نسب الطلاق المرتفعة تطارد «دورات السعادة الزوجية» في مصر

خبراء الإرشاد الأسري: غياب الحوار يفاقم الأزمات

نسب الطلاق المرتفعة تطارد «دورات السعادة الزوجية» في مصر
TT

نسب الطلاق المرتفعة تطارد «دورات السعادة الزوجية» في مصر

نسب الطلاق المرتفعة تطارد «دورات السعادة الزوجية» في مصر

برزت «دورات السعادة الزوجية» على مواقع التواصل الاجتماعي، واستطاعت جذب شريحة كبيرة من المتزوجين، وأيضاً المقبلين على الزواج، في محاولة لتكريس أسس اختيار شريك الحياة وأنواع المشكلات الزوجية وكيفية تجديد علاقة زوجية مضى عليها عقود طويلة، وكيفية تربية الأبناء. لكن على الرغم من رواج دورات الإرشاد الأسري في مصر بصورة متزايدة في الآونة الأخيرة وإشادة المشاركين بها، فإن محاولات الخبراء والمدربين لم تفلح في تحجيم نسب الطلاق التي وصلت لمعدلات مرتفعة، حسب الإحصاءات الرسمية.
في داخل إحدى قاعات التدريب، تحاضر نهلة عبد السلام، خبيرة العلاقات الأسرية والتربوية في مصر، عبر مجموعة متنوعة من الدورات المتعلقة بـ«تأهيل المقبلين على الزواج»، إلى جانب «دورات أنواع الخلافات الزوجية وطرق حلها»، و«الفرق بين طرق تفكير الرجل والمرأة»، و«قواعد السعادة الزوجية»، و«أسس اختيار شريك الحياة» التي تفوّقت فيها نسب حضور الفتيات والسيدات على الذكور؛ نظراً لحرص المقبلات على الزواج على معرفة متطلبات الحياة الزوجية. حيث ترغب السيدات في معرفة قواعد السعادة الزوجية وتجديد الحياة الزوجية التي مرّ عليها سنوات طويلة، ولم تكتف المدربة عبد السلام بهذه النوعية من الدورات، لكنها تقدم دورات في مجالات مختلفة لصقل مهارات الشباب وتأهيلهم لسوق العمل، مثل دورات: كيفية إدارة الوقت والتعامل مع الضغوط الحياتية، وغيرها.
وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» قالت عبد السلام: «لاحظت من خلال عملي استشارية إرشاد أسري، غياب الحوار بين الزوجين، وعندما يحلّ الصّمت تسري حالة من الملل داخل جدران المنزل، وتصبح الحياة الزوجية تعيسة، وقد يتطور الوضع للانفصال، وبالتالي يجب أن يسود الحياة الزوجية الحب والتفاهم والصراحة، وعدم تصيد الأخطاء، وأنصح المقبلين على الزواج بأهمية التوافق الفكري والعاطفي والاجتماعي والعائلي بجانب الصراحة والصدق في فترة الخطوبة».
وفيما يتعلق بالمؤهلات المطلوبة فيمن يتصدى لوظيفة استشاري في هذا المجال، أوضحت عبد السلام أنه «يجب أن يمتلك استشاري العلاقات الأسرية الخبرات الحياتية والمهنية والأكاديمية التي تؤهله لتقديم النصح والمشورة وإعطاء دورات تدريبية في مجال (الإرشاد الأسري والتربوي)؛ لأن الخبرات الحياتية للمدرب تُمكنه من فهم طبيعة الحياة الزوجية والعلاقات الأسرية، كما أنّ الاحتكاك بالأنماط المختلفة للبشر في الدورات التدريبية تُكسبه خبرات كثيرة ستنعكس بالتالي على أدائه في الدورات المقبلة التي سيقدمها».
وأكدت عبد السلام أهمية تضافر جهود وسائل الإعلام، والمؤسسات التربوية، والمنظمات المهتمة بشؤون المرأة والأسرة مع المتخصصين في الإرشاد الأسري لعمل حملات توعية لمناهضة الدورات التي تهدف إلى جني الأرباح على حساب استقرار الأسر المصرية وتستنزف قوت الأسر البسيطة التي تأمل في العبور بسفينة الحياة إلى بر الأمان.
ووفقاً لمتابعين، فإن هذه الدورات لم تقلّل نسب الطلاق المرتفعة في مصر التي وصلت إلى حدود مزعجة جداً في السنوات الأخيرة، فقد أشارت إحصائية لمركز المعلومات ودعم واتخاذ القرار، التابع لمجلس الوزراء، إلى أن مصر احتلت المرتبة الأولى عالمياً في حالات الطلاق، حيث وصلت معدلاته إلى 40 في المائة، وأن اليوم الواحد يشهد 240 حالة، كما أشار «الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء» إلى أن الطلاق وقع في 40 في المائة من حالات الزواج التي تمت في السنوات الخمس الماضية.
من جهتها، تحذر الدكتورة نادية رضوان، أستاذة علم الاجتماع في جامعة قناة السويس، من «تحوّل المسمى الوظيفي لـ(خبير العلاقات الأسرية والتربوية) إلى مهنة من لا مهنة له»، مشيرة إلى أنه «نتيجة لوجود دخلاء على المهنة يفتقدون الخبرات المهنية والأكاديمية التي تؤهلهم للتصدي لمعالجة هذه الموضوعات، فتحولت (كبسولات السعادة الزوجية) إلى تجارة يمتهنها بعض الأشخاص الذين يجيدون فن الإقناع والحديث في الأمور الزوجية والعاطفية من دون أساس علمي، كما أن (دورات السعادة الزوجية) لم تفلح في خفض معدلات الطلاق التي وصلت لأرقام مفزعة في مصر والوطن العربي».
من جهتهم، أشاد بعض المشاركين بهذه الدورات بالمضمون والنصائح التي يقدمها المدربون؛ إذ يقول عبد الرحمن سعيد، اختصاصي تحاليل طبية، لـ«الشرق الأوسط»: «استفدت كثيراً من الدورة التدريبية من خلال كسر حاجز الخوف والغموض من الجنس الآخر، وتعلمت أيضاً أهمية تقدير قيمة الآخر والمصالحة مع النفس، وذلك من خلال المحاور الرئيسية للدورة».
وقالت شاهندة محمد: «غيرت دورات الإرشاد الأسري، مجرى حياتي للأحسن، خصوصاً أنني تعرضت لتجربة الانفصال، فقررت بدء حياتي من جديد ومواجهة الضغوط الحياتية واستعادة ثقتي بنفسي مرة أخرى، وبعد ذلك قرّرت العمل مدربة لتأهيل المطلقات وتقديم سبل الدعم النفسي لهن، وذلك من خلال تجربتي السابقة التي نجحت - بفضل الله - في تخطيها بالعزيمة والعمل». أما الدكتورة إيمان عبد الله، خبيرة في مجال الإرشاد الأسري بمؤسسة الإيمان للإرشاد النفسي والتدريب، فقالت لـ«الشرق الأوسط»: «ساهمت دورات السعادة الزوجية في التقليل من نسب الطلاق المفزعة؛ لأنّها تقوم بدور وقائي وتثقيفي للزوجين، لكنها لم تمنع حدوث الطلاق؛ لأن هناك عوامل كثيرة تؤدي إلى حدوث الطلاق، مثل: سوء الاختيار، واختلاف الطباع بين الزوجين، وعدم تحمل المسؤولية، والكذب والخداع، وتدخل الحماة في الحياة الزوجية، ونقل أسرار غرف النوم إلى الأصدقاء، كما أن التكنولوجيا زادت من الفجوة بين الزوجين، وذلك من خلال تورط أحد الزوجين في علاقات مبهمة من خلال غرف الدردشة، فتتحول حياة الأسرة إلى جحيم».



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)