ورشة في قلب القاهرة الفاطمية تواجه اندثار فن صناعة الشموع

عم «حامد الأبيض» يواصل عمله داخل ورشة تصنيع الشموع («الشرق الأوسط»)
عم «حامد الأبيض» يواصل عمله داخل ورشة تصنيع الشموع («الشرق الأوسط»)
TT

ورشة في قلب القاهرة الفاطمية تواجه اندثار فن صناعة الشموع

عم «حامد الأبيض» يواصل عمله داخل ورشة تصنيع الشموع («الشرق الأوسط»)
عم «حامد الأبيض» يواصل عمله داخل ورشة تصنيع الشموع («الشرق الأوسط»)

ارتبطت صناعة الشموع منذ آلاف السنين بالإنارة ليلا، وفي الأماكن المغلقة التي لا يدخلها ضوء الشمس، وبقيت من ضرورات الحياة حتى اخترع توماس أديسون المصباح الكهربائي عام 1879، فتراجعت معه صناعة الشموع ولكن ظلت الحاجة إليها مرتبطة بالأفراح وأعياد الميلاد و«السبوع»، بجانب تزيين المنازل والفنادق.
لم يكن الحديث عن صناعة الشموع والتطرق إليها ذا أهمية دون الذهاب إلى وكالة نفيسة البيضا، أو كما يسميها البعض الآن، وكالة الشمع بالغورية في قلب القاهرة الفاطمية، فهي بمثابة مدرسة لتعليم صناعة الشموع، والتي يرجع تاريخ إنشائها إلى عام 1796.
بداخل الوكالة التقينا بـ«عم حامد الأبيض» أحد أقدم مصنعي الشمع في المنطقة، وقد تحدث بمرارة عما آلت إليه أوضاع صناعة الشموع في السنوات العشر الأخيرة من كساد وعزوف البعض عنها، وتغيير نشاطهم بسبب تراجع الإقبال على الشمع واستخداماته في المنازل والمناسبات والأفراح، فلم يعد باقيا من مصنعي الشمع بالوكالة العريقة سوى ثلاث ورش فقط، يمتلك هو واحدة منهم.
يقول «حامد الأبيض»: أعمل في صناعة الشموع وأنا عمري 14 سنة، وكنت حينذاك أساعد نفسي وأسرتي، حتى حصلت على الثانوية العامة والتحقت بكلية التجارة جامعة عين شمس وتخرجت فيها، ورغم ذلك ما زلت متمسكا بالمهنة التي أحبها طوال تلك السنوات الطويلة الممتدة إلى 40 سنة، لافتا إلى أنه تعلمها من شيخ المهنة بوكالة الشمع المرحوم سعيد عيسى، ولا يزال يذكر له أنه علمه أصول المهنة ودهاليزها وصبر عليه حتى «شرب الصنعة».
قلة الإقبال على استعمال الشمع في المنازل والمناسبات والأفراح لم يكن هو السبب الوحيد في تراجع صناعة الشمع في مصر، فعدم انقطاع التيار الكهربي لعب دورا هو الآخر في عزوف الناس على الشمع، كما اشتكى عم حامد الأبيض أيضا من إغراق السوق بالشموع الصينية، وغلاء شمع البرافين المستخدم في الصناعة، وهو من مشتقات البترول، حيث يصل سعر الكرتونة وزن 30 كجم قرابة 700 جنيه بعد أن كان ثمنها 73 جنيهاً فقط في ثمانينات القرن الماضي. عم حامد الأبيض روى مراحل تصنيع الشمعة، وقال: «في البداية نقوم باختيار الخيوط المستخدمة وتكون في الغالب قطنية، ثم نحدد طولها، ليكون 20 سم، لشمع السبوع المولود و10 سم لشمع الأطفال و15 سم لشمع المنازل بالإضافة إلى شمع الفرح ذي الأطوال 75 و80 و100 سم، وبعد ذلك يجري صهر ألواح شمع البرافين المستخدمة في برميل كبير من الصاج على درجة حرارة عالية، فتتحول في دقائق معدودة إلى شمع سائل، يتم نقله إلى «إسطمبات» من الصاج المقوى، ذات أحجام مختلفة، تناسب أطوال الخيوط المعدة ونفس الشيء بالنسبة لشموع الزينة، التي يجري صبها داخل (إسطمبات) مختلفة».
يضيف حامد الأبيض: «بعد تحديد أطوال الخيوط حسب أطوال الشموع المطلوبة، يجرى غمسها في سائل البرافين لثوان معدودة، بحيث تصبح مصقولة بالسائل وتكون جافة، وبعد ذلك يتم تثبيت تلك الخيوط في وتد خشبي، يحمل قرابة 40 شمعة صغيرة.
عقب ذلك وكما يقول حامد الأبيض يجرى غمس الوتد بما يحمله من خيوط مجددا لمدة نصف دقيقة في سائل شمع البرافين الموجود داخل (الإسطمبات) الصاج على درجة حرارة أقل، ثم رفع الوتد وتعليقه على «شماعة كبيرة تسع قرابة 20 وتدا خشبيا» حتى يبرد فيزداد سمك الخيوط بشمع البرافين وتتكرر مرات الغمس والتبريد حتى نحصل على حجم الشموع المطلوبة وتصنيع قرابة ألفي شمعة يوميا من ذات الأحجام الصغيرة وشموع السبوع.
وفيما يتعلق بالشموع ذات الألوان الحمراء والخضراء والزرقاء والصفراء، يقول حامد الأبيض، هي في الأساس شموع بيضاء عادية وجرى دهانها أو غمسها في ألوان من الزيوت القابلة للاشتعال، لافتا إلى أن العراق وتركيا والصين ورومانيا، لهم باع كبير في تصنيع الشموع بجودة عالية نظرا للمواد الخام الجيدة المستخدمة في تصنيعه، ولكن رغم ذلك لا يزال الشمع المصري يعيش فترة أطول.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».