استغراب وشكوك حول مستقبل «داعش»

وسط تفاوت التقديرات حول الأعداد الحقيقية لمسلحيه

الخراب والدمار في المدن السورية والعراقية التي حل التنظيم فيها (غيتي)
الخراب والدمار في المدن السورية والعراقية التي حل التنظيم فيها (غيتي)
TT

استغراب وشكوك حول مستقبل «داعش»

الخراب والدمار في المدن السورية والعراقية التي حل التنظيم فيها (غيتي)
الخراب والدمار في المدن السورية والعراقية التي حل التنظيم فيها (غيتي)

في الخامس من شهر فبراير (شباط) الماضي، بدأت الولايات المتحدة انسحابًا جزئياً من العراق إثر إعلان بغداد في 9 ديسمبر (كانون الأول) النصر على تنظيم «داعش» الإرهابي المتطرف. ولكن على الرغم من مقتل الآلاف من عناصر التنظيم خلال المعارك في العراق وسوريا، أبدت مصادر مطلعة استغرابها إزاء التناقض بين التقديرات التي جرى تداولها بشأن عدد مقاتلي «داعش»، وبين انتشارهم الفعلي خلال المعارك، مع شكوك حول اختفاء عدد كبير منهم.
منذ ظهور تنظيم «داعش» في يوليو (تموز) 2014، تفاوتت التقديرات بشكل كبير حول عدد المقاتلين في صفوف التنظيم الإرهابي. ففي نوفمبر (تشرين الثاني) 2014، قدّرت وكالة الاستخبارات المركزية الأميركي (سي آي إيه)، أن لدى المجموعة ما بين 20 و31 ألف مقاتل في العراق وسوريا. وفي الشهر نفسه، أعلن مدير مكتب الزعيم الكردي مسعود بارزاني، في مقابلة مع صحيفة «الإندبندنت» البريطانية أن تقديرات «سي آي إيه» كانت منخفضة جداً، وأن تنظيم «داعش» يضم نحو 200 ألف مقاتل على الأقل. ولكن في ديسمبر (كانون الأول) 2014، صرّح رئيس هيئة الأركان العامة الروسية الجنرال فاليري جيراسيموف بأن روسيا تقدّر عدد «داعش» بـ70 ألف مقاتل من مختلف الجنسيات. ثم في يوليو من العام الماضي، صرّح اللواء عبد الأمير يار الله بأن أكثر من 25 ألفاً من مقاتلي التنظيم قضوا خلال معركة استمرت 9 أشهر في مدينة الموصل. وفي الشهر نفسه، تباهى الجنرال ريموند توماس، قائد قيادة العمليات الخاصة الأميركية، بأن الهجوم الذي قادته الولايات المتحدة ضد «داعش» أسفر عن مقتل ما بين 60 و70 ألفاً من المسلحين.
في المقابل نفى مكتب «قوة المهام المشتركة – عملية العزم الصلب التابع لمكتب الشؤون العامة» (CJT - PAO) خلال مقابلة مع «الشرق الأوسط»، نشره أي إحصائيات تتعلق بعدد قتلى «داعش»، مضيفاً: «ما يمكن قوله هو أن الغالبية العظمى من الإرهابيين الذين قاتلوا في وقت ما تحت راية (داعش) باتوا اليوم في عداد المتوفين أو هم في الأسر». وأكد أن التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة تمكّن من استعادة أكثر من 107 آلاف و300 كيلومتر مربع، أي ما يعادل 98٪ من الأراضي التي كانت تحت قبضة تنظيم «داعش» في العراق وسوريا مثل الموصل والحويجة والقائم وتلعفر في العراق، والباب في سوريا، من بين العديد من الأراضي الأخرى.
مع ذلك، عند مقارنة التقديرات الأولية الصادرة عن مختلف المرجعيات الدولية والإقليمية بتلك التي أثيرت خلال المعارك، يلاحظ المرء تناقضاً واضحاً في ما بينها. فعلى سبيل المثال، ذكرت شبكة «سي إن إن» التلفزيونية الأميركية، أنه في بداية الهجوم، كان يعتقد أن نحو 3500 إلى 5000 من مقاتلي «داعش» كانوا في الموصل، وفقاً لمسؤولين عسكريين أميركيين. في حين تحدث أنصار «داعش» عن نحو 7000 مقاتل. وأوردت صحيفة «الإندبندت» نقلاً عن إحصاءات أجرتها مراجع أميركية أن مقاتلي «داعش» في الرقة تتراوح أعدادهم بين 3 و4 آلاف مقاتل. أما في الحويجة فلقد أقر مقاتلو «داعش» العام الماضي بوجود بضع مئات من المقاتلين في المدينة. وقال مدير منظمة «العدالة من أجل الحياة» جلال حمد، لـ«الشرق الأوسط» خلال لقاء: إن «أعضاء (داعش) لم يتعدوا 5 آلاف عنصر حين كانوا يسيطرون على محافظة دير الزور». بالإضافة إلى ذلك، أبدى العديد من المصادر التي تمت مقابلتها في المناطق التي كانت في ذلك الوقت تحت سيطرة «داعش» في العراق وسوريا، شكوكها في صحة الأرقام الرسمية المتداولة، متسائلة عن أماكن وجود هذا العدد الكبير من العناصر، إن صحت هذه التقديرات.
من الواضح إذن، أن تقديرات أعداد الإرهابيين جرى تضخيمها بمقدار كبير جداً، وفي هذا الصدد يقول حمد إنه «من الطبيعي أن تأتي أعداد أعضاء (داعش) المتداولة مبالغاً فيها نتيجة المعلومات غير الدقيقة والحملات الدعائية التي قامت بها المنظمة واستراتيجيتها التي اعتمدت على نقل مقاتليها من منطقة إلى أخرى، ما جعلها تبدو أكبر مما هي عليه فعلياً». وأيضاً يشير الخبير العراقي هشام الهاشمي إلى أن العدد الفعلي لمقاتلي تنظيم «داعش» بلغ 36 ألفاً توزّعوا بين سوريا والعراق، معتبراً أنه «لو أخذنا في الاعتبار المناصرين الذين اكتفوا بالتأييد والأعضاء المنخرطين فعلياً في التنظيم، فإن هذا العدد يمكن أن يرتفع إلى 120 ألفاً».
على الرغم من هذه التناقضات، يعتقد الهاشمي أن بنية التنظيم الإرهابي تضعضعت بشكل كبير مع قائد التنظيم أبو بكر البغدادي، القائد الوحيد الذي يبدو أنه نجا من أصل 43 قائداً سبقوه. فوفقاً للهاشمي يبدو وضع التنظيم اليوم أشبه بـ«حكومة ظل» مع بضعة آلاف من المقاتلين المنتشرين بين العراق وسوريا. وقدرت صحيفة «المصدر» مؤخراً أن في سوريا وحدها ما بين 8 و10 آلاف مقاتل من «داعش»، ولو أن القسم الأكبر من نشاط التنظيم يبقى متمركزاً في مناطق النزاع في العراق.
المقاتلون هؤلاء، كما يبدو، عادوا إلى أساليبهم القديمة في التمرد. إذ عمدت قناة «تليغرام» التابعة لـ«داعش» إلى توزيع معلومات جديدة عن الهجمات التي وقعت أخيراً في كل من العراق وسوريا، بعد فترة من الصمت. وأورد العدد الأخير من نشرة «النبأ»، الصادرة باللغة العربية والتابعة للتنظيم، عدة هجمات في سوريا والعراق. وذكرت المنظمة الإرهابية أنها شنت هجوماً في دمشق على القوات الموالية لنظام الرئيس بشار الأسد، وهذا الخبر أكده الموقع الإلكتروني المؤيد للنظام «المصدر». وتحدثت نشرة «النبأ» أيضاً عن هجمات لـ«داعش» شرق البلاد في منطقة البوكمال جنوب شرق سوريا.
أيضاً، وفقاً لنشرة «النبأ» قام «داعش» بتفجير 18 عبوة ناسفة في كركوك، ونفّذ 8 عمليات اغتيال ضد القوات العراقية، وشن أكثر من 18 هجومًا على المنطقة وهجومًا انتحاريًا واحدًا. وأدى كمين لـ«داعش» في الحويجة إلى مقتل 27 من عناصر وحدات «الحشد الشعبي» العراقي. كما قام التنظيم بضرب القوات العراقية في الموصل وديالى ونجح في اغتيال أحد أعضاء «الحشد الشعبي» في قلب بغداد.
أما الموضوع الآخر الذي يشغل بال الخبراء الدوليين هو مصير المقاتلين الأجانب الذي قدّر عددهم بـ30 ألف مقاتل. وهنا يقول الهاشمي إن الأجانب في التنظيم لم يكونوا بالضرورة مقاتلين، باستثناء الليبيين والعناصر من القوقاز، بل إن غالبيتهم كانوا يتولون الشق الإداري مثل بعض السعوديين الذين اهتموا بقسم الشريعة وبعض الأوروبيين الذين توجهوا أكثر إلى تقديم الدعم الفني وتولوا قسم الأبحاث الكيميائية. وبالتالي، فإن الفرع المسؤول عن التخطيط للهجمات في الخارج لم يتأثر كثيراً بالخسائر التي مني بها التنظيم، وفق الخبير العراقي «بالنسبة إلى فرنسا مثلاً، تشير التقديرات إلى أن نحو 2000 شخص انضموا إلى (داعش) طوال مدة 5 سنوات، من ضمنهم نساء وأطفال. وحتى الآن، عاد منهم فقط ما يزيد بقليل على 200 شخص (أي نحو 10٪) ويبدو أن مائة آخرين على وشك القيام بذلك، طوعًا أو قسراً».
وفي هذا الصدد، في مقابلة مع «الشرق الأوسط» يوضح الخبير الفرنسي في شؤون الإرهاب وضابط الاستخبارات السابق آلان شوي، أن «العديد من هؤلاء اعتُبروا في عداد المتوفين أو الفارين، وهذا ينطبق على مواطنين أوروبيين آخرين مثل البلجيكيين والألمان والبريطانيين». وأردف شارحاً: إن «عدد مؤيدي (داعش) في أوروبا قد يكون أعلى من ذلك بكثير، كما أنه من الصعوبة بمكان إحصاؤه وتقديره في حال أردنا احتساب الأشخاص الذين (تعاونوا) بشكل غير مباشر مع التنظيم من دون مغادرة بلدهم من خلال بث الدعاية أو تجنيد العناصر».
وعليه، لا تزال الصورة ضبابية حول قدرات «داعش» وعدده، إلا أنه وعلى الرغم من الخسائر العديدة التي مني بها، فإن الاضطراب المستمر في العراق وسوريا قد يصب في النهاية لصالح التنظيم ويؤدي إلى إعادة ضخ الدم في عروقه.


مقالات ذات صلة

العراق: إحباط مخطط لـ«داعش» ضد شخصيات أمنية ومواقع حكومية في كركوك

العالم العربي جندي عراقي يقود دبابة (أرشيفية - رويترز)

العراق: إحباط مخطط لـ«داعش» ضد شخصيات أمنية ومواقع حكومية في كركوك

أفادت «وكالة الأنباء العراقية»، اليوم (السبت)، بأن جهاز الأمن الوطني أعلن إحباط مخطط «إرهابي خطير» في محافظة كركوك كان يستهدف شخصيات أمنية ومواقع حكومية.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي نازحون في مخيم حسن شام على بعد نحو 40 كيلومتراً غرب أربيل (أ.ف.ب)

في شمال العراق... تحديات كثيرة تواجه النازحين العائدين إلى ديارهم

تعلن السلطات العراقية بانتظام عن عمليات مغادرة جماعية لمئات النازحين من المخيمات بعدما خصصت مبالغ مالية لكلّ عائلة عائدة إلى قريتها.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
العالم العربي تنظيم «داعش» يتبنّى عملية استهداف حاجز لـ«قسد» في ريف دير الزور الشرقي (مواقع تواصل)

حملات التمشيط العسكري لم تمنع انتعاش «داعش» في سوريا

على رغم أن القوات الحكومية السورية تشن حملات تمشيط متكررة في البادية السورية لملاحقة خلايا تنظيم «داعش» فإن ذلك لم يمنع انتعاش التنظيم.

المشرق العربي قوة مشتركة من الجيش العراقي و«الحشد الشعبي» بحثاً عن عناصر من تنظيم «داعش» في محافظة نينوى (أ.ف.ب)

«داعش» يعلن مسؤوليته عن هجوم أدى لمقتل 3 جنود في العراق

قالت مصادر أمنية وطبية في العراق إن قنبلة زرعت على جانب طريق استهدفت مركبة للجيش العراقي أسفرت عن مقتل 3 جنود في شمال العراق.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي «قوات سوريا الديمقراطية» خلال عرض عسكري في ريف دير الزور (الشرق الأوسط)

أكراد سوريا يتحسبون لتمدد الحرب نحو «إدارتهم الذاتية»

ألقت نتائج الانتخابات الأميركية بظلالها على أكراد سوريا ومصير «إدارتهم الذاتية» بعدما جدد الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، التهديد بشن عملية عسكرية.

كمال شيخو (القامشلي)

«المراجعات»... فكرة غائبة يراهن عليها شباب «الإخوان»

جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
TT

«المراجعات»... فكرة غائبة يراهن عليها شباب «الإخوان»

جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)

بين الحين والآخر، تتجدد فكرة «مراجعات الإخوان»، الجماعة التي تصنفها السلطات المصرية «إرهابية»، فتثير ضجيجاً على الساحة السياسية في مصر؛ لكن دون أي أثر يُذكر على الأرض. وقال خبراء في الحركات الأصولية، عن إثارة فكرة «المراجعة»، خصوصاً من شباب الجماعة خلال الفترة الماضية، إنها «تعكس حالة الحيرة لدى شباب (الإخوان) وشعورهم بالإحباط، وهي (فكرة غائبة) عن قيادات الجماعة، ومُجرد محاولات فردية لم تسفر عن نتائج».
ففكرة «مراجعات إخوان مصر» تُثار حولها تساؤلات عديدة، تتعلق بتوقيتات خروجها للمشهد السياسي، وملامحها حال البدء فيها... وهل الجماعة تفكر بجدية في هذا الأمر؟ وما هو رد الشارع المصري حال طرحها؟
خبراء الحركات الأصولية أكدوا أن «الجماعة ليست لديها نية للمراجعات». وقال الخبراء لـ«الشرق الأوسط»: «لم تعرف (الإخوان) عبر تاريخها (مراجعات) يُمكن التعويل عليها، سواء على مستوى الأفكار، أو السلوك السياسي التنظيمي، أو على مستوى الأهداف»، لافتين إلى أن «الجماعة تتبنى دائماً فكرة وجود (محنة) للبقاء، وجميع قيادات الخارج مُستفيدين من الوضع الحالي للجماعة». في المقابل لا يزال شباب «الإخوان» يتوعدون بـ«مواصلة إطلاق الرسائل والمبادرات في محاولة لإنهاء مُعاناتهم».

مبادرات شبابية
مبادرات أو رسائل شباب «الإخوان»، مجرد محاولات فردية لـ«المراجعة أو المصالحة»، عبارة عن تسريبات، تتنوع بين مطالب الإفراج عنهم من السجون، ونقد تصرفات قيادات الخارج... المبادرات تعددت خلال الأشهر الماضية، وكان من بينها، مبادرة أو رسالة اعترف فيها الشباب «بشعورهم بالصدمة من تخلي قادة جماعتهم، وتركهم فريسة للمصاعب التي يواجهونها هم وأسرهم - على حد قولهم -، بسبب دفاعهم عن أفكار الجماعة، التي ثبت أنها بعيدة عن الواقع»... وقبلها رسالة أخرى من عناصر الجماعة، تردد أنها «خرجت من أحد السجون المصرية - بحسب من أطلقها -»، أُعلن فيها عن «رغبة هذه العناصر في مراجعة أفكارهم، التي اعتنقوها خلال انضمامهم للجماعة». وأعربوا عن «استعدادهم التام للتخلي عنها، وعن العنف، وعن الولاء للجماعة وقياداتها».
وعقب «تسريبات المراجعات»، كان رد الجماعة قاسياً ونهائياً على لسان بعض قيادات الخارج، من بينهم إبراهيم منير، نائب المرشد العام للجماعة، الذي قال إن «الجماعة لم تطلب من هؤلاء الشباب الانضمام لصفوفها، ولم تزج بهم في السجون، ومن أراد أن يتبرأ (أي عبر المراجعات) فليفعل».
يشار إلى أنه كانت هناك محاولات لـ«المراجعات» عام 2017 بواسطة 5 من شباب الجماعة المنشقين، وما زال بعضهم داخل السجون، بسبب اتهامات تتعلق بـ«تورطهم في عمليات عنف».
من جهته، أكد أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أن «(المراجعات) أو (فضيلة المراجعات) فكرة غائبة في تاريخ (الإخوان)، وربما لم تعرف الجماعة عبر تاريخها (مراجعات) يُمكن التعويل عليها، سواء على مستوى الأفكار، أو على مستوى السلوك السياسي التنظيمي، أو على مستوى أهداف الجماعة ومشروعها»، مضيفاً: «وحتى الآن ما خرج من (مراجعات) لم تتجاوز ربما محاكمة السلوك السياسي للجماعة، أو السلوك الإداري أو التنظيمي؛ لكن لم تطل (المراجعات) حتى الآن جملة الأفكار الرئيسية للجماعة، ومقولتها الرئيسية، وأهدافها، وأدبياتها الأساسية، وإن كانت هناك محاولات من بعض شباب الجماعة للحديث عن هذه المقولات الرئيسية».

محاولات فردية
وقال أحمد بان إن «الحديث عن (مراجعة) كما يبدو، لم تنخرط فيها القيادات الكبيرة، فالجماعة ليس بها مُفكرون، أو عناصر قادرة على أن تمارس هذا الشكل من أشكال (المراجعة)، كما أن الجماعة لم تتفاعل مع أي محاولات بحثية بهذا الصدد، وعلى كثرة ما أنفقته من أموال، لم تخصص أموالاً للبحث في جملة أفكارها أو مشروعها، أو الانخراط في حالة من حالات (المراجعة)... وبالتالي لا يمكننا الحديث عن تقييم لـ(مراجعة) على غرار ما جرى في تجربة (الجماعة الإسلامية)»، مضيفاً أن «(مراجعة) بها الحجم، وبهذا الشكل، مرهونة بأكثر من عامل؛ منها تبني الدولة المصرية لها، وتبني قيادات الجماعة لها أيضاً»، لافتاً إلى أنه «ما لم تتبنَ قيادات مُهمة في الجماعة هذه (المراجعات)، لن تنجح في تسويقها لدى القواعد في الجماعة، خصوصاً أن دور السلطة أو القيادة في جماعة (الإخوان) مهم جداً... وبالتالي الدولة المصرية لو كانت جادة في التعاطي مع فكرة (المراجعة) باعتبارها إحدى وسائل مناهضة مشروع الجماعة السياسي، أو مشروع جماعات الإسلام السياسي، عليها أن تشجع مثل هذه المحاولات، وأن تهيئ لها ربما عوامل النجاح، سواء عبر التبني، أو على مستوى تجهيز قيادات من الأزهر، للتعاطي مع هذه المحاولات وتعميقها».
وأكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أن «الجماعة لم تصل لأي شيء في موضوع (المراجعات)، ولا توجد أي نية من جانبها لعمل أي (مراجعات)»، مضيفاً: «هناك محاولات فردية لـ(المراجعات) من بعض شباب الجماعة الناقم على القيادات، تتسرب من وقت لآخر، آخرها تلك التي تردد أنها خرجت من داخل أحد السجون جنوب القاهرة - على حد قوله -، ومن أطلقها صادر بحقهم أحكام بالسجن من 10 إلى 15 سنة، ولهم مواقف مضادة من الجماعة، ويريدون إجراء (مراجعات)، ولهم تحفظات على أداء الجماعة، خصوصاً في السنوات التي أعقبت عزل محمد مرسي عن السلطة عام 2013... وتطرقوا في انتقاداتهم للجوانب الفكرية للجماعة، لكن هذه المحاولات لم تكن في ثقل (مراجعات الجماعة الإسلامية)... وعملياً، كانت عبارة عن قناعات فردية، وليس فيها أي توجه بمشروع جدي».
وأكد زغلول، أن «هؤلاء الشباب فكروا في (المراجعات أو المصالحات)، وذلك لطول فترة سجنهم، وتخلي الجماعة عنهم، وانخداعهم في أفكار الجماعة»، مضيفاً: «بشكل عام ليست هناك نية من الجماعة لـ(المراجعات)، بسبب (من وجهة نظر القيادات) (عدم وجود بوادر من الدولة المصرية نحو ذلك، خصوصاً أن السلطات في مصر لا ترحب بفكرة المراجعات)، بالإضافة إلى أن الشعب المصري لن يوافق على أي (مراجعات)، خصوصاً بعد (مظاهرات سبتمبر/ أيلول الماضي) المحدودة؛ حيث شعرت قيادات الجماعة في الخارج، بثقل مواصلة المشوار، وعدم المصالحة».
وفي يناير (كانون الثاني) عام 2015، شدد الرئيس عبد الفتاح السيسي، على أن «المصالحة مع من مارسوا العنف (في إشارة ضمنية لجماعة الإخوان)، قرار الشعب المصري، وليس قراره شخصياً».
وأوضح زغلول في هذا الصدد، أن «الجماعة تتبنى دائماً فكرة وجود (أزمة أو محنة) لبقائها، وجميع القيادات مستفيدة من الوضع الحالي للجماعة، وتعيش في (رغد) بالخارج، وتتمتع بالدعم المالي على حساب أسر السجناء في مصر، وهو ما كشفت عنه تسريبات أخيرة، طالت قيادات هاربة بالخارج، متهمة بالتورط في فساد مالي».

جس نبض
وعن ظهور فكرة «المراجعات» على السطح من وقت لآخر من شباب الجماعة. أكد الخبير الأصولي أحمد بان، أن «إثارة فكرة (المراجعة) من آن لآخر، تعكس حالة الحيرة لدى الشباب، وشعورهم بالإحباط من هذا (المسار المغلق وفشل الجماعة)، وإحساسهم بالألم، نتيجة أعمارهم التي قدموها للجماعة، التي لم تصل بهم؛ إلا إلى مزيد من المعاناة»، موضحاً أن «(المراجعة أو المصالحة) فكرة طبيعية وإنسانية، وفكرة يقبلها العقل والنقل؛ لكن تخشاها قيادات (الإخوان)، لأنها سوف تفضح ضحالة عقولهم وقدراتهم ومستواهم، وستكشف الفكرة أمام قطاعات أوسع».
برلمانياً، قال النائب أحمد سعد، عضو مجلس النواب المصري (البرلمان)، إن «الحديث عن تصالح مع (الإخوان) يُطلق من حين لآخر؛ لكن دون أثر على الأرض، لأنه لا تصالح مع كل من خرج عن القانون، وتورط في أعمال إرهابية - على حد قوله -».
وحال وجود «مراجعات» فما هي بنودها؟ أكد زغلول: «ستكون عبارة عن (مراجعات) سياسية، و(مراجعة) للأفكار، ففي (المراجعات) السياسية أول خطوة هي الاعتراف بالنظام المصري الحالي، والاعتراف بالخلط بين الدعوة والسياسة، والاعتراف بعمل أزمات خلال فترة حكم محمد مرسي... أما الجانب الفكري، فيكون بالاعتراف بأن الجماعة لديها أفكار عنف وتكفير، وأنه من خلال هذه الأفكار، تم اختراق التنظيم... وعلى الجماعة أن تعلن أنها سوف تبتعد عن هذه الأفكار».
وعن فكرة قبول «المراجعات» من قبل المصريين، قال أحمد بان: «أعتقد أنه يجب أن نفصل بين من تورط في ارتكاب جريمة من الجماعة، ومن لم يتورط في جريمة، وكان ربما جزءاً فقط من الجماعة أو مؤمناً فكرياً بها، فيجب الفصل بين مستويات العضوية، ومستويات الانخراط في العنف».
بينما أوضح زغلول: «قد يقبل الشعب المصري حال تهيئة الرأي العام لذلك، وأمامنا تجربة (الجماعة الإسلامية)، التي استمرت في عنفها ما يقرب من 20 عاماً، وتسببت في قتل الرئيس الأسبق أنور السادات، وتم عمل (مراجعات) لها، وبالمقارنة مع (الإخوان)، فعنفها لم يتعدَ 6 سنوات منذ عام 2013. لكن (المراجعات) مشروطة بتهيئة الرأي العام المصري لذلك، وحينها سيكون قبولها أيسر».
يُشار إلى أنه في نهاية السبعينات، وحتى منتصف تسعينات القرن الماضي، اُتهمت «الجماعة الإسلامية» بالتورط في عمليات إرهابية، واستهدفت بشكل أساسي قوات الشرطة والأقباط والأجانب. وقال مراقبون إن «(مجلس شورى الجماعة) أعلن منتصف يوليو (تموز) عام 1997 إطلاق ما سمى بمبادرة (وقف العنف أو مراجعات تصحيح المفاهيم)، التي أسفرت بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية وقتها، على إعلان الجماعة (نبذ العنف)... في المقابل تم الإفراج عن معظم المسجونين من كوادر وأعضاء (الجماعة الإسلامية)».
وذكر زغلول، أنه «من خلال التسريبات خلال الفترة الماضية، ألمحت بعض قيادات بـ(الإخوان) أنه ليس هناك مانع من قبل النظام المصري - على حد قولهم، في عمل (مراجعات)، بشرط اعتراف (الإخوان) بالنظام المصري الحالي، وحل الجماعة نهائياً».
لكن النائب سعد قال: «لا مجال لأي مصالحة مع (مرتكبي جرائم عنف ضد الدولة المصرية ومؤسساتها) - على حد قوله -، ولن يرضى الشعب بمصالحة مع الجماعة».