داعش يهدد أميركا من جديد

استراتيجية ترمب تنجح خارجياً في المواجهة وتخفق داخلياً

مقاتلون أكراد في شوارع الرقة أثناء عمليات تحريرها قبل هروب «الدواعش» من أراضيها (رويترز)
مقاتلون أكراد في شوارع الرقة أثناء عمليات تحريرها قبل هروب «الدواعش» من أراضيها (رويترز)
TT

داعش يهدد أميركا من جديد

مقاتلون أكراد في شوارع الرقة أثناء عمليات تحريرها قبل هروب «الدواعش» من أراضيها (رويترز)
مقاتلون أكراد في شوارع الرقة أثناء عمليات تحريرها قبل هروب «الدواعش» من أراضيها (رويترز)

هل لا تزال المعركة مع «داعش» طويلة وممتدة بخلاف ما هو ظاهر للعيان من أنها انتهت وحسمت عسكرياً على الأرض بعد انكساراتها في العراق وسورياً؟ ربما بات هذا السؤال يشغل أذهان الأميركيين بنوع خاص أكثر من غيرهم؛ ولهذا أظهر استطلاع للرأي أجرته جامعة «ميريلاند» الأميركية، بالتعاون مع معهد «بروكنجز» للأبحاث، أن 70 في المائة من الأميركيين يرون أن تنظيم داعش يمثل أكبر تحدٍ يواجه الولايات المتحدة في الشرق الأوسط.
غير أن السؤال محور هذا الحديث: هل لا يزال «داعش» يهدد الولايات المتحدة الأميركية في الداخل، وعليه يمكن القطع بأن استراتيجية ترمب قد أفلحت بدرجة ما في مواجهة الدواعش خارج الحدود الأميركية وأخفقت في الداخل؟
تقتضي الموضوعية الإشارة إلى أن ترمب، ومن قبل أن يدخل البيت الأبيض، كانت نواياه واضحة لجهة محاربة «داعش» والقضاء على فلوله، ولاحقاً حينما أضحى صانع القرار بوصفه رئيس البلاد اعتمد سياسة زيادة الانخراط العسكري في سوريا من خلال تقديم التدريب والمشورة، والدعم الجوي، حتى وإن لم يلتزم بالانخراط المباشر في المعارك وتجفيف منابع تمويل الإرهاب، وتعطيل عمليات تجنيد المقاتلين الجدد في صفوف التنظيم. عطفاً على ذلك؛ فقد اتبع ترمب سياسة اللامركزية على الأرض، وذلك حينما أعطى العسكريين صلاحيات أكبر لاتخاذ قرارات ميدانية في تسريع العمليات. تمثلت نجاحات ترمب في تحرير 40 ألف كيلومتر مربع من المواقع التي احتلها التنظيم، وكذا إفلات 5.3 مليون شخص من قبضة «داعش» خلال أحد عشر شهراً.
وعلى الجانب العراقي، كان لدول التحالف بقيادة الولايات المتحدة الأميركية الدور البالغ في تحرير الموصل، فقد ضغطت إدارة ترمب بشكل فاعل على الدول الداعمة للإرهاب من أجل تجفيف المنابع؛ ما عزز فرص هزيمة «داعش»، ولاحقاً تم تحرير مدن أخرى عراقية مثل تلعفر والحويجة والقائم وراوه. في هذا الإطار، ينبغي الإشارة إلى أن التواجد الأميركي المسلح في سوريا لن ينتهي قريباً، وهذا ما أشار إليه وزير الخارجية ريكس تيلرسون، والهدف عدم إتاحة الفرصة لإيران وقوات النظام السوري لاحتلال المناطق التي تم تحريرها.

تهديدات «داعش» لأميركا
لم ينقطع سيل التهديدات الداعشية للولايات المتحدة، فضلاً عن العمليات المختلفة التي جرت من مؤدلجين تابعين له في ولايات مختلفة، منها نيويورك وكاليفورنيا، وهو أمر توقعه رجالات الاستخبارات الأميركية منذ وقت مبكر، وفي مقدمهم جيمس كلابر، الذي شغل منصب مدير الاستخبارات الوطنية الأميركية في عهد باراك أوباما، فقد أشار في مقابلة له مع قناة «سي إن إن» الإخبارية الأميركية، إلى أن تنظيم داعش الإرهابي قادر على شن هجمات في الولايات المتحدة مماثلة لتلك التي وقعت في باريس وبروكسل، وهو ما جرت به الأقدار بالفعل. على أن قرار الرئيس الأميركي الأخير والمثير بشأن اعتبار القدس عاصمة لدولة إسرائيل، عطفاً على نقل السفارة الأميركية إلى القدس، قد دفع «داعش» لتجديد تهديداته الإرهابية للولايات المتحدة بشأن هجمات جديدة على أراضيها، وذلك عبر قناة تابعة له في تطبيق «تلغرام»؛ فقد عرض صوراً لميدان تايمز سكوير الشهير في قلب مدينة نيويورك، ومن تحته عنوان «انتظرونا» و«داعش في مانهاتن»، وفي صور أخرى يهدد «داعش» بتنفيذ هجمات إرهابية في واشنطن وولاية كاليفورنيا، تحت عناوين «بيتكم الأسود سننسفه: (وعد الله، ولا يخلف الله وعده)» وكان ذلك في منتصف شهر ديسمبر (كانون الأول) الماضي، وبعد نحو شهر تقريباً أو أزيد بضعة أيام بدا وكأن المشهد في الولايات المتحدة يتخذ تطوراً آخر ما بين الحرب الدعائية، وبين المخاوف الفعلية... ما الذي جرى؟

«داعش» للأميركيين: نحن هنا بينكم
هل يشنّ «داعش» في الأيام الأخيرة حرباً دعائية ضد الولايات المتحدة الأميركية، أم أنه يخطط بالفعل لشن هجمات إرهابية كفيلة بأن توقع كثيراً من الضحايا، الأمر الذي يقض مضاجع الأميركيين فعلاً وقولاً؟
قبل نحو أسبوع ظهرت عبر وسائل الإعلام صور روّجها تنظيم داعش لبعض من أتباعه مرتدين أوشحة، وفي بقعة جغرافية تتطابق بالمطلق مع الفضاءات الفسيحة لمدينة نيويورك ومن تحتها رسالة «نحن في وطنكم»، في حين المعلق على الصورة التي بثت على الحواضن الإعلامية لـ«داعش» يقول: «لقد حان الوقت لحصد الرؤوس».
والشاهد أنه حال تحليل المشاهد والصور المتقدمة يمكن القول إن الخطر الحقيقي الآن بات من الخلايا الهامشية على جانبي «داعش»، وليس من كوادر التنظيم نفسه، وهذا أمر شديد الفاعلية السلبية، وأضراره أكثر فداحة من هجمات «داعش» المباشرة... كيف هذا؟
حين خسر «داعش» مدينة «الرقة» فقد خسر معها بوصفها عاصمة دولة الخلافة المزعومة، الأدوات الإعلامية الاحترافية كافة، كالاستوديوهات وقسّم وسائط الإعلام، ومراكز الإنتاج التي كانت تخرج على العالم بمجلة «دابق» وبأشرطة فيديو محترفة تمجد فضائل الحياة تحت الحكم الإسلامي المسلح، كان ذلك واضحاً جداً.
غير أن صور نيويورك الأخيرة تأخذنا في طريق أخرى، بمعنى أن الذين قاموا عليها يبدو أنهم من الهواة، لا من المحترفين، وهؤلاء عادة ما يكونون من المدونين والمتطوعين، وليسوا من التابعين النظاميين لـ«داعش»؛ ما يجعل السؤال المزعج يتردد من جديد... هل نجح «داعش» عبر التواصل الإلكتروني، وهل ينجح وسينجح كل يوم في اكتساب عناصر جديدة تمضي في طريق الموت والأشواك التي يزرعها صباح مساء كل يوم؟
هنا تتبدى الملامح الكارثية للتنظيم والتداعيات المقلقة للأميركيين ولغيرهم بعد أن قدر لـ«داعش» استخدام أبواق ومنصات إعلامية مستقلة، قادرة على توزيع النداءات محددة الأهداف، بعشرات اللغات المحلية.
القضية الكبرى والقاتلة هنا هي أن العناصر العنقودية للجماعات الإرهابية كافة يمكن متابعتها ومراقبتها على مدار ساعات النهار والليل، غير أن النداءات عبر الأثير تأتي اليوم للدواعش بأفراد جدد لديهم استعداد فطري للتطرف، عبر الاختراق الذهني المغلوط، وهؤلاء لا يعرف أحدهم مكانهم أو زمانهم، أي زمان تخطيطهم لارتكاب أعمالهم الإرهابية؛ ولهذا فإن شرورهم هي الأكثر استفحالاً من عناصر «داعش» المعروفين.

الجنرال تاونسند والخلافة الأميركية
في تصريح حديث له قال الجنرال ستيفن تاونسند، القائد السابق للتحالف ضد «داعش»: إن تدمير «خلافة (داعش)» لا يعني تدمير التنظيم، متوقعاً تواجد ما يسمى «الخلافة الإلكترونية»، مضيفاً إن: «أتباعه سيحاولون إيجاد فروع لهم في أماكن أخرى حول العالم».
على أن الحديث عن «الخلافة الإلكترونية» هو حديث مزدوج؛ فهو من جهة يسعى إلى تجنب المزيد من العناصر الإرهابية؛ وذلك بالانتقاء من تجمعات بشرية غير معروفة لعناصر الأمن والاستخبارات الأميركية أو الأوروبية على حد سواء.
في هذا السياق، تضحى مسألة المواجهة الأمنية أو العسكرية غير ذات جدوى، وتحتاج المقاومة إلى حرب إلكترونية لمتابعة فريق شديد المهارة من رجالات «داعش» المهرة في التقاط عناصر لديها أبجديات الأصولية المتطرفة، وهؤلاء معرفتهم يسيرة عبر كتاباتهم أو تعليقاتهم على «فيسبوك»، و«تويتر»، وصورهم وما يدونون عبر «إنستغرام»، وبقية أدوات التواصل غير الخلاقة.
أما الطريق الثانية والأكثر خطورة في سياق الحديث عن «الخلافة الإلكترونية»، فيتمثل في المحاولات المستمرة والمستقرة من خبراء التنظيم الإلكترونيين لاختراق شبكات البريد الإلكتروني للمسؤولين الأميركيين، وللعناصر الأمنية والاستخباراتية بنوع خاص.
وهنا نذكّر بأن الدواعش قد اخترقوا بالفعل من قبل صفحات جنود ودبلوماسيين أميركيين، ونشروا أسماءهم وأرقام هواتفهم، وفي بعض الحالات عناوين منازلهم وأرقام بطاقات ائتمانهم، ويومها كتب الدواعش عبر صفحاتهم على شبكة الإنترنت «اعلموا أننا ندخل إلى بريدكم الإلكتروني وأنظمة حواسيبكم، نستخرج البيانات السرية ونرسل معلوماتكم الشخصية لجنود الخلافة، الذين سرعان ما - بإذن الله - سيضربون أعناقكم على أراضيكم». المنطوق السابق يدفعنا دفعاً إلى التساؤل: هل من معين بشري بعينه قريب من الحدود الجغرافية للولايات المتحدة الأميركية، يمكن أن يشكّل خطورة بعينها على الداخل الأميركي، بجانب التجنيد عبر الفضاء الإلكتروني؟

الخطر القادم من الكاريبي
قليلون جداً هم الذين قدّر لهم معرفة طرف من خيط عن نقطة في بحر الكاريبي يطلق عليها «جمهورية ترينيداد وتوباغو»، والواقعة في بحر الكاريبي بالقرب من فنزويلا في أميركا الجنوبية، ويبلغ تعداد سكانها نحو 1.3 مليون شخص. من هذا المكان التحق نحو 125 شخصاً بـ«داعش» خلال الأعوام الماضية؛ الأمر الذي جعلها حاضنة متوقعة للمزيد من الإرهابيين القريبين من حيث المسافة من قلب أميركا، ولا سيما أن الرحلة من هناك إلى الولايات المتحدة لا تزيد على ثلاث ساعات.
في حين الخطورة الأكبر هي أن العناصر الموالية لـ«داعش» في تلك المنطقة بعيدة كل البعد عن أعين المراقبة الأمنية، حتى بعد أن أدرجت السلطات الأميركية «الجمهورية المغمورة» في قائمة بؤر التطرف المحتملة.
ولعل ما زاد من خطورة تلك العناصر هو الأدوات الجديدة التي يعمد التنظيم إلى تفعيلها في الداخل الأميركي، ولا تحتاج إلا إلى مواطنين محليين أو زائرين مؤقتين، متواجدين على الأراضي الأميركية.
في تقرير لوكالة أنباء «يورو نيوز» نقرأ عن أحدث سلاح للدواعش في الداخل الأميركي، سلاح ربما يتسق مع تبرير «إرهاب الابتكار»؛ فقد دعا التنظيم الإرهابي إلى تسميم الطعام في المحال التجارية في الولايات المتحدة بمادة «السيانيد»، وقد نقلت هذه الرسالة مجموعة «إنتل سايت»، مشيرة إلى أحدث التخطيطات الإجرامية التي يحيكها «داعش» بدقة، والمعروف أن السيانيد من أسرع السموم قتلاً وأشدها فتكاً، وحال الربط بين فك شفرة «الذئاب المنفردة» من جهة، وطرح تسميم الأغذية والمأكولات، وضخ سم السيانيد في الأغذية الموجودة في الأسواق تضحى أميركا وغيرها من مدن العالم الكبرى، إزاء كارثة غير مسبوقة.
هل لهذا السبب تؤكد المباحث الاتحادية الأميركية (إف بي آي) على أن «داعش» لا يزال التهديد الأكبر للولايات المتحدة؟ المؤكد أن ذلك كذلك، والعهدة هنا على كريستوفر راي مدير مكتب «إف بي أي» الذي أعلن في أواخر سبتمبر (أيلول) الماضي، أن تنظيم داعش إلى جانب متطرفين محليين، باتوا يمثلون أكبر تهديد إرهابي على أميركا، وقد جاء ذلك خلال جلسة استماع نظمتها اللجنة المعنية بالأمن القومي لدى مجلس الشيوخ الأميركي، حيث أشار إلى أن مكتب التحقيقات يواصل الكشف عن أميركيين محليين يسعون للسفر للانضمام إلى «داعش» والقتال تحت رايته، عطفاً على تخطيطهم لارتكاب أعمال عنف داخل البلاد.
«إنتل سايت» وصحوة «داعش»: في الأسبوع الثاني من شهر يناير (كانون الثاني) الحالي، وعبر تغريدة له، كتب السير جنت ميجور «جون تروكسل» الذي يمثل ضباط الصف في هيئة الأركان الأميركية يقول: «إن على مقاتلي (داعش) أن يدركوا أن لديهم خيارين عندما يجدون أنفسهم في مواجهتنا: إما الموت أو الاستسلام». وتابع: «لكن إذا اختاروا ألا يستسلموا، فسنقتلهم بعنف كبير، إما بمساعدة قوات الأمن، أو بإلقاء القنابل عليهم، أو إطلاق النار على جماجمهم، أو ضربهم حتى الموت بأدوات حفر الخنادق»..
على أن تطورات المشهد الداعشي لا تتقيد بأنهم قد تأثروا على نحو أو آخر بتصريحات الضابط الأميركي الكبير والدليل حالة الصحوة التي تنتاب وكالة «أعماق» صوت «داعش»، للمرة الأولى منذ سقوط الرقة، منتصف سبتمبر الماضي؛ فقد أصدرت من جديد بياناتها باللغة الإنجليزية، وبحسب مجموعة المخابرات «سايت»، التي تراقب المحتوى الأصولي حول العالم، فإن الأسابيع الأولى من 2018 قد شهدت صعوداً حاداً في حسابات التواصل الاجتماعي المؤيدة لـ«داعش» مقارنة بالأشهر السابقة.
وفى تصريح لها تقول ريتا كاتنز، المديرة التنفيذية لـ«سايت»: «تظهر الدولة الإسلامية الآن العلامات الأولى لإعادة تجميع وسائل الإعلام»، وتضيف «عانى التنظيم من انتكاسات كبرى، بسبب هجمات التحالف والنظام، لكنه يتخذ الآن خطوات كبيرة لإعادة تجميع عملياته الدعائية التي تعتبر أحد أسلحته الخطيرة».
هل تهديدات نيويورك الأخيرة واقع إرهابي محتمل، أم جزء من تلك الخطة الدعائية لإرباك الأميركيين وإدخال الرعب إلى قلوبهم؟
وتبدو الاحتمالات كافة مفتوحة، في حين المؤكد والمقطوع به تحول «داعش» من تنظيم لوجيستي إرهابي، إلى نظرية تكفيرية مؤدلجة، تنشر عبر الفضاءات المسمومة ذهنية حول العالم، وطالما سادت تلك الآيديولوجية التكفيرية، فإن الدواعش سيظهرون بأسماء وأشكال مختلفة، وقد تمتد المواجهة والمجابهة لعقدين أو ثلاثة عقود تالية، ومنا هنا ربما يتوجب على البروباغندا الأميركية بقيادة الرئيس ترمب أن تقلل من لهجة انتظارها؛ فالحرب مستمرة والصراع قائم مع «داعش» ومن لف لفها.


مقالات ذات صلة

العراق: إحباط مخطط لـ«داعش» ضد شخصيات أمنية ومواقع حكومية في كركوك

العالم العربي جندي عراقي يقود دبابة (أرشيفية - رويترز)

العراق: إحباط مخطط لـ«داعش» ضد شخصيات أمنية ومواقع حكومية في كركوك

أفادت «وكالة الأنباء العراقية»، اليوم (السبت)، بأن جهاز الأمن الوطني أعلن إحباط مخطط «إرهابي خطير» في محافظة كركوك كان يستهدف شخصيات أمنية ومواقع حكومية.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي نازحون في مخيم حسن شام على بعد نحو 40 كيلومتراً غرب أربيل (أ.ف.ب)

في شمال العراق... تحديات كثيرة تواجه النازحين العائدين إلى ديارهم

تعلن السلطات العراقية بانتظام عن عمليات مغادرة جماعية لمئات النازحين من المخيمات بعدما خصصت مبالغ مالية لكلّ عائلة عائدة إلى قريتها.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
العالم العربي تنظيم «داعش» يتبنّى عملية استهداف حاجز لـ«قسد» في ريف دير الزور الشرقي (مواقع تواصل)

حملات التمشيط العسكري لم تمنع انتعاش «داعش» في سوريا

على رغم أن القوات الحكومية السورية تشن حملات تمشيط متكررة في البادية السورية لملاحقة خلايا تنظيم «داعش» فإن ذلك لم يمنع انتعاش التنظيم.

المشرق العربي قوة مشتركة من الجيش العراقي و«الحشد الشعبي» بحثاً عن عناصر من تنظيم «داعش» في محافظة نينوى (أ.ف.ب)

«داعش» يعلن مسؤوليته عن هجوم أدى لمقتل 3 جنود في العراق

قالت مصادر أمنية وطبية في العراق إن قنبلة زرعت على جانب طريق استهدفت مركبة للجيش العراقي أسفرت عن مقتل 3 جنود في شمال العراق.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي «قوات سوريا الديمقراطية» خلال عرض عسكري في ريف دير الزور (الشرق الأوسط)

أكراد سوريا يتحسبون لتمدد الحرب نحو «إدارتهم الذاتية»

ألقت نتائج الانتخابات الأميركية بظلالها على أكراد سوريا ومصير «إدارتهم الذاتية» بعدما جدد الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، التهديد بشن عملية عسكرية.

كمال شيخو (القامشلي)

2020... موجة إرهابية جديدة تجتاح العالم

رجال الشرطة البريطانية بجانب سيارة مخصصة لكشف المتفجرات في برادفورد بعد اعتقال رجل للاشتباه بحيازته قنابل أول من أمس (إ.ب.أ)
رجال الشرطة البريطانية بجانب سيارة مخصصة لكشف المتفجرات في برادفورد بعد اعتقال رجل للاشتباه بحيازته قنابل أول من أمس (إ.ب.أ)
TT

2020... موجة إرهابية جديدة تجتاح العالم

رجال الشرطة البريطانية بجانب سيارة مخصصة لكشف المتفجرات في برادفورد بعد اعتقال رجل للاشتباه بحيازته قنابل أول من أمس (إ.ب.أ)
رجال الشرطة البريطانية بجانب سيارة مخصصة لكشف المتفجرات في برادفورد بعد اعتقال رجل للاشتباه بحيازته قنابل أول من أمس (إ.ب.أ)

مبكراً جداً بدأت العمليات الإرهابية في العام الجديد 2020، وربما استغلت الخلايا الإرهابية القائمة والنائمة حالة الارتباك الحادثة في الشرق الأوسط والخليج العربي وشمال أفريقيا، لا سيما أزمة المواجهة الإيرانية - الأميركية الأخيرة، وما يحدث على سطح البحر الأبيض المتوسط من أزمات، مثل المحاولات التركية لإرسال قوات عسكرية إلى ليبيا... نقول استغلت تلك الجماعات المشهد، وها هي آخذة في النمو السيئ السمعة مرة جديدة، وإن كانت كالعادة الأيادي التركية والقطرية وراءها وتدعمها لأهداف لا تخلو عن أعين الناظر المحقق المدقق في المشهد الآني: ماذا عن تلك العمليات؟ وما دلالاتها في الحال والاستقبال وتجاذباتها وتقاطعاتها مع الدعم التركي والقطري الذي لا يتوقف؟

المتابع لشأن الإرهاب حول العالم يمكنه -بسهولة ويسر- رصد الاعتداء الإرهابي الذي حدث على قاعدة عسكرية في مالي، وكذا تعرض مسجد في باكستان لعمل هجومي من جماعات متطرفة، وصولاً إلى مهاجمة معسكر للجيش في نيجيريا.
إرهاب 2020 إذن به مسحات جديدة من التعرض لدور العبادة الإسلامية، الأمر الذي أودى بحياة 12 شخصاً، وهو أمر وصفته الحواضن الإسلامية الشرعية في المنطقة بأنه عمل إجرامي آثم يخالف دين الإسلام، بل يخالف كل الأديان التي دعت إلى حماية دور العبادة وحرمتها والدفاع عنها، وهو ما يؤكد أيضاً أن الإرهاب لا يرعى حرمة دين أو وطن، كما أنه يهدف إلى زعزعة استقرار البلاد، والإضرار بالعباد في كل مكان وزمان.
ولعل التفجير الإرهابي الثاني في هذا الحديث هو ما يقودنا إلى قصة الساعة، وما يجري لتحويل أفريقيا إلى موقع وموضع لحاضنة إرهابية، حكماً ستكون الأكبر والأخطر من تجربة دولة الخلافة المزعومة في العراق وسوريا، المعروفة بـ«داعش».
وجرى ذلك العمل الإرهابي على أراضي جمهورية مالي التي باتت يوماً تلو الآخر تتحول إلى بؤرة إرهابية كبرى، لا سيما جراء تنوع وتعدد الجماعات الإرهابية القائمة على أرضها. فقد تم استهداف قاعدة عسكرية نهار الخميس التاسع من يناير (كانون الثاني) الحالي، وأسفر عن إصابة 20 شخصاً، بينهم 18 من قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة. وقد وقع التفجير في منطقة تساليت بإقليم كيدال، شمال جمهورية مالي.
هل كانت تلك العملية الأولى من نوعها في مالي؟
بالقطع الأمر ليس كذلك، ففي أوائل نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، أعلن تنظيم داعش في منطقة الصحراء الكبرى مسؤوليته عن الهجمات الإرهابية التي وقعت هناك، وأودت بحياة 53 جندياً مالياً ومدنياً واحداً، وفق حصيلة رسمية، و70 جندياً، وفق الحصيلة التي أعلن عنها التنظيم الإرهابي الذي تبنى أيضاً هجوماً في المنطقة نفسها، قتل فيه جندي فرنسي.
وكان واضحاً من بيان «داعش» أن مالي تحولت إلى مركز متقدم على صعيد عمليات الإرهاب، إذ أعلن التنظيم، في بيان له عبر تطبيق «تلغرام»، أن من يطلق عليهم «جنوده» استهدفوا رتل آليات للقوات الفرنسية بالقرب من قرية انديليمان، بمنطقة ميناكا، شمال شرقي مالي، بتفجير عبوة ناسفة. كما أعلن التنظيم في بيان منفصل أن مقاتليه «هاجموا قاعدة عسكرية يتمركز فيها جنود من الجيش المالي».
ولا يستهدف إرهابيو «داعش» وبقية الجماعات الإرهابية في تلك المنطقة القوات الفرنسية فحسب. ففي وقت سابق من سبتمبر (أيلول) من العام الماضي أيضاً، تم استهداف ثكنات عسكرية في بولكيسي، قتل فيها 40 جندياً مالياً، وفق الحصيلة الحكومية، وإن كانت هناك حصيلة أخرى غير رسمية تشير إلى أن الخسائر أكبر من ذلك بكثير.
ويخشى المراقبون من أن يكون الإرهاب قد جعل من مالي قاعدة متقدمة له، رغم الرفض والتنديد الشعبيين هناك بتلك الجماعات المارقة التي أضحت تتمركز على الشريط الحدودي بين النيجر ومالي وبوركينا فاسو، الأمر الذي وصفه الإمام محمود ديكو بأنه «نزف تعيشه مالي، ولا يمكن أن يستمر طويلاً». وقد سبق أن دعا ديكو إلى ضرورة فتح حوار وطني يشارك فيه جميع الماليين لتوحيد الصفوف في وجه الإرهاب، وهو الذي سبق أن تفاوض مع الإرهابيين للإفراج عن رهائن، من ضمنهم جنود ماليون.
ولعل المراقبين لشأن هذه الجمهورية الأفريقية التي باتت مصدر خوف وقلق لبقية القارة الأفريقية يتساءلون عن السبب الرئيسي الذي جعل منها خلفية للإرهاب الأممي، يخشى معها أن تمثل مع النيجر والصومال وكينيا مربع قوة ونفوذاً غير تقليدي يستنهض أوهام ما أطلق عليه الخلافة في فكر «الدواعش»، وغيرهم من جماعات التكفير، لا التفكير.
البداية في واقع الحال تنطلق من التركيبة الديموغرافية لهذا البلد، فهي مليئة بالأعراق التي تكاد عند نقطة بعينها تضحى متقاتلة، ففيها مجموعة الماندي التي تشكل نحو 50 في المائة من إجمالي السكان، والطوارق والعرب الذين يشكلون نحو 10 في المائة، والفولتايك الذين يشكلون 12 في المائة، والسنغاري بنسبة 6 في المائة، والبول الذين يشكلون 17 في المائة، بالإضافة إلى مجموعات عرقية أخرى تشكل ما نسبته 5 في المائة.
ويمكن القطع بأن الجماعات الأصولية المختلفة قد أجادت العزف السيئ على مسألة الأعراق المالية المختلفة، وجعلت منها نقطة انطلاق لتقسيم المجتمع المالي، وتجزئته عبر تنويع وتعدد الانتماءات الإرهابية، الأمر الذي أدى إلى وقوع 270 هجوماً إرهابياً في جمهورية مالي خلال الأشهر الثلاثة الماضية، والعهدة هنا على التقرير الأممي الصادر عن الأمم المتحدة الذي أشار إليه الأمين العام أنطونيو غوتيريش، مؤكداً أن حصيلة تلك الهجمات قد بلغت 200 قتيل من المدنيين، و96 مصاباً، إضافة إلى اختطاف 90 آخرين، لافتاً إلى أن 85 في المائة من الهجمات المميتة وقعت في منطقة موبتى، حيث قتل خلالها 193 من القوات المسلحة، وجرح 126.
وفي هذا الإطار، كان من الطبيعي أن تشهد مالي حالة من حالات انعدام الأمن، بعد أن سيطرت جماعات مرتبطة بتنظيم «القاعدة» على مناطق واسعة من شمال مالي، قبل أن يتدخل الفرنسيون والأفارقة لطرد هذه الجماعات من المدن الكبرى، وإن كانت الأخيرة تشن حرب عصابات منذ ذلك الوقت كبدت الفرنسيين والأفارقة والجيش المالي خسارة كبيرة.
ولم تكن مالي بطبيعتها المهترئة اجتماعياً لتغيب عن أعين الدواعش الذين دخلوا على الخط عام 2015، عندما أعلن المدعو أبو الوليد الصحراوي الانشقاق عن جماعة «المرابطون»، وتشكيل تنظيم جديد بايع تنظيم داعش، سماه «تنظيم داعش في الصحراء الكبرى».
وخذ إليك، على سبيل المثال، بعضاً من تلك الجماعات التي باتت تغطي ثلثي الجهورية المالية منذ عام 2012، وفي المقدمة منها «جماعة التوحيد والجهاد». وقد كان حصان طروادة بالنسبة إليها، وما تسبب في انتشارها في البلاد، حالة الفوضى والارتباك التي أعقبت الانقلاب العسكري الذي حدث في 22 مارس (آذار) 2012. فقد برزت على السطح في هذا التوقيت، وتمكنت من احتلال شمال مالي. ويرى محللو شؤون الإرهاب الدولي في القارة الأفريقية أنه أحد أكثر التنظيمات رعباً، لكونه مسلحاً وممولاً بشكل جيد، فضلاً عن قيامه بتكثيف عملياته الإرهابية منذ ظهوره، وتمركزه في الهضبة الصحراوية الشاسعة الممتدة في منطقة تساليت، وفرض سيطرته بلا منازع على عدد من القرى في تلك المنطقة.
ولم تكن جماعة «التوحيد والجهاد» بعيدة بحال من الأحوال عن تنظيم القاعدة، غير أنها انفصلت عنها وانتشرت في بلاد المغرب الإسلامي، تحت دعوة نشر فكر «الجهاد» في غرب أفريقيا، بدلاً من الاكتفاء فقط بمنطقة الغرب أو منطقة الساحل.
ويمكن للمرء أن يعدد أسماء كثيرة من التنظيمات الإرهابية على الأراضي المالية، مثل جماعة أنصار الدين، وهذه لها جذور عميقة في المجتمع المالي، ولذلك تضم ما بين 5 آلاف و10 آلاف عضو مزودين بأسلحة متقدمة.
وعطفاً على ذلك، يلاحظ المراقبون جماعات أصولية، وإن كانت أقل قوة من حيث العدة والعتاد، إلا أنها أخطر من جانب الأساس العقائدي، مما يجعل فرص ارتقائها أكبر وأوسع.
ومع تصاعد عمليات الإرهاب في مالي، وما حولها من دول جميعها مرتبطة بعقد واحد من الأصوليات الخبيثة، يبقى البحث عمن يزخمها ويساندها أمر واجب الوجود، كما تقول جماعة الفلاسفة.
أما الجواب فهو يسير. ففي 25 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، أعلنت الإدارة العامة للأمن الوطني في النيجر عن القبض على مجموعة إرهابية تتكون من 3 أشخاص، يحمل 2 منهم الجنسية التركية، بالإضافة إلى متعاون محلي من مواطني النيجر.
ويضحي من الطبيعي القول إن اعتقال أتراك في النيجر يفتح ملف الإرهاب التركي - القطري في العمق الأفريقي، ويثير من جديد قضية نقل الإرهابيين إلى طرابلس دعماً للميليشيات الموالية لقطر وتركيا في ليبيا، في مواجهة الجيش الوطني الليبي.
ويوماً تلو الآخر، يثبت للعالم أن هناك أكثر من ستار تختبئ تركيا من وراءه، وبتمويل قطري لا يغيب عن الأعين، في محاولة متجددة لا تنقطع من أجل إعادة إنتاج مشروع الخلافة الوهمي، حتى إن كلف ذلك أكثر من دولة أفريقية أمنها وأمانها.
ومن عينة الستر التي تختبئ تركيا وراءها: «الهلال الأحمر التركي»، و«الوكالة التركية للتعاون والتنسيق». أما قطر، فمنذ أمد بعيد تستخدم جمعية «قطر الخيرية» ستاراً لاستقطاب الإرهابيين والمرتزقة لدعم الميليشيات في طرابلس.
ومؤخراً، كان موقع «انفيستجتيف بروجكت» الأميركي المتخصص في إلقاء الضوء على القضايا الإرهابية يكشف عن العلاقة التي تربط بين المثلث الجهنمي الإخواني بأذرعه المختلفة، لا سيما في الولايات المتحدة الأميركية، وجمعيات تركيا الخفية التي تعمل تحت ستار الأعمال الخيرية، والرابط الأكبر المتمثل في الدعم المالي القطري لهما، وهي قصة يضيق المسطح المتاح للكتابة عن سردها وعرضها، وإن كانت باختصار تبين أن العمق الأفريقي هو مكمن خطر الإرهاب العالمي في العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين.
ومؤخراً، تتحدث واشنطن عن انسحاب قواتها المسلحة من القارة الأفريقية، بذريعة التفرغ لملاقاة روسيا والصين حول العالم، وتالياً ترفض ألمانيا المشاركة بجنود في القوة الأوروبية التي تقودها فرنسا في الساحل الغربي الأفريقي لمواجهة خطر الإرهاب... فهل يعني ذلك أن هناك فصلاً جديداً من فصول نماء الإرهاب الدولي في ظل غض الطرف عنه؟!
آفة حارتنا النسيان. والذين لدغوا من ثعبان الإرهاب من قبل يبدو أنهم لم يتعلموا الدرس بعد.