كنوز «تل الفراعين» النادرة بكفر الشيخ تبحث عن متحف

تضم عدداً كبيراً من المناطق الأثرية المهمة

تمثال فرعوني نادر بمنطقة تل الفراعين الأثرية بمدينة دسوق
تمثال فرعوني نادر بمنطقة تل الفراعين الأثرية بمدينة دسوق
TT

كنوز «تل الفراعين» النادرة بكفر الشيخ تبحث عن متحف

تمثال فرعوني نادر بمنطقة تل الفراعين الأثرية بمدينة دسوق
تمثال فرعوني نادر بمنطقة تل الفراعين الأثرية بمدينة دسوق

بين مدينتي كفر الشيخ ودسوق، تقع منطقة تل الفراعين الأثرية، التي تضم كنوزا أثرية مهمة، لا مثيل لها في أرجاء القطر المصري، ورغم أهميتها التاريخية والأثرية باعتبارها عاصمة دينية لمصر القديمة قبل توحيد القطرين، فإنها لا تزال تعاني من الإهمال. وأعاد الاكتشاف الأثري الأخير في تلك المنطقة الساحرة، الأضواء إليها مرة أخرى، حيث تم الكشف عن بقايا جدران من الطوب اللبن تعود لعصور مختلفة من الحضارة المصرية القديمة، بالإضافة إلى أربعة أفران من العصر المتأخر، أثناء أعمال الحفر الأثري للبعثة المصرية التابعة لوزارة الآثار والعاملة بمنطقة تل الفراعين «بوتو» بمدينة دسوق بمحافظة كفر الشيخ (100 كيلومتر شمالي القاهرة).
ووفقا لوزارة الآثار المصرية، فقد عثرت البعثة الأثرية، أيضا، على جزء من تمثال ملكي غير معروف صاحبه على وجه التحديد، حيث إن عمود الظهر خال من أي كتابات، ولكن من المرجح أنه يخص الملك بسماتيك الأول، وهو مصنوع من الجرانيت الأسود.
وتعد منطقة تل الفراعين مقصدا للصوص والمسلحين، لاحتوائها على قطع أثرية مهمة، متناثرة في أرجاء المنطقة، من دون توفير حماية حقيقية، رغم تمكن قوات الأمن من إلقاء القبض على بعض اللصوص على مدار السنوات الماضية.
وتعرضت منطقة آثار تل الفراعين للسرقة مرتين، الأولى عام 2000م، واختفت 52 قطعة أثرية متنوعة، وألقي القبض على الجناة، قبل أن تتعرض مجددا للسرقة أيام ثورة يناير (كانون الثاني) 2011م، واختفت 27 قطعة أثرية متنوعة، ولم تتم إعادة القطع الأثرية لتصرف الجناة فيها.
وقال السيد حجازي، أحد المهتمين بالآثار الفرعونية من مدينة دسوق لـ«الشرق الأوسط»: «ناشدنا كثيرا وزارة الآثار، ومحافظة كفر الشيخ، لسرعة الانتهاء من إنشاء متحف المحافظة بجوار حديقة صنعاء، ويتميز الموقع بوجوده وسط مدينة كفر الشيخ، عكس تل الفراعين». وأضاف: «وزارة الآثار شرعت في بناء المتحف منذ 11 عاما، ولم يتم استكماله، ثم تم رصد 20 مليون جنيه لاستكماله من صندوق المحافظة».
بدوره، قال الدكتور محمد سعد محمد، أستاذ الآثار والتاريخ المصري القديم: «منطقة تل الفراعين الأثرية، بها كثير من القطع الأثرية المهمة، منها تمثالان على هيئة أبو الهول من البازلت، يعودان إلى الأسرة التاسعة والعشرين الفرعونية، وتمثال للإله (حورس الصقر) من أروع التماثيل التي اكتشفت بمصر حتى الآن، وتمثال مزدوج من الجرانيت الوردي للملك رمسيس الثاني والإله سخمت، ولوحة من الجرانيت الأسود تعود إلى عصر الملك تحتمس الثالث من عصر الأسرة الثامنة عشرة الفرعونية، ولوحة هبات تعود لعصر الملك تحتمس الثالث، وأعلى اللوحة منظر يمثل الملك تحتمس الثالث راكعا يسكب الماء المقدس ويقدم القرابين».
وأضاف سعد: «يضم التل لوحة من الجرانيت الوردي، تعود إلى عصر الملك شاشانق الأول من الأسرة الفرعونية، وتمثال الكاهن قابع ممسكا بيده اليسرى إحدى نباتات الدلتا (الخس) رمزا للخصوبة، بالإضافة إلى تمثال للملك عاورد نفرتيس الأول من الأسرة التاسعة والعشرين الفرعونية، وتمثال من الجرانيت الأسود والمصقول للإله حورس الصقر، وقد أبدع الفنان في إظهار أدق تفاصيل الطائر».
يشار إلى أن مصر عرفت مملكتين في بداية تاريخ مصر الموحدة: الأولى في الوجه القبلي وعاصمتها «نخن»، والثانية في الوجه البحري وعاصمتها «بوتو» بكفر الشيخ التي عثر فيها على الاكتشاف الأخير. وقد احتفظ هذان المركزان القديمان للحكم في مصر بأهميتهما وشهرتهما طوال العصور التاريخية.
و‏كانت‏ تل الفراعين ‏عاصمة‏ ‏مصر‏ ‏في ‏عصر‏ ‏ما‏ ‏قبل‏ ‏الأسرات‏، وكانت‏ ‏تعتبر‏ ‏المصدر‏ ‏الوحيد‏ ‏لإضفاء‏ ‏شرعية‏ ‏الحكم‏ ‏لملوك‏ ‏مصر‏، ‏حيث‏ ‏كان‏ ‏عليهم‏ ‏الذهاب‏ ‏إلى ‏بوتو‏ ‏لتقديم‏ ‏القرابين‏ ‏للإلهة‏ ‏«واجت»‏ ‏ربة‏ ‏تل‏ ‏الفراعين، ‏ ‏ومانحة‏ ‏السلطة‏، وتحتوي ‏على ‏جبانة‏ «‏بوتو‏ ‏العظيمة» ‏التي ‏وجد‏ت ‏بداخلها‏ ‏آلاف‏ ‏التوابيت‏ ‏البرميلية‏ ‏الشكل‏ ‏والآدمية‏ ‏أيضا‏، ‏وهي ‏أشكال‏ ‏غاية‏ ‏في ‏الندرة‏ ‏منقوش‏ ‏عليها‏ ‏كتابات‏ ‏توضح‏ ‏طقوس‏ ‏دفن‏ ‏الموتى‏ ‏عند‏ ‏قدماء‏ ‏المصريين‏، ‏بالإضافة‏ ‏إلى ‏مجموعة‏ ‏تمائم‏ ‏وحلي‏.
إلى ذلك قال المهندس جمال سالم، رئيس منطقة كفر الشيخ للآثار الفرعونية، لـ«الشرق الأوسط»: «محافظة كفر الشيخ مرموقة على الصعيد التاريخي والأثري، نظرا لأنها كانت عاصمة الوجه البحري قبل التوحيد، وتذخر بوجود كثير من المناطق الأثرية المنتشرة في كثير من مراكزها».
وأضاف: «المحافظة تضم كثيرا من المناطق الأثرية المهمة التي تشغل أطلالها حاليا نحو 2000 فدان من الأراضي الأثرية بمختلف أرجاء المحافظة، أشهرها تل الفراعنة بدسوق، وتل قبريط بمركز فوه، وتل الخنزيري بمركز الرياض، وتل سيدي سالم، وتل الجلاجل ببلطيم، وتلال سنجار ومسطروه، والكوم الأخضر ببحيرة البرلس شمالي المحافظة»، وأشار إلى «أهمية سرعة الانتهاء من المتحف الأثري، لعرض كثير من القطع الأثرية بالمحافظة، تمهيدا لوضعها على خريطة السياحة».


مقالات ذات صلة

روسيا تعرض بقايا ماموث محفوظة بشكل جيد عمرها 50 ألف سنة

علوم الماموث «إيانا» عمرها 50 ألف عام (رويترز)

روسيا تعرض بقايا ماموث محفوظة بشكل جيد عمرها 50 ألف سنة

عرضت روسيا، اليوم (الاثنين)، بقايا محفوظة بشكل جيد لماموث صغير عمرها 50 ألف عام، عُثر عليها خلال الصيف الفائت في أقصى الشمال الروسي.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
يوميات الشرق القبقاب الذي تم العثور عليه عمره 500 عام (رويترز)

علماء آثار هولنديون يكتشفون قبقاباً نادراً عمره 500 عام

تشتهر هولندا عالمياً بأحذيتها الخشبية، لكن الاكتشاف النادر في الآونة الأخيرة لقبقاب عمره 500 عام بمدينة ألكمار أظهر مدى انتشار استخدام مثل هذه الأحذية بالماضي.

«الشرق الأوسط» (أمستردام)
سفر وسياحة رئيس بلدية روما روبرتو غوالتيري خلال حفل إعادة افتتاح النافورة الشهيرة (أ.ب)

نافورة تريفي في روما تستقبل زوارها بعد إعادة افتتاحها (صور)

أُعيد افتتاح نافورة تريفي الشهيرة رسمياً بعد أعمال تنظيف استمرت أسابيع، وقررت البلدية الحد من عدد الزوار إلى 400 في آن واحد.

«الشرق الأوسط» (روما)
المشرق العربي لقطة جوية تُظهر قلعة حلب (أ.ف.ب)

حلب «الشاهدة على التاريخ والمعارك» تستعد لنفض ركام الحرب عن تراثها (صور)

أتت المعارك في شوارع حلب والقصف الجويّ والصاروخي على كثير من معالم هذه المدينة المُدرجة على قائمة اليونيسكو، لا سيما بين عامي 2012 و2016.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
يوميات الشرق «مستر بيست» انتهى من تصوير أفلام ترويجية بمنطقة الأهرامات (إنستغرام)

«مستر بيست» يفجر جدلاً في مصر بشأن «تأجير الأهرامات»

أثار «يوتيوبر» أميركي جدلاً على مواقع التواصل الاجتماعي في مصر بعد حديثه عن «تأجير الأهرامات»، وهو ما نفته وزارة السياحة والآثار المصرية.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».