{خلوة مستقبل الإعلام} تخرج بـ40 مبادرة تطوير للقطاع في الإمارات

محمد بن راشد: إعلامنا قادر على تجاوز التحديات الكثيرة

محمد بن راشد خلال حضوره جانباً من فعاليات «خلوة مستقبل الإعلام» في أبوظبي
محمد بن راشد خلال حضوره جانباً من فعاليات «خلوة مستقبل الإعلام» في أبوظبي
TT

{خلوة مستقبل الإعلام} تخرج بـ40 مبادرة تطوير للقطاع في الإمارات

محمد بن راشد خلال حضوره جانباً من فعاليات «خلوة مستقبل الإعلام» في أبوظبي
محمد بن راشد خلال حضوره جانباً من فعاليات «خلوة مستقبل الإعلام» في أبوظبي

قال الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس دولة الإمارات رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، إنّ الإعلام الإماراتي الفاعل والمؤثر هو القادر على مواكبة المتغيرات المتسارعة وتحقيق تطلعات البلاد المستقبلية وتعزيز مكانتها العالمية، مشيراً إلى أنّ ثقته عالية بالقدرات الوطنية على الارتقاء بأدوات الإعلام وتعزيز استراتيجيته وتفعيل دوره في حماية مكتسبات البلاد. وأضاف أنّ «المسؤولية الملقاة على عاتق القطاع الإعلامي الإماراتي كبيرة والتحديات كثيرة، ولكنّ ثقتنا بقدرات أبناء الإمارات أكبر، نريد في عام زايد من إعلامنا الإماراتي تجاوز كل تحدياته والعمل كفريق واحد، لإعادة ابتكار أدواته واستراتيجياته كافة لتحقيق الإنجاز الأكبر في تعزيز مكانة الإمارات الريادية وإيصال رسالتها الإنسانية إلى أنحاء العالم كافة».
وجاء حديث الشيخ محمد بن راشد خلال حضوره جانبا من فعاليات «خلوة مستقبل الإعلام» التي نظمها المجلس الوطني للإعلام بحضور ممثلي قطاع الإعلام والجهات المعنية في البلاد، وذلك لمناقشة الفرص والتحديات التي تواجه قطاع الإعلام بهدف الخروج بخطة عمل تطويرية تقارب بين الواقع الحالي وطموحات المستقبل.
وناقشت «خلوة مستقبل الإعلام» التي عقدت بالتزامن مع فعاليات «شهر الإمارات للابتكار» وبمشاركة أكثر من 100 خبير ومتخصص يمثلون مختلف مكونات القطاع الإعلامي أهم الفرص والتحديات التي تواجه القطاع للخروج بخطة عمل تطويرية بما يعكس الإنجازات الحضارية للبلاد ويعزز مكانتها الريادية إضافة إلى تمكين الشباب والاستفادة من طاقاتهم وتطويرها بما يخدم مستقبل الإعلام.
وركزت الخلوة على أربعة محاور رئيسية هي «دور الإعلام في تعزيز مكانة دولة الإمارات عالميا»، و«تقييم المنظومة الإعلامية الحالية وطموحات المستقبل»، و«التكنولوجيا في خدمة الإعلام التقليدي والجديد»، و«دور الكوادر المواطنة في صناعة مستقبل الإعلام الإماراتي».
وناقش المشاركون فيها - وفي إطار هذه المحاور - عدة موضوعات ذات صلة، تناولت مختلف مكونات القطاع الإعلامي في البلاد من وسائل الإعلام المطبوعة والإعلام الرقمي ومحطات الإذاعة والتلفزيون الرسمية ومنصّات التواصل الاجتماعي والاتصال الحكومي والجامعات وكليات الإعلام ودور جيل الشباب في المساهمة في صناعة مستقبل الإعلام.
وقال الدكتور سلطان الجابر «إن التطورات المتسارعة التي يشهدها قطاع الإعلام العالمي وتطلعات الإمارات في بناء إعلام وطني قادر على تحقيق أهدافها الاستراتيجية ويلبي متطلبات خطتها المئوية تحتم علينا جميعا اليوم التشارك لمناقشة التحديات والفرص الماثلة أمام قطاع الإعلام في الدولة، من أجل رسم ملامح مستقبله بما يتماشى مع رؤية القيادة». مؤكّداً أنّ «الخلوة تؤسس لشراكة إعلامية فريدة تستشرف المستقبل وتضع الأسس والقواعد القادرة على تمكيننا من مواكبة المتغيرات المتسارعة التي يشهدها القطاع الإعلامي العالمي».
وشملت مخرجات الخلوة اقتراح أكثر من 40 مبادرة تغطي جميع مكونات القطاع الإعلامي في البلاد، وسيتم العمل على تنفيذها وتحويلها إلى واقع عملي عبر مبادرة «صناع مستقبل الإعلام» التي أعلن عنها المجلس الوطني للإعلام في ختام فعاليات الخلوة.
ومن ضمن المبادرات التي تم اقتراحها، إنشاء أكاديمية متخصصة بتدريب الكوادر الوطنية وبرنامج إعداد قادة الصف الثاني والثالث في قطاع الإعلام وكذلك مبادرة سفراء الجاليات التي تهدف الوصول إلى مختلف مكونات المجتمع في دولة الإمارات.
وفي إطار تطوير القدرات في القطاع الإعلامي، جرى اقتراح مبادرة «تجسير» لإرساء ثقافة التدريب على المهارات الإعلامية ضمن منظومة العمل في المؤسسات والدوائر. كما ناقش الحاضرون الأخبار الكاذبة والمضللة وتم اقتراح آلية للتعامل معها بشكل استباقي.
وفي ختام فعاليات الخلوة أعلن المجلس الوطني للإعلام عن مبادرة «صناع مستقبل الإعلام»، كأحد أهم مخرجات الخلوة لتشكل خطة عمل لتحويل مختلف الأفكار والاقتراحات والمبادرات التي خلصت إليها الخلوة إلى واقع عملي تشارك جميع مكونات القطاع الإعلامي في تحقيقه.



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)