أبجورة... «بودكاست» سعودي يلهم مليون مستمع عربي

لبنى الخميس لـ«الشرق الأوسط»: أسعى لأن يكون منصة جماهيرية مثل «تيد توك»

أبجورة... «بودكاست» سعودي يلهم مليون مستمع عربي
TT

أبجورة... «بودكاست» سعودي يلهم مليون مستمع عربي

أبجورة... «بودكاست» سعودي يلهم مليون مستمع عربي

«كلنا لدينا قصة تستحق أن نشاركها العالم»... هكذا ترى الإعلامية السعودية لبنى الخميس عالم البث الصوتي «البودكاست»، معبرة عن ذلك في برنامجها (أبجورة) الذي أطلقته شهر أغسطس (آب) الماضي، كمحاولة لإلهام الشباب العربي، وتمكنت خلال أقل من عام من جذب نحو مليون مستمع على منصة «ساوندكلاود» للصوتيات، وهو نجاح كُلل مؤخراً بجائزة الإعلام الجديدة التي قدمتها وزارة الثقافة والإعلام للبنى الخميس نظير هذا المشروع الرقمي الرائد.
تحكي الخميس قصة بداية أبجورة بالقول «بودكاست أبجورة هو خطوة لطالما حلمت بها، خصوصاً بعد إدماني على الاستماع لهذه المنصة أثناء طريق ذهابي إلى العمل كل صباح، أو ركوب دراجتي الهوائية، أو أثناء ارتشافي لكوب قهوتي الصباحي، لرموز ملهمة في عالم الكتابة والإعلام مثل مالكوم غلادويل، وأوبرا وينفري، واريانا هفينغتون».
لبنى فتاة سعودية عمرها 27 سنة، تصف نفسها خلال حديثها مع «الشرق الأوسط» بأنّها تعشق التعلم وتحمل شغفا عميقا لمشاركة أنواره، وتضيف: «درست الصحافة بعد أن تشربت حبها مبكراً، ومررت بمحطات استثنائية علمتني الكثير، وأبرز ما تعلمته أنّ كل فرد على هذه المعمورة يملك بصمة وصوتاً وقصة لا تشبه غيره، وما زلت أكتشف سطور قصتي وأسعى لكتابة فصولها بوعي وحب وشغف». وتتابع «مع الأسف اكتشفت، أنّ المحتوى العربي فقير وشحيح للغاية في هذه المنصة الصاعدة عالمياً، وبدلاً من ندب الواقع قرّرت أن أكون التغيير الذي أريد أن أراه في العالم، وبدأت بكتابة نصوص حلقاتي بشغف، وبعدها تواصلت مع أخي وزميلي العزيز عبد الرحمن الزياني الذي لم يبخل بخلاصة خبرته وعصارة معرفته في مجال الإنتاج ليخرج البودكاست بأفضل صورة ممكنة». وتؤكد الخميس خلال حديثها لـ«الشرق الأوسط» أنّها بدأت بإمكانيات بسيطة جداً، عتادها الكلمة والفكرة والنص الذي تعتقد أنّه البطل في قصة أبجورة. وعلى الرغم من حماسها الكبير إلا أنّ المتابع لحراك الإعلام الرقمي يلمس أن معظم المستخدمين العرب يتجهون إلى منصات اجتماعية أخرى مهتمة بالكتابة والصورة والفيديو مع ضعف انتشار المواد الصوتية، وبسؤالها عن ذلك تقول: «أؤمن أنّ المحتوى الصوتي بمثابة العالم غير المُكتشف، الكنز الذي لم ينتبه له الكثيرون، والمنصة المهملة وسط المنصات الأخرى». وتتابع «أنا شخصياً شغوفة بهذا العالم لأنني أجده ممكنا ومحفزاً لإثراء الخيال. ففي عالم الصورة والفيديو، صانع المحتوى البصري يتحكم في ماذا يرى بصرك وما يتخيله عقلك من مشاهد وصور، وكيف يستقبلها ويلونها في مخيلته، بينما في عالم الصوت أنت شخصيا وبناء على تجربتك في الحياة تكوّن صورك ومشاهداتك الخاصة».
وعن الوقت المستهلك لتحضير الحلقة الواحدة من أبجورة، تقول الخميس: «يتفاوت من حلقة إلى أخرى، لكنّه يستغرق أياماً وأحيانا يتجاوز أسبوعاً من التحضير والإعداد، إذ تبدأ بانطلاق شرارة الفكرة وتأخذ وقتا في العقل والفكر، فإذا استوطنت عقلي وتمكنت من فكري، أبدأ في عملية البحث المبدئي لاختبار عمقها وتنوع مراجعها وثراء المعلومات والأرقام والدراسات حولها».
وتتنوع مواضيع حلقات أبجورة، إذ تقول الخميس «أحاول إعادة التفكير في المواضيع والأحاسيس المقولبة والمُسلم بها، من مشاعر وتجارب نمر بها من دون أن نمنحها حقها بالتفكير أو الشعور، بالأحاسيس التي نعتقد أنّنا قادرون على تعريفها واختزالها بسهولة وسلاسة، مثل: موضوع الندم، الذائقة، الانتظار، عقد العشرينات وغيرها». وتضيف «أؤمن بأنّني فتاة محظوظة جداً، حصلت في حياتها على فرص كثيرة، ساهمت في صقل تجربتي وإثراء مراحل حياتي بشكل كبير... بداية من ولادتي ونشأتي في محيط أدبي وثقافي في كنف جدي الأديب الشيخ عبد الله بن خميس مؤسس صحيفة الجزيرة، ذلك الرجل الذي علمني معنى وقيمة الكلمة، ودورها في نشر التنوير وإثراء الثقافة، وأيضا والدي المرحوم عصام الخميس الذي مكّنني من خلال إيمانه بدور الصحافة وسحر رواية القصة».
وعن تطلعاتها لبودكاست أبجورة، تقول «أتمنى أن تكون أبجورة يوما ما منصة جماهيرية على غرار «تيد توك»، يستطيع الناس من خلالها أن يشاركوا قصصهم وعصارة تجاربهم بنفس الجودة أو ربما أعلى من ناحية الإنتاج ومهارة السرد القصصي وطرح المعلومات والدراسات، بحيث نمنح كل من لديه قصة المنبر والصوت ليقوم بدوره في التأثير بمجتمعه والعالم، وهي خطوة متقدمة ربما أقوم بها خلال السنوات القليلة القادمة، لكنّي حاليا أسعى لأن تنتشر أبجورة على نطاق أوسع».
وتبقى المحطة الأبرز في مسيرة بودكاست أبجورة هو فوزه بجائزة الإعلام الجديد السعودية، وتصف الخميس ذلك قائلة: «هي ثقة كبيرة أعتز وأفتخر بها، ورسالة أكدت لي بأنّ وطني الغالي متمثلا بالجهاز الإعلامي الرسمي بات يدرك ويثمن المحاولات الجادة لصناعة محتوى عربي رزين وملهم من قبل العقول السعودية الشابة، ويسعى لتكريم تلك الجهود ومنحها دفعة إيجابية في طريق الاستمرار بصناعة محتوى جاد يزاحم فوضى الاستخدام وسطحية الطرح التي طغت لفترة طويلة على الإعلام الاجتماعي».


مقالات ذات صلة

«إيه بي سي نيوز» تدفع 15 مليون دولار لمكتبة ترمب الرئاسية لتسوية دعوى تشهير

الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (إ.ب.أ)

«إيه بي سي نيوز» تدفع 15 مليون دولار لمكتبة ترمب الرئاسية لتسوية دعوى تشهير

وافقت شبكة «إيه بي سي نيوز» على دفع 15 مليون دولار لصالح مكتبة دونالد ترمب الرئاسية، لتسوية دعوى قضائية تتعلق بتصريح غير دقيق من المذيع جورج ستيفانوبولوس.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
يوميات الشرق الفيلم يتناول مخاطرة صحافيين بحياتهم لتغطية «سياسات المخدّرات» في المكسيك (الشرق الأوسط)

«حالة من الصمت» يحصد «جائزة الشرق الوثائقية»

فاز الفيلم الوثائقي «حالة من الصمت» للمخرج سانتياغو مازا بالنسخة الثانية من جائزة «الشرق الوثائقية».

«الشرق الأوسط» (جدة)
رياضة عربية المهندس خالد عبد العزيز رئيس المجلس الأعلى للإعلام في مصر (صفحة المجلس على «فيسبوك»)

مصر: قرارات جديدة لمواجهة «فوضى الإعلام الرياضي»

أصدر المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام في مصر، برئاسة المهندس خالد عبد العزيز مجموعة قرارات، اعتماداً لتوصيات لجنة ضبط أداء الإعلام الرياضي.

محمد الكفراوي (القاهرة)
أوروبا مراسلات يتحدثن أمام الكاميرات خلال تغطية صحافية في البرازيل (رويترز)

ثلثهم على أيدي الجيش الإسرائيلي... مقتل 54 صحافياً في عام 2024

قُتل 54 صحافياً حول العالم أثناء قيامهم بعملهم أو بسبب مهنتهم في عام 2024، ثلثهم على أيدي القوات الإسرائيلية، وفق ما أظهر تقرير سنوي.

«الشرق الأوسط» (باريس)
يوميات الشرق الصحافي سامح اللبودي والزميلة بيسان الشيخ من «الشرق الأوسط»

«الشرق الأوسط» تفوز ببرونزية «أريج» للصحافة الاستقصائية

فازت «الشرق الأوسط» بالجائزة البرونزية للصحافة الاستقصائية العربية التي تمنحها مؤسسة «أريج»، عن تحقيق: قصة الإبحار الأخير لـ«مركب ملح» سيئ السمعة.

«الشرق الأوسط» (لندن)

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».