{العم شي} ينضم إلى {قافلة الكبار}

TT

{العم شي} ينضم إلى {قافلة الكبار}

انضم شي جينبينغ إلى قافلة كبار القادة الصينيين بعد عقدين من بروزه على الساحة السياسية كحاكم يسعى إلى مكافحة الكسب غير المشروع، لتتم فيما بعد مقارنته بمؤسس الشيوعية الصينية ماو تسي تونغ في سعيه لسلطة مطلقة.
وشي الذي فاز في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي بولاية ثانية في منصب الأمين العام للحزب الشيوعي خلال المؤتمر العام الذي ينظمه الحزب كل خمس سنوات، يتمتع بسلطات شبه مطلقة وبهالة إعجاب غير مسبوقة منذ عهد المؤسس ماو تسي تونغ. ورغم أن والده شي جونغتشون، أحد أبطال الثورة الذي شغل منصب نائب رئيس الوزراء، شملته حملة التطهير التي قادها ماو نفسه، إلا أنه بقي وفيا لقيم الحزب الذي يتولى قيادته ويحكمه بقبضة حديدية.
سُجن والد شي في عهد ماو قبل أن يرد له اعتباره في عهد دينغ شياو بينغ. وشي هو أول قيادي يولد بعدما أسس ماو تسي تونغ النظام في 1949. وعانت بقية العائلة جراء تعرض شي جونغتشون للقمع، إلا أن شي تمكن من تسلق المراتب وصولا إلى القمة.
بدأ شي مسيرته سكرتيرا للحزب على مستوى البلدات في 1969. لكنه ارتقى في المناصب ليصبح حاكم ولاية فوجيان في 1999. ومن ثم زعيما للحزب في جيجيانغ في 2002 وفي شنغهاي في 2007. وفي العام نفسه، عُيِّن عضواً في اللجنة الدائمة للمكتب السياسي للحزب.
وبسبب حملات ماو الاقتصادية الكارثية والثورة الثقافية الدموية (1966 - 1976) سعت قيادة الحزب الشيوعي إلى احتواء الفوضى عبر تقليص السلطات الرئاسية بواسطة نظام تتولى اللجنة الدائمة للمكتب السياسي فيه سلطات موسعة. وساهمت الخطوة في تركيز السلطة السياسية بيد زعيم واحد إلا أنها اعتبرت مسؤولة عن غياب القرار السياسي في بعض المجالات ما أدى إلى تزايد التلوث والفساد والاضطرابات الاجتماعية.
إلا أن «شي دادا» (العم شي)، وهي تسميته في الدعاية الشيوعية، خالف التقاليد المتبعة منذ توليه الرئاسة في 2013 وهو الآن يهيمن على البلاد ويتم تمجيد شخصيته. ولجأ شي إلى حملات القمع ضد الفساد والدعوة إلى إعادة إحياء الحزب لكي يصبح أقوى قائد صيني منذ عقود.
وفي حديث أجراه عام 2000 أعلن شي أن مكافحة الكسب غير المشروع والحفاظ على القيادة الحزبية يشكلان قضيتين أساسيتين بالنسبة إليه. وتعهد شي عام 2000 بالقضاء على الفساد في أعقاب فضيحة تهريب 10 مليارات دولار، إلا أنه استبعد إجراء إصلاح سياسي لمواجهة المشكلة، معلنا أنه سيعمل في إطار هيكلة الحزب الواحد ونظام الاستشارات السياسية و«إشراف الجماهير». وقال شي «يتعين على حكومة الشعب عدم تناسي كلمة الشعب وعلينا القيام بكل ما بوسعنا لخدمة الشعب، لكن دفع جميع مسؤولي الحكومة للقيام بذلك ليس سهلا، وفي بعض الأحيان لا يتم ذلك بالشكل الصحيح وفي أحيان أخرى يتم بشكل سيئ جدا».
تتصدر صورة شي الآن الصفحات الأولى لكافة الصحف المحلية، وتفتتح النشرات الإخبارية المسائية بآخر إنجازاته وتوجيهاته. وتبيع المحال لوحات تذكارية وتذكارات تحمل صورته إلى جانب ماو، وقد راكم العديد من المناصب السياسية والعسكرية، من رئيس إلى رئيس اللجنة المركزية العسكرية، و«نواة» الحزب، إلى أن بات يطلق عليه لقب «رئيس كل شيء».
وفي حين يدعو شي إلى «إعادة إحياء» الصين كقوة عظمى، كرس الرئيس الصيني صورته كرجل الشعب الذي يرتدي الملابس المتواضعة ويشتري الكعك المخبوز على البخار من أحد المحال العادية.
وعقب طلاقه من زوجته السابقة، تزوج شي من مغنية الأوبرا بنغ ليوان في 1987 عندما كانت تفوقه شهرة. وترتاد ابنتهما شي مينغزي جامعة هارفارد إلا أنها تبقى بعيدة عن الأنظار. ومنذ توليه قيادة الحزب الشيوعي الصيني في نهاية 2012 ثم رئاسة الدولة مطلع 2013. عزز شي سلطة النظام. وقد صدر قانون يقمع بقسوة أي معارضة على الإنترنت، وصدرت أحكام قاسية بالسجن على مدافعين عن حقوق الإنسان. وهو لا يتحمل أي سخرية أو تشهير يطاول شخصه. وتم حذف كل التعليقات على مواقع التواصل الاجتماعي التي شبهته بشخصية الدب الكرتوني «ويني ذا بو» كما أن أحد المعلقين الذي أطلق على الرئيس تسمية «شي رجل كعكة البخار» أودع السجن لعامين.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟