتجاوز 60 صفحة، فهو يراهن «على التكثيف والشحنة الجمالية وجذب القارئ ليكون فاعلاً في النص»، كما يقول. من أعماله الروائية والقصصية «المموِّه» و«صرخة مونش» و«أرجوحة فوق زمنين» و«حديقة السهو»، ووصلت روايته «طبول الوادي» إلى القائمة القصيرة لجائزة «كتارا» في دورتها الحالية، هنا حوار معه حول تجربته الأدبية:

* في «طبول الوادي»، تستعيد خصوصية مجتمعات ريفية في قرى عمانية تكاد تبتلعها الجبال، كيف جعلت من الأصوات وسيلةً لرسم ملامح البشر والمكان في النص؟

- بالنسبة لرواية «طبول الوادي» التي ترشحت أخيراً إلى القائمة القصيرة لجائزة «كتارا» للرواية العربية المنشورة في دورتها الحالية، تعمدت اختيار «وادي السحتن»، المكون من قرى عدة وسط الجبال تمتاز بوفرة في الثمار، حتى سميت بـ«مندوس» عمان. و«المندوس» كلمة شعبية تعني الصندوق الثمين، كما اخترت بالمقابل حياً يُعدُّ في تلك الفترة مثالاً للتمازج وتعدد الألسنة والثقافات والطباع وهو «وادي عدي»، وعبر تفاصيل الأحداث نعرف لماذا اختار بطل الرواية «سالم» الحرية مقابل الجاه ومشيخة القبيلة حتى وإن جاع.

اهتممت بالتفاصيل كمقوم سردي، مثل الطرقات التي كانت في ذاك الزمن متربة وخشنة حتى في أحياء المدينة، والقرى كانت رهيبة وشاقة. أتذكر مثلاً أننا كنا لكي نشق بعض الطرق الصاعدة نضطر إلى وضع الحجارة داخل السيارة وقت الهبوط، حتى تحافظ على توازنها ولا تنزلق من المرتفعات. والأصوات هنا قد توحي بكمية الأغاني التي تشتمل عليها الرواية. هناك أيضاً أناشيد بعضها باللغة السواحلية الزنجبارية، ناهيك عن طبول الجوع التي تعرض لها بطل الرواية «سالم»، وقد اختار الحرية مضحياً بكل شيء وخرج من قريته حافي القدمين حاسر الرأس، وفي ذلك دلالة مقصودة.

* ألن يكون صادماً لبعض القراء التعرف على وجه آخر لـ«دول الخليج» من خلال قرى متقشفة يعاني أبناؤها من مستويات متباينة من الفقر والجوع والحرمان؟

- لا يخلو أي مجتمع من مفارقات، ومن هنا يستثمر الأدب في جانبه السردي هذه المؤونة ويصعّدها إلى مستوى القص. صحيح أن عمان بلد نفطي وعدد سكانه قليل لكنه في النهاية مجتمع متنوع، به طبقات ومستويات، به ثراء فاحش وبه فقر مدقع. ولست في سياق مناقشة الأسباب، إنما يمكن ذكر أمثلة، منذ فترة قريبة مثلاً سمعت عن قريب لي سُرّح من عمله، ولديه أبناء كُثر، التعويض لم يكن يكفيه لإعالة أبنائه، فاضطر إلى السير في الخلاء ليعود من هناك بأشجار يحرقها ليحولها فحماً يبيعه. تحول إلى حطّاب. وهذه الأمور لم نكن نسمع بها إلا في الحكايات.

* في مقابل القرية، تطل المناطق والمدن الأكثر تحضراً، وهى تحتوي، وفق تعبير الراوي، على «الضجيج الذي يُسمع الآن متداخلاً بين العربية والهندية والأفريقية والبلوشية... كيف ترى بعين الروائي هذا «الموزاييك» أو «الفسيفساء» الذي تحمله سلطنة عمان والمجتمع الخليجي عموماً بين طياته؟

- هذا الموزاييك يشكل ثراءً اجتماعياً تنتج عنه تفاعلات يمكن أن يستفيد منها القاص. لو فقط تأملنا تاريخ الأسواق العمانية، لحصلنا على ذخيرة مهمة، ناهيك عن الأغاني، سواء تلك المتعلقة بالأفراح أو حتى الأتراح. المهم هنا هو كيف تعبر عما هو موجود وليس تفصيل ما هو موجود. الكم يعدُّ انحرافاً عن طريق الأدب الذي من سماته البلاغة والاقتصاد. الكاتب الروسي نيقولاي غوغول اختصر في رواية «المعطف» تاريخ الخياطين في روسيا في عمل صغير، كان المعطف هو البطل وليس صاحب المعطف في الحقيقة. لكنه قدم عملاً هائلاً لا يمكن نسيانه. أتذكر حين قرأت «المعطف» أول مرة في التسعينات وكانت منشورةً كاملةً في مجلة «عيون المقالات» بكيتُ بحرقة. ولحظة التأثر الصادقة هذه لا يمكن أن يقدمها لك إلا كاتب عظيم بحجم غوغول.

* جاءت روايتك «المموِّه» قصيرةً إلى حد الصدمة حتى أنها تقع في أقل من 60 صفحة، كيف ترى مسألة «الحجم» وتأثيرها في استقبال وتصنيف الأعمال الأدبية؟

-الحجم عادة ليس مقياساً. رواية «الليالي البيضاء» لدوستويفسكي رواية قصيرة لكن لا تقل أهمية وذكراً عن رواياته الكبيرة. الأهم في هذا السياق هو التأثير. وسواء كُتب على الغلاف رواية أو «نوفيلا»، يظل هذا الأمر يدور في قلة الحجم. ثمة مواضيع من الأفضل تقديمها قصيرة خصوصاً تلك القصص التي تعتمد على اللعب. وحين أقول قصصاً فإنه حتى الرواية كانت تسمى قصة، فالقصة عنصر أساسي في السرد، سواء كان هذا المسرود قصة قصيرة أو رواية.

* هل أردت أن تحرر فكرة السرد الروائي من «المطولات» التي أثقلته مؤخراً أعمال تتجاوز 400 أو 500 صفحة دون دواعٍ فنية؟

- لم أكن أقصد حين كتبت سوى التعبير بأقل الكلمات وأحياناً ألجأ لمجرد الإشارات. حالياً أعكف على نوفيلا بطلها شاب لا يتكلم، انطلاقاً من مقولة لبريخت مفادها أن الذي لا يتكلم لديه كلام كثير ليقوله، وهذا الكثير يعبّر عنه بمختلف حواسه، لا سيما العين وليس فقط الإشارات. قبل أن أكتب رواية «أوراق الغريب» دخلت في دورة للصم مدتها أسبوعان، وذلك لأنه ضمن شخصيات هذه الرواية امرأة خرساء. ورغم أن دورها ثانوي في الرواية، لكن كان من المهم فهم شعورها وطريقة تعبيرها بدقة وإلا أصاب النص نقص مخجل، ليس في عدد الصفحات، وهذا ليس مهماً كثيراً، لكن في الفهم... كيف تكتب عن حالة أو شخصية قبل أن تفهمها؟ هذا أمر في غاية الأهمية حسب وجهة نظري.

* تذهب رواية «المموه» إلى «المسكوت عنه» من خلال تجارة المخدرات وترويجها عبر الحانات... هل تعمدت ذلك وكيف ترى محاذير تناول مناطق شائكة في الرواية الخليجية؟

- طريقة تناولي للمواضيع السردية حذرة جداً، لكنه ذلك النوع من الحذر الذي لا يفرط بصياغة المادة الحكائية بقدر ما يكون في التعالي على مطابقتها حرفياً بالواقع. أستفيد من معطيات الواقع الموجودة والمباشرة لكن في حدود مدى خدمتها للعمل أدبياً. لو كنت أرغب في كتابة موضوع اجتماعي لما التجأت إلى الرواية. كنت سأكتب بحثاً حسب منهج علمي به تفاصيل ومسميات صريحة، لكن كتابة الأدب تتقصد أولاً إمتاع القارئ عبر اللغة والتخييل، ولا يمنع الكاتب أن يستفيد من كل معطيات الواقع وتنوعه طالما أن ما يكتبه يدور في فلك التخيل. وطالما أنه لم يستخدم كتابته لأغراض أخرى مثل تصفية الحسابات مثلاً.

*هل خلفيتك كاتبَ قصة قصيرة جعلتك تنحو إلى التكثيف والإيجاز وقلة عدد الشخصيات في أعمالك الروائية؟

- البداية كانت مع القصة وربما قبل ذلك محاولات شعرية بسيطة تحت تأثير قراءات لقصيدة النثر. بدأت الكتابة القصصية في سن مبكرة، نحو 19 عاماً، لكني لم أنشر مجموعتي القصصية الأولى إلا بعد الثلاثين ثم انتظرت 9 سنوات حتى أصدرت المجموعة القصصية الثانية «بركة النسيان». بعد ذاك توالت المجاميع القصصية، وكان ضمنها مجموعة «ساعة زوال» التي فازت بجائزة وطنية مهمة في مسقط، وهي جائزة السلطان قابوس في دورتها الأولى، بالنسبة للرواية فقد اقتحمت ساحتها بشيء من الحذر، بدأت تدريجياً بنوفيلا «خريطة الحالم» التي صدرت عن «دار الجمل»، ثم «درب المسحورة» التي صدرت عن «دار الانتشار»، بعد ذلك كتبت «فراشات الروحاني» وكانت كبيرة نسبياً ومتعددة الأصوات، كتب عنها الناقد المغربي الراحل إبراهيم الحجري دراسة موسعة نُشرت وقتها في مجلة «نزوى».

* بعد صدور مجموعتك القصصية الأولى «اللون البني» 1998 لماذا انتظرت 10 سنوات كاملة حتى تصدر المجموعة الثانية؟

ربما كنتُ مسكوناً أكثر بالقراءة. ورغم أن «اللون البني» لقيت نجاحاً وكُتب عنها بصورة مفرحة فإنني كنت أكتب أيضاً. أتذكر أن مجموعتي الثانية «بركة النسيان» كتبت الجزء الأوفر منها في دكان والدي بمدينة مطرح. كان معي دفتر أنكب عليه للكتابة وقت الظهيرة غالباً على عتبة الدكان حين يقضي أبي قيلولته في مسجد قريب. أحدهم قال لي لاحقاً إنه كان حين يعود من عمله بالسيارة لا يراني إلا منكباً وكان يستغرب. بعد أن أنهيت دراستي ساعدت والدي في دكانه كما كنت أساعده أثناء الإجازات الدراسية إلى أن وجدت عملاً في وزارة التعليم العالي. لذلك يمكن ملاحظة الكثير من الدكاكين في تلك المجموعة القصصية.

لا يخلو أي مجتمع من مفارقات ومن هنا يستثمر الأدب في جانبه السردي هذه المؤونة ويصعّدها إلى مستوى القص

* حصلت على العديد من الجوائز فضلاً عن الوصول للقوائم القصيرة لجوائز أخرى... كيف تنظر لحضور الجوائز في المشهد الأدبي العربي، وهل تشكل هاجساً ملحاً بالنسبة لك؟

- لم أكتب يوماً لنيل الجوائز، أنا مقتنع أن اللحظات الجميلة تأتي بدون تخطيط، وما عليك سوى العمل. كان أبي (رحمه الله) يقول لي «عليك أن تفتح الدكان صباح أول الناس وتنتظر». وفي هذا دعوة إلى الاستمرارية. بالنسبة للكاتب، عليه أن يقرأ كثيراً وربما أيضاً عليه أن يكتب، أما النشر فيأتي لاحقاً. كذلك الجوائز لا تستجيب بالضرورة لمن يخطط لها.

* أخيراً... ما سر حضور الرواية العمانية بقوة مؤخراً في المشهد الثقافي العربي؟

- ربما بسبب النزوح الجماعي نحو هذا اللون. مرة كتبت مقالاً في موقع «ضفة ثالثة» بعد رحيل عزيزنا القاص والروائي والطبيب عبد العزيز الفارسي، قلت فيه إنه حين كتب أول رواية وصعدت إلى القائمة الطويلة لجائزة «البوكر» في دورتها الأولى حوّل المشهد من كتابة القصة إلى كتابة الرواية في سلطنة عمان، فاتجه معظم من كان يكتب قصة إلى هذا الفضاء الجديد والمغري. هناك من ظل يراوح مزاولاته بين القصة والرواية وعبد العزيز كان واحداً منهم. وبذلك استطاع الكاتب العماني عموماً أن يساهم وينافس في مسابقات ذات طابع تنافسي عربي، كما حدث مع جوخة الحارثي وبشرى خلفان ومحمد اليحيائي وزهران القاسمي وآخرين في مجالات إبداعية مختلفة.