شيوخ أنباريون لـ {الشرق الأوسط}: مضايفنا ليست بديلاً عن الفنادق

المحافظ أكد أن العمل جار لتأهيل المدينة السياحية

رجال عشائر يتناولون الطعام في مضيف بالرمادي مركز محافظة الأنبار (أ.ف.ب)
رجال عشائر يتناولون الطعام في مضيف بالرمادي مركز محافظة الأنبار (أ.ف.ب)
TT

شيوخ أنباريون لـ {الشرق الأوسط}: مضايفنا ليست بديلاً عن الفنادق

رجال عشائر يتناولون الطعام في مضيف بالرمادي مركز محافظة الأنبار (أ.ف.ب)
رجال عشائر يتناولون الطعام في مضيف بالرمادي مركز محافظة الأنبار (أ.ف.ب)

أقر شيوخ عشائر في محافظة الأنبار لـ«الشرق الأوسط» بأن تقاليد الضيافة العشائرية ليست بديلاً عن الفنادق التي تفتقر إليها المحافظة، في وقت تستعد فيه لاستقبال مستثمرين وشركات بناء عربية وأجنبية، ضمن خطط إعادة الإعمار.
وفي حين يرى الشيخ محمد خلف الشعباني، في تصريح لوكالة الصحافة الفرنسية، أن «الفنادق أمر معيب ومخجل»، مضيفاً: «تربينا على أن الضيافة خط أحمر لدينا. نجلّ الضيف كما نجلّ الله»، يقول الشيخ حميد الهايس، أحد شيوخ الأنبار القيادي البارز في الحشد العشائري السني، لـ«الشرق الأوسط» إن «المهم هو التفريق بين مسألة الضيافة والتقاليد العشائرية والحاجة إلى أن ننفض عنا غبار التخلف، والاتجاه نحو التمدن».
وأضاف الهايس ضاحكاً أن «المحافظة مقبلة على دخول شركات أجنبية، تضم عمالاً وفنيين من جنسيات عالمية مختلفة؛ كيف لي أن أتفهم أن عاملاً فرنسياً أو فيتنامياً يرتدي الشورت ويجلس في المضيف؟».
وبينما يقول الحلاق عمر النمر: «نحن نستقبل الضيف في بيوتنا، حتى لو لم يكن يقصدنا. إذا أخطأ بالعنوان مثلاً، يبقى لدينا ليلة على الأقل قبل أن نأخذه إلى الشخص المقصود. يجب أن يأكل ويشرب ويرتاح عندنا، وإلا نصبح حديث الناس»، يقول الهايس إن «الرمادي وكل الأنبار باتت بحاجة إلى فنادق وبنى سياحية، ومن بين ما ينبغي عمله هو إعادة تأهيل المدينة السياحية في الحبانية».
وردا على سؤال بشأن هذا النزاع الحاد بين من يرى عكس رؤيته، يقول الهايس إن «من يقف وراء البقاء في الماضي هم بعض رجال الدين المعميين الذين لا يريدون للأنبار أن تتقدم باسم المحافظة على التقاليد، بحيث إنهم يحاولون زرع مثل هذه الثقافة البائسة، في وقت بات فيه لدينا آلاف مؤلفة من العاطلين عن العمل الذين لا يحصلون من المضيف إلا على فنجان القهوة».
بدوره، يقول الشيخ العشائري المعروف أحمد أبو ريشة، رئيس مؤتمر صحوة العراق، شقيق مؤسس الصحوات في العراق الراحل عبد الستار أبو ريشة الذي طرد تنظيم القاعدة عام 2007، فقتله التنظيم في عملية محكمة، لـ«الشرق الأوسط»، إن «هناك من يخلط بين الضيافة والتقاليد العشائرية والحاجة إلى الفنادق والمدن السياحية، باعتبار أن الأنبار باتت جاذبة للاستثمار العربي والأجنبي. وبالتالي، لا يمكن تصور الأمر دون وجود أماكن سياحية وترفيهية للشركات وسواها».
ويضيف أبو ريشة أن «قضية الضيافة العشائرية لن تتأثر، ولن تكون المنشآت السياحية بديلاً عن التقاليد العشائرية، لكن لكل شيء أصوله التي ينبغي احترامها، حيث إن من يقصد العشائر للضيافة من أبناء المناطق أو المحافظات الأخرى لغرض عشائري، وليس استثمار أو غيره، فإن شيخ العشيرة كفيل بتأمين الضيافة له كما هو معتاد، ولا يوجد تناقض بين الأمرين».
ويوضح أبو ريشة الأمر قائلاً: «ما دام دخل الاستثمار عنصراً في بناء وتنمية المحافظة، صار لزاماً على الدولة والقطاع الخاص بناء الفنادق والمدن السياحية، بما فيها المدينة السياحية في الحبانية، لغرض استيعاب الشركات العربية والأجنبية. أما من يقصد من هؤلاء أي مضيف عشائري، فسوف يتم استقبالهم طبقاً لتقاليد الضيافة التي اعتدنا عليها».
ويؤكد أبو ريشة أنه «كانت توجد فنادق حكومية ومدينة سياحية، لكن الإرهاب قام بتدميرها مثلما دمر كل شيء ينتمي إلى الحياة».
من جانبه، فإن محافظ الأنبار المهندس محمد الحلبوسي يؤكد لـ«الشرق الأوسط» الحاجة إلى «فنادق ومنشآت سياحية في المحافظة، وهذه الآن هي رغبة الغالبية من أبناء الأنبار، رغم أنهم كانوا في السابق يعارضون ذلك بالفعل».
وردا على سؤال عما إذا كان لديه خطط بهذا الاتجاه، يقول الحلبوسي إن «الأهم بالنسبة لنا اليوم هو إعادة تأهيل المدينة السياحية في الحبانية، كما ننتظر التخصيصات المالية للمشاريع المتوقفة منذ عام 2014 لاستكمال بناء فندق في الرمادي على نهر الفرات».
ويوضح الحلبوسي أن «هناك عدة مشاريع فنادق، وفق تصميم المدينة الجديد في الحبانية بالدرجة الأولى، وهي معروضة على الاستثمار، وتعمل عليها اليوم شركة (تراك) الكورية، مع شركاء دوليين».



اليمن بين إمكانية التعافي واستمرار اقتصاد الحرب

استئناف تصدير النفط سيسمح بمعالجة الكثير من الأزمات الاقتصادية في اليمن (رويترز)
استئناف تصدير النفط سيسمح بمعالجة الكثير من الأزمات الاقتصادية في اليمن (رويترز)
TT

اليمن بين إمكانية التعافي واستمرار اقتصاد الحرب

استئناف تصدير النفط سيسمح بمعالجة الكثير من الأزمات الاقتصادية في اليمن (رويترز)
استئناف تصدير النفط سيسمح بمعالجة الكثير من الأزمات الاقتصادية في اليمن (رويترز)

تتوالى التأثيرات السلبية على الاقتصاد اليمني، إذ يرجح غالبية المراقبين أن استمرار الصراع سيظل عائقاً أمام إمكانية السماح بالتعافي واستعادة نمو الأنشطة الاقتصادية واستقرار الأسعار وثبات سعر صرف العملة المحلية وتحسين مستوى معيشة السكان.

وتشهد العملة المحلية (الريال اليمني) انهياراً غير مسبوق بعد أن وصل سعر الدولار الواحد خلال الأيام الأخيرة إلى 1890 ريالاً في مناطق سيطرة الحكومة الشرعية، في حين لا تزال أسعار العملات الأجنبية ثابتة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية بقرار انقلابي، كما يقول خبراء الاقتصاد الذين يصفون تلك الأسعار بالوهمية.

الانقسام المصرفي في اليمن يفاقم الأعباء الاقتصادية على المجتمع (رويترز)

وتتواصل معاناة اليمنيين في مختلف المناطق من أزمات معيشية متتالية؛ حيث ترتفع أسعار المواد الأساسية، وتهدد التطورات العسكرية والسياسية، وآخرها الضربات الإسرائيلية لميناء الحديدة، بالمزيد من تفاقم الأوضاع، في حين يتم التعويل على أن يؤدي خفض التصعيد الاقتصادي، الذي جرى الاتفاق حوله أخيراً، إلى التخفيف من تلك المعاناة وتحسين المعيشة.

ويعدّد يوسف المقطري، الأكاديمي والباحث في اقتصاد الحرب، أربعة أسباب أدت إلى اندلاع الحرب في اليمن من منظور اقتصادي، وهي ضعف مستوى دخل الفرد، وضعف هيكل نمو دخل الفرد، وهشاشة الدولة وعدم احتكارها العنف، وعندما تفقد الدولة القدرة على الردع، تبدأ الأطراف المسلحة بالصعود للحصول على الموارد الاقتصادية.

ويوضح المقطري لـ«الشرق الأوسط» أنه عندما لا يتم تداول السلطة من جميع القوى الاجتماعية والسياسية في البلد، تنشأ جهات انقلابية ومتمردة للحصول على السلطة والثروة والحماية، وإذا غابت الدولة المؤسساتية الواضحة، ينشأ الصراع على السلطة والثروة، والحرب تنشأ عادة في الدول الفقيرة.

طلاب يمنيون يتلقون التعليم في مدرسة دمرتها الحرب (البنك الدولي)

ويضيف أن اقتصاد الحرب يتمثل باستمرار الاقتصاد بوسائل بديلة لوسائل الدولة، وهو اقتصاد يتم باستخدام العنف في تسيير الاقتصاد وتعبئة الموارد وتخصيصها لصالح المجهود الحربي الذي يعني غياب التوزيع الذي تستمر الدولة في الحفاظ على استمراريته، بينما يعتاش المتمردون على إيقافه.

إمكانات بلا استقرار

أجمع باحثون اقتصاديون يمنيون في ندوة انعقدت أخيراً على أن استمرار الصراع وعدم التوصل إلى اتفاق سلام أو تحييد المؤسسات والأنشطة الاقتصادية سيجر الاقتصاد إلى مآلات خطيرة على معيشة السكان واستقرار البلاد.

وفي الندوة التي عقدها المركز اليمني المستقل للدراسات الاستراتيجية، عدّت الباحثة الاقتصادية رائدة الذبحاني اليمن بلداً يتمتع بالكثير من الإمكانات والمقدرات الاقتصادية التي تتمثل بالثروات النفطية والغاز والمعادن الثمينة والأحياء البحرية والزراعة وموقعها الاستراتيجي على ممرات طرق الملاحة الدولية، غير أن إمكانية حدوث الاستقرار مرهون بعوامل عدة، على رأسها الاستقرار السياسي والاجتماعي والأمني.

وترى الذبحاني ضرورة تكثيف الاستثمارات الاقتصادية وتشجيع القطاع الخاص بالدعم والتسهيلات لتشجيعه على الاستثمار في مشاريع صديقة للبيئة، مشددة على مشاركة المرأة في السياسات الاقتصادية لتحقيق التنمية الاقتصادية، وعدم إهدار طاقاتها الفاعلة في صنع القرار وإيجاد الحلول المبتكرة، وزيادة أعداد القوى العاملة، إذ يمكن أن تضيف المرأة ما نسبته 26 في المائة من الإنتاج المحلي.

سوق شعبية قديمة وبوابة أثرية في مدينة تعز اليمنية المحاصرة من الحوثيين طوال سنوات الحرب (رويترز)

وفي جانب الإصلاح المصرفي يشترط الباحث رشيد الآنسي إعادة هيكلة البنك المركزي ودعم إدارة السياسة النقدية، وتطوير أنظمة المدفوعات وأنظمة البنك المركزي والربط الشبكي بين البنوك باستثمارات بنكية وتحديث القوانين واللوائح والتعليمات المصرفية، وفقاً لمتطلبات المرحلة، وتقليص أعداد منشآت وشركات الصرافة وتشجيع تحويلها إلى بنوك عبر دمجها.

وركز الآنسي، في ورقته حول إعادة ھندسة البیئة المصرفیة الیمنیة بوصفها ركيزة حیویة لبناء اقتصاد حديث، على ضرورة إلزام شركات الصرافة بإيداع كامل أموال المودعين لديها والحوالات غير المطالب بها كوسيلة للتحكم بالعرض النقدي، ورفع الحد الأدنى من رأسمال البنوك إلى مستويات عالية بما لا يقل عن 100 مليون دولار، وعلى فترات قصيرة لتشجيع وإجبار البنوك على الدمج.

كما دعا إلى إلزام البنوك بتخصيص جزء من أسهمها للاكتتاب العام وإنشاء سوق أوراق مالية خاصة لبيع وشراء أسهم البنوك والحوكمة الحقيقية لها.

انكماش شامل

توقّع البنك الدولي، أواخر الشهر الماضي، انكماش إجمالي الناتج المحلي في اليمن بنسبة واحد في المائة خلال العام الحالي 2024، بعد أن شهد انكماشاً بنسبة 2 في المائة في العام الماضي، ونمواً متواضعاً بواقع 1.5 في المائة في العام الذي يسبقه.

يمنيون ينقلون المياه على ظهور الحمير إذ أدى الصراع إلى تدهور سبل المعيشة (أ.ف.ب)

وبيّن البنك أنه في الفترة ما بين عامي 2015 و2023، شهد اليمن انخفاضاً بنسبة 54 في المائة في نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي الحقيقي، ما يترك أغلب اليمنيين في دائرة الفقر، بينما يؤثر انعدام الأمن الغذائي على نصف السكان.

ويذهب الباحث الاقتصادي عبد الحميد المساجدي إلى أن السياسة والفعل السياسي لم يخدما الاقتصاد اليمني أو يعملا على تحييده لتجنيب السكان الكوارث الإنسانية، بل بالعكس من ذلك، سعى الحوثيون إلى ترسيخ نظام اقتصادي قائم على الاختلال في توزيع الثروة وتركزها بيد قلة من قياداتهم، مقابل تجويع القاعدة العريضة من المجتمع.

وأشار المساجدي، في مداخلته خلال الندوة، إلى أن هناك ملفات أخرى تؤكد استغلال الحوثيين الملف الاقتصادي لتحقيق مكاسب عسكرية وسياسية، كإنشاء منافذ جمركية مستحدثة، ووقف استيراد الغاز من المناطق المحررة، وإجبار التجار على استيراد بضائعهم عبر ميناء الحديدة، وغير ذلك الكثير.

منشأة نفطية يمنية حيث يعد إنتاج وتصدير النفط أحد أهم موارد الاقتصاد الهش (أرشيفية - غيتي)

وتحدث الباحث الاقتصادي فارس النجار حول القطاع الخدمي الذي يعاني بسبب الحرب وآثارها، مشيراً إلى تضرر شبكة الطرق والنقل، وتراجع إجمالي المسافة التي تنبسط عليها من أكثر من 70 ألف كيلومتر قبل الانقلاب، إلى أقل من 40 ألف كيلومتر حالياً، بعد تعرض الكثير منها للإغلاق والتخريب، وتحولها إلى مواقع عسكرية.

وتعرض النجار إلى ما أصاب قطاع النقل من أضرار كبيرة بفعل الحرب، تضاعفت أخيراً بسبب الهجمات الحوثية في البحر الأحمر، وهو ما ألحق أضراراً بالغة بمعيشة السكان، في حين وضعت الجماعة الحوثية يدها، عبر ما يعرف بالحارس القضائي، على شركات الاتصالات، لتتسبب في تراجع أعداد مستخدمي الهواتف المحمولة من 14 مليوناً إلى 8 ملايين، بحسب إحصائيات البنك الدولي.