لبنى العليان: احتواء اللاجئين في عالمنا العربي ضروري

قالت لـ «الشرق الأوسط» إن 14 مليون طفل عرضة للتطرف بعد حرمانهم من التعليم

لبنى العليان
لبنى العليان
TT

لبنى العليان: احتواء اللاجئين في عالمنا العربي ضروري

لبنى العليان
لبنى العليان

رؤية استشرافية راجحة، قدمتها سيدة الأعمال السعودية، لبنى العليان، خلال محاضرة ألقتها أول من أمس الاثنين، بمقر الجامعة الأميركية بالقاهرة الجديدة في الذكرى السنوية الـ12 لتكريم الدبلوماسية المصرية نادية يونس التي اغتيلت في العراق عام 2003، بعنوان «رؤية للجيل العربي الصاعد»، بحضور رئيس الجامعة أمام حشد من الدبلوماسيين والشخصيات العامة، من بينهم السيد عمرو موسى ونبيل فهمي والناشر إبراهيم المعلم ود. سعد الدين إبراهيم.
أكدت العليان أن التعليم هو السبيل لمواجهة التحديات العديدة التي تواجهها المنطقة العربية. وقالت: «في المملكة العربية السعودية نحن نسير بخطى حثيثة نحو تحقيق رؤية 2030 التي وضعها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، لكن في الوقت نفسه ما زلنا نصارع من أجل الإصلاح في التعليم».
وتناولت المحاضرة الزيادة في ديموغرافية الشباب والأثر الاجتماعي لأزمة اللاجئين والقضايا الاقتصادية وهجرة العقول العربية وانخفاض المشاركة النسائية. وقدمت العليان حزمة من الإحصاءات الاقتصادية والاجتماعية التي تدق ناقوس الخطر، متابعة: «في وطننا العربي هناك نحو 58 مليون عربي حرموا من التعليم، فضلاً عن أن ربع سكان العالم العربي يعيشون في فقر مدقع، إلى جانب أن 1 في المائة فقط من السكان يحظون بنحو 60 في المائة من الدخل القومي».
وأضافت: «علينا أن نكف عن إلقاء اللوم على بعضنا البعض فهذا لن يقودنا للنجاح، أو يدفعنا للأمام أو يعطينا التقدم والاستقرار»، وتابعت: «أمامنا عقبات كثيرة ليست فقط العادات والتقاليد البالية، بل الهجرات واللاجئون والبطالة والبيروقراطية، والتمييز ضد المرأة».
واستنكرت العليان أن نسبة بطالة النساء لا تزال أكثر 3 مرات من نسبة البطالة بين الرجال». ونبهت إلى خطورة عدم احتواء الشباب قائلة: «علينا أن نتعلم من دروس ثورات (الربيع العربي)، لقد وجدنا لديهم حالة إحباط ويأس لا يجب أن نتغاضى عنها، بل يجب أن نقدم لهم المزيد من الفرص، ولأن ندعم المهارات التنافسية لهم لكي يتمكنوا من خوض سوق العمل العالمية».
وفي حفل الاستقبال الذي أقيم في باحة قاعة معتز الألفي، تحدثت العليان لـ«الشرق الأوسط» حول رؤيتها في حل قضية اللاجئين، قائلة: «لدينا نحو 14 مليون طفل عربي حرموا من التعليم هم عرضة للفكر المتطرف والعنف. في لبنان والأردن هناك أعداد كبيرة من اللاجئين. لن تتمكن الحكومات وحدها من حل الأزمة، ولكن ينبغي أن يعمل القطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدني في تقديم الخدمات التعليمية والاجتماعية والمساعدات الاقتصادية لاحتوائهم وإيجاد الفرص... علينا أن نقدم لهم كل ما في وسعنا».
وطرحت العليان حزمة من الحلول لتخطي بعض التحديات، مشددةً على أهمية الاستثمار في التعليم والبحث العلمي، وقالت: «لا بد من تأسيس المزيد من مراكز التميز في العالم العربي مثل الجامعة الأميركية بالقاهرة وبيروت، وخلق بيئة جيدة لتشجيع الاستثمار في التعليم والربط بين الجانب الأكاديمي والاحتياجات المجتمعية، وضخ مزيد من الأموال في التعليم المهني لخلق كوادر جديدة في مجالات العلوم والهندسة والتكنولوجيا وخلق فرص للأجيال القادمة».
ورداً على تعليق د. سعد الدين إبراهيم عن وضع المرأة في المملكة العربية السعودية، قالت: «هناك تطور كبير والنساء السعوديات أصبحن يشغلن كافة المهن، لديَّ في شركتي 500 امرأة، ونحن ماضون في التغيير وإن كان ببطء».
وحول الحلول التعليمية لخلق مزيد من الفرص أمام الأجيال الجديدة، صرح رئيس الجامعة الأميركية فرانسيس ريتشاردوني لـ«الشرق الأوسط» قائلاً: «إن المستقبل لـ(التعليم المدمج) الذي أصبح جزءاً من الحل للعقبات في العملية التعليمية، وتحدي الصعوبات الاقتصادية والمادية، هو ليس نموذجاً جديداً من التعليم، بل يجمع بين التعليم عن بعد أو عبر الإنترنت مع التعليم وجهاً لوجه».
واعتبر ريتشاردوني «التعليم المدمج» جزءاً من حل أزمة اللاجئين المتفاقمة في عالمنا العربي، وقال: «بلا شك هو جزء من الحل، كنت أناقش الأمر مع أحد الرواد في تعليم اللاجئين بأميركا، ونحاول أن نطبق التعليم المدمج، بناءً على معلومات علمية دقيقة وتقديمه بالشكل الأمثل لنحقق لهم الاستفادة القصوى».
جدير ذكره، أن محاضرة نادية يونس التذكارية، هي جزء من صندوق نادية يونس، الذي أنشئ تكريماً لذكرى نادية يونس، التي توفيت في تفجير مقر الأمم المتحدة في بغداد 19 أغسطس (آب) 2003.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».