الحرب في سوريا تأكل الأزواج لعلة الغياب

نسبة الطلاق ارتفعت العام الماضي إلى 31%

سورية مع طفلها بعد إجلائهما من منطقة الغوطة الشرقية (أ.ف.ب)
سورية مع طفلها بعد إجلائهما من منطقة الغوطة الشرقية (أ.ف.ب)
TT

الحرب في سوريا تأكل الأزواج لعلة الغياب

سورية مع طفلها بعد إجلائهما من منطقة الغوطة الشرقية (أ.ف.ب)
سورية مع طفلها بعد إجلائهما من منطقة الغوطة الشرقية (أ.ف.ب)

مع دخول الحرب في سوريا عامها الثامن، يبدو أن الحرب لا تدمر المدن والبلدات وتقتل الناس بل أيضا تفكك الأسرة النواة الأولى في بناء المجتمع، فقد ارتفعت معدلات الطلاق العام الماضي على نحو خطير، ولأسباب فرضتها الحرب أبرزها «علّة غياب الزوج»، والتي تضاف إلى أسباب أخرى كثيرة ومتعددة تكاد لا تذكر أمام ابتلاع الحرب للأزواج. فقد بينت إحصائية جديدة صادرة عن المحكمة القضائية التابعة لحكومة النظام السوري، أن نسبة الطلاق ارتفعت عام 2017 إلى 31 في المائة. وبلغ عدد حالات الطلاق في دمشق 7703 حالات، عام 2017. فيما بلغت حالات الزواج نحو 24697 حالة، وفق ما ذكرته صحيفة {الوطن} المحلية في عددها يوم أمس الاثنين. موضحة أن عدد حالات عقود الزواج بلغت أكثر من 15 ألفاً في حين دعاوى التثبيت بلغت 6673 دعوى. كما تفيد الإحصائيات أن عدد حالات الطلاق الإداري بلغت 757 على حين أن أحكام تثبيت الطلاق والتفريق بلغت 6946 حكماً. وأغلبها حالات تقدمت بها نساء لعلة غياب الزوج لفترة طويلة دون معرفة مصيره. إضافة إلى أسباب أخرى كثيرة أفرزتها الحرب كالنزوح واللجوء والفقر والخيانات الزوجية. مع الإشارة إلى أن نسبة الطلاق إلى الزواج لم تتجاوز 27 في المائة عام 2016. فيما تجاوزت 31 في المائة العام الماضي، بمعدل زيادة قدره 4 في المائة. وهي نسبة عالية وخطيرة.
سيدة سورية، 35 عاما، لديها أربعة أطفال قالت لـ«الشرق الأوسط» بأن زوجها فرّ إلى ألمانيا منذ أربع سنوات، وقد أنهكها انتظار لمّ الشمل، حتى أنها فقدت الثقة بزوجها، فربما تزوج هناك أو ارتبط بامرأة أخرى تنفق عليه، وهي لا تأمل بشيء اليوم سوى بالحصول على ورقة الطلاق لتعرف كيف تعيد ترتيب حياتها المدمرة. حالة أخرى لسيدة فلسطينية - سورية، 49 عاما، نزحت من جنوب دمشق مع بناتها الثلاث إحداهن ترملت جراء الحرب والثانية زوجها اعتقل من ست سنوات، والثالثة زوجها ملاحق، وتقول: إن وضع الابنة الأرملة رغم صعوبته أفضل من وضع شقيقتيها، اللتين تسعيان في المحاكم للحصول على الطلاق.
وتلاقي السيدات الراغبات بالطلاق لا سيما اللواتي يجهلن مصير أزواجهن صعوبات بالغة في إثبات أسباب غياب كالموت أو الاعتقال، وما زال هناك آلاف السوريين المغيبين قسريا مجهولي المصير، كما يصعب استصدار وثيقة وفاة لمن قضوا في ساحات الحرب بعيدا عن ذويهم، علما بأن الشرع وفق بعض المذاهب يعتبر أن فترة أربع سنوات من الانفصال بين الزوجين كافية لطلب الطلاق، ومع ذلك لا يمكن للمرأة أن تتخذ قرار الطلاق وحدها دون الرجوع للقاضي الشرعي. وكان مفتي الجمهورية السورية التابع للنظام، أحمد بدر الدين حسون، قد أجاز نهاية 2012 أن كل امرأة تقدم إثباتاً أن زوجها مفقود لدى وزارة الأوقاف، يحق لها الزواج مجددا بدل انتظار سنوات لمعرفة مصيره.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».