حين لا تتسع الرقعة الجغرافية لأكثر من تنظيم متطرّف

هجمات على كابل من «طالبان» وأخرى عبر «داعش»

قوات أفغانية أمام أكاديمية مارشال فهيم العسكرية التي تعرضت لهجوم إرهابي نهاية الشهر الماضي (أ.ب)
قوات أفغانية أمام أكاديمية مارشال فهيم العسكرية التي تعرضت لهجوم إرهابي نهاية الشهر الماضي (أ.ب)
TT

حين لا تتسع الرقعة الجغرافية لأكثر من تنظيم متطرّف

قوات أفغانية أمام أكاديمية مارشال فهيم العسكرية التي تعرضت لهجوم إرهابي نهاية الشهر الماضي (أ.ب)
قوات أفغانية أمام أكاديمية مارشال فهيم العسكرية التي تعرضت لهجوم إرهابي نهاية الشهر الماضي (أ.ب)

في حرب تنافسية ما بين التنظيمات المتطرفة، تتوالى الضربات على مدينة كابل وما حولها، تتلقى العاصمة الهجمات تارةً من حركة طالبان وتارة أخرى عبر تنظيم داعش بفرعه الأفغاني، كل تنظيم يسعى من أجل الحصول على أكبر مساحة من الأراضي الأفغانية التي صنفها تقرير للأمم المتحدة بأنها لا تزال واحدة من أخطر وأعنف بلدان العالم التي تعصف بها الأزمات.
وشكّل ازدهار نشاط تنظيم داعش، على الرغم من حداثة عهده في النطاق الجغرافي لأفغانستان، تهديداً وجودياً أزّم حركة طالبان، لا سيما أن التنظيم تمكّن من جذب عدد من المجموعات المحسوبة على حركة طالبان، بالإضافة إلى نقله شراسته المتعارف عليها في العراق وسوريا إلى كابل وما وراءها من خلال تنفيذ هجمات إرهابية عديدة. الأمر الذي أدّى إلى ما يشبه التسابق ما بين الجهتين وتوسيع لنطاق الهجمات بشكلٍ عام لتستهدف من خلال هجماتها الجهات الأمنية والمناطق الدبلوماسية والمساجد.
وتبنّت حركة طالبان مؤخراً هجوماً مسلحاً استهدف فندق إنتركونتيننتال مما أسفر عن مقتل 20 شخصاً من بينهم 4 أميركيين. وتضمنت الرسالة المباشرة التي تم الكشف عنها ما يشي برغبة في تسليط الضوء على السياسات الأميركية الصارمة حيالها وتهديد السلطات الأميركية في حال استمرّت على ذات النهج، إذ صرّحت حركة طالبان بأن: «الهجومين رسالة إلى ترمب بأن سياسته العدوانية لا تجدي». إلا أن سياق الأحداث يؤكّد أن تكثيف الهجمات يبطن استماتة في محاولة لإثبات استمرارية حركة طالبان والنجاح في اعتبارها القطب الوحيد والتنظيم المتطرف الأكثر سيطرة على الساحة الأفغانية. لا سيما أن القوات الأميركية سعت جاهدة لأن توجّه ضرباتها إلى حركة طالبان مما قوّض من قوّتها.

التهديد الأميركي لحركة طالبان
توالت الضغوط الناجمة عن استهداف القوات الأميركية لحركة طالبان في الآونة الأخيرة، على اعتبار أن حركة طالبان تحمل تهديداً أمنياً للعالم، فبالتالي صوّغت الجهات الأمنية الأميركية سياسة الحرب الاستباقية الموجهة إلى «طالبان»، على أساس أنْ لا سبيل للتوصل إلى مهادنة معها. مما دفعها إلى التركيز على الضربات العسكرية بهدف تقويض قوتها، بالأخص في ظل وجودها في منطقة منعدمة الاستقرار أمدتها بقدرات تتيح لها تنفيذ تطلعاتها التخريبية. الأمر الذي أثار القلق الأميركي من احتمال نقل الاضطرابات السياسية وأعمال العنف إلى مناطق أخرى، وقد عزّز من قوة حركة طالبان وجودها في المنطقة منذ فترة التسعينات في أعقاب انسحاب الاتحاد السوفياتي السابق مما أعطاها ما يوحي بشرعيتها في أفغانستان. بالأخص في ظل مرور الدولة بما يعد اضطراباً سياسياً منذ إطاحة الولايات المتحدة بنظام «طالبان» في عام 2001 نتيجة دعمه لتنظيم القاعدة. وتمكنت حركة طالبان من الصمود واستمرارية سيطرتها على مناطق عديدة في أفغانستان. وقد سعت الحكومة الأفغانية في أحايين عديدة للخوض في مفاوضات مع «طالبان» من أجل إيقاف العنف.
وقد يكون قرار الرئيس الأميركي ترمب استبقاء القوات الأميركية في أفغانستان، وتكثيفها الهجوم على حركة طالبان بغارات عسكرية في الآونة الأخيرة، أشبه بامتداد للحرب التي شنتها الولايات المتحدة على «طالبان» منذ مرحلة ما بعد الحادي عشر من سبتمبر (أيلول). وقد اتخذت ذات النهج الذي قضت فيه على أماكن نفوذ تنظيم داعش في العراق وسوريا. وقد تضمنت الهجمات الأميركية على «طالبان» استهدافاً لمراكز تدريبهم مثل ما حدث مؤخراً في ولاية بداخشتان القريبة من المناطق الحدودية مع الصين وطاجيكستان. إضافة إلى شن غارات جوية متتالية للقضاء على أكبر قدر من أعضاء الحركة. وقد أفضى ذلك إلى مقتل زعيم تنظيم الدولة عبد الحسيب في عملية مشتركة للقوات الأفغانية والأميركية، ومن قبله حفيظ سعيد خان الذي قُتل هو الآخر من خلال غارة أميركية جوية. ذلك الاستهداف أدّى إلى شروع حركة طالبان بتنفيذ هجمات إرهابية متوالية تستهدف كل ما يتعلق بالمصالح الأميركية، من أجل تنفيذ وعيد «طالبان» من جهتها بجعل أفغانستان مقبرة للأميركيين في حال عدم انسحابهم.
ولا يعدّ الوجود الداعشي في منطقة أفغانستان جديداً، إذ يعود سعي التنظيم إلى التغلغل في المنطقة إلى عام 2015، حين تم إنشاء تنظيم الدولة في خراسان بهدف مد نفوذه في كل من أفغانستان وباكستان. ويؤكد ذلك مدى براغماتية التنظيم، إذ إنه في ذلك العام لم يمنعه سعيه لتكوين خلافة داعشية في منطقة أخرى من مساعيه في جعل منطقة أفغانستان امتداداً لنفوذه. وقد أرسلت حركة طالبان فور بدء تنظيم داعش مساعيه في أفغانستان، خطاباً حمل توقيع الملا مختار منصور رئيس اللجنة السياسية في «طالبان»، من أجل حث تنظيم داعش على الكف عن تجنيد المقاتلين في أفغانستان، وقد شدّد فيه على أن أفغانستان لا تتسع إلا لعَلَم واحد وقيادة واحدة للقتال. مما يعكس مدى قلق حركة طالبان حيال الوجود الداعشي الجديد في المنطقة، خصوصاً أن ذلك أدى إلى انقسام مجموعات متطرفة كانت مناصرة لحركة طالبان، وذلك من أجل الانضمام إلى تنظيم داعش، وذلك على الرغم من قلة أعضائه وحداثة عهده وافتقاره إلى التاريخ القديم في القتال في المنطقة على غرار حركة طالبان وتنظيم القاعدة، الذي سهّل لـ«طالبان» إمكانية الحصول على مناصرين في مناطق عديدة في أفغانستان. وقد كان ضعف الوضع الأمني والسياسي في أفغانستان للحركة فرصة لإقناع العديد من الأفغان بأنها الحل الوحيد من أجل إعادة البلاد إلى عهدها السابق. وإعدادهم من خلال التدريب العسكري والآيديولوجي في معسكرات تدريب تابعة لهم، استغلت توعّر المناطق الجبلية في أفغانستان من أجل تحويل أي حرب إلى ما هو أشبه بحرب عصابات يصعب استهدافهم من خلالها.

أسباب التغلغل {الداعشي}
وعلى الرغم من انبثاق منهجية حركة طالبان في استقطابها للمناصرين من مبدأ اللُّحمة الوطنية والعودة بالتاريخ لفترة عهدهم، من أجل إثبات أن حراكهم وحده يعدّ أفضل حل للبلاد مما يحتم أهمية استعادتهم لحكم البلاد، فإن تنظيم داعش من جهة أخرى يسعى إلى قولبة تنظيمه بمظهر يشدد فيه على عدم اكتراثه بأصول وأعراق مناصريه وتوجهاتهم السابقة، وإنما يسعى بأسلوب جماهيري لاستقطاب كل الجنسيات على النهج الذي اتخذه من قبل في كلٍّ من سوريا والعراق وأدّى إلى تهافت المتطرفين على تلك المنطقة، بينما يستقطب تنظيم داعش في أفغانستان مقاتلين من دول مجاورة مثل أوزبكستان وطاجيكستان دون تمييز عنصري ما بين أعضائه. فكل من يتبنى فكر التنظيم ويعلن ولاءه له يتم الترحيب به، بغض النظر عن أي أمر آخر. بينما يعد كل من يخالف مبادئهم عدواً لهم، وقد استفاد تنظيم داعش من تصعيد الخلاف بين الطوائف الدينية المختلفة كما حدث في كلٍّ من العراق وسوريا، وذلك أحد أهم مسببات انقسام التنظيم عن «القاعدة»، وإن كانت أفغانستان لا تحوي نسبة كبيرة من الشيعة، إلا أن وجودهم أعطى الفرصة لأن يشن التنظيم عدداً من الهجمات التي استهدفت الشيعة في أفغانستان ومساجدهم وأماكن تجمعهم، والتي بإمكانها أن تستجلب أعضاء ينضمون إليهم بغرض التهجّم على الأقليات الدينية أو المذهبية، مما يكوّن للتنظيم حيّزاً جديداً يحوي مناصرين جدداً يرحّبون بهم، وذلك يعد مهماً، إذ يتيح لأعضائه فرصة الانتقال إلى منطقة ينعدم فيها الأمن للاستقرار فيها والتمكن من السيطرة على جزء منها، ليتم اعتبارها بديلاً بعد أن تبدّدت فرصة تحقيق «داعش» استراتيجيته السابقة المتضمنة إنشاء خلافة داعشية في العراق وسوريا.
وعلى الرغم من اختلاف طبيعة التضاريس في أفغانستان التي تتميز بوعورة جبالها، إذ قد يشكّل ذلك إرباكاً للتنظيم لعدم فهمه طرق التخفي وحماية أنفسهم، فإن التنظيم تمكن من التغلغل والوصول إلى جماعات انضمت إليه وتركت حركة طالبان. ويعد ذلك مفصلياً بالنسبة إلى «داعش»، إذ لا بد من الاعتماد على السكّان الأصليين هناك من أجل مدّهم بالمعرفة بجغرافية البلاد وطباع سكّانه، وطرق كسب ودّهم، لا سيما أن المناطق الجبلية إنْ تم فهم سبلها تسهّل على المتطرفين التخفي، مما يصعّب الوصول إليهم. ويَظهر مبلغ تمكُّن تنظيم داعش في أفغانستان، من قدرته على السيطرة على أراضي تورا بورا الحدودية في إقليم ننكرهار، وقد اشتهرت أراضيها فيما قبل باحتضانها قائد تنظيم القاعدة السابق أسامة بن لادن.
جميع تلك الحيثيات دفعت بحركة طالبان إلى الشعور بتعرضها للضغوط من أجل التعجل بالقيام بهجمات الإرهابية، والسعي في الكشف عن مدى قوة السلطات الأفغانية من جهة، ولمحاولة إثبات أنها لا تزال في أوج قوتها ولم تفقد القدرة على التصعيد، لا سيما في ظل وجود القوات الأميركية المستهدفة لها، إضافة إلى تنافس تنظيم داعش في محاولة إبراز حضوره في الساحة، وهو بالفعل يشكّل خطورة على أفغانستان، بل قد يؤدي الأمر إلى انتقال خطورتها إلى باكستان والدول المجاورة مثل الهند وإيران. خصوصاً أن الفكر الداعشي يَعتبر كل من يخالفه كافراً لا بد من محاربته.


مقالات ذات صلة

في شمال العراق... تحديات كثيرة تواجه النازحين العائدين إلى ديارهم

المشرق العربي نازحون في مخيم حسن شام على بعد نحو 40 كيلومتراً غرب أربيل (أ.ف.ب)

في شمال العراق... تحديات كثيرة تواجه النازحين العائدين إلى ديارهم

تعلن السلطات العراقية بانتظام عن عمليات مغادرة جماعية لمئات النازحين من المخيمات بعدما خصصت مبالغ مالية لكلّ عائلة عائدة إلى قريتها.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
العالم العربي تنظيم «داعش» يتبنّى عملية استهداف حاجز لـ«قسد» في ريف دير الزور الشرقي (مواقع تواصل)

حملات التمشيط العسكري لم تمنع انتعاش «داعش» في سوريا

على رغم أن القوات الحكومية السورية تشن حملات تمشيط متكررة في البادية السورية لملاحقة خلايا تنظيم «داعش» فإن ذلك لم يمنع انتعاش التنظيم.

المشرق العربي قوة مشتركة من الجيش العراقي و«الحشد الشعبي» بحثاً عن عناصر من تنظيم «داعش» في محافظة نينوى (أ.ف.ب)

«داعش» يعلن مسؤوليته عن هجوم أدى لمقتل 3 جنود في العراق

قالت مصادر أمنية وطبية في العراق إن قنبلة زرعت على جانب طريق استهدفت مركبة للجيش العراقي أسفرت عن مقتل 3 جنود في شمال العراق.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي «قوات سوريا الديمقراطية» خلال عرض عسكري في ريف دير الزور (الشرق الأوسط)

أكراد سوريا يتحسبون لتمدد الحرب نحو «إدارتهم الذاتية»

ألقت نتائج الانتخابات الأميركية بظلالها على أكراد سوريا ومصير «إدارتهم الذاتية» بعدما جدد الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، التهديد بشن عملية عسكرية.

كمال شيخو (القامشلي)
شؤون إقليمية عناصر من الجيش الوطني السوري الموالي لتركيا في شمال سوريا (إعلام تركي)

العملية العسكرية التركية في شمال سوريا تواجه رفضاً روسياً وغموضاً أميركياً

تصاعدت التصريحات التركية في الفترة الأخيرة حول إمكانية شن عملية عسكرية جديدة تستهدف مواقع «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) في شمال سوريا.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)

«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
TT

«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)

ارتبط مسمى «حزب الله» بنوعين؛ أعلام صفراء في لبنان، وحسن نصر الله أمين عام حزب الله، لبنان، لكن النوع العقائدي الأكبر خطورة يسير في دماء العراق، حزب هو بذات الاسم، عقائديون أكبر أثراً في سفك الدماء، حيث يرعون الأمر أكبر من مجرد حزب أصفر له الضاحية الجنوبية في لبنان؛ مسكن ومقر ومشيعون.
بين دجلة والفرات، حزب يسمى كتائب «حزب الله العراق»، له أكثر من 13 عاماً وهو في تشكيله الحالي، ليس بالهين عوضاً عن ميليشيات «الحشد الشعبي» التي أخذت كل الوهج الإعلامي كونها مرتبطة بنظام إيران، لكن «حزب الله العراق» وكتائبه تمر في أزقة السواد وبأخطر من دور ميداني تمارسه «الحشد الشعبي»، لأن العقائدية ونشرها أشد خطورة من ميدان يتقهقر فيه الأضعف، نظراً للضربات الآمنة التي يقودها الحلفاء أولو القوة من غرب الأرض لوقف تمدد النزيف، دائماً ما يكون مصنع الوباء يمر بحزب الله العراق.

قبل أشهر، كان الحزب تعرض لواحدة من أعنف الغارات على مواقعه، بعد هجوم صاروخي استهدف قاعدة التاجي في العراق، وقتل فيها جنديين أميركيين وبريطانياً، وجاء الرد خلال ساعات قليلة بفعل غارات أميركية - بريطانية مشتركة، ضد منشآت لميليشيات حزب الله العراقي في محافظتي بابل وواسط ومنطقة سورية محاذية للحدود العراقية.
نظرة سريعة على حزب الله العراق، من التاريخ، كان عماد مغنية (قتل في 2008 بغارة إسرائيلية في دمشق) الإرهابي اللبناني التابع لإيران، وحزب الله لبنان، كان أحد صنّاع هيكل هذا الحزب في العراق، حيث بدأ في العمل وفقاً لتوجيهات وأوامر نظام الملالي في تكوين حزب يشبه حزب الله اللبناني، وهو ما يبدو أن الأوامر جاءته في تجويد هذا الحزب ليكون بذراعين: عسكرية وعقائدية، ويبدو أن مغنية تجاوز أخطاء عديدة في تشكيل ووهج حزبه اللبناني، فصنع بهدوء هيكلة مختلفة للحزب، جعلت كل المساجد والحسينيات وقوداً يضخ فيها البذور التي يرغبها أولو العمائم.
ظهر الحزب بحضوره الأول بقوام تجاوز 4 آلاف شخص، منتمين بعضويات عدة داخله، وتنامى العدد حتى قبل تصنيف الولايات المتحدة له كـ«تنظيم إرهابي»، لكنه جعل دوره التسويقي للحشد والتنظيم أكبر من مجرد عسكرة، بل فكرة أكثر ارتباطاً في نشر آيديولوجيا عبر مواقع عدة، ومنها تفريخ عناصر في قطاعات مهمة داخل العراق؛ منها وزارة التعليم ووضع لبنات التعاون مع أحزاب دينية؛ منها «الحزب الإسلامي» الذي يتغذى بمنهج الإخوان المسلمين.
ربما ما يدور أن الحزب هو جزء في تكوين «الحشد الشعبي» لكن ذلك يمر بتقاطعات، حيث يشير عبد القادر ماهين، المتخصص في شؤون التنظيمات الإرهابية، إلى أن الحزب يظهر كونها جزءاً من تكوين الحشد، لكنه جزء يصنع الكعكة الميليشياوية ويشارك في تسميمها ويعمل على توزيعها في المناطق المجاورة.
يشير ماهين في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط» إلى أنه لا أمين عاماً للحزب أسوة بحزب الله اللبناني، حيث يظهر فيه حسن نصر الله، مبرراً ذلك أن الفرق بين تكوين الحزبين هو الحاجة والدور، حيث يتمركز في جنوب العراق بعتاد عسكري، له هدف في وضع حضور طاغٍ يحاول تفخيخ الحدود، لأن الهدف يرتبط مع إمبراطورية إيران الكبرى الممتدة، ولا يظهر له الأثر السياسي كممثلين له كما هو الحزب اللبناني ليكون أثره في تشكيل الحكومات والبرلمانات.

إذن ما الدور الذي يلعبه الحزب؟

الحزب كما يرى ماهين، أنه ذو دور عسكري في الأصل، لكن الترتيبات ما بعد 2009 جعلته أكثر قدرة في تكوين فريق احتياط عسكري ليس أكثر وفق الحاجة، يدعم التوجهات والسياسات الإيرانية، لكن ما أخل بتلك القاعدة مشاركته المباشرة في دعم نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وأصبح أكثر من 4 أو 5 آلاف جندي مشاركين في السيطرة على مدن سورية تحت إمرة إيران في سوريا التي تتشكل من 4 فصائل مسلحة.
الحزب ليس عسكرياً فقط؛ كان ولا يزال صاحب دور في الترويج العقائدي، وتصوير الحضور الإيراني بشكل إيجابي مزعوم، إضافة إلى عمله الاقتصادي، حيث يدخل عناصره الكبرى في مفاصل مهمة في الاقتصاد العراقي، من شركات اتصالات وشركات نفطية، وأخرى ذات علاقة بقطاع الطيران، وإدارة المطارات والمنافذ، وبعض الأشخاص أبرزهم هادي العامري الذي كان صاحب صولات وجولات حين حمل حقيبة وزارة النقل العراقية في وقت سابق، وكان أبرز مهددي الاستمرار الكويتي في بناء ميناء مبارك الكبير، حيث هددت كتائب الحزب الشركات من الاستمرار بالعمل، وحينها ظهر العامري بأن ذلك المشروع «يغلق القناة الملاحية لموانئ العراق».
مرحلة مختلفة ظهرت، حين عاودت الآلة العسكرية الحزبية لكتائب حزب الله العراق، بالعمل من خلف الصفوف، حيث كانت أبرز مهددي السفارات وأكثر ملغمي مسارات الحلول السياسية، بل ومن رمى بقادة العراق اليوم في تحدي أن يرضخوا أمام شعب بدأ في كراهية الحضور الإيراني، وكان الحزب أبرز علامات استهداف المتظاهرين في العراق في كل البلاد، بغية كسر حدة السيوف الشعبية لتصبح مجرد مقبض دون رأس حربة كي يحافظ الحزب على الوجود الإيراني، خصوصاً أنه أبرز متلقٍ للأموال من نظام إيران وأكثرها غناءً.
الدور الاقتصادي لكتائب حزب الله العراق أصبح أكثر وضوحاً، حيث كان أكبر المنتفعين في عام 2015، من «الفدية القطرية» التي وصلت إلى أكثر من مليار دولار، مقابل إطلاق سراح قطريين كانوا يقضون وقتهم في الصيد جنوب العراق، ورغم أن الأنباء قالت إن الخاطفين لعدد من أبناء الأسرة الحاكمة القطرية ومعاونيهم الذي بلغ 28 شخصاً، كانوا من تنظيم «داعش»، لكن التقارير المسربة لاحقاً في بدايات 2016 حيث جرى تخليصهم وعودتهم إلى قطر، كانوا يتبعون لكتائب حزب الله العراق، وهو ما ينافي الرواية الرسمية القطرية التي تقول إنها دفعت المبلغ للحكومة العراقية.
الدور المستقبلي لن ينفك عن منهجية تتقاطع مع حزب الله اللبناني، حيث لدى الحزب اليوم الرؤى ذاتها، خصوصاً في اعتماد سياسة «افتعال الأزمات»، كي لا ينكسر الحضور الإيراني ونفوذه في المؤسسات الدينية وبعض السياسية، التي يجد فيها بعضاً من رجاله الذين يقبعون في سياسة تخفيف الضغط على النظام السياسي ومحاصصته التي تستفيد منها ميليشيات إيران في العراق، وما بعد مقتل قاسم سليماني، غربلة يعيشها الحزب الذي يجرب يوماً بعد آخر أسلوب التقدم خطوة بخطوة، مستفيداً من تكتيك الفأر في نشر طاعون على أرض هي الأهم لإيران.