سنوات السينما

«والسفينة تمضي»
«والسفينة تمضي»
TT

سنوات السينما

«والسفينة تمضي»
«والسفينة تمضي»

E La Nave Va
- (1983)
- فيلليني على سفينة فوق بحر إبداعه
«السفينة تمضي» يذكر بأن إحدى ميزات أفلام فديريكو فيلليني كانت دوماً هي أن كل منها كان يدفع بنا دائماً إلى مشاهدة المزيد من أعماله. فيلمه الثامن عشر هذا يحقق هذه الرغبة. يجعلنا، اليوم كما بالأمس، نريد مشاهدة فيلم آخر له على التوّ. فيلم يبعث على حب السينما من جديد وكأنما نراها أول مرة، وفي كل مرة نعتقد أننا عرفنا مَن نحب يأتي فيلم آخر من أحد المبدعين ليوفر لنا أفقاً جديداً آخر.
يفتح فلليني فيلمه بمشاهد صوّرها على شكل السينما الصامتة. نحن في عام 1914. بذلك يضع فيلليني متفرجيه في تاريخ مبكر كان الفن السينمائي ما زال يتسلق أولى درجات سلمه. الفيلم في مطلعه مشوش التصوير، متوتر الإضاءة. النسخة عليها أن تكون قديمة. حركات الناس أمامها بريئة، البعض مفتون بالكاميرا التي تصوره ويحاول أن يظهر في الكاميرا، سرعة الفيلم ليست طبيعية تماماً وكأننا نشاهد فيلماً صُوِّر في تلك الأزمنة.
تتلون الصورة وتنضبط. يصبح الوهم واقعاً ونجد أنفسنا على ظهر سفينة تبحر باتجاه منطقة لا يعرف سرها سوى القبطان. على ظهرها فنانون، اقتصاديون، وسياسيون ودوق من عائلة حاكمة وحاشيته. كل هؤلاء أرستقراطيون يتولى مهمة تقديمهم إلينا صحافي (فردي جونز) متنقلاً بينهم أحيانا ومشاركاً عالمهم أحياناً أخرى. يقطع فيلليني مجالاً رحباً من تقديم تلك الشخصيات وأنفتها ومشاعرها فيما بينها. كعادته، يستلهم شخصياته من رسم كاريكاتيري كوميدي هازئ بقدر ما هو انتقادي. هذا قبل أن يضعهم جميعاً أمام تجربة مختلفة. فقد اعتلى السفينة مهاجرون من الصرب هاربون من القوات النمساوية.
في البداية كانت ردة الفعل بالغة التحفظ، فالركاب الأصليون لا ينتمون إلى تلك الطبقة النازحة. يراقبونها عن مسافة. لكن فيلليني لا يصر على إظهار الفوارق الاجتماعية بين الفريقين بقدر ما يعمل على إظهار أن التقارب ممكن، وهو يختار الموسيقى وسيلة لذلك إذ يعزف اللاجئون الصرب موسيقى شعبية، ما يثير حماسة فناني الأوبرا الموجودين في الطبقة العليا من الباخرة، ويبدأ على الفور نوع من التجانس الغريب بين الفريقين ينصهر في نزول الطبقة العليا إلى أرض السفينة والرقص مع الصرب مشاركين النشوة الواحدة.
كأنما يقول فيلليني هنا إن التقارب بين الناس يبدأ من البهجة ومن نشوة الفن. يدرك فيلليني أن فنه ليس حكماً طبقياً، ويرى بالتالي أن كل فن أمر ممكن لأي طبقة قبوله والاستمتاع به. يجد حتى في غناء الأوبرا وصوت أفران السفينة وآلياتها إيقاعاً متجانساً يخدم منحاه. الموسيقى التي يستخدمها هي وسيلة التواصل المنشود في عالمه القائم على الاستعراض والفن والدهشة. ما يجعل «السفينة تمضي» أحد أفضل أعماله كلها (وواحد من أكثر أفلامه عرضة للتجاهل بين النقاد في الوقت ذاته) حقيقة أن تلك المشاهد الراقصة أو الغنائية تصعد بالفيلم لمستويات أعلى من مشاهد أخرى يصرفها على تعريفنا بشخصياته.
إنما هذا بدوره أمر نسبي، فنحن لسنا أمام فيلم تشويقي الغاية، بل أمام عمل تأملي، مرح، انتقادي ساخر واستعراضي ثري. عمل فني متكامل من مخرج لا يحتاج إلى أن يبرهن عن قدراته وعن إمكانياته بل تجاوز هذه المتطلبات منذ زمن بعيد. مخرج يوفر أفلامه تبعاً لرؤيته الإبداعية وعلى نحو جعله فناناً منفرداً في الأسلوب، وفي الإبداع.
في نهاية «والسفينة تمضي» تقوم باخرة عسكرية بضرب السفينة المدنية فتغرقها. لكننا نعلم أن الجميع نجوا لأنه لا يمكن للسفينة أن تغرق في بحر أوضح المخرج منذ البداية أنه ليس أكثر من غطاء أزرق متماوج ومفروش أمام الكاميرا في استوديو «لا سينيشيتا» في روما. هنا لا البحر بحر ولا الشمس شمس ولا القمر فمر بل إبداع فيلليني مع مدير تصويره الفذ جيسيبي تورناتوري.


مقالات ذات صلة

وفاة الممثل البريطاني راي ستيفنسون نجم «ثور» و«ستار وورز»

يوميات الشرق الممثل البريطاني راي ستيفنسون (أ.ب)

وفاة الممثل البريطاني راي ستيفنسون نجم «ثور» و«ستار وورز»

توفي الممثل البريطاني راي ستيفنسون الذي شارك في أفلام كبرى  مثل «ثور» و«ستار وورز» عن عمر يناهز 58 عامًا.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق «إسماعيلية رايح جاي» يشعل «الغيرة الفنية» بين محمد فؤاد وهنيدي

«إسماعيلية رايح جاي» يشعل «الغيرة الفنية» بين محمد فؤاد وهنيدي

أثارت تصريحات الفنان المصري محمد فؤاد في برنامج «العرافة» الذي تقدمه الإعلامية بسمة وهبة، اهتمام الجمهور المصري، خلال الساعات الماضية، وتصدرت التصريحات محرك البحث «غوغل» بسبب رده على زميله الفنان محمد هنيدي الذي قدم رفقته منذ أكثر من 25 عاماً فيلم «إسماعيلية رايح جاي». كشف فؤاد خلال الحلقة أنه كان يكتب إفيهات محمد هنيدي لكي يضحك المشاهدين، قائلاً: «أنا كنت بكتب الإفيهات الخاصة بمحمد هنيدي بإيدي عشان يضحّك الناس، أنا مش بغير من حد، ولا يوجد ما أغير منه، واللي يغير من صحابه عنده نقص، والموضوع كرهني في (إسماعيلية رايح جاي) لأنه خلق حالة من الكراهية». واستكمل فؤاد هجومه قائلاً: «كنت أوقظه من النوم

محمود الرفاعي (القاهرة)
سينما جاك ليمون (يسار) ومارشيللو ماستروياني في «ماكاروني»

سنوات السينما

Macaroni ضحك رقيق وحزن عميق جيد ★★★ هذا الفيلم الذي حققه الإيطالي إيتوري سكولا سنة 1985 نموذج من الكوميديات الناضجة التي اشتهرت بها السينما الإيطالية طويلاً. سكولا كان واحداً من أهم مخرجي الأفلام الكوميدية ذات المواضيع الإنسانية، لجانب أمثال بيترو جيرمي وستينو وألبرتو لاتوادا. يبدأ الفيلم بكاميرا تتبع شخصاً وصل إلى مطار نابولي صباح أحد الأيام. تبدو المدينة بليدة والسماء فوقها ملبّدة. لا شيء يغري، ولا روبرت القادم من الولايات المتحدة (جاك ليمون في واحد من أفضل أدواره) من النوع الذي يكترث للأماكن التي تطأها قدماه.

يوميات الشرق الممثل أليك بالدوين يظهر بعد الحادثة في نيو مكسيكو (أ.ف.ب)

توجيه تهمة القتل غير العمد لبالدوين ومسؤولة الأسلحة بفيلم «راست»

أفادت وثائق قضائية بأن الممثل أليك بالدوين والمسؤولة عن الأسلحة في فيلم «راست» هانا جوتيريز ريد اتُهما، أمس (الثلاثاء)، بالقتل غير العمد، على خلفية إطلاق الرصاص الذي راحت ضحيته المصورة السينمائية هالينا هتشينز، أثناء تصوير الفيلم بنيو مكسيكو في 2021، وفقاً لوكالة «رويترز». كانت ماري كارماك ألتوايز قد وجهت التهم بعد شهور من التكهنات حول ما إن كانت ستجد دليلاً على أن بالدوين أبدى تجاهلاً جنائياً للسلامة عندما أطلق من مسدس كان يتدرب عليه رصاصة حية قتلت هتشينز. واتهم كل من بالدوين وجوتيريز ريد بتهمتين بالقتل غير العمد. والتهمة الأخطر، التي قد تصل عقوبتها إلى السجن خمس سنوات، تتطلب من المدعين إقناع

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
سينما سينما رغم الأزمة‬

سينما رغم الأزمة‬

> أن يُقام مهرجان سينمائي في بيروت رغم الوضع الصعب الذي نعرفه جميعاً، فهذا دليل على رفض الإذعان للظروف الاقتصادية القاسية التي يمر بها البلد. هو أيضاً فعل ثقافي يقوم به جزء من المجتمع غير الراضخ للأحوال السياسية التي تعصف بالبلد. > المهرجان هو «اللقاء الثاني»، الذي يختص بعرض أفلام كلاسيكية قديمة يجمعها من سينمات العالم العربي من دون تحديد تواريخ معيّنة.


«وين صرنا؟»... التجربة الإخراجية الأولى للتونسية درة تلفت الأنظار

الممثلة التونسية درة وعلى يمينها حسين فهمي رئيس مهرجان القاهرة السينمائي مع أبطال فيلم «وين صرنا؟» خلال عرضه الأول في المهرجان أمس (إكس)
الممثلة التونسية درة وعلى يمينها حسين فهمي رئيس مهرجان القاهرة السينمائي مع أبطال فيلم «وين صرنا؟» خلال عرضه الأول في المهرجان أمس (إكس)
TT

«وين صرنا؟»... التجربة الإخراجية الأولى للتونسية درة تلفت الأنظار

الممثلة التونسية درة وعلى يمينها حسين فهمي رئيس مهرجان القاهرة السينمائي مع أبطال فيلم «وين صرنا؟» خلال عرضه الأول في المهرجان أمس (إكس)
الممثلة التونسية درة وعلى يمينها حسين فهمي رئيس مهرجان القاهرة السينمائي مع أبطال فيلم «وين صرنا؟» خلال عرضه الأول في المهرجان أمس (إكس)

لم تكن الحياة في غزة سهلة أو حتى طبيعية قبل حرب السابع من أكتوبر (تشرين الأول)، لكن حتى هذه الأيام يحن لها الآن الناجون من القطاع ويتمنون استعادتها، ومنهم نادين وعائلتها أبطال الفيلم الوثائقي «وين صرنا؟» الذي يمثل التجربة الإخراجية والإنتاجية الأولى للممثلة التونسية درة زروق، والذي لفت الأنظار خلال العرض في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي.

يستعرض الفيلم على مدى 79 دقيقة رحلة نزوح نادين وطفلتيها التوأمتين وإخوتها وأمها من حي تل الهوى بمدينة غزة يوم 13 أكتوبر 2023 وصولاً إلى مصر بعد ثلاثة أشهر من بدء الحرب.

ويعتمد في مجمله على سرد أفراد العائلة في القاهرة لذكريات حياتهم في غزة قبل الحرب ومغادرتهم منزلهم قسراً بناء على أمر إخلاء من القوات الإسرائيلية، حاملين معهم أبسط المتعلقات الشخصية على أمل العودة قريباً وانتقالهم إلى مخيم النصيرات، ثم رفح.

وفي مقابل ارتياح مؤقت بالنجاة من قصف مكثف حصد آلاف الأرواح من بينهم جيرانها وأصدقاؤها، يعتصر الخوف قلب نادين بسبب زوجها عبود الذي لم يستطع الخروج مع العائلة وظل عالقاً في غزة.

ويظهر عبود في لقطات من غزة معظمها ملتقط بكاميرا الهاتف الجوال وهو يحاول تدبير حياته بعيداً عن الأسرة، محاولاً إيجاد سبيل للحاق بهم في القاهرة حتى يكلل مسعاه بالنجاح.

وفي رحلة العودة يمر عبود بشواطئ غزة التي اكتظت بالخيام بعدما كانت متنفساً له ولأسرته، والأحياء والشوارع التي دُمرت تماماً بعدما كان يتسوق فيها ويعمل ويعيل عائلته رغم الحصار المفروض على القطاع منذ سنوات، ويتساءل قائلاً: «يا الله... وين كنا ووين صرنا؟!».

وقالت الممثلة درة زروق مخرجة الفيلم قبل عرضه العالمي الأول، أمس (الجمعة)، في دار الأوبرا المصرية ضمن الدورة الخامسة والأربعين للمهرجان: «أبطال الفيلم ناس حقيقية من فلسطين... كلنا عملنا الفيلم بحب وإيمان شديد بالقضية الإنسانية اللي بنتكلم عنها».

وأضافت حسبما نقلت وكالة «رويترز» للأنباء: «حبيت أقرب منهم من الجانب الإنساني، المشاعر؛ لأنهم عمرهم ما هيبقوا أرقام، هما ناس تستحق كل تقدير، وشعب عظيم».

وينافس الفيلم ضمن مسابقة «آفاق السينما العربية» في المهرجان الذي يختتم عروضه يوم 22 نوفمبر (تشرين الثاني).