لبنان: الخلاف يحتدم بين القضاة ووزير العدل

قرار الاعتكاف اتخذ لإمعان السلطة بمحاولة إخضاعهم مادياً ومعنوياً

عون استقبل رئيس مجلس القضاء اللبناني الأعلى وأعضاءه الثلاثاء الماضي (دالاتي ونهرا)
عون استقبل رئيس مجلس القضاء اللبناني الأعلى وأعضاءه الثلاثاء الماضي (دالاتي ونهرا)
TT
20

لبنان: الخلاف يحتدم بين القضاة ووزير العدل

عون استقبل رئيس مجلس القضاء اللبناني الأعلى وأعضاءه الثلاثاء الماضي (دالاتي ونهرا)
عون استقبل رئيس مجلس القضاء اللبناني الأعلى وأعضاءه الثلاثاء الماضي (دالاتي ونهرا)

بلغ الخلاف بين القضاء اللبناني ووزير العدل سليم جريصاتي، مرحلة غير مسبوقة، على خلفية قرار الاعتكاف الذي اتخذه عدد كبير من القضاة، وتوقفهم عن ممارسة مهامهم، احتجاجاً على ما أسموه «إمعان السلطة السياسية في ضرب استقلالية القضاء، ومحاولة إخضاعه عبر التضييق عليه مادياً ومعنوياً، وحرمان القضاة من بعض المكتسبات التي توفر لهم أماناً اجتماعياً».
ويشكّل اعتكاف القضاة تحدياً لوزير العدل المحسوب على رئيس الجمهورية ميشال عون، خصوصاً أن الاعتكاف هو الثاني لهم في عهد عون، ويعدّ سابقة بتاريخ القضاء، لكنّ ما وسّع دائرة الخلاف بينهما، الرسالة التي وجهها جريصاتي إلى مجلس القضاء، ودعاه فيها إلى تنبيه القضاة من مغبّة الاستمرار في الاعتكاف «وتحمّل مسؤوليته عندما تسود أجواء غير صحية أروقة قصور العدل ومكاتبها وأقواسها». وقال إن «اعتكاف بعض القضاة عن أداء رسالة العدالة السامية رغماً عن البيانين الصادرين عن مجلس القضاء الأعلى، يحمل أكثر من دلالة قد يكون أقلها، عدم انتظام العلاقة بين قضاة لبنان ومجلس القضاء الأعلى، أي بالمفهوم القانوني القاعدة والريادة».
هذا الموقف استدعى ردّاً سريعاً من مجلس القضاء أعلن فيه أنه «لا يحق للوزير توجيه تعاميم وكتب إلى القضاة». وقال في بيان حصلت «الشرق الأوسط» على نسخة منه، إن «مجلس القضاء الأعلى لا يعدّ جهة تنفيذية لقرارات وزير العدل عملاً بمبدأ استقلالية السلطة القضائية، ومبدأ الفصل بين السلطات وتوازنها وتعاونها، وبالتالي لا يجوز لأي سلطة أن تطغى بعملها على أي سلطة أخرى». وذكر جريصاتي بأن «اعتكاف بعض القضاة عن أداء مهامهم، مردّه اعتماد الحكومة نهجاً لم يكن مألوفاً في التعاطي مع السلطة القضائية»، مؤكداً أن «القضاة باتوا يشعرون أنهم مستهدفون ليس في ضماناتهم المالية فحسب، بل أيضاً في كرامتهم الشخصية».
وأثارت مخاطبة وزير العدل للقضاة ومجلس القضاء بطريقة الإيعاز، استياءً واسعاً في أروقة قصور العدل، وأوضحت مصادر قضائية لـ«الشرق الأوسط»، أن الوزير «لا يملك سلطة الوصاية على القضاء، ولا حتى صلاحية التسلسل الإداري». ورأت أن رسالته الأخيرة إلى مجلس القضاء «أثارت استياءً عارماً، لجهة تصنيفه القضاة بين قاعدة وريادة»، معتبرة أن الوزير «يحوّل المشكلة القائمة بين القضاء والسلطة السياسية، المسؤول هو عن جانب أساسي منها، إلى مشكلة بين القضاة ومجلس القضاء الأعلى». وأعلنت رفضها المطلق لـ«مخاطبة وزير العدل السلطة القضائية بطريقة غير مألوفة تنطوي على صيغة الأمر وإعطاء التوجيهات والتعليمات».
وتنبئ هذه التطورات بخطوات تصعيدية مقبلة، ما لم تسارع الحكومة ومجلس النواب إلى معالجة الأسباب الموجبة للاعتكاف القضائي، وبرأي المصادر القضائية، إنه «بدل أن يخاطب وزير العدل القضاة وكأنهم موظفون، كان حرياً به أن يخاطب الحكومة ومجلس النواب لمعالجة الأسباب التي حملت القضاة على اتخاذ هذه المواقف». وقالت: «لم يسبق لوزير للعدل أن تدخل بعمل القضاء كما هو الحال اليوم، ويكفي أنه راجع رئيس إحدى المحاكم في قضية حساسة، وأمام وسائل الإعلام». وأكدت أنها «المرّة الأولى بتاريخ القضاء، التي تسرّب معلومات فيها بطريقة متعمدة، عن إحالة النائب العام التمييزي على التفتيش القضائي، عدا عن طريقة التعاطي مع القضاة بطريقة متعالية».
وكان وزير العدل وجّه كتاباً إلى هيئة التفتيش القضائي، طلب فيها تنبيه القضاة إلى عدم الإدلاء بتصريحات إلى وسائل الإعلام، قبل الحصول على إذن مسبق منه، وذلك على خلفية بيان صدر عن النائب العام التمييزي القاضي سمير حمود، أوضح فيه الأخير أسباب قراره بتوقيف المقدّم في قوى الأمن الداخلي سوزان الحاج، على خلفية فبركة ملف التعامل مع إسرائيل للممثل المسرحي زياد عيتاني، وهو ما اعتبر استهدافاً مباشراً من الوزير جريصاتي للقاضي حمود ولقاضي التحقيق العسكري الأول رياض أبو غيدا، قبل أن يوضح جريصاتي موقفه من هذا الأمر.
من جهته، أسف رئيس لجنة الإدارة والعدل النائب روبير غانم «للمشهد الخطير جداً، عن الخلاف بين مجلس القضاء الأعلى ووزير العدل». وقال: «هذا موضوع لا يجوز أن يستمر، لأن العدالة لا تتجزأ ولا ينبغي أن تسيس، وهذا له تأثير سلبي على سير العدالة وعلى إحقاق الحق للمواطنين، وله تأثير سلبي أيضا على استقلالية القضاء التي نسعى إليها». وكشف عن توجيه دعوة لمجلس القضاء للاستماع إلى وجهة نظره في جلسة تعقدها لجنة الإدارة والعدل يوم الاثنين المقبل، ومن ثم دعوة الوزير جريصاتي للاستماع إلى أسباب الخلاف بين الطرفين. وقال: «في ضوء المناقشات والنتائج التي تصدر عنها، نتخذ إجراءات أو تدابير أو اقتراحات معينة لوضع حد لهذا الموضوع».



مصريون يلتمسون «تدخلاً رئاسياً» لحل مشاكلهم

أحد فروع محلات «بلبن» عقب إغلاقها (صفحة الشركة - فيسبوك)
أحد فروع محلات «بلبن» عقب إغلاقها (صفحة الشركة - فيسبوك)
TT
20

مصريون يلتمسون «تدخلاً رئاسياً» لحل مشاكلهم

أحد فروع محلات «بلبن» عقب إغلاقها (صفحة الشركة - فيسبوك)
أحد فروع محلات «بلبن» عقب إغلاقها (صفحة الشركة - فيسبوك)

حفّز تدخل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في أزمة سلسلة محال «بلبن»، التي أثارت ضجة كبيرة الأيام الماضية، قطاعات واسعة من المصريين، التمسوا حل مشاكلهم عند رئيس البلاد.

ووجَّه مصريون استغاثات مرئية ومكتوبة عبر صفحات مواقع التواصل الاجتماعي يطلبون فيها تدخل الرئيس لحل شكاوى «يُفترض حلها على مستويات تنفيذية أقل»، وهو ما دعا برلمانيون لمطالبة الجهات المعنية بـ«التخفيف عن كاهله».

كانت السلطات المصرية قد أغلقت سلاسل محال «بلبن» للحلوى، وأرجعت ذلك إلى «استخدام مكونات ضارة»، و«عدم استيفاء الأوراق الرسمية لتشغيل بعض الفروع»، وهو ما دعا الشركة إلى نشر استغاثة للرئيس السيسي عبر مواقع التواصل الاجتماعي، في 18 أبريل (نيسان) الحالي، مشيرة إلى أن غلق 110 فروع لها يضر بنحو 25 ألف عامل وعائلاتهم.

وفي اليوم التالي، أعلن مجلس الوزراء المصري، وفق «توجيهات رئاسية»، عن التواصل مع مالكي السلسة لعقد اجتماع تنسيقي لإيضاح الإجراءات التصحيحية والوقائية المطلوب اتخاذها نحو إعادة النشاط في حال توفيق وتصحيح الأوضاع في أقرب وقت، وهو ما دعا الشركة لتوجيه رسالة شكر إلى الرئيس.

ومع سرعة حل الأزمة، توالت الاستغاثات الموجهة إلى السيسي، كل يلتمس حل أزماته عند بابه، بداية من أهالي قرية سرسنا في محافظة الفيوم جنوب العاصمة الذين شكوا إليه «قلة المشروعات» في القرية، وأزمة المواصلات بها، مروراً بمعلمين تتعاقد معهم وزارة التربية والتعليم بنظام «الحصة»، مطالبين بتعيينهم.

وصمم المعلمون شعاراً لحملتهم على غرار تصميم شعار محل «بلبن»، وبألوانه نفسها.

وكتب المعلم تامر الشرقاوي على مجموعة تواصل خاصة بهذه الفئة من المدرسين أنهم يريدون أن يرسلوا استغاثة للرئيس للاهتمام بقضيتهم على غرار ما حدث مع شركة «بلبن»، وهو اقتراح لاقى تفاعلاً كبيراً.

شعار صممه معلمون مؤقتون مستلهمين شعار محلات «بلبن» الشهيرة (فيسبوك)
شعار صممه معلمون مؤقتون مستلهمين شعار محلات «بلبن» الشهيرة (فيسبوك)

ولم تقتصر الاستغاثات على طلبات موجهة من مجموعات، فكانت بعضها شخصية، مثل استغاثة وجهها الدكتور جودة عواد بعد صدور قرار من نقابة الأطباء يمنعه من مزاولة المهنة لمدة عام، لـ«ترويجه عقاقير» عبر صفحاته، واستخدامه «أساليب جديدة في التشخيص والعلاج لم يكتمل اختبارها بالطرق العلمية»، حسب بيان وزارة الصحة.

وناشد عواد الرئيس بالتدخل لرفع «الظلم عنه»، وقال إن «صفحات استغلت صورته وركَّبت فيديوهات تروج للأدوية».

وحملت بعض المناشدات اقتراحات مثل عودة «عساكر الدورية» ليجوبوا الشوارع، مع زيادة الحوادث، حسب استغاثة مصورة وجهها أحد المواطنين للرئيس عبر تطبيق «تيك توك».

وبينما أقر أعضاء بمجلس النواب بحقيقة أن تدخل الرئيس يسرع بالحل فعلياً، أهابوا بالقطاعات المختلفة سرعة التحرك لحل المشاكل المنوطة بها تخفيفاً عن كاهله.

ومن هؤلاء النواب مصطفى بكري الذي قال إن تدخل الرئيس في بعض المشاكل وقضايا الرأي العام «يضع حداً للإشاعات والأكاذيب، ويرد الاعتبار لحقوق الناس التي يسعى البعض إلى إهدارها»، لكنه طالب الجهات المعنية عبر منصة «إكس» بالتخفيف عنه والتحرك لحل المشاكل وبحث الشكاوى.

اتفق معه النائب فتحي قنديل، الذي قال لـ«الشرق الأوسط»: «الرئيس على عاتقه الكثير من المسؤوليات والأعباء. يجب على المواطنين أن يدركوا ذلك، وألا يوجهوا كل استغاثة إليه، خصوصاً أن بعض هذه المشاكل تكون مفتعلة»، وطالب موظفي الدولة «بعدم التعنت أمام المواطنين والعمل على حل مشاكلهم».

ويرى النائب البرلماني السابق ومنسق الاتصال بأمانة القبائل والعائلات المصرية بحزب «الجبهة الوطنية»، حسين فايز، أنه على الرغم من الأعباء التي تُلقى على عاتق الرئيس بكثرة المناشدات «فإن ذلك أيضاً يعزز مكانته لدى الشارع».

وسبق أن تدخل السيسي لحل أزمات أو تحقيق آمال مواطنين بعدما ظهروا عبر مواقع التواصل أو في أحد البرامج التلفزيونية. ففي سبتمبر (أيلول) 2021، أجرى اتصالاً على القناة الأولى المصرية، عقب عرض تقرير مصور عن سيدة تعمل في مهنة «الحدادة» لإعالة أسرتها وتطلب توفير شقة، وهو ما استجاب له الرئيس.

ويعدّ أستاذ علم الاجتماع السياسي، الدكتور سعيد صادق، أن نمط توجيه استغاثات إلى الرئيس «راسخ في المجتمع المصري»، إيماناً بأن مجرد تدخله سيحل المشاكل فوراً. وعدّ أن ذلك يعكس «مركزية الدولة».