نقاد وسينمائيون يدشنون اتحاد المهرجانات السينمائية المصرية

هدفه مواجهة مشاكل التمويل وخلق شراكات دولية وعربية

اجتماع اللجنة التنسيقية التي تضم مجموعة من القائمين على النقابات السينمائية المصرية («الشرق الأوسط»)
اجتماع اللجنة التنسيقية التي تضم مجموعة من القائمين على النقابات السينمائية المصرية («الشرق الأوسط»)
TT

نقاد وسينمائيون يدشنون اتحاد المهرجانات السينمائية المصرية

اجتماع اللجنة التنسيقية التي تضم مجموعة من القائمين على النقابات السينمائية المصرية («الشرق الأوسط»)
اجتماع اللجنة التنسيقية التي تضم مجموعة من القائمين على النقابات السينمائية المصرية («الشرق الأوسط»)

على هامش مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة الذي تنعقد دورته الثانية حالياً في جنوب مصر، أعلن عدد من النقاد والسينمائيين تأسيس أول اتحاد للمهرجانات السينمائية المصرية. وعقدت اللجنة التنسيقية التي تضمّ مجموعة من أبرز القائمين على النقابات السينمائية المصرية ثاني اجتماعاتها؛ لتأسيس اتحاد سينمائي يجمع تحت مظلّته المهرجانات السينمائية المصرية. شارك في المؤتمر الصحافي لإعلان الاتحاد رسميا، المخرج عمر عبد العزيز رئيس اتحاد النقابات الفنية ورئيس اللجنة العليا للمهرجانات المصرية، والمخرج مسعد فودة نقيب السينمائيين، ورئيس اتحاد الفنانين العرب، والدكتور خالد عبد الجليل مستشار وزير الثقافة لشؤون السينما ورئيس المركز القومي للسينما، والناقد الأمير أباظة رئيس مهرجان الإسكندرية، والسيناريست محمد عبد الخالق رئيس مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة، والناقدة ماجدة موريس عضو مجلس إدارة مؤسسة نون للثقافة والفنون المنظمة لمهرجان شرم الشيخ السينمائي، وميرفت عمر المدير الفني لمهرجان الإسكندرية السينمائي.
اتفق خلال الاجتماع على إطلاق اسم «اتحاد المهرجانات السينمائية المصرية» على الكيان الجديد الذي يهدف إلى خدمة المهرجانات السينمائية المصرية والمساعدة في تحقيق دورها المنشود لخدمة السينما، وهو منظمة مصرية دولية غير حكومية يهدف للمساعدة على تنظيم مختلف المظاهرات السينمائية على الصعيدين الوطني والدولي، والتنسيق مع الجمعيات والمؤسسات المنظمة لهذه المهرجانات من أجل تنظيم مظاهرات سينمائية متميزة تليق بالسينما المصرية.
وعن سبب تكوين هذا الاتحاد، قال المتحدث الرسمي باسم اللجنة التنسيقية الكاتب الصحافي محمد قناوي لـ«الشرق الأوسط»: «السبب الرئيس هو مواجهة مشكلات التمويل التي تواجه عدداً كبيراً من المهرجانات السينمائية في السنوات الأخيرة، خاصة أن كل الدّعم الذي تقدمه الدولة للمهرجانات مجتمعة لا يكفى ربع ميزانية أي مهرجان؛ لذا كان وجود اتحاد، ضرورة ملحة للبحث عن مصادر تمويل وتنسيق ما بين المهرجانات المصرية، خاصة أنّ أحياناً يكون الدعم الموجه من الدولة غير عادل بين جميع المهرجانات».
وأضاف قناوي، المدير السابق لمهرجان الإسكندرية السينمائي الدولي: «سيكون الاتحاد منوطاً بعملية التنسيق ما بين المهرجانات السينمائية المتزامنة والمكدسة في الفترة ما بين شهري فبراير (شباط) وأبريل (نيسان) التي يُنظّم خلالها مهرجانات سينمائية عديدة، تبدأ بمهرجان أسوان لسينما المرأة، ويتبعه شرم الشيخ والإسماعيلية والأقصر للسينما الأفريقية وأيضا الأقصر السينمائي، فلا توجد فرصة للسينمائيين أو ضيوف المهرجانات لالتقاط الأنفاس، كما يحرم ضغط الوقت بين المهرجانات، الصحافيين من تأدية عملهم كما ينبغي». وعن أهداف اتحاد المهرجانات السينمائية، قال: «أحد الأهداف الرئيسية هو من مواجهة المهرجانات المستقلة التي تسيء للمهرجانات المصرية».
ويشارك في تأسيس الاتحاد «نقابة المهن السينمائية، واتحاد النقابات الفنية، والمركز القومي للسينما، ومهرجان الإسكندرية السينمائي لدول حوض البحر المتوسط، ومهرجان الإسماعيلية للأفلام التسجيلية والقصيرة، ومهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة، ومهرجان شرم الشيخ السينمائي، ومهرجان الجونة السينمائي الدولي، ومهرجان الإسكندرية للفيلم القصير».
ويهدف اتحاد المهرجانات المصرية إلى اعتبار الاتحاد مشاركا أساسيا في تنظيم المهرجانات السينمائية المصرية على الصعيدين المحلي والدولي، والمساهمة في تأسيس تنظيم المهرجانات السينمائية الدولية، وخلق حالة من التواصل القوي والمؤثر مع أجهزة الدولة من وزارات ومحافظات والأجهزة التنفيذية والدفاع عن مصالح المهرجانات لدى جميع أجهزة الدولة، وإرساء سبل التعاون والتنسيق بين منظمي المهرجانات المصرية، فضلاً عن تبادل الخبرات والتنسيق بين منظمي المهرجانات المختلفة، وخلق حوار مع المؤسسات الداعمة لها، من أجل تحقيق أكبر استفادة ودعم لتلك المشاركة في الاتحاد، إلى جانب، فتح سبل الحوار والتشاور مع مختلف الفاعلين في الحقل السينمائي داخل مصر وخارجها، وتوثيق تجارب المهرجانات الدولية السينمائية، ونشر إصدارات ومنشورات تحقق الفائدة لصناع السينما وعشّاقها. وأيضاً السعي لخلق شراكات مع مهرجانات على صعيد دولي وعربي.



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)