أوروبا تصارع «الوحش» القادم من الشرق... فوضى مرورية وإغلاق مطارات

سياسيون فرنسيون يقضون ليلة في الشارع للتوعية بمعاناة المشردين

TT

أوروبا تصارع «الوحش» القادم من الشرق... فوضى مرورية وإغلاق مطارات

استمرت موجة البرد المفاجئة على جميع أنحاء أوروبا، وتسببت في فوضى مرورية وحالات وفاة نتج أكثرها بين المشردين ومن حوادث المرور على الطرق المتجمدة.
ففي بريطانيا استدعيت وحدات من الجيش لإنقاذ مواطنين تعطلت سياراتهم على أحد الطرق السريعة لساعات طويلة، بلغت في إحدى الحالات 12 ساعة. وقام متطوعون بتوزيع الطعام والمشروبات الساخنة على السائقين، وقالت صحيفة «مترو» أمس إن سائق لوري تابعاً لأحد محال الوجبات السريعة قام بتوزيع حمولته من الشطائر على المواطنين المعلقين، ونشرت الشركة على موقع «تويتر» تغريدة شكرت فيها السائق الذي أبدى روحاً كريمة تليق بمسؤولية الشركة.
من جانب آخر تأثرت حركة المواصلات العامة أيضاً بسبب الثلوج ما دعا شركات القطارات لمناشدة الركاب عدم السفر إذا أمكن، كما تأثرت حركة الملاحة الجوية، وألغيت العديد من الرحلات من مطارات بريطانيا. وقضى مئات الأشخاص ليلة بأكملها في قطار متجه من لندن إلى بورنموث بسبب الثلوج.
وأعلنت آيرلندا أن الأحوال الجوية السيئة مستمرة بسبب التقاء العاصفة «إيما» الآتية من المحيط الأطلسي بموجة الصقيع السيبيرية التي مصدرها الشرق. وألغى الحزب الأسكتلندي المحافظ مؤتمره الذي كان مقرراً اعتباراً من بعد ظهر الخميس. وأعربت الهيئة التي توزع الغاز في المملكة المتحدة عن قلقها حيال الطلب القوي للمستهلكين.
وتوقعت الأرصاد الجوية البريطانية أن يستمر الوضع على هذا النحو في الجزر البريطانية طوال نهاية الأسبوع.
وظلت درجات الحرارة متدنية جداً في أنحاء القارة الأوروبية. وسجلت ليل الأربعاء الخميس 28 تحت الصفر في بولندا و23 تحت الصفر في سلوفاكيا و18 تحت الصفر في ألمانيا.
في البلقان، توقع خبراء المناخ أن تعاود الحرارة ارتفاعها، لكن بعض المناطق الجبلية في البوسنة شهدت ليلة بالغة البرودة.
وفي نتيجة مباشرة لهذه الموجة غير المسبوقة، أعلنت مجموعة «غاز بروم» الروسية أنها حطمت رقماً قياسياً لليوم السابع على التوالي لجهة تصدير الغاز إلى أوروبا وتركيا، بحيث بلغت كميته 695.1 مليون متر مكعب.
وفي جنوب فرنسا، انهمر الثلج بكثافة منذ الأربعاء في منطقة مونبيلييه، حيث احتجز نحو خمسة آلاف شخص داخل سياراتهم.
في هولندا، أغلقت أنفاق عدة، وخصوصاً قرب روتردام. واضطرت شركة «كي آل إم» إلى إلغاء أو تأخير عشرات من الرحلات الأوروبية في مطار أمستردام سخيبول بسبب الرياح العاتية الآتية من الشرق.
وجاء إعلان حالات التأهب في الوقت الذي استمر فيه الطقس المتجمد في التأثير على الطرق والسكك الحديدية والنقل الجوي في جميع أنحاء غرب أوروبا، حيث تسببت الثلوج الكثيفة في إغلاق مطار جنيف لفترة، وتم إلغاء الرحلات الجوية أو تأجيلها في العديد من المطارات الأخرى.

المشردون... ضحايا الطقس السيئ
وأسفرت موجة الصقيع عن وفاة 57 شخصاً على الأقل منذ الجمعة، بحسب تعداد لمكاتب «الصحافة الفرنسية». وقضى 21 شخصاً في بولندا و7 في سلوفاكيا و6 في جمهورية تشيكيا و5 في ليتوانيا و4 في فرنسا و3 على الأقل في إسبانيا و2 في كل من إيطاليا ورومانيا وصربيا وسلوفينيا وهولندا وبريطانيا والسويد، وثمة عدد كبير من المشردين بين الضحايا. وانخفضت درجات الحرارة إلى ما دون 20 درجة تحت الصفر مرة أخرى مساء الأربعاء. وكان معظم الضحايا من المشردين. وكان من بين المتوفين، زوجان مسنان، 67 و63 عاماً، تجمدا حتى الموت لدى عودتهما من حفل سيراً على الأقدام لمسافة 3 كيلومترات في التشيك.
وفي فرنسا، أمضى نحو 30 نائباً عن باريس ومنطقتها ليلتهم في شارع بالعاصمة للتنبيه إلى مصير المشردين.
وتجول النواب الذين ارتدوا شرائط ملونة بألوان العلم الفرنسي في أحد الأحياء للحديث مع بعض المشردين المقيمين في خيام نصبت بالقرب من محطة قطارات، قبل العثور على بقع يمكننهم النوم فيها. وقال عبد السلام هيتاش نائب عمدة بلدية لو بلان مينيل في شمال باريس إنه وجد مع أحد زملائه مكاناً لقضاء الليلة في أحد الأركان، بينما تساقطت الثلوج فوقهما. وقال هيتاش معلقاً إنه أحس بشعور أولئك الذين يبيتون في العراء، وأضاف لوكالة «آسوشيتد برس»: «بالنسبة لي كانت ليلة واحدة وبالنسبة لهم هي حياة طويلة».


مقالات ذات صلة

مقتل شخصين جراء عاصفة مميتة ضربت غرب أميركا

الولايات المتحدة​ طواقم تعمل على إزالة شجرة أسقطتها عاصفة قوية ضربت منطقة شمال غربي المحيط الهادئ بالولايات المتحدة (رويترز)

مقتل شخصين جراء عاصفة مميتة ضربت غرب أميركا

ضربت عاصفة قوية ولاية واشنطن الأميركية، اليوم (الأربعاء)، ما أدى إلى انقطاع التيار الكهربائي عن مئات الآلاف وتعطل حركة السير على الطرق ومقتل شخصين.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
أوروبا فتاة تركب دراجة هوائية تحت المطر في فالنسيا بإسبانيا (إ.ب.أ)

إغلاق مدارس وإلغاء رحلات... موجة عواصف جديدة تضرب إسبانيا (صور)

تسببت موجة جديدة من العواصف في إسبانيا في إغلاق مدارس وإلغاء رحلات قطارات، بعد أسبوعين من مقتل أكثر من 220 شخصاً وتدمير آلاف المنازل جراء فيضانات مفاجئة.

«الشرق الأوسط» (مدريد)
يوميات الشرق أحداث الطقس المتطرفة كلّفت العالم تريليوني دولار خلال عقد (أ.ب)

تقرير: الطقس المتطرف كلّف العالم تريليوني دولار خلال العقد الماضي

كشف تقرير جديد عن أن الطقس المتطرف كلّف العالم تريليوني دولار على مدى العقد الماضي.

«الشرق الأوسط» (لندن)
بيئة متوسط درجات الحرارة كان مرتفعاً للغاية منذ يناير حتى أكتوبر (أ.ب)

علماء: عام 2024 سيكون الأكثر حرارة على الإطلاق

كشفت خدمة «كوبرنيكوس» لتغير المناخ التابعة للاتحاد الأوروبي اليوم (الخميس) عن أن عام 2024 سيتخطى 2023 ليصبح العام الأعلى حرارة منذ بدء التسجيلات.

«الشرق الأوسط» (باريس)
أوروبا قاعة طعام غارقة بالمياه في أحد الفنادق وسط طقس عاصف في النرويج (رويترز)

فيضانات وانهيارات أرضية في أعقاب هبوب عواصف في النرويج

ذكرت وسائل إعلام محلية، الجمعة، أن عواصف ليلية تسببت في فيضانات وانهيارات أرضية في جنوب غربي النرويج.

«الشرق الأوسط» (أوسلو)

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».