«الشرق الأوسط» في ترشيحات الأوسكار 4: السينما والأوسكار... وتاريخ المرأة الحافل فيهما

عرفت هوليوود المخرجات منذ مطلع القرن الماضي

TT

«الشرق الأوسط» في ترشيحات الأوسكار 4: السينما والأوسكار... وتاريخ المرأة الحافل فيهما

إذا استثنينا الوجود التلقائي والطبيعي لعشر ممثلات في سباقي أفضل تمثيل نسائي أول وأفضل تمثيل نسائي مساند، فإن وجود المرأة منفردة (وليس كأحد طواقم الإنتاج كما الحال في فيلم «دنكيرك» و«ذا بوست»، محدود)، بالمقارنة مع حضور الرجل، وليس للمرة الأولى.
المخرجة غريتا غرويغ حاضرة في سباق أفضل مخرجة عن فيلمها «لايدي بيرد» الداخل كذلك في سباق أفضل فيلم في مواجهة ثمانية أفلام من إخراج رجال. في قسم الإخراج هي الأنثى الوحيدة بين أربعة رجال هم كريستوفر نولن عن «دنكيرك» وجوردان بيل عن «أخرج» و«غويلرمو دل تورو عن «شكل الماء» وبول توماس أندرسون عن «تهديد شبح».
على أن غرويغ، وعلى عكس المفهوم المستنتج مؤخراً وتناقلته بعض الكتابات الصحافية، ليست المرأة الوحيدة في المجال الإبداعي خارج سباق التمثيل النسائي. ففي مسابقة أوسكار أفضل مدير تصوير نجد - ولأول مرة في هذا المجال - مديرة التصوير راتشل موريسون التي أجادت عملها حد التفوق عندما اختيرت لتكون مديرة تصوير فيلم «مدباوند» للمخرجة دي ريز التي نجد اسمها في سباق أفضل سيناريو مقتبس.
في قسم المونتاج هناك وجود لتاتيانا س. ريغل عن فيلم «أنا، تونيا» ونجد جاكولين دوران تنافس نفسها مرتين في قائمة أوسكار أفضل تصميم ملابس. مرة عن فيلم «ساعة أكثر دكانة» ومرة عن فيلم «الجميلة والوحش».

رائدات

هذا الوضع يؤكد أن المرأة وجهودها السينمائية متوافرة في أقسام عدة في مسابقة الأوسكار. لماذا إذن يبدو الأمر كما لو أنها مجني عليها وقليلة الحظ (إذا كان هناك شيء اسمه حظ)؟
قسم من الجواب يكمن في الخلل الأكبر الذي تعيشه صناعة السينما في هوليوود حيث الفرص غير متساوية بين ما يؤلف الغالبية وما يؤلف الأقلية. الغالبية في هذا المضمار ومنذ بدية السينما قبل أكثر من 120 سنة، هي للرجل، علماً بأن السنوات العشر الأولى من القرن الماضي وامتداداً للسنوات العشر الثانية، شهدت وجوداً كثيفاً للمرأة. آنذاك برزت الفرنسية أليس غي التي انتقلت إلى هوليوود قبل عام 1910 وبدأت تحقيق الأفلام مخرجةً ومنتجةً. تبعتها فرنسية أخرى لجأت إلى هوليوود اسمها لويس وَبر التي اشتغلت على أكثر من 160 فيلماً.
في عام 1907 بدأت جين غونتيير العمل في الإنتاج منفردة أولاً، ثم تحوّلت إلى مخرجة سنة 1912 وكان فيلمها الأول وراء الكاميرا بعنوان «من المهد إلى اللحد» (From the Manger to the Cross) الذي تم تصوير معظم أحداثه في مدينة القدس.
إلى جانب هؤلاء، نجد في مجال كتابة السيناريو رائدات أخريات من بينهن جيني ماكفرسن (كتبت للمسرح أولاً) ودوروثي أزنر التي انتقلت إلى الإخراج بعد ذلك.
ولا تقل حكاية أنيتا لوس إثارة عما سبق. كانت في السادسة عشرة من عمرها فقط عندما بعثت، سنة 1912، لشركة «بيوغراف» (النشطة آنذاك) قصّـة كتبتها بعنوان «قبعة نيويورك سيتي» (New York City Hat). وهي لا جدال فوجئت وسعدت كثيراً وهي تتلقى عرضاً لشراء القصّـة بمبلغ لا بأس به في ذلك الحين هو 25 دولاراً.
بعد سنوات قليلة وصل أجرها إلى 300 دولار عن السيناريو قبل أن تكتشف أن الرجال يتقاضون ضعف هذا المبلغ أو أكثر.
والواقع أن مهنة الكتابة فتحت الطريق أمام الكثيرات للعمل في السينما خلال تلك العصور أمثال بيولا ماري ديكس التي كانت كاتبة مسرحية، ثم انقلبت سينمائية بعد عام 1916، وهو العام التي ذهبت فيه لزيارة والدة المخرج سيسيل ب. ديميل في لوس أنجليس فقررت البقاء والعمل في هوليوود.
وهناك مارلون فيبرانكس وآن بوشينز اللتان كانتا في مطلع دربيهما للكتابة المسرحية عندما حوّلتا اتجاهيهما إلى السينما واشتغتلا فيها من منتصف العشرية الثانية في القرن الماضي.
بعض السينمائيات الناشطات آنذاك جئن من التمثيل أيضاً كما حال أنيتا ستيوارت التي بدأت التمثيل سنة 1918 وهي في الثالثة والعشرين من العمر، ثم قررت التحوّل إلى الإنتاج وأكملت مشوارها كله على هذا الأساس.
هذا الحشد من النساء اللواتي انخرطن في العمل السينمائي في هوليوود الأولى (وهناك الكثير غيرهن من دون أن نتطرّق إلى تاريخ التمثيل النسائي بحد ذاته وهو شاسع) أدّى، في بعض أشكاله، إلى ما يشبه تمرّداً نسائياً على المنهج الذي تدير فيه هوليوود السينمائيات دون السينمائيين. في عام 1916 تم تكوين شركة باسم «أميركان وومان فيلم كومباني» وتم الإعلان عنها في مجلة، ما زالت بعض أعدادها المبكرة متوافرة على الشبكة الإلكترونية، اسمها Moving Picture World في شهر مايو (أيار) من ذلك العام. هذه الشركة أصدرت بياناً أول شجبت فيه «عبودية» يطبقها رجال السينما على النساء، وكيف أن هوليوود تعامل النساء معاملة لا تتساوى مع معاملتها للرجال في كل دروب العمل.
هذه الشركة أنتجت حفنة أفلام قبل اضمحلالها السريع؛ إذ لم تستطع النية وحدها تحقيق الطموح الكبير.

غياب

المشكلة الدائمة هي أن المهن السينمائية آلت إلى الرجل أولاً، مثلها مثل مهن الطيران ومهن صناعة السيارات ومهن التنقيب عن الذهب. السينمائيون الرجال (ذوو البشرة البيضاء تحديداً) كانوا الغالبية. بذلك، دخلت المرأة البيضاء تلقائياً إلى قفص الأقلية. الخلط الكبير للواقع هو أن البحث دار منذ ذلك الحين وحتى اليوم حول المرأة كأقلية مهضومة الحقوق، بينما هذا هو حال السود والهنود الأميركيين والآسيويين واللاتينيين رغم وجود تاريخ سينمائي حافل لكل فئة.
لكن ثمة جواباً ثانياً يدخل في نطاق تفسير هذا الغياب أو التغييب: ماذا لو اعتبرنا أن معظم الأفلام الجيدة، ضمن الصورة الكبيرة السائدة كما ذُكرت أعلاه، سينتج منها بكل تأكيد وعلى نحو تلقائي تماماً، سيادة العنصر الرجالي في كل أركان الصناعة.
هذا ليس لتجاهل دور المرأة أو التقليل من أمره. خصوصاً أن مراجعة أقسام المهنة الأساسية (الإخراج وكتابة السيناريو والتصوير والمونتاج)، يكشف عن أنها تمتعت بالقليل من الحضور في ترشيحات الفوز، ناهيك عن الفوز به.
نعم، هناك حقيقة أن كاثرين بيغلو فازت بأوسكار أفضل مخرجة عن The Hurt Locker الذي نال أيضاً أوسكار أفضل فيلم قبل عشر سنوات تحديداً إلا أن هناك مواهب نسائية كثيرة بقيت خارج الاعتبار.
يخطر على البال في وهلة سريعة المخرجة ماري هارون التي قدّمت فيلمين جيدين هما «أميركان سايكو» و«قتلت أندي وورهول» من دون أن يتم ترشيحها عن أي منهما. والمبدعة جولي تايمور التي حققت سنة 1999 فيلماً من أفضل ما اقتبسته السينما عن مسرحيات شكسبير وهو «تايتوس»، ثم أتبعته بعمل جيد آخر هو «فريدا» سنة 2002.
هذا الفيلم فاز بستة ترشيحات، لكن مخرجته لم تشهد أي ترشيح لها ولا الفيلم كان من بين تلك المتسابقة.

هناك دائماً المرة الأولى
> دي ريز، مخرجة «مدباوند» لم تدخل ترشيحات أفضل إخراج، لكنها أول أنثى أفرو - أميركية يتم ترشيحها لجائزة أفضل كاتبة سيناريو.‬
> أول مخرجة أنثى على نحو مطلق تم ترشيحها لأوسكار أفضل مخرجة كانت الإيطالية لينا فرتمولر عن فيلمها Seven Beauties سنة 1976.
> راتشل موريسون أول مديرة التصوير تنال ترشيحاً للأوسكار.
> الممثلة البريطانية إيما تومسون كانت أول امرأة يتم ترشيحها في خانتي التمثيل وكتابة السيناريو في عام واحد، وذلك عن فيلمها Sense and Sensibility سنة 1996، خسرت أفضل ممثلة، لكنها فازت بأوسكار أفضل سيناريو مقتبس.


مقالات ذات صلة

الوثائقي «ملفات بيبي» في مهرجان تورونتو يثير غضب نتنياهو

شؤون إقليمية الوثائقي «ملفات بيبي» في مهرجان تورونتو يثير غضب نتنياهو

الوثائقي «ملفات بيبي» في مهرجان تورونتو يثير غضب نتنياهو

يتناول الفيلم تأثير فساد نتنياهو على قراراته السياسية والاستراتيجية، بما في ذلك من تخريب عملية السلام، والمساس بحقوق الإنسان للشعب الفلسطيني.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
يوميات الشرق المخرج الإيراني أصغر فرهادي الحائز جائزتَي أوسكار عامَي 2012 و2017 (إدارة مهرجان عمّان السينمائي الدولي)

أصغر فرهادي... عن أسرار المهنة ومجد الأوسكار من تحت سماء عمّان

المخرج الإيراني الحائز جائزتَي أوسكار، أصغر فرهادي، يحلّ ضيفاً على مهرجان عمّان السينمائي، ويبوح بتفاصيل كثيرة عن رحلته السينمائية الحافلة.

كريستين حبيب (عمّان)
يوميات الشرق تمثال «الأوسكار» يظهر خارج مسرح في لوس أنجليس (أرشيفية - أ.ب)

«الأوسكار» تهدف لجمع تبرعات بقيمة 500 مليون دولار

أطلقت أكاديمية فنون السينما وعلومها الجمعة حملة واسعة لجمع تبرعات بقيمة 500 مليون دولار.

«الشرق الأوسط» (لوس انجليس)
يوميات الشرق الممثل الشهير ويل سميث وزوجته جادا (رويترز)

«صفعة الأوسكار» تلاحقهما... مؤسسة «ويل وجادا سميث» الخيرية تُغلق أبوابها

من المقرر إغلاق مؤسسة «ويل وجادا سميث» الخيرية بعدما شهدت انخفاضاً في التبرعات فيما يظهر أنه أحدث تداعيات «صفعة الأوسكار» الشهيرة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
يوميات الشرق أبطال المنصات (مارتن سكورسيزي وبرادلي كوبر) يغادران «أوسكار» 2024 بوفاضٍ خالٍ

هل تخلّت «الأوسكار» عن أفلام «نتفليكس» وأخواتها؟

مع أنها حظيت بـ32 ترشيحاً إلى «أوسكار» 2024 فإن أفلام منصات البث العالمية مثل «نتفليكس» و«أبل» عادت أدراجها من دون جوائز... فما هي الأسباب؟

كريستين حبيب (بيروت)

وثائقي ينقل بعيون إسرائيلية وفلسطينية واقع الاستيطان في الضفة الغربية

المخرجان الفلسطيني باسل عدرا (يسار) والإسرائيلي يوفال أبراهام في باريس (أ.ف.ب)
المخرجان الفلسطيني باسل عدرا (يسار) والإسرائيلي يوفال أبراهام في باريس (أ.ف.ب)
TT

وثائقي ينقل بعيون إسرائيلية وفلسطينية واقع الاستيطان في الضفة الغربية

المخرجان الفلسطيني باسل عدرا (يسار) والإسرائيلي يوفال أبراهام في باريس (أ.ف.ب)
المخرجان الفلسطيني باسل عدرا (يسار) والإسرائيلي يوفال أبراهام في باريس (أ.ف.ب)

بعد أن أحدث ضجة كبيرة في مهرجان برلين السينمائي أوائل العام، يُطرح في صالات السينما الفرنسية الأربعاء الوثائقي «لا أرض أخرى» No Other Land الذي صوّرت فيه مجموعة من الناشطين الإسرائيليين والفلسطينيين لخمس سنوات عملية الاستيطان في مسافر يطا في منطقة نائية بالضفة الغربية.

وقد فاز الفيلم بجائزة أفضل وثائقي في مهرجان برلين السينمائي، فيما اتُّهم مخرجاه في ألمانيا وإسرائيل بمعاداة السامية بعدما قالا عند تسلّم جائزتهما إن الوضع الذي يعكسه الوثائقي هو نظام «فصل عنصري».

أحد مخرجي العمل، باسل عدرا، ناشط فلسطيني ولد في مسافر يطا، وهي قرية تتعرض لهجمات متكررة من المستوطنين. أما الآخر، يوفال أبراهام، فهو إسرائيلي يساري كرّس حياته للعمل في الصحافة.

ويستعرض المخرجان الثلاثينيان في مقابلة مع وكالة الصحافة الفرنسية محطات إنجاز هذا الوثائقي، ويكرران المطالبة بإنهاء الاستيطان.

سيارات لفلسطينيين أحرقها مستوطنون في ضواحي رام الله (د.ب.أ)

يقول يوفال أبراهام عن الفصل العنصري: «من الواضح أنه ظلم! لديك شخصان (أبراهام وعدرا) من العمر نفسه، يعيشان في ظل نظامين تشريعيين مختلفين، تفرضهما دولة واحدة. لا أعتقد أن هذا يجب أن يوجد في أي مكان في العالم في عام 2024 (. .. ) لا يجوز أن يعيش الفلسطينيون في هذه الظروف، تحت سيطرة جيش أجنبي. يجب أن يتمتع كلا الشعبين بحقوق سياسية وفردية، في إطار تقاسم السلطة. الحلول موجودة ولكن ليس الإرادة السياسية. آمل أن نرى خلال حياتنا نهاية هذا الفصل العنصري (...) اليوم، من الصعب جدا تصور ذلك».

وعن اتهامه بمعاداة السامية قال: «هذا جنون! أنا حفيد ناجين من المحرقة، قُتل معظم أفراد عائلتي خلال الهولوكوست. أنا آخذ عبارة معاداة السامية على محمل الجد، وأعتقد أن الناس يجب أن يتساءلوا لماذا أفرغوها من معناها من خلال استخدامها لوصف أولئك الذين يدعون إلى وقف إطلاق النار، وإنهاء الفصل العنصري أو إلى المساواة (...). إنها ببساطة طريقة لإسكات انتقادات مشروعة للغاية. معاداة السامية أمر حقيقي يسجل تزايدا في جميع أنحاء العالم. لذا فإن استخدام هذه العبارة كيفما اتفق فقط لإسكات الانتقادات الموجهة إلى دولة إسرائيل، أمر خطر للغاية بالنسبة لليهود».

وعن اكتفاء الوثائقي بعرض وجهة نظر واحدة فقط ترتبط بالفلسطينيين المطرودين من أرضهم، أوضح أبراهام: «لكي يكون الفيلم حقيقيا، يجب ألا يخلط بين التماثل الزائف (بين وجهتي نظر المستوطنين والفلسطينيين) والحقيقة. ويجب أن يعكس عدم توازن القوى الموجود في المكان. ما كان مهما بالنسبة لنا هو إظهار الاضطهاد المباشر للفلسطينيين.

عندما تنظر إلى مسافر يطا، فإن الخلل في التوازن لا يُصدّق: هناك مستوطنون موجودون هناك بشكل غير قانوني بحسب القانون الدولي، ويحصلون على 400 لتر من المياه في المعدل، بينما يحصل الفلسطينيون المجاورون على 20 لترا. يمكنهم العيش على أراضٍ شاسعة بينما لا يحظى الفلسطينيون بهذه الفرصة. قد يتعرضون لإطلاق النار من الجنود عندما يحاولون توصيل الكهرباء. لذا فإن عرض هذا الوضع غير العادل، مع هذا الخلل في توازن القوى، من خلال وضعه في منظور جانبين متعارضين، سيكون ببساطة أمرا مضللا وغير مقبول سياسيا».

مشهد من فيلم «لا أرض أخرى» (أ.ب)

* باسل عدرا

من جهته، قال باسل عدرا عن تزايد هجمات المستوطنين بعد هجوم السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023: «الوضع سيئ وصعب للغاية، منذ عام لم نعد نعرف ما سيحدث (...) في منطقة جنوب الخليل. هجر البعض بسبب الهجمات، خصوصا في الليل، لكن قرى أخرى مثل قريتي بقيت تحت ضغط هائل، وقُتل ابن عمي برصاصة في البطن، كما رأينا في الفيلم. (المستوطنون) يريدون أن يخاف الناس ويغادروا (...) وهم المنتصرون في هذه الحرب في غزة، وهم الأسعد بما يحدث وبما تفعله الحكومة (الإسرائيلية)».