التحول بمجال الطاقة استثمار في الاقتصادات... والبيئة والمناخ أيضاً

كتاب فرنسي جديد يرصد معدلات التوازن البيئي في الكون

غلاف الكتاب
غلاف الكتاب
TT

التحول بمجال الطاقة استثمار في الاقتصادات... والبيئة والمناخ أيضاً

غلاف الكتاب
غلاف الكتاب

لا يكف علماء العالم عن العمل على سد الفجوة في التوازن البيئي، وذلك عبر سباق محموم تشهده مختبراتهم وأبحاثهم، لتجنب ما قد ينجم عنها من كوارث.
وضمن هذا المسعى، ظهر حديثاً كتاب بعنوان: «الاستثمار في التحول في مجال الطاقة» للمؤلف الفرنسي جوليان توواتي «Julien Touati» عن دار النشر الفرنسية «ريفيو بانك».
وتكمن أهمية هذا الكتاب، الواقع في 128 صفحة من القطع المتوسط، في تأكيده على أن العالم أجمع يتقاسم الحد الأدنى من الأهداف: رهان احتواء التغير المناخي، وضمان الحصول على طاقة يمكن السيطرة على تكلفتها، وأخيرا ضمان دعم توفير الخدمة المقدمة في مجال الطاقة في إطار جيوسياسى، الأمر الذي لا يزال غير مؤكد حتى الآن. ولذلك، فإن هذه الأهداف الثلاثة تحدد الخيارات الكبرى في مجال سياسة الطاقة، بالنسبة للاقتصادات المتنوعة في جميع ربوع العالم، سواء كانت هذه الاقتصادات نامية أو متقدمة، في وقت تأثر فيه قطاع الطاقة وبقوة بالثورات التكنولوجية، خصوصا في ظل ظهور الطاقة المتجددة والبيئية.
ويضم الكتاب دراسات لمشروعات استثمارية ملموسة من شأنها أن تُسهم في الإسراع من وتيرة التحول في مجال الطاقة. كما يقدم كذلك المفاتيح والأدوات والأسس المهمة لفهم هذا القطاع الحيوي، وفك شفرة وأبعاد التعقد في العلاقات بين القطاعات سواء كانت عامة أو خاصة، الذي يسهم في تقديم الحلول المختلفة للأزمات والمشكلات التي تجابه تحديات قطاع الطاقة ومن ثم الدعوة لتسهيل تمويلها.
ويكتسب الكتاب أيضاً أهمية خاصة ليس فقط لدقة وأهمية توقيت ظهوره، ولكن أيضا للخبرات التراكمية العلمية والنظرية التي يتحلى بها مؤلفه، فهو يدير على أرض الواقع مشروعات كثيرة في أوروبا في مجال الطاقة. كما أنه شريك لدى شركة «ميريديام» (Meridiam) وهي شركة فرنسية كبرى تعد من الرواد الدوليين في الاستثمار وإدارة وتمويل الأنشطة المتعلقة بالبنية التحتية العامة، إضافة إلى مشروع لها أشرف على إطلاقه في أفريقيا. ونظرا لخبراته واسعة النطاق في هذا المجال، يطلبه كثير من مراكز الأبحاث والدراسات وكذلك المنظمات الدولية للاستفادة والاسترشاد بخبراته، خصوصا في ما يتعلق بتمويل المشروعات المتعلقة بالبنية التحتية المعقدة، وكذلك العلاقات الدولية في هذا المجال الذي فرض نفسه مؤخرا على العلاقات القائمة بين الدول، كما يُدرس توواتي نظم وإدارة الطاقة في مدرسة الشؤون العامة للعلوم السياسية بباريس، ويقدم استشارات لحلف «الناتو» في هذا المجال.
- سوق واعدة
في ظل المتغيرات الكثيرة المحيطة والتغير الجذري والهيكلي في أسلوب ونمط استهلاك وإنتاج الطاقة، أصبح العالم اليوم مضطراً للمضي قدما نحو التحول في مجال الطاقة الذي أضحى يمثل ضرورة مُلحة وتحديا حقيقيا على المدى القصير والمتوسط، خصوصا عندما نعلم أن تكلفة سوق البيئة تبلغ تريليوني دولار سنويا مع معدل نمو سنوي يتراوح بين 6 و7 في المائة، ومن ثم فنحن أمام سوق واعدة.
وفى ضوء المتغيرات المترتبة على التغيرات المناخية، فقد شهد عام 2017 زيادة تتجاوز مليون سيارة كهربائية، بزيادة 40 في المائة عن عام 2016. وتمثل الطاقة المتجددة ما يقرب من نصف القدرات الجديدة للإنتاج التي أنشأت عام 2016. وكذلك الخدمات المرتبطة بهذا التحول المستقبلي في مجال الطاقة الذي أضحى واعدا وبحق.
وفى الواقع، فإن التحول في مجال الطاقة ليس مرادفا للطاقة المتجددة، ولكن المقصود بالتحول في مجال الطاقة بمعناه الواسع إنما يكمن في التركيز على مدى فاعلية الطاقة والتكنولوجيا الحديثة وتوسيع نطاق استخدامها، ولذلك تؤكد أعرق بيوت الخبرة العالمية العاملة في هذا المجال مثل بيت الخبرة السويسري(Ao Smith) أنه رغم التقدم الذي تم إحرازه في هذا المجال، فإن الأفضل لا يزال قادما ويكمن في السعي نحو تحقيق هدف استراتيجي يكمن في تحقيق تنمية مستدامة تقدر بـ345 في المائة. وهنا يشدد الكتاب على أنه يجب؛ ليس فقط تعديل القيم والخدمات المترابطة بهذا المجال، ولكن يجب أيضا دعم هذا المجال الحيوي بالتشريعات القانونية الجديدة التي تتسق مع التطورات المذهلة في هذا القطاع. ويشير المؤلف إلى فرنسا على سبيل المثال، مؤكدا أنها كان لها السبق في هذا التوجه؛ إذ أصدرت قانونا جديدا في 17 – 8 - 2015 يتعلق بالتحول في مجال الطاقة المتجددة المقدر استخدامها بنسبة 23 في المائة بحلول عام 2020، والمقدر له أن يصل إلى 32 في المائة بحلول عام 2030. وهو القانون الذي يُحدد ضرورة التنمية الاقتصادية التي تحترم البيئة ودعم التوجه الإبداعي، ويضمن كذلك أُطر وقواعد منافسة الشركات العامة العاملة في هذا المجال.
- التحرك الفرنسي
ويركز الكتاب على جهود فرنسا في هذا المجال، وهو الاهتمام الذي يُترجم على مسارات عدة من بينها استضافة المؤتمرات الدولية، وسن التشريعات الجديدة لمواكبة التطور الذي يشهده هذا المجال. واستمرارا لهذا الاهتمام، كشف رئيس الوزراء الفرنسي إدوارد فيليب النقاب عن خطة طموح بقيمة 57 مليار يورو في الفترة من 2018 إلى 2022، تنقسم إلى 20 مليار يور للتحول في مجال الطاقة، و17 مليارا للتحديث الحراري للمساكن، و7 مليارات للتطور والتنمية في مجال الطاقة المتجددة، و4 مليارات للتهوية، و9 مليارات يورو للتحول الرقمي المرتبط بالتحول في مجال الطاقة.
ويطرح الكتاب سؤالا مهما حول كيفية تمويل التحول في مجالي الطاقة والبيئة عن طريق رأس المال الاستثماري، لافتا إلى أن النصف الأول من عام 2017 شهد الانتهاء من تنفيذ تمويل 34 عملية تمويلية من قبل شركات فرنسية نشطة في مجال التحول في مجال الطاقة. كما تم الإعلان كذلك عن تنفيذ 31 عملية تمويلية بقيمة 141 مليون يورو. وقد تم توفير هذا المبلغ من قبل رأس المال الاستثماري الفرنسي في هذا المجال.
وفي ما يتعلق بالولايات المتحدة، يشير الكتاب إلى أن التحول في مجال الطاقة لديها يكمن، قبل أي شيء، في تقليل الاعتماد على الواردات الهيدروكربونية والمنتجات التقليدية لصالح التكنولوجيات الحديثة صديقة البيئة والتي تطبق المعايير الدولية المعمول بها في هذا الشأن. أما بالنسبة لأوروبا، فإن الوضع يختلف كثيرا لما بها من خيارات أوسع بكثير نظرا لوجود رغبة حقيقية تكمن في تقليل انبعاثات الغاز والارتقاء بالطاقة المتجددة.
ويرى المؤلف أنه رغم التحرك والجهود الأوروبية الحثيثة لصالح التحول في مجال الطاقة، فإن استراتيجيات الطاقة الوطنية هناك تتسم بالتناقض الكبير. فـ«باسم التحول في مجال الطاقة، تخلت ألمانيا عن نشاطها النووي، وتنوي بلجيكا وقف نشاط ما لديها من مفاعلات نووية مطلع 2025، هذا في الوقت الذي تبحث فيه بريطانيا العودة إلى هذا المجال، بينما تسعى إليه بولندا الآن».
ويخلص الكتاب إلى أنه رغم الزيادة الكبيرة في حجم سوق التحول في مجال الطاقة، فإن الأفضل لا يزال قادما؛ الأمر الذي يجب أن يدركه الجميع، لأن هذا التوجه إنما يفتح آفاقا رحبة أمام مزيد من الاستثمارات التي تنعكس إيجابا؛ ليس فقط على البيئة والمناخ ولكن أيضا على الاقتصادات؛ بما فيها الناشئة.


مقالات ذات صلة

شركات الذكاء الاصطناعي التوليدي تلجأ إلى الكتب لتطوّر برامجها

تكنولوجيا شركات الذكاء الاصطناعي تتفق مع دور النشر بما يتيح لهذه الشركات استخدام الأعمال المنشورة لتدريب نماذجها القائمة على الذكاء الاصطناعي التوليدي (رويترز)

شركات الذكاء الاصطناعي التوليدي تلجأ إلى الكتب لتطوّر برامجها

مع ازدياد احتياجات الذكاء الاصطناعي التوليدي، بدأت أوساط قطاع النشر هي الأخرى في التفاوض مع المنصات التي توفر هذه التقنية سعياً إلى حماية حقوق المؤلفين.

«الشرق الأوسط» (باريس)
يوميات الشرق كاميلا ملكة بريطانيا تحصل على الدكتوراه الفخرية في الأدب بحضور الأميرة آن (رويترز)

قدمتها لها الأميرة آن... الملكة كاميلا تحصل على دكتوراه فخرية في الأدب

حصلت الملكة البريطانية كاميلا، زوجة الملك تشارلز، على الدكتوراه الفخرية؛ تقديراً لـ«مهمتها الشخصية» في تعزيز محو الأمية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
كتب سوزان بلاكمور وابنتها أميلي تروسيانكو  أثناء حفل توقيع كتاب "الوعي: مقدمة"

الشبحُ في الآلة

شغل موضوع أصل الأشياء The Origin مكانة مركزية في التفكير البشري منذ أن عرف البشر قيمة التفلسف والتفكّر في الكينونة الوجودية.

لطفية الدليمي
كتب سيمون سكاما

قصة اليهود... من وادي النيل حتى النفي من إسبانيا

يروي الكاتب البريطاني اليهودي «سيمون سكاما»، في كتابه «قصة اليهود»، تفاصيل حياة اليهود ابتداءً من استقرارهم في منطقة الألفنتين

سولافة الماغوط (لندن)
ثقافة وفنون العالم الجغرافي والمحقق اللغوي الكويتي د. عبد الله الغنيم شخصية معرض الكتاب لهذا العام

معرض الكويت الدولي للكتاب ينطلق غداً... وعبد الله الغنيم «شخصية العام»

ينطلق غداً (الأربعاء) معرض الكويت الدولي للكتاب في دورته الـ47، بمشاركة 544 دار نشر، من 31 دولة، منها 19 دولة عربية و12 أجنبية.

«الشرق الأوسط» (الكويت)

«أبريل الساحر»... نساء إنجليزيات يهربن من الواقع لـ«تحقيق الروح»

«أبريل الساحر»... نساء إنجليزيات يهربن من الواقع لـ«تحقيق الروح»
TT

«أبريل الساحر»... نساء إنجليزيات يهربن من الواقع لـ«تحقيق الروح»

«أبريل الساحر»... نساء إنجليزيات يهربن من الواقع لـ«تحقيق الروح»

عن دار «الكرمة» بالقاهرة، صدرت رواية «أبريل الساحر» للكاتبة البريطانية إليزابيث فون أرنيم، التي وُصفت من جانب كبريات الصحف العالمية بأنها «نص مخادع وذكي وكوميدي». ومنذ صدورها عام 1922 تحولت إلى أحد أكثر الكتب مبيعاً واقتُبست للمسرح والإذاعة والسينما مرات عديدة.

تتناول الرواية التي قامت بترجمتها إيناس التركي قصة 4 نساء بريطانيات مختلفات تماماً هربن من كآبة لندن بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى إلى قلعة إيطالية ساحرة في الريفيرا الإيطالية ليقضين إجازة الربيع. وبعد أن تهدهن روح البحر الأبيض المتوسط يتغيرن تدريجياً ويكتشفن الانسجام الذي تاقت إليه كل منهن، ولكن لم يعرفنه قط.

وتجيب الرواية بشكل مقنع عن السؤال الأبدي حول كيفية تحقيق السعادة في الحياة من خلال مفارقات الصداقة بين النساء والتمكين والحب المتجدد والعشق غير المتوقع. وصفتها صحيفة «الديلي تلغراف» بأنها «على مستوى ما، قد تُعد الرواية هروباً من الواقع، ولكن على مستوى آخر فهي مثال لتحرر الروح»، بينما رأت صحيفة «ميل أون صنداي» أنها تتضمن «وصفاً حسياً حالماً لأمجاد الربيع الإيطالي».

وتُعد إليزابيث فون أرنيم (1866-1941) إحدى أبرز الكاتبات الإنجليزيات واسمها الحقيقي ماري أنيت بوشامب، وهي ابنة عم الكاتبة كاثرين مانسيفيلد. ولدت في أستراليا لعائلة ثرية وتزوجت أرستقراطياً ألمانياً حفيداً للملك فريدرش فيلهلم الأول، ملك بروسيا، واستقرت مع زوجها في عزبة عائلته في بوميرانيا حيث ربيا 5 أطفال.

بعد وفاة زوجها كانت على علاقة عاطفية مع الكاتب المعروف هـ. ج. ويلز لمدة 3 سنوات، لكنها تزوجت بعدها فرانك راسل الأخ الأكبر للفيلسوف الحائز جائزة نوبل برتراند راسل لمدة 3 سنوات ثم انفصلا. وعندما اندلعت الحرب العالمية الثانية انتقلت للإقامة في الولايات المتحدة حتى توفيت. زواجها الأول جعل لقبها «الكونتيسة فون أرنيم شلاجنتين»، أما زواجها الثاني فجعل اسمها إليزابيث راسل.

نشرت روايتها الأولى باسم مستعار ولكن مع النجاح الكبير لكتبها استخدمت اسم «إليزابيث فون أرنيم». أصدرت أكثر من 20 كتاباً وتُعد روايتها «أبريل الساحر» التي نُشرت عام 1922 من أكثر الكتب مبيعاً في كل من إنجلترا والولايات المتحدة ومن أحب أعمالها إلى القراء وأكثرها شهرة.

ومن أجواء الرواية نقرأ:

«بدأ الأمر في نادٍ نسائي في لندن بعد ظهيرة أحد أيام فبراير، نادٍ غير مريح وبعد ظهيرة بائسة عندما أتت السيدة ويلكنز من هامبستيد للتسوق وتناولت الغداء في ناديها. التقطت صحيفة (التايمز) من على الطاولة في غرفة التدخين وجرت بعينيها الخاملتين أسفل عمود مشكلات القراء ورأت الآتي:

(إلى أولئك الذين يقدرون الشمس المشرقة، قلعة إيطالية صغيرة من العصور الوسطى على شواطئ البحر الأبيض المتوسط للإيجار، مفروشة لشهر أبريل (نيسان) سوف يبقى الخدم الضروريون).

كانت هذه بداية الفكرة، ومع ذلك كما هو الحال بالنسبة إلى عديد من الأشخاص الآخرين، لم تكن صاحبتها على دراية بذلك في تلك اللحظة.

لم تكن السيدة ويلكنز مدركة قط أن كيفية قضائها شهر أبريل في ذلك العام قد تقررت في التو والحال إلى درجة أنها أسقطت الصحيفة بحركة غلب عليها الانزعاج والاستسلام في الوقت نفسه، وتوجهت نحو النافذة وحدقت في كآبة الشارع الذي تقطر به الأمطار».