بوليوود لها نصيبها من البرلمان الهندي الجديد

نجومها عقدوا اللقاءات مع رئيس وزراء باكستان في حفل تنصيب نظيره بنيودلهي

TT

بوليوود لها نصيبها من البرلمان الهندي الجديد

يمثل نجوم بوليوود، أمثال هيما ماليني، كيرون كير، ومون مون سن، الوجوه الجديدة في مجلس النواب المنتخب بالبرلمان الهندي، أما مجلس الشيوخ الحالي فيضم جايا باشان، وريكا. وقد حظي أيضا نجوم الساسة التابعين لحزب بهاراتيا جاناتا، أمثال فينود خانا، وشاترجهان سينها، وباريش راوال، بقبول واسع لدى دوائرهم الانتخابية، وانضموا إلى البرلمان بنجاح كبير.
ولم يتوقف الأمر عند هؤلاء النجوم، حيث فاز مانوج تيواري البوجبوري، ومرشح حزب بهاراتيا جاناتا بدائرة شمال شرقي دلهي، بينما فاز المغني بابول سوبريو بمنطفة اسانسول في ولاية البنغال الغربية، كما أن النجم البغالي مون مون سن، الذي كان قد واجه منافسة على المقعد البرلماني من جانب حزب مؤتمر ترينامول، وخاض الانتخابات وجرى انتخابه، وحظي بقبول من جانب أعداد كبيرة.
كما شارك في حفل تتويج رئيس الوزراء الهندي كوكبة من الممثلين المدعوين للحفل، بمن فيهم نجوم بوليوود البارزون أمثال سلمان خان، وفيفيك أوبروي، وبونام دهلون، الذي ناصروا نارندرا مودي علنا، حتى قبل إعلان فوز حزب بهاراتيا جاناتا.
كما كان لنجوم بوليوود نصيب من زيارة رئيس الوزراء الباكستاني نواز شريف، الذي كان يعد ضيفا خاصا في حفل تنصيب رئيس الوزراء الهندي. فعلى هامش زيارته لمدينة دلهي، خصص بعض الوقت ليلتقي بكثير من مشاهير بوليوود، ففي أثناء فترة ما بعد الظهيرة، التقى بممثلة بوليوود المخضرمة شبانة عزمي، وتناول الشاي معها.
وأوضحت شبانة أنه خلال لقائها مع شريف، علمت أنه من المعجبين بوالدها كايفي عزمي، الذي له أشعار وأعمال أدبية بلغة الأوردو، وكذلك المغنيان محمد رافي ولاتا مانجيشكار، قائلة: «نواز ساب من أشد المعجبين ببوليوود، وسأل أسئلة كثيرة عن والدها كايفي عزمي، وعن لاتا مانجيشكار، وكذلك ديليب كومار، وأميتاب باتشان».
واقترحت شبانة إتاحة المجال للتعاون السينمائي بين الهند وباكستان، قائلة: «كنت أصر على وجود إنتاج مشترك بين الهند وباكستان. وكان يريد معرفة ما إذا كانت تلك المحاولات قد جرت في الماضي أم لا، فأخبرته أن هذا الأمر بحاجة لأن تجري مناقشته مع الجهات المعنية، فضحك وسألني: (أليس أنا من بين هذه الجهات المعنية؟)»، وأجابت شبانة، نعم، بالتأكيد. وأوضحت شبانة أن اللقاء كان مجديا للغاية.
تحظى الأفلام الهندية بشعبية كبيرة في باكستان، وحتى عندما تكون العلاقات بين البلدين في مرحلة سيئة، تجد سينما بوليوود سبيلها من خلال الطرق غير المشروعة في كل بيت في باكستان في الغالب. وتجدر الإشارة إلى أن الحكومة الباكستانية سمحت بعرض الأفلام الهندية أثناء فترة ولاية الرئيس السابق برويز مشرف في عام 2006 بعد الحرب الهندية الباكستانية التي اندلعت عام 1965.
وفي ديسمبر (كانون الأول)، أصدرت المحكمة الباكستانية العليا حكما يقضي بضرورة إدراج الأفلام الهندية والمسلسلات التلفزيونية تحت ما يسمى بـ«القائمة السلبية»، التي تتضمن العناصر التي يحظر تداولها بين البلدين المتجاورين، وذلك بموجب العلاقات التجارية الثنائية الراهنة بينهما.
ورغم هذا الحظر المفروض، ما زالت الأفلام الهندية تحظى بشعبية كبيرة في باكستان من خلال قرصنة الأفلام، ولا سيما منذ طفرة أفلام الفيديو الهندية التي شهدتها فترة الثمانينات. وبينما تحاول صناعة السينما في باكستان اللحاق ببوليوود، نجد أن هناك إقبالا كبيرا على الأفلام الهندية، بعد أن خفف الرئيس مشرف القيود المفروضة على استيراد الأفلام الهندية. وجدير بالذكر أن الموهوبين من الباكستانيين يقومون بالتمثيل في الأفلام الهندية لعدة سنوات.
كما أضافت شبانة أن شريف كان لطيفا ومهذبا للغاية، كما أنه دعاني أنا وزوجي جاويد أختار لزيارة باكستان، وكان يريد معرفة كيف بإمكانه دعوة لاتا، وأميتاب باتشان. وانتهز نواز شريف الفرصة ليلتقي مباشرة باثنين من نجوم بوليوود المفضلين لديه، وهما دارمندرا وزوجته هيما مالينا، ورغم أنه قام بمقابلتهما أثناء حفل تتويج مودي، فقد انتهز الفرصة لاستضافتهما في الفندق، واستغرقت مدة اللقاء أكثر من 30 دقيقة، حيث إن دارمندرا، مثله مثل شريف، ينتمي إلى إقليم بنجاب، ولديه أقارب وأصدقاء يتواجهون عبر الحدود في باكستان.
وبعد مقابلته لشريف، أخبر دارمندرا وسائل الإعلام أنه كان لقاء بين شعبين يتقاسمان كثيرا من الأمور المشتركة، ولكن المصير فرق بينهما. وجاء ممثل بوليوود شاترجهان سينها، أحد البرلمانيين المنتمين لحزب بهاراتيا جاناتا، أيضا لمقابلة شريف في الفندق في وقت متأخر من فترة ما بعد الظهيرة، وأسفر اللقاء بينهما عن تأخير موعد التصريح الإعلامي الذي كان من المقرر أن يلقيه شريف، الأمر الذي أزعج الصحافيين الذين كانوا في انتظاره. ويحظى سينها بشعبية كبيرة في باكستان، كما أن لديه كثيرا من الأصدقاء هناك، كما كانت تربطه أيضا علاقات وثيقة مع الجنرال ضياء الحق، الذي كان بمثابة الناصح والمرشد لـشريف.
وذكر سينها، الذي يبلغ من العمر 67 عاما، أنه وشريف صديقان قديمان، وأضاف قائلا: «تحدثنا عن ذكرياتنا القديمة». كما أن سينها تجمعه علاقة ودودة مع الرئيس الباكستاني السابق الجنرال ضياء الحق، وتعد زين زيا (ابنة الجنرال ضياء الحق) سينها بمثابة أخيها، ويحتفلون سنويا برابطة الأخوة (في مهرجان يجري تنظيمه سنويا)، وذلك بقيام الشقيقة بلف رباط يدعى راخي حول معصم شقيقها. وذكر سينها أنه يخطط لزيارة باكستان في شهر أغسطس (آب) من العام الحالي لمقابلة أخته «زين زيا».
وقد أكد ممثلو بوليوود أثناء لقائهم مع نواز شريف أنه يتعين على كلا البلدين ضمان عدم إنتاج أي أفلام تحريضية، ونشرها في الدول الأخرى لتسليط الضوء على العداء بينهما. وقال سينها: «قمنا بالتأكيد على حقيقة أنه يتعين حصول طاقم التمثيل في الفيلم من كلا البلدين على تأشيرة للدخول بحرية، وأن تكون مواقع التصوير السينمائي متاحة بسهولة في كلا البلدين».ْ



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)