بعدما وصفها الإعلام الدّولي بـ«بؤرة التطرّف» في أوروبا، ها هي بلدية مولنبيك في العاصمة البلجيكية بروكسل، تقدّم عرضاً مسرحياً داخل المركز الثقافي التابع للبلدية، يشارك فيه مجموعة من الشباب العرب والبلجيكيين، وذلك لدحض الصورة التي ألصقت بها. ويتناول العرض الأفكار الدينية الخاطئة المنتشرة في مجتمع المهاجرين القادمين من شمال أفريقيا أو الجيل الثاني والثالث منهم، رافضاً تحميل المسلمين مسؤولية العنف والإرهاب، مؤكّداً ضرورة اليقظة ضد الانفعالات والمخاطر الناتجة عن ردود الفعل، وذلك في أعقاب تفجيرات بروكسل قبل ما يقرب من عامين.
تُعرف بروكسل بتنوع ساكنيها وتعدد الثقافات فيها، وقد عانت خلال العامين الأخيرين من ويلات التطرف والإرهاب، ولعل أبرزها الهجوم على أحد مطاراتها ومحطة للقطارات الداخلية، في مارس (آذار) 2016 أودى بحياة 32 شخصاً وإصابة 300 آخرين.
في حديث لـ«الشرق الأوسط»، قال بن حميدو محمد، (بلجيكي من أصل مغربي)، المشرف على العرض إنّه «يتناول فترة ما بعد تفجيرات بروكسل، وتوجيه الاتهامات إلى المسلمين، والظروف الصعبة التي عانى منها المغاربة». وأضاف: «يلعب الأدوار الرئيسية شبان من مولنبيك، والعرض أداة لطرح الأسئلة والحوار، ولكن على عكس الأديان لا نقدم الحقائق المطلقة لأنّ المسرح لا يعطي دواءً ضد الخوف أو الظلامية». فيما أفادت البلجيكية كارمن دومينكويز (19 سنة)، بأنّه «ليس من السهل توجيه رسائل الشباب، ولكنّنا عملنا كثيراً للبحث عن أفضل وسيلة، وأعتقد أنّه بعد هذا العرض، سيعيد الشباب تفكيرهم فيما يرونه بالإعلام».
وشهد العرض المسرحي حضوراً جماهيرياً ملحوظاً، سواء من البلجيكيين أو المهاجرين ومعظمهم من الشبان الذين تفاعلوا معه، وقد طرح بعض الأفكار عن كيفية تحقيق التكامل من أجل المساهمة في مجتمع أكثر إنصافا ولتفادي سوء الفهم ومواصلة العيش المشترك.
وفي تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، عقب مشاهدة العرض قالت سيدة بلجيكية في العقد الثالث من عمرها: «أبهرتني فكرة العرض، وأعتقد أنّه استغرق وقتاً لإعداده وإخراجه بهذا الشكل الممتع»، بينما قال شاب مغربي الأصل يبلغ من العمر 18سنة: «تعلمت أشياء كثيرة، وبالتأكيد ستتغير الصورة النمطية السلبية عن مولنبيك بفضل عرض قدمه شبان يعيشون فيها».
من جانبه، قال مروان عميمي المخرج المغربي الأصل المقيم في بروكسل: «تناول العرض مسألة تأويل الكلمات، فمثلا كلمة (الجهاد) لدى الشباب حسبما يفهمونها بلغتهم، ولا يعرفون المغزى الحقيقي لها، والأمر يختلف عما يقدمه الخبراء والمتخصصون في وسائل الإعلام والمنابر الأخرى».
يذكر أنّه في أعقاب هجمات بروكسل في مارس قبل سنتين، حرصت السلطات المحلية بالتعاون مع المراكز الثقافية على تقديم أعمال فنية تحمل رسالة تؤكد على قيم التعايش السلمي والعمل المشترك في مواجهة أخطار الإرهاب والتطرف. وإلى جانب الحفلات الموسيقية والغنائية في الشوارع، ومعرض الرسومات الكارتونية، نظّمت السلطات لأول مرّة ما أطلقت عليه خيمة المستمعين واعتبرتها فرصة للتعرف على هموم المواطنين والاستماع إلى قضاياهم مما يساهم في تحقيق اندماج أفضل وتراجع للعنصرية التي اشتكى منها البعض من المهاجرين الأجانب في مجالات مختلفة، واختارت السلطات لتنظيم هذا النشاط، يوم السوق الأسبوعي في البلدية الذي يقام كل يوم خميس، وبالتالي يمكن أن يزورها عدد كبير من السكان.
وعن توقيت تنظيم المعرض، قالت أناليسا جادليتا عضو مجلس محلي مولنبيك لـ«الشرق الأوسط»: «نظمنا هذا الحدث في اليوم نفسه الذي يقام فيه السوق الأسبوعي هنا، وأردنا أن نستغل هذه الفرصة لتنظيم النشاط الثقافي الاجتماعي في هذه الخيمة المخصصة لاستقبال المواطنين بمكان مفتوح، ونعمل على توفير فرصة لخلق حوار والاستماع إلى المواطنين ولا ننكر وجود عنصرية في سوق العمل والسكن، ولكنّنا نعمل بالتعاون مع منظمات المجتمع المدني على إيجاد حلول للمشاكل».
شباب مولنبيك في بروكسل يقدمون عرضاً مسرحياً لترسيخ التعايش السلمي
بعد وصفها بـ«بؤرة التطرف» في الإعلام الدولي
شباب مولنبيك في بروكسل يقدمون عرضاً مسرحياً لترسيخ التعايش السلمي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة