جوائز الأقصر للسينما الأفريقية

أفضل فيلم روائي طويل لـ «الأصليين»

جانب من حفل ختام مهرجان الأقصر السينمائي («الشرق الأوسط»)
جانب من حفل ختام مهرجان الأقصر السينمائي («الشرق الأوسط»)
TT

جوائز الأقصر للسينما الأفريقية

جانب من حفل ختام مهرجان الأقصر السينمائي («الشرق الأوسط»)
جانب من حفل ختام مهرجان الأقصر السينمائي («الشرق الأوسط»)

أسدل الستار أول من أمس على الدورة السابعة من مهرجان الأقصر للسينما الأفريقية، تلك الدورة المتميزة التي استمرت على مدار 7 أيام عرض فيها 140 فيلما من بينهم 110 أفلام ضمن المسابقات الرسمية للمهرجان، من 33 دولة أفريقية بجانب 12 دولة من خارج القارة السمراء وبحضور أكثر من ألف من فناني وصناع ونقاد السينما.
ومن أمام معبد الكرنك أعلنت جوائز المهرجان التي قام بتسليمها الفنان محمود حميدة كل من المخرجين السنغاليين موسي توريه وسليمان سيسيه والمخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي.
وفي مسابقة الأفلام الروائية الطويلة فاز بجائزة أحسن إسهام فني الفيلم التونسي «بنزين» للممثلة سندس بالحسن وذهبت جائزة لجنة التحكيم الخاصة للفيلم الغاني «كتيكي» للمخرج بيتر سيدوفيا، فيما حصد الفيلم المصري (الأصليين) للمخرج مروان حامد حائزة النيل لأفضل فيلم روائي طويل وقيمتها 2000 دولار، وقناع توت عنخ آمون الذهبي، وأيضا درع المركز العربي الأفريقي في باماكو عاصمة مالي. الفيلم أنتج عام 2017 وهو أول سيناريو للروائي أحمد مراد، ولعب بطولة الفيلم ماجد الكدواني وخالد الصاوي ومنة شلبي وكندة علوش. ويعالج الفيلم قضية المراقبة واختراق الخصوصية في معالجة جديدة لقضية «الأخ الأكبر» مع ربطها بمشاكل الحياة اليومية لأسرة مصرية من الطبقة العليا تتعرض لهزة اقتصادية إثر فصل رب الأسرة من العمل.
تسلم الجائزة منتج الفيلم صفي الدين محمود الذي قال لـ«الشرق الأوسط» إنه «سعيد جدا بحصول الفيلم على جائزة مهرجان الأقصر الذي اعتبره من أهم المهرجانات السينمائية وخاصة أن لجنة التحكيم كانت من كبار السينمائيين في أفريقيا وفي ظل تنافس قوي بين عدد كبير من أروع الأفلام الأفريقية»، مضيفا: «حصد الفيلم عددا من الجوائز في فئات مختلفة إلا أن هذه الجائزة له كأفضل فيلم». واعتبر صفي الدين أن «فيلم الأصليين نجح في خلق حالة من الجدل حول فحواه ورسالته وهذا عنصر إيجابي حرصنا عليه كشركة منتجة ورغم النقاش حول الفيلم إلا أن الكل أجمع على جودة الفيلم من ناحية التقنية والإخراج والتصوير».
وفي مسابقة الأفلام التسجيلية الطويلة، فاز الفيلم الكونغولي (ماما كولونيل) بجائزة أفضل فيلم فيما ذهبت جائزة أفضل إسهام فني للفيلم الكيني (قمر جديد) ومنحت لجنة التحكيم جائزتها الخاصة للفيلم الكيني (وثيرة) كما قدمت اللجنة تنويها خاصا للفيلم التونسي (شجاعة الأخوات).
وفي مسابقة الأفلام القصيرة، حصد الجائزة الكبرى فيلم (نخبة) من بنين فيما فاز بجائزة أفضل إسهام فني الفيلم الرواندي (ايمفورا). ومنحت لجنة التحكيم جائزتها الخاصة لفيلم (لطيف.... لطيف جدا) من الجزائر وقدمت اللجنة تنويها خاصا للفيلم للمصري (ونس) إخراج أحمد نادر.
أما في مسابقة أفلام الحريات وحقوق الإنسان، التي تحمل اسم الصحافي الراحل (الحسيني أبو ضيف)، فاز فيلم (رياح شمالية) للمخرج التونسي وليد مطر بجائزة أفضل فيلم روائي طويل وفاز الفيلم الأميركي (ليانا) بجائزة أفضل فيلم تسجيلي طويل فيما فاز الفيلم الجزائري - الفرنسي المشترك (الشاردة) بجائزة أفضل فيلم قصير.
وفي مسابقة أفلام الطلبة المصريين، فاز فيلم «جومر» للمخرج إبراهيم فرج علي بجائزة أفضل إسهام فني وهي عبارة عن شهادة تقدير وقناع توت عنخ آمون البرونزي وحصل فيلم «يؤخذ عن طريق الفم» للمخرج إبراهيم عمر صالح على جائزة لجنة التحكيم الخاصة وهي عبارة عن 8000 جنيه مصري وقناع توت عنخ آمون وحصل على جائزة النيل الكبرى لأحسن فيلم وهي 10 آلاف جنيه وقناع توت عنخ آمون فيلم «مارشيدير» للمخرجة نهى عادل.
ومنحت جمعية النقاد المصريين جائزتها لأفضل فيلم روائي طويل التي تحمل اسم الناقد الراحل سمير فريد للفيلم البوركيني (والاي) للمخرج بيرني جولدبلا وهو إنتاج مشترك بين فرنسا وبوركينا فاسو وقطر.
كما أعلن المخرج أمير رمسيس رئيس لجنة تحكيم برنامج step لتطوير السيناريو، في حفل ختام مهرجان الأقصر للسينما الأفريقية، عن منح جائزة دعم السيناريو لفيلم «ستموت في العشرين» وقيمتها 5 آلاف دولار، وهو فيلم مصري سوداني وتسلم الجائزة المنتج حسام علوان.
من جانبه، قال السيناريست سيد فؤاد، رئيس مهرجان الأقصر للسينما الأفريقية، لـ«الشرق الأوسط» إن «هذه الدورة كانت من أفضل دورات المهرجان من حيث نوعية وجودة الأفلام المشاركة التي وصلت إلى 110 أفلام انتقيناها من بين 500 فيلم فضلا عن الحضور الجماهيري الكبير لكل فعالياتها، كما كانت لجان التحكيم على أعلى مستوى»، مضيفاً: «كما جاءت الجوائز لتعكس اهتمام لجان التحكيم بالجانب الفني والتقني للأفلام المتنافسة وكانت الثيمة المشتركة بين غالبية الأفلام المتنافسة هي التركيز على القضايا الإنسانية وهموم المواطن الأفريقي في مختلف أنحاء القارة، وأثارت الأفلام التسجيلية شهية النقاد من بينها كان فيلم «ليانا» عن مجموعة أطفال يعيشون ملجأ وتناول الفيلم أحلامهم وطموحاتهم، وفيلم «فتيات الملاكمة» وفيلم «بنزين» الذي يعبر عن محاولات الشباب التونسي لسفر لأوروبا ومشاكل الهجرة غير الشرعية».
وأوضح فؤاد «تميزت هذه الدورة بتركيزها على السينما التسجيلية في أفريقيا وخصصت ندوة عن التنوع الإبداعي فيها، كما تميزت دورة هذا العام بالنضج على كافة المستويات .


مقالات ذات صلة

كلينت إيستوود ناقد السُلطات والباحث عن عدالة غائبة

سينما المخرج إيستوود مع نيكولاس هاولت (وورنر)

كلينت إيستوود ناقد السُلطات والباحث عن عدالة غائبة

ماذا تفعل لو أنك اكتشفت أن الشخص المتهم بجريمة قتل بريء، لكنك لا تستطيع إنقاذه لأنك أنت من ارتكبها؟ لو اعترفت لبرّأت المتهم لكنك ستحلّ مكانه في السجن

محمد رُضا‬ (بالم سبرينغز)
سينما من «الفستان الأبيض» (أفلام محمد حفظي)

شاشة الناقد: دراما نسوية

في فن صنع الأفلام ليس ضرورياً أن يتقن المخرج الواقع إذا ما كان يتعامل مع قصّة مؤلّفة وخيالية.

محمد رُضا‬ (بالم سبرينغز)
يوميات الشرق مشهد من فيلم «هُوبَال» الذي يُعرض حالياً في صالات السينما السعودية (الشرق الأوسط)

بعد أسبوع من عرضه... لماذا شغل «هُوبَال» الجمهور السعودي؟

يندر أن يتعلق الجمهور السعودي بفيلم محلي إلى الحد الذي يجعله يحاكي شخصياته وتفاصيله، إلا أن هذا ما حدث مع «هوبال» الذي بدأ عرضه في صالات السينما قبل أسبوع واحد.

إيمان الخطاف (الدمام)
لمسات الموضة أنجلينا جولي في حفل «غولدن غلوب» لعام 2025 (رويترز)

«غولدن غلوب» 2025 يؤكد أن «القالب غالب»

أكد حفل الغولدن غلوب لعام 2025 أنه لا يزال يشكِل مع الموضة ثنائياً يغذي كل الحواس. يترقبه المصممون ويحضّرون له وكأنه حملة ترويجية متحركة، بينما يترقبه عشاق…

«الشرق الأوسط» (لندن)
سينما صُناع فيلم «إيميليا بيريز» في حفل «غولدن غلوب» (رويترز)

«ذا بروتاليست» و«إيميليا بيريز» يهيمنان... القائمة الكاملة للفائزين بجوائز «غولدن غلوب»

فاز فيلم «ذا بروتاليست» للمخرج برادي كوربيت الذي يمتد لـ215 دقيقة بجائزة أفضل فيلم درامي في حفل توزيع جوائز «غولدن غلوب».

«الشرق الأوسط» (لوس أنجليس)

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)