«داعش» في طبعته الثانية

التمدد شرقاً نحو أفغانستان وباكستان بداية لمرحلة أصولية جديدة

مظاهرات لأفغان ضد سقوط مدنيين في عمليات إرهابية في ولاية ننجرهار حيث ينشط «داعش» (إ.ب.أ)
مظاهرات لأفغان ضد سقوط مدنيين في عمليات إرهابية في ولاية ننجرهار حيث ينشط «داعش» (إ.ب.أ)
TT

«داعش» في طبعته الثانية

مظاهرات لأفغان ضد سقوط مدنيين في عمليات إرهابية في ولاية ننجرهار حيث ينشط «داعش» (إ.ب.أ)
مظاهرات لأفغان ضد سقوط مدنيين في عمليات إرهابية في ولاية ننجرهار حيث ينشط «داعش» (إ.ب.أ)

في منتصف شهر فبراير (شباط) الماضي وخلال مؤتمر صحافي عقده وزير الخارجية الأميركي «ريكس تيلرسون» مع نظيره الكويتي صباح الخالد الحمد الصباح، أكد الرجل على أن «داعش» يتهاوى لكنه لم ينته بعد، وأنه لا يزال يشكل تهديداً على المنطقة رغم تحرير الأراضي العراقية من سيطرة التنظيم العام الماضي.
أحد أهم الأسئلة التي تطرح ذاتها في سياق تحليل تصريحات تيلرسون: «هل الرجل يتحدث عن واقع حال أم عن رؤى استشرافية تشارك بلاده في صنعها، بمعنى عدم السماح للتنظيم بأن ينتهي مرة وإلى الأبد، سيما إذا كانت هناك له أدوار لم تتم بعد، وجميعها تصب بالمطلق في صالح الرؤية الأميركية لصبغ القرن الحادي والعشرين بصبغة أميركية مطلقة، مما يستوجب قطع الطريق بنوع خاص على روسيا والصين، وجعل اقترابهما من آفاق القطبية العالمية، أو مشاركة واشنطن النفوذ حول العالم أثراً بعد عن... هل انتهي «داعش» بالفعل أم نحن على مشارف الطبعة الثانية من تنظيم الخلافة؟

إلى أين ذهب {الدواعش}؟
في قراءة أخيرة له يقدم الكاتب والباحث الفرنسي «تييري ميسان» تفكيكاً عددياً لتنظيم داعش الذي بلغ في ذروته نحو 240 ألف مقاتل، 40 ألف أعضاء في الجماعة النقشبندية، وهم جنود سابقون من الجيش العراقي الذين سرحهم بول بريمر، و80 ألف رجل من العشائر السنية في غرب العراق و120 ألف من سليلي المقاتلين اليمنيين، والسؤال هل تبخر هؤلاء دفعة واحدة؟
من الواضح أن هناك قصورا شديدا في وجود آليات لتقييم عدد القتلى في المعارك التي دارت رحاها طوال العامين الماضين، وعليه لا يعرف أحد كم تبقى منهم وإلى أين تسربوا، ومن عمد إلى تسريبهم في جنح الظلام تارة وفي ضوء الشمس تارة أخرى.
على أنه وفي كل الأحوال يمكن القطع بأن فلول «داعش» قد وجدت لها حاضنات إرهابية في عدد من بلاد العالم، فقد سعى إلى الوجود في أفريقيا وبنوع خاص في الشمال الغربي، ودول الساحل وفي العمق.
أما الساحل؛ فليبياً أسوأ مثال بعد فراغ السلطة الذي خلفه سقوط نظام القذافي، وفي قلب أفريقيا بدأ الوجود الداعشي في نيجيريا والنيجر والكاميرون وتشاد ومالي، وغالبية تلك الدول تتسم بحضور لجماعات أصولية دخل بعضها مثل «بوكو حرام» في تشبيكات، ولاحقاً أبدى البعض الآخر رغبة في شراكات إلى أن وصل الأمر إلى الولاءات لـ«داعش»، لكن الانتشار الداعشي الأكبر لم يكن بعد في أفريقيا بل إلى مفر آخر.

طريق {الدواعش} إلى آسيا
لا تزال قارة آسيا وستظل طويلاً هي الهدف الأكبر للقوى الغربية والإمبريالية العالمية التي لا تريد لقلب العالم أن ينتقل من بين أياديها إلى الشرق حيث آسيا الصاعدة وبقوة بقيادة الصين لتغيير المشهد العالمي والذي حافظت فيه أوروبا والولايات المتحدة على صدارة العالم، بفعل خمسمائة عام من السيطرة على ثروات الأرض بالاحتلال والاستغلال، وكثيراً بالاحتيال والسطوة ولا يزال نموذج الكابتن «مورجان» قرصان القراصنة هو المثال الأكبر للقوى الغربية.
حين بلور المحافظون الجدد وثيقتهم الأخطر (PNCA) عام 1997 كان الهدف وقف نمو الصين وعدم السماح لروسيا بأن تستيقظ من السبات العميق.
تبلورت الوثيقة عام 2010 في القراءة الاستراتيجية الشهيرة المعروفة باسم «استراتيجية الاستدارة نحو آسيا» وللهدف ذاته، ولتحقيقها كان ولا بد من استخدام الأصوليات الإسلاموية مرة جديدة، لتفخيخ روسيا والصين من الداخل، وقد بدأ هذا السيناريو عبر «الربيع العرب» المكذوب في الشرق الأوسط، وكان الأمل تصعيده إلى شمال وشرق آسيا، غير أن الأميركيين فاتهم أن التاريخ لا يكرر ذاته وإن تشابهت أحداثه، ومع ذلك لم ييأسوا، وها هم يعاودون الكرة من خلال تصعيد الدواعش إلى أفغانستان وباكستان من جديد.

«داعش» خنجر في خاصرة روسيا
هل يمكن أن تضحى أفغانستان «عشاً ربيعياً» جديداً تنطلق منه الهجمات الإرهابية جهة روسيا والصين بترتيب وتدبير أميركيين بنوع خاص؟
من الوهلة الأولى يكاد القارئ يظن أن الأمر هين ويسير ولا يتجاوز استنساخ «طالبان» مرة أخرى لمجابهة الوجود السوفياتي في أفغانستان طوال ثمانينات القرن الماضي.
السؤال المثير للتأمل: هل يعيد الأميركيون تجربتهم ثانية هناك ولهذا تبخر المقاتلون من سوريا والعراق ليظهروا مرة واحدة على الأراضي الآسيوية؟
الجواب عند «أندريه غروزين» رئيس قسم آسيا الوسطى وكازاخستان بمعهد بلدان رابطة الدول المستقلة، وفيه أن كل الدلائل تشير إلى أن الأميركيين يساهمون في تعزيز تنظيم الدولة في أفغانستان بهدف تمكين الأصوليين من التوسع، بما في ذلك على أراضى آسيا الوسطى، سيما وأن عبور المسلحين إلى أفغانستان يجري وفق الطريقة نفسها التي وصلوا فيها إلى العراق وسوريا، مما يعني أن الأميركيين يريدون خلق سوريا إضافية في خاصرة روسيا.

عوامل الجيوبوليتك في الصراع
لفهم أبعاد المشهد قد ينبغي علينا أن نوسع عدسة الرؤية، حيث يتم التأكد من أن الأميركيين قد باتوا في صراع يتجاوز زمن الحرب الباردة، ويكاد يقترب من المواجهة الساخنة مع الروس، ولذلك فإن الصراع الآن في جانب غالب منه صراع جيوبوليتكي، وتاليا عسكري، بمعني حتمية الاقتراب جغرافيا من الأراضي الروسية، وتالياً إعادة ترتيب أوراق الصراع على رقعة الشطرنج.
أما كيف احتدم الصراع، فهذا لم تجرِ به المقادير في يوم وليلة بل يبدأ من عند صحوة روسيا في أوائل الألفية الثالثة على يد فلاديمير بوتين، وصولاً إلى خطابه الأخير قبل بضعة أيام، ذاك الذي اعتبر بمثابة استعراض عضلات قبل الانتخابات الرئاسية، حيث قلب الطاولة كما يقال على الأميركيين، فعوضاً عن أن يكون القرن الحادي والعشرين قرناً أميركياً، رأينا بوتين يتحدث عن أن القرن 21 سوف يشكل موعداً لاعتلاء روسيا مركز الصدارة في العالم، بل وأعلن تحديه للولايات المتحدة بالكشف للمرة الأولى عن إضافات صاروخية جديدة للترسانة الروسية بينها صاروخ قادر على الوصول إلى أي مكان في العالم.
بوتين وفي خطاب «حالة الأمة» أشار إلى أن الدور العسكري الذي تلعبه بلاده على الساحة السورية ساهم في استعراض مدى تقدم القدرات الدفاعية لروسيا أمام العالم، وفي الوقت نفسه كشف عن استقبال الترسانة الروسية الإنتاج الجديد من الصواريخ الثقيلة العابرة للقارات، وصواريخ كروز الموجهة، وأشار تحديداً إلى صاروخ «سارامات» الجديد غير محدود المدى والقادر على بلوغ أي مكان في العالم، ويستطيع حمل عشرة رؤوس نووية وبوزن أكثر من 200 طن، بالإضافة إلى صواريخ «كنيجال» و«أفنجارد» بقدراتهما على تجاوز أضعاف سرعة الضوء. هل كان للأميركيين أن يقفوا صامتين أم أن رؤاهم لروسيا هي التفتيت والتفخيخ من الداخل؟

«داعش» عوضاً عن «طالبان»
مؤخراً كان الرئيس الأميركي «دونالد ترمب» يرسم في الأفق سياسات بلاده القادمة في أفغانستان، مشيراً إلى أنه سيرسل المزيد من الجنود الأميركيين، ويرصد عدة مليارات من الدولارات للعمليات العسكرية المسلحة هناك، فهل الهدف الأميركي الأبعد هو استبدال «طالبان»، تلك الجماعة التي كانت واشنطن وراء نشوئها وارتقائها قبل بضعة عقود، بـ«داعش» التي ظهرت للنور من رحم الغزو الأميركي للعراق في منتصف العقد الأول من القرن الحالي؟
المؤكد أنه لا تزال «طالبان» وحتى الساعة هي الأكثر تأثيراً بما لا يقاس في أفغانستان، إلا أن الداعشيين يستجمعون قوتهم، وفي غضون عامين، كل شيء يمكن أن يتغير جذرياً، ولهذا السبب لا يمكن استبعاد ظهور «داعش» في أفغانستان، سيما وأن هناك حركة مرصودة من قبل الاستخبارات الروسية والصينية تؤكد قيام أجهزة استخباراتية عسكرية أميركية بإرسال المتطرفين من الدواعش، وغيرهم من الجماعات التي تختلف مسمياتها وتتحد في أهدافها عبر القائمين عليهم وهم عادة واحد وليسوا أكثر، وقد أرسلت جماعات «داعش» إلى شبه القارة الهندية، وأفغانستان، وباكستان، والهند، وبنغلاديش وميانمار، كما كشف «زامير كابلوف»، المبعوث الخاص لفلاديمير بوتين إلى أفغانستان.

فرص «داعش» في الانتشار آسيوياً
يعن لنا أن نتساءل هل من فرصة حقيقية لـ«داعش» لأن تحتل المكانة التي كانت لـ«طالبان» ولا تزال في أفغانستان؟
العارفون بخبيئة أمور «داعش» وبحسب فكر «إدارة التوحش» «لأبي بكر ناجي» فإن المرحلة الأولى للتنظيم تهتم وتكرس جهودها لما يعرف بـ«النكاية والإنهاك»، الأمر الذي تحلله بامتياز «جاكلين سذرلاند» عبر مجلة «ريل كلير وورلد»، وتبدو أن تلك المرحلة قد جرت بالفعل عبر لاعبين محليين، فـ«طالبان» كانت في طور الانبعاث في أفغانستان، كما أن الوجود العسكري الأجنبي دائم، لكنه متذبذب، وعلى هذه الخلفية تسبب العنف السياسي والفساد والاقتصاد الراكد في انهيار الفضاء السياسي في أفغانستان... ماذا يعني ذلك لـ«داعش»؟
بلا شك يجعل هذا الوضع من أفغانستان هدفاً عملياً سهلاً، لأن افتقار البلد إلى الديمقراطية والأمن يساعد «داعش» على مفاقمة الانقسامات المجتمعية الموجودة.
والمعروف أن «داعش» لن تبدأ في أفغانستان من نقطة الصفر، فجماعة «إمارة خراسان» تمثل فرع «داعش» على الأراضي الأفغانية، وقد مارس هذا الفرع تكتيكه في كسب أراض في سبع محافظات أفغانية على الأقل.
ومن المشاهد المثيرة للتساؤلات أن العقلية التي رسمت لـ«داعش» في سوريا والعراق ملامح ومعالم معاركها، تكاد تكون هي عينها التي تفعل الفعل نفسه في أفغانستان... ففي العراق وسوريا قامت تكتيكات «داعش» على الاستيلاء على المناطق ذات الحضور التاريخي، مما يقوض بسرعة حدود الدولة الوطنية.
الأمر نفسه نراه يتكرر في أفغانستان، فقد ادعت «إمارة خراسان» سيادتها على منطقة تاريخية تضم أجزاء من أفغانستان وباكستان الزمن الحاضر، وبتحديد الأراضي استناداً لأهميتها التاريخية بالنسبة للإسلام، على عكس حدود الدولة – الأمة، يتعزز هدف «داعش» المتمثل في نزع الشرعية عن مؤسسات أفغانستان وزرع البذور للاستيلاء على كامل البلاد، عبر مخطط تنفذه نواة «داعش» المركزية، أو إن شئت الدقة قل العقول الحقيقية التي تتلاعب بالدواعش كما صانع العرائس في المسرح والذي يحرك الدمى كيفما شاء وآنى له أن يشاء.

باكستان والانتشار {الداعشي}
ظلت باكستان ولعقود طويلة مرتبطة ارتباطاً كبيراً بالنفوذ الأميركي، وبالتنسيق الاستخباراتي بين الجانبين وقد تحدثت هيلاري كلينتون ذات مرة حين كانت تشغل منصب وزيرة خارجية بلادها عن تلك الروابط والعلاقات وكيف دعمت واشنطن المؤسسة العسكرية والأمنية الباكستانية لصالح مشروعاتها سيما في أزمنة الحرب الباردة.
غير أن ذلك لم يكن ليذهب الشكوك المتبادلة بين الجانبين وقد تعاظمت في الأوقات الأخيرة، وبدا أن دونالد ترمب يستخدم التهديد تجاه باكستان، بأكثر مما يفعل بالوعيد.
المؤكد أنه إذا كانت فكرة «داعش» قد باتت تستهوي عدداً كبيراً من عناصر «طالبان»، فإن باكستان أيضاً تواجه فيها الحكومة الاتحادية والجيش مشكلة كبيرة في بسط سيطرتها هناك، ففي شريط فيديو تم بثه في يناير (كانون الثاني) الماضي على مواقع أصولية، أعلن نحو عشرة من عناصر «طالبان» غالبيتهم من باكستان، الولاء لتنظيم داعش وزعيمه أبو بكر البغدادي وفي أعقاب تلك العملية مارس ترمب في خطابه ضغطاً على باكستان، معتبراً أنها «غالباً ما تشكل ملجأ لعناصر الفوضى والعنف والترهيب»، وأنها ستخسر كثيراً إذا واصلت إيواء مجرمين وإرهابيين يزعزعون أمن أفغانستان المجاورة مشدداً على أن هذا الوضع لا بد وأن يتغير فوراً.
وعليه فإن فرص المكايدة السياسية الباكستانية يمكن أن تتيح للدواعش فرصة للانتقام من الهند، تلك التي يتحدث البعض مؤخراً عن دور أميركي واضح في زخم الأصولية البوذية لملاقاة ومواجهة الأصولية الإسلاموية، وكأن صموئيل هنتنجتون لم يمت بعد، ونظريته عن صراع الحضارات والثقافات لا تزال قائمة ولم تندثر.
الأصابع الخفية التي توجه «داعش»، تنفخ النيران في الأصوليات الإسلاموية القائمة والقادمة في أفغانستان وباكستان استعداداً لخطة الانطلاق إلى جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابقة، من جهة، ومحافظات وولايات الصين الفسيحة من جانب آخر، فعلى أراضي أفغانستان وباكستان توجد بالفعل جماعات تتألف أساساً من مهاجرين من جمهوريات ما بعد الاتحاد السوفياتي، وتعاني دول آسيا الوسطى الضعيفة مشكلات داخلية يمكن أن تضحى الأرضية الأفغانية بنوع خاص مجرد صاعق لتفجيرها.
لكن قائل يذهب إلى أن واشنطن تحارب «داعش» و«القاعدة» في أفغانستان وتلقى هناك «بأم القنابل» فكيف يستقيم القول إنها تعد الدواعش من جديد في جولة مواجهة مضادة لروسيا والصين؟
الخلاصة، كما كان الإخوان المسلمين، ومن بعدهم القاعدة، والآن «داعش»، لن يتخلى الغرب عن أدوات براغماتية أصولية نافعة وناجعة لزخم استراتيجياته للهيمنة على العالم في الحال والاستقبال... من قال إن زمان «داعش» قد ولى وإن تنظيمه قد انهزم؟


مقالات ذات صلة

العراق: إحباط مخطط لـ«داعش» ضد شخصيات أمنية ومواقع حكومية في كركوك

العالم العربي جندي عراقي يقود دبابة (أرشيفية - رويترز)

العراق: إحباط مخطط لـ«داعش» ضد شخصيات أمنية ومواقع حكومية في كركوك

أفادت «وكالة الأنباء العراقية»، اليوم (السبت)، بأن جهاز الأمن الوطني أعلن إحباط مخطط «إرهابي خطير» في محافظة كركوك كان يستهدف شخصيات أمنية ومواقع حكومية.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي نازحون في مخيم حسن شام على بعد نحو 40 كيلومتراً غرب أربيل (أ.ف.ب)

في شمال العراق... تحديات كثيرة تواجه النازحين العائدين إلى ديارهم

تعلن السلطات العراقية بانتظام عن عمليات مغادرة جماعية لمئات النازحين من المخيمات بعدما خصصت مبالغ مالية لكلّ عائلة عائدة إلى قريتها.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
العالم العربي تنظيم «داعش» يتبنّى عملية استهداف حاجز لـ«قسد» في ريف دير الزور الشرقي (مواقع تواصل)

حملات التمشيط العسكري لم تمنع انتعاش «داعش» في سوريا

على رغم أن القوات الحكومية السورية تشن حملات تمشيط متكررة في البادية السورية لملاحقة خلايا تنظيم «داعش» فإن ذلك لم يمنع انتعاش التنظيم.

المشرق العربي قوة مشتركة من الجيش العراقي و«الحشد الشعبي» بحثاً عن عناصر من تنظيم «داعش» في محافظة نينوى (أ.ف.ب)

«داعش» يعلن مسؤوليته عن هجوم أدى لمقتل 3 جنود في العراق

قالت مصادر أمنية وطبية في العراق إن قنبلة زرعت على جانب طريق استهدفت مركبة للجيش العراقي أسفرت عن مقتل 3 جنود في شمال العراق.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي «قوات سوريا الديمقراطية» خلال عرض عسكري في ريف دير الزور (الشرق الأوسط)

أكراد سوريا يتحسبون لتمدد الحرب نحو «إدارتهم الذاتية»

ألقت نتائج الانتخابات الأميركية بظلالها على أكراد سوريا ومصير «إدارتهم الذاتية» بعدما جدد الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، التهديد بشن عملية عسكرية.

كمال شيخو (القامشلي)

ألمانيا... صعود {اليمين المتطرف}

انتشار أمني عقب وقوع مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة وسقوط 9 قتلى في مدينة هاناو الألمانية قبل بضعة أيام (إ.ب.أ)
انتشار أمني عقب وقوع مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة وسقوط 9 قتلى في مدينة هاناو الألمانية قبل بضعة أيام (إ.ب.أ)
TT

ألمانيا... صعود {اليمين المتطرف}

انتشار أمني عقب وقوع مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة وسقوط 9 قتلى في مدينة هاناو الألمانية قبل بضعة أيام (إ.ب.أ)
انتشار أمني عقب وقوع مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة وسقوط 9 قتلى في مدينة هاناو الألمانية قبل بضعة أيام (إ.ب.أ)

عندما وصف رجل ألماني في شريط على «يوتيوب» سوسن شبلي، السياسية الألمانية الشابة من أصل فلسطيني، والتي تنتمي للحزب الاشتراكي الديمقراطي، بأنها: «دمية متحدثة باسم الإسلاميين»، ظنت أن محكمة ألمانية سترد لها حقها بعد «الإهانة» التي تعرضت لها، ولكنها فوجئت عندما حكمت المحكمة بأن هذه الصفة وغيرها من التي ألصقها بها الرجل، هي «ضمن حرية التعبير التي يصونها القانون الألماني»، وليست إهانة ولا تحريضاً على الكراهية.

في الواقع، لم تكن تلك المرة الأولى التي تتعرض لها شبلي لتوصيفات عنصرية كهذه. فهي وغيرها من السياسيين المسلمين القلائل في ألمانيا، والسياسي الأسود الوحيد كرامبا ديابي، معتادون على سماع كثير من الإهانات، بسبب ديانتهم ولونهم فقط؛ حتى أنهم يتلقون تهديدات عبر البريد الإلكتروني والاتصالات، تصل أحياناً لحد التهديد بالقتل.
ورغم أن هذه التهديدات التي يتعرض لها السياسيون المسلمون في ألمانيا تجلب لهم التضامن من بقية السياسيين الألمان، فإن أكثر من ذلك لا يُحدث الكثير.
في ألمانيا، تصنف السلطات ما يزيد على 12 ألف شخص على أنهم من اليمين المتطرف، ألف منهم عنيفون، وهناك خطر من أن ينفذوا اعتداءات داخل البلاد.
يشكل اليمينيون المتطرفون شبكات سرية، ويتواصلون عادة عبر الإنترنت، ويتبادلون الأحاديث داخل غرف الـ«تشات» الموجودة داخل الألعاب الإلكترونية، تفادياً للمراقبة.
وفي السنوات الماضية، ازداد عنف اليمين المتطرف في ألمانيا، وازداد معه عدد الجرائم التي يتهم أفراد متطرفون بارتكابها. وبحسب الاستخبارات الألمانية الداخلية، فإن اعتداءات اليمين المتطرف زادت خمسة أضعاف منذ عام 2012.
وفي دراسة لمعهد «البحث حول التطرف» في جامعة أوسلو، فإن ألمانيا على رأس لائحة الدول الأوروبية التي تشهد جرائم من اليمين المتطرف، وتتقدم على الدول الأخرى بفارق كبير جداً. فقد سجل المعهد حوالي 70 جريمة في هذا الإطار بين عامي 2016 و2018، بينما كانت اليونان الدولة الثانية بعدد جرائم يزيد بقليل عن العشرين في الفترة نفسها.
في الصيف الماضي، شكل اغتيال سياسي ألماني يدعى فالتر لوبكه، في حديقة منزله برصاصة أطلقت على رأسه من الخلف، صدمة في ألمانيا. كانت الصدمة مضاعفة عندما تبين أن القاتل هو يميني متطرف استهدف لوبكه بسبب سياسته المؤيدة للاجئين. وتحدث كثيرون حينها عن «صرخة يقظة» لأخذ خطر اليمين المتطرف بجدية. ودفن لوبكه ولم يحدث الكثير بعد ذلك.
فيما بعد اغتياله بأشهر، اعتقل رجل يميني متطرف في ولاية هسن، الولاية نفسها التي اغتيل فيها السياسي، بعد أن قتل شخصين وهو يحاول الدخول إلى معبد لليهود، أثناء وجود المصلين في الداخل بهدف ارتكاب مجزرة. أحدثت تلك المحاولة صرخة كبيرة من الجالية اليهودية، وعادت أصوات السياسيين لتعلو: «لن نسمح بحدوثها مطلقاً مرة أخرى»، في إشارة إلى ما تعرض له اليهود في ألمانيا أيام النازية. ولكن لم يحدث الكثير بعد ذلك.
وقبل بضعة أيام، وقعت مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة في مدينة هاناو في الولاية نفسها، استهدفا من قبل يميني متطرف لأن من يرتادهما من المسلمين. أراد الرجل أن يقتل مسلمين بحسب رسالة وشريط فيديو خلَّفه وراءه بعد أن قتل 9 أشخاص، ثم توجه إلى منزله ليقتل والدته، ثم نفسه. أسوأ من ذلك، تبين أن الرجل كان يحمل سلاحاً مرخصاً، وينتمي لنادي الرماية المحلي.
بات واضحاً بعد استهداف هاناو، أن السلطات الألمانية لم تولِ اليمين المتطرف اهتماماً كافياً، وأنها لا تقدر حقيقة خطره على المجتمع، رغم أنها كشفت قبل أيام من جريمة هاناو عن شبكة يمينية متطرفة، كانت تعد لاعتداءات على مساجد في أنحاء البلاد، أسوة بما حصل في كرايستشيرش في نيوزيلندا.
وجاء الرد على اعتداء هاناو بتشديد منح رخص السلاح، وبات ضرورياً البحث في خلفية من يطلب ترخيصاً، على أن يرفض طلبه في حال ثبت أنه ينتمي لأي مجموعة متطرفة، ويمكن سحب الترخيص لاحقاً في حال ظهرت معلومات جديدة لم تكن متوفرة عند منحه. كما يبحث وزراء داخلية الولايات الألمانية تأمين حماية للمساجد وللتجمعات الدينية للمسلمين واليهود.
ولكن كل هذه الإجراءات يعتقد البعض أنها لا تعالج المشكلة الأساسية التي تدفع باليمين المتطرف لارتكاب أعمال عنف. وفي كل مرة تشهد ألمانيا اعتداءات، يوجه سياسيون من اليسار الاتهامات لحزب «البديل لألمانيا» اليميني المتطرف، بالمسؤولية عنها بشكل غير مباشر. ويواجه الحزب الذي دخل البرلمان الفيدرالي (البوندستاغ) للمرة الأولى عام 2018، وبات أكبر كتلة معارضة، اتهامات بأنه «يطبِّع سياسة الكراهية»، وبأنه يحرض على العنف ضد اللاجئين والمهاجرين، من خلال ترويجه لخطاب الكراهية. وحتى أن البعض ذهب أبعد من ذلك بالدعوة إلى حظر الحزب للتصدي للعنف المتزايد لليمين المتطرف.
والواقع أن مشكلة اليمين المتطرف تزداد منذ أن دخل «البديل لألمانيا» إلى «البوندستاغ». فهو - كما حملته الانتخابية - يركز خطابه على مواجهة سياسة اللاجئين التي اعتمدتها حكومة المستشارة أنجيلا ميركل. وكثير من الأسئلة التي يتقدم بها نوابه في البرلمان تهدف لإثبات خطأ هذه السياسة، وعدم قدرة اللاجئين على الاندماج. ورغم أن نوابه في البرلمان يحرصون على عدم تخطي القانون في خطاباتهم، فإن كثيراً من السياسيين المنتمين لهذا الحزب؛ خصوصاً في الولايات الشرقية، لا يترددون في الحديث بلغة لا يمكن تمييزها عن لغة النازيين. أبرز هؤلاء السياسيين بيورغ هوكيه الذي لم يستطع أعضاء في حزبه تمييز ما إذا كانت جمل قرأها صحافي لهم، هي مقتطفات من كتاب «كفاحي» لهتلر، أم أنها أقوال لهوكيه.
كل هذا خلق أجواء سلبية ضد المسلمين في ألمانيا، وحوَّل كثيرين من الذين ولدوا لأبوين مهاجرين إلى غرباء في بلدهم. في هاناو، يقول كثيرون من الذين فقدوا أصدقاءهم في المجزرة، بأنهم لم يعودوا يشعرون بالأمان، ولا بأنهم جزء مقبول من المجتمع. وبعضهم يرى أنه ما دام حزب «البديل لألمانيا» مقبولاً بين الأحزاب الأخرى، فإن خطاب الكراهية سيستمر، والجرائم كالتي حصلت في هاناو ستتكرر.
ما يزيد من هذه المخاوف ومن الشبهات، أن السلطات الألمانية لم تأخذ خطر اليمين المتطرف على محمل الجد طوال السنوات الماضية. وهناك فضائح متتالية داخل المؤسسات الأمنية تظهر أنها مليئة بمؤيدين أو متعاطفين مع اليمين المتطرف؛ خصوصاً داخل الشرطة والجيش. ويواجه رئيس المخابرات الداخلية السابق هانس يورغ ماسن اتهامات بأنه متعاطف مع اليمين المتطرف، وهو ما دفع جهازه لغض النظر عن تحركاتهم طوال السنوات الماضية، والتركيز عوضاً عن ذلك على خطر الإسلام المتطرف. ومنذ مغادرته المنصب، أصدرت المخابرات الداخلية تقييماً تقول فيه بأن خطر اليمين المتطرف بات أكبر من خطر الإسلام المتطرف في ألمانيا.
وطُرد ماسن الذي ينتمي للجناح المتطرف في حزب ميركل (الاتحاد المسيحي الديمقراطي) من منصبه، بعد اعتداءات كيمنتس في صيف عام 2018، بسبب رد فعله على التطورات هناك. وعارض ماسن ميركل في قولها بأن شريط فيديو من هناك أظهر ملاحقة نازيين جدد للاجئين، شتماً وضرباً. وخرج ماسن ليقول بأنه لم يتم التثبت من الشريط بعد، ويشكك في وجود نازيين جدد هناك. وكانت تظاهرات كبيرة قد خرجت ضد لاجئين في كيمنتس، بعد جريمة قتل ارتكبها لاجئان (عراقي وسوري) بحق أحد سكان البلدة.
وتعرض كذلك لانتقادات بعد جريمة هاناو لقوله بأن الرجل يعاني من اضطرابات عقلية، وهو الخط نفسه الذي اتخذه حزب «البديل لألمانيا» عندما رفض طبع المجرم بأنه يميني متطرف؛ خصوصاً أن الأخير تحدث في شريط الفيديو عن «التخلص» من جنسيات معينة من دول عربية ومسلمة.
ويعيد ماسن صعود عنف اليمين المتطرف لموجة اللجوء منذ عام 2015، إلا أن ألمانيا شهدت عمليات قتل وملاحقات عنصرية قبل موجة اللجوء تلك. ففي عام 2011 كشف عن شبكة من النازيين الجدد عملت بالسر طوال أكثر من 12 عاماً، من دون أن يكشف أمرها، ما سبب صدمة كبيرة في البلاد. ونجح أفراد هذه الشبكة في قتل تسعة مهاجرين لأسباب عنصرية بين عامي 2000 و2007، إضافة إلى تنفيذهم 43 محاولة قتل، و3 عمليات تفجير، و15 عملية سرقة.
وقبل اكتشاف الخلية، كانت الشرطة تستبعد أن تكون عمليات القتل ومحاولات القتل تلك تتم بدوافع عنصرية، رغم أن جميع المستهدفين هم من أصول مهاجرة. وعوضاً عن ذلك، كانت التخمينات بأن الاستهدافات تلك لها علاقة بالجريمة المنظمة والمافيات التركية.
ورغم أن الكشف عن ارتباط هذه الجرائم باليمين المتطرف زاد الوعي الألماني لخطر هذه الجماعات، وأطلق نقاشات في الصحافة والمجتمع والطبقة السياسية، فإن التعاطي مع الجرائم التي لحقت، والتي اشتبه بأن اليمين المتطرف وراءها، لم يكن تعاطياً يحمل كثيراً من الجدية.