مأزق الوجود الإنساني بالحفر على الخشب

إيمان عزت تقلب وجوهه في معرضها «إيقاع صوفي» بالقاهرة

مأزق الوجود الإنساني بالحفر على الخشب
TT

مأزق الوجود الإنساني بالحفر على الخشب

مأزق الوجود الإنساني بالحفر على الخشب

تلعب الفنانة إيمان عزت على ثنائية الخفاء والتجلي وتستمد منها عنوان معرضها «إيقاع صوفي» المقام حاليا بقاعة الباب بمتحف الفن المصري الحديث بالقاهرة. فلوحات المعرض كتومة، مشدودة للداخل، تبدو وكأنها تخاطب العقل الباطن وانفعالات الروح، في رحلة فنية شيقة، مفعمة بدفء الأرض كرحم مكاني، لدورة الميلاد والطفولة ومشاغبات الموت والفقد، وفي الوقت نفسه، كحلم ينشد حريته دوما بالتخلص من جاذبية الأرض، والصعود إلى الأعلى.
بهذه الرغبة تجابه الفنانة الشابة مسطحات الخشب، وبخبرة الحفر، تسعى لكسر صمت وحيادية هذه المسطحات باستعارات لونية من صبغات البني والأسود والأبيض، تتدرج في اللوحات ما بين الخفة والثقل، حتى لتبدو وكأنها تفيض عن اللون الطبيعي للخامة نفسها، كما تضفي على حركة الأشكال والخطوط حالة من التقشف والزهد والوقار.
تبرز لوحات المعرض وعيا ثاقبا بجماليات الشكل التجريدي، ورشاقة التخلص من الزوائد والثرثرة الإنشائية الذهنية والشكلية على المسطح النحتي الذي يبدو مشدودا للداخل، مشكلا حوارية هادئة بين الفنانة وعالمها، تنمو بعفوية وقصد في لمسات الحفر والتهشيرات والعلامات الجرافيكية المنداحة بكثافة وشفافية على سطح الخشب الأملس، وفي حنايا التكوين.
وفي محاولة لإثراء عالم الرؤية تنوع الفنانة طبيعة الأشكال في اللوحات، فتتماهى أحيانا في شكل المربع والمستطيل، وفي أحيان أخرى، تندفع بقوة تموجات متتالية من الخطوط والشرائح، تتراص في طبقات حفرية، تغطي اللوحة من أسفل وأعلى، في إيقاع لا يخلو من حس الرياضيات والهندسة المؤنسنة.
بينما يتكثف الإحساس بالإيقاع في اللوحات التي تعتمد على الدائرة في بناء الشكل، ويأخذ شكل المتاهة الوجودية، ويتجسد ذلك بتداخل وتوالد الترددات والتوريقات النغمية الجرافيكية في رحم الدائرة. ويشكل هذا الرحم نقطة الجذب ومحور الإيقاع لكل عناصر التكوين، وهي نقطة تميل إلى الاختفاء في غلالة مشعة من الدكنة السوداء، بينما تومض التوريقات النغمية في صبغات لونية شفيقة مشربة بنثارات من البياض والرمادي والبني المخفف.
وتعمد الفنانة إلى كسر حيادية المسطح الغرافيكي بنثار من العلامات والأيقونات البصرية، تومض على السطح على شكل بقع ومربعات صغيرة. ورغم تناهيها في الصغر، إلا أنها تشكل ما يشبه المفتاح، أو الشفرة الأم، للولوج إلى عالم الباطن، واستشراف مكنوناته الوجدانية، وزخمه الروحي، واستشراف الوشائج التي تربطه بعالم الظاهر، سواء على السطح، أو في حركة الواقع الخارجي ودبيب الحياة.
ومن ثم، تشكل لوحات المعرض نوعا من رد الفعل الإنساني إزاء حركة الطبيعة والعناصر والأشياء، فنسيج اللوحات نفسه يشي برائحة الأرض والحقول، ودفء العناصر القديمة المهمشة والمنسية في غبار ولهاث المشهد اليومي المتلاحق المتفسخ، بكل تعقيداته المجتمعية، في عالم السياسة والثقافة، وغيرهما.
ورغم تنوع الإيقاع في اللوحات، إلا أنه يظل مشدودا إلى نقطة واحدة، تبدو بمثابة القاعدة، التي تتقاطع معها وتلتفي في ظلالها هوامش الباطن والظاهر. كما تلعب هذه النقطة دور المنظم لحركة المخزون البصري والوجداني على المسطح الجرافيكي. أيضا تنظم بشكل غير مباشر طاقة النور، والعلاقة بين كمون هذه الطاقة في الداخل، في تجاويف الخامة نفسها، وفي نسيج الفكرة المجردة، أو في مسافة الوهم بين الخيال والواقع، وبين انبثاقاتها المنطفئة الزاهدة على السطح. ليبدو الأمر في اللوحات وكأنه استعارة شجية، لحركتين تتصارعان من أجل حركة واحدة في النهاية. هما حركة الداخل الإنساني في لحظات صفائه الروحي وسكونه المشمس، وحركة الواقع الخارجي الضاغط بضجيجه وبريقه الزاعق. ويتجلي صراع الحركتين المضمر في اللوحات في البحث عن نغمة مفتقدة، تجعل الواقع الخارجي محتملا ومقبولا، طالما لا يجور ولا يشوشر على موسيقى الأعماق.
إنها حالة خاصة، تصقلها لوحات المعرض، ملتبسة بالجوهر الإنساني، تحاول تحت عباءة الصوفية أن تتلمس حكمة ما، توحد ما بين طاقتي الخفاء والتجلي، ليصبحا سمة أساسية، ومقوما طبيعيا من مقومات الوجه الإنساني.. وهو ما تترجمه الفنانة بعفوية في كلمتها التي صدرت بها ألبوم المعرض قائلة: «جذبني الغيط فكان مصدر إلهام لي.. امتد بصري حتى لامس السماء، ثم تحول الأمر إلى عشق وانشغال يومي ترجمته في تجربتي هذه بالحفر على الخشب».



هشام خرما لـ«الشرق الأوسط»: أستلهمُ مؤلفاتي الموسيقية من التفاصيل

من حفل افتتاح بطولة العالم للجمباز
من حفل افتتاح بطولة العالم للجمباز
TT

هشام خرما لـ«الشرق الأوسط»: أستلهمُ مؤلفاتي الموسيقية من التفاصيل

من حفل افتتاح بطولة العالم للجمباز
من حفل افتتاح بطولة العالم للجمباز

يعتمد الموسيقار المصري هشام خرما طريقة موحّدة لتأليف موسيقاه، تقتضي البحث في تفاصيل الموضوعات للخروج بـ«ثيمات» موسيقية مميزة. وهو يعتزّ بكونه أول موسيقار عربي يضع موسيقى خاصة لبطولة العالم للجمباز، حيث عُزفت مقطوعاته في حفل الافتتاح في القاهرة أخيراً.
يكشف خرما تفاصيل تأليف مقطوعاته الموسيقية التي عُزفت في البطولة، إلى جانب الموسيقى التصويرية لفيلم «يوم 13» المعروض حالياً في الصالات المصرية، فيعبّر عن فخره لاختياره تمثيل مصر بتقديم موسيقى حفلِ بطولة تشارك فيها 40 دولة من العالم، ويوضح: «أمر ممتع أن تقدّم موسيقى بشكل إبداعي في مجالات أخرى غير المتعارف عليها، وشعور جديد حين تجد متلقين جدداً يستمعون لموسيقاك».
ويشير الموسيقار المصري إلى أنه وضع «ثيمة» خاصة تتماشى مع روح لعبة الجمباز: «أردتها ممزوجة بموسيقى حماسية تُظهر بصمتنا المصرية. عُزفت هذه الموسيقى في بداية العرض ونهايته، مع تغييرات في توزيعها».
ويؤكد أنّ «العمل على تأليف موسيقى خاصة للعبة الجمباز كان مثيراً، إذ تعرّفتُ على تفاصيل اللعبة لأستلهم المقطوعات المناسبة، على غرار ما يحدث في الدراما، حيث أشاهد مشهداً درامياً لتأليف موسيقاه».
ويتابع أنّ هناك فارقاً بين وضع موسيقى تصويرية لعمل درامي وموسيقى للعبة رياضية، إذ لا بدّ أن تتضمن الأخيرة، «مقطوعات موسيقية حماسية، وهنا أيضاً تجب مشاهدة الألعاب وتأليف الموسيقى في أثناء مشاهدتها».
وفي إطار الدراما، يعرب عن اعتزازه بالمشاركة في وضع موسيقى أول فيلم رعب مجسم في السينما المصرية، فيقول: «خلال العمل على الفيلم، أيقنتُ أنّ الموسيقى لا بد أن تكون مجسمة مثل الصورة، لذلك قدّمناها بتقنية (Dolby Atmos) لمنح المُشاهد تجربة محيطية مجسمة داخل الصالات تجعله يشعر بأنه يعيش مع الأبطال داخل القصر، حيث جرى التصوير. استعنتُ بالآلات الوترية، خصوصاً الكمان والتشيللو، وأضفتُ البيانو، مع مؤثرات صوتية لجعل الموسيقى تواكب الأحداث وتخلق التوتر المطلوب في كل مشهد».
يشرح خرما طريقته في التأليف الموسيقي الخاص بالأعمال الدرامية: «أعقدُ جلسة مبدئية مع المخرج قبل بدء العمل على أي مشروع درامي؛ لأفهم رؤيته الإخراجية والخطوط العريضة لاتجاهات الموسيقى داخل عمله، فأوازن بين الأشكال التي سيمر بها العمل من أكشن ورومانسي وكوميدي. عقب ذلك أضع استراتيجية خاصة بي من خلال اختيار الأصوات والآلات الموسيقية والتوزيعات. مع الانتهاء المبدئي من (الثيمة) الموسيقية، أعقد جلسة عمل أخرى مع المخرج نناقش فيها ما توصلت إليه».
ويرى أنّ الجمهور المصري والعربي أصبح متعطشاً للاستمتاع وحضور حفلات موسيقية: «قبل بدء تقديمي الحفلات الموسيقية، كنت أخشى ضعف الحضور الجماهيري، لكنني لمستُ التعطّش لها، خصوصاً أن هناك فئة عريضة من الجمهور تحب الموسيقى الحية وتعيشها. وبما أننا في عصر سريع ومزدحم، باتت الساعات التي يقضيها الجمهور في حفلات الموسيقى بمثابة راحة يبتعد فيها عن الصخب».
وأبدى خرما إعجابه بالموسيقى التصويرية لمسلسلَي «الهرشة السابعة» لخالد الكمار، و«جعفر العمدة» لخالد حماد، اللذين عُرضا أخيراً في رمضان.