«الطبيعة والغموض والإبداع»... لوحات تروي حالات وجدانية

يشارك في المعرض 3 رسامين... والأمل نقطة الالتقاء بينهم

«الطبيعة والغموض والإبداع»... لوحات تروي حالات وجدانية
TT

«الطبيعة والغموض والإبداع»... لوحات تروي حالات وجدانية

«الطبيعة والغموض والإبداع»... لوحات تروي حالات وجدانية

فرح الطفولة والانعتاق من الصراع والتلاشي في عالم غير منظور، هي العناوين الرئيسية التي يقدمها رسامون ثلاثة في معرض «الطبيعة والغموض والإبداع» في غاليري «سكيلز» بالجميزة.
وبين حنايا شجر الصبار ونظرات نساء تحرّرن من قيودهن وأفكار وجدانية تسطّحت على أمواج بحر هائج، ينقل كل من سميرة قدوح وليلى شهاب وأحمد أبو زيد، نظراتهم إلى الحياة في لوحات تسيح فيها عين زائر هذا المعرض التشكيلي العابق بالغموض، والذي تلونه عناصر الأمل وحبّ الحياة أحياناً كثيرة.
تلعب المرأة دور البطولة في أعمال الرسامين الثلاثة فنراها «حورية بحر» وقائدة في «12 امرأة» ضمن اللوحات الانطباعية لأحمد أبو زيد ابن جنوب لبنان الذي يعبّر بريشته الزيتية المتأرجحة ما بين ألوان زاهية وأخرى قاتمة، عن مطبات الحياة وعن بحثه الدائم عن جذوره ولو رسا فيها مرات على لوحات انطباعية تغلب عليها العاطفة الجياشة. «هي محاولات فنية أردتُ من خلالها الاتصال بجذوري والوصول إليها. ويمكنني أن أصفها بقصائد شعرية حوّلتها إلى لوحات تحكي قصتي مع الحياة والمرأة وعلاقتي بالوطن التي لم تفارقني يوماً على الرّغم من غربتي عنه لسنوات طويلة»، يقول أحمد المتأثر بريشة فنانين من روسيا خلال حديثه لـ«الشرق الأوسط». وفي لوحته «الموجة» ينقل صراع الإنسان مع الحياة، لافتاً خلالها إلى انبلاج النور في لحظة التلاشي التي تشكل نهاية حتمية لكل منّا.
وفي لوحات الفنانة التشكيلية سميرة قدوح «الخلاص» و«الأمل» و«الحزن الأبيض» وغيرها، نقرأ قصة حياة عاشتها الفنانة وترجمتها في أعمالها التي كانت وسيلة لانعتاقها من القيود التقليدية والضعف الأنثوي. استخدمت سميرة فن «بارريلييف» (استخدام مواد نافرة) في بعضها، راكنة إلى خيوط الصوف وقماش الخيش وأقنعة سوداء، تعبيراً عن علاقة وطيدة تربطها بالجذور، وعن حالات نفسية عاشتها وصلت معها إلى برّ الأمان، وقد صورت الورود الحمراء طاقة فرج فيها. «مررتُ بتجارب ومعاناة عدة في حياتي الشخصية وعندما انطلقت في عالم الرسم شعرت كأنني تخلصت في لحظة من غطاء صلب كان يخنقني، فخرجت أفكاري إلى الحرية لتعبر عني»، تقول الفنانة التشكيلية لـ«الشرق الأوسط» التي قدّمت في لوحات من الباستيل أحلام نساء يعشن في السكينة بعد هدوء عاصفة اجتاحتهن.
وانطلاقاً من شجر الصبار الذي يمثل حياة المرأة الزوجة والأم في عين الرسامة ليلى شهاب، نتعرف في لوحاتها الخيالية «الحياة الذهبية» و«نظرة مستقيمة» و«الأناقة» و«البقاء» التي تسودها باقات من الألوان الزاهية، إلى الشبه الكبير ما بين شخصية الفنانة ورؤيتها المتفائلة للأمور. ويشعر مشاهدها برغبته في لمس أشواك الصبار بعد أن استطاعت تحويلها إلى علامات انتصار في يوميات امرأة زرعت فيها الأمل متمثلاً في براعم زهور تتوج رؤوس شجر الصبار حيناً وتطوف حولها حيناً آخر.
«عادةً ما ألجأ إلى نباتات وأشجار من الطبيعة في أعمالي، فأغوص فيها وأكتشف ألوانها المخبّأة في أعماقها التي تشبه تلك المخفية في طبقات مشاعر المرأة وفي قلبها النابض بالأمل على الرّغم من أي معاناة تعيشها»، تشرح ليلى شهاب لـ«الشرق الأوسط». وفي لوحات أخرى تسودها براءة الأطفال وأحلام الكبار تنقلنا شهاب إلى عالم ينثر الحب والسعادة في زخّات مطر أبيض يغلّف بطلاتها.



«مخبأ» و«حكايات سميرة»... قصص حياة على الخشبة

المخرج شادي الهبر (شادي الهبر)
المخرج شادي الهبر (شادي الهبر)
TT

«مخبأ» و«حكايات سميرة»... قصص حياة على الخشبة

المخرج شادي الهبر (شادي الهبر)
المخرج شادي الهبر (شادي الهبر)

كان من المقرر أن يحتفل «مسرح شغل بيت» بذكرى تأسيسه الثامنة في سبتمبر (أيلول) الماضي، بيد أن اندلاع الحرب في لبنان حال دون إقامة الحفل، فأُلغيت البرمجة التي كانت مقررة حتى إشعار آخر.

ممثلون هواة تابعون لـ«مسرح شغل بيت» (شادي الهبر)

اليوم يستعيد «مسرح شغل بيت» نشاطاته الثقافية ويستهلها بمسرحيتي «مخبأ» و«حكايات سميرة». ويعلّق مخرجهما شادي الهبر لـ«الشرق الأوسط»: «كانتا من ضمن نشاطات روزنامة الاحتفال بسنتنا الثامنة، فقررنا نقلهما إلى الشهر الحالي، ونعرضهما على التوالي في (مسرح مونو) خلال 16 و17 و18 و19 يناير (كانون الثاني) الحالي». لكل مسرحية عرضان فقط، تشارك فيهما مواهب تمثيلية جديدة متخرّجة من ورش عمل ينظمها «مسرح شغل بيت». ويوضح الهبر: «الهدف من هاتين المسرحيتين هو إعطاء الفرص لطلابنا. فهم يتابعون ورش عمل على مدى سنتين متتاليتين. ومن هذا المُنطلق كتب هؤلاء نص العملين من خلال تجارب حياة عاشوها. وما سنراه في المسرحيتين هو نتاج كل ما تعلّموه في تلك الورش».

* «مخبأ»: البوح متاح للرجال والنساء

تُعدّ المسرحية مساحة آمنة اختارتها مجموعة من النساء والرجال للبوح بمكنوناتهم. فلجأوا إلى مخبأ يتيح لهم التّعبير عن أفكارهم ومشاعرهم بحرية. وفي هذا المكان الصغير بمساحته والواسع بأجوائه تجري أحداث العمل. ويشارك فيه 4 نساء و4 رجال. وتتراوح أعمارهم ما بين 20 و65 عاماً. وقد كتب محتوى النص كل واحد منهم انطلاقاً من تجاربه الحياتية. ويعلّق شادي الهبر: «إنها تجارب تنبع من واقع يشبه في موضوعاته وظروفه ما عاشه ناس كثر. وقد طلبت من عيسى بيلون أحد الممثلين فيها أن يضع لها التوليفة المناسبة. وخرج بفكرة محورها المخبأ. فحملت المسرحية هذا الاسم للإشارة إلى مشاعر نخبئها في أعماقنا».

يشارك في هذا العمل إيرما مجدلاني وكريستين مطر ومحمد علي بيلوني وغيرهم. وتتناول موضوعات اجتماعية مختلفة، من بينها ما يتعلّق بالعُقم والقلق والعمل بمهنة غير مرغوب بها. كما تطلّ على موضوع الحرب التي عاشها لبنان مؤخراً. فتحكي قصة شاب لبناني تعرّض منزله في الضاحية للقصف، فيقف أمام ما تبقّى منه ليتحدث عن ذكرياته.

مسرحية «مخبأ» تحكي عن مساحة أمان يتوق لها الناس (شادي الهبر)

ويتابع شادي الهبر: «تحمل المسرحية معاني كثيرة، لا سيما المتعلقة بما نخفيه عمّن هم حولنا، وأحياناً عن أنفسنا محاولين غضّ الطّرف عن مشاعر ومواقف تؤلمنا. فتكشف عن أحداث مرّ بها كلٌّ من الممثلين الثمانية، وتكون بمثابة أسرار يبوحون بها لأول مرة في هذا المكان (المخبأ). ويأتي المسرح كجلسة علاج تداوي الجراح وتبلسمها».

* «حكايات سميرة»: علاقات اجتماعية تحت المجهر

في المسرحية التي تُعرض خلال 18 و19 يناير على «خشبة مونو»، يلتقي الحضور بالممثلة لين جمّال بطلتها الرئيسة. فهي تملك كمية هائلة من القصص التي تحدث في منزلها. فتدعو الحضور بصورة غير مباشرة لمعايشتها بدورهم. وتُدخلهم إلى أفكارها الدفينة في عقلها الذي يعجّ بزحمة قصصٍ اختبرتها.

ويشارك في «حكايات سميرة» مجموعة كبيرة من الممثلين ليجسّدوا بطولة حكايات سميرة الخيالية. ومن الموضوعات التي تتناولها المسرحية سنّ الأربعين والصراعات التي يعيشها صاحبها. وكذلك تحكي عن علاقات الحماة والكنّة والعروس الشابة. فتفتح باب التحدث عن موروثات وتقاليد تتقيّد بها النساء. كما يطرح العمل قضية التحرّش عند الرجال ومدى تأثيره على شخصيتهم.

مسرحية «حكايات سميرة» عن العلاقات الاجتماعية (شادي الهبر)

مجموعة قصص صغيرة تلوّن المسرحيتين لتشكّل الحبكة الأساسية للنص المُتّبع فيها. ويشير الهبر إلى أنه اختار هذا الأسلوب كونه ينبع من بنية «مسرح شغل بيت».

ويضيف لـ«الشرق الأوسط»: «مسرحنا قائم على المختبر التمثيلي والتجارب فيه. وأردت أن أعطي الفرصة لأكبر عددٍ ممكن من متابعي ورش العمل فيه. فبذلك يختبرون العمل المسرحي ويُبرزون مواهب حرفية يتحلّون بها. وما حضّني على اتباع الأسلوب القصصي هو اتّسام قصصهم بخبراتهم الشخصية. فيضعونها تحت الضوء ضمن تجربة مسرحية جديدة من نوعها. فأنا من المخرجين المسرحيين الباحثين باستمرار عن التّجدد على الخشبة. لا أخاف الإخفاق فيه لأني أُخزّن الخبرة من أي نتيجة أحصدها».

ويوضح شادي الهبر أنه انطلاقاً من موقعه مُخرجاً يرمي إلى تطوير أي عمل مكتوب يتلقاه من طلّابه. «أطّلع عليه لأهندسه على طريقتي، فأبتعد عن السطحية. كما أرنو من خلال هذا التّطوير لجذب أكبر عدد ممكن من المجتمع اللبناني على اختلاف مشاربه». ويتابع: «وكلما استطعت تمكين هؤلاء الطلاب ووضعهم على الخط المسرحي المطلوب، شعرت بفرح الإضافة إلى خبراتهم».

ويختم الهبر حديثه مشجعاً أيّ هاوي مسرح على ارتياد ورش عمل «مسرح شغل بيت»، «إنها تزوده بخبرة العمل المسرحي، وبفُرص الوقوف على الخشبة، لأنني أتمسك بكل موهبة أكتشفها».