شارع «نجيب الريحاني» وسط القاهرة... من الفن إلى بيع قطع الغيار

من أشهر رواده فريد شوقي وزينات صدقي وسمير غانم

جانب من شارع «نجيب الريحاني» («الشرق الأوسط»)
جانب من شارع «نجيب الريحاني» («الشرق الأوسط»)
TT

شارع «نجيب الريحاني» وسط القاهرة... من الفن إلى بيع قطع الغيار

جانب من شارع «نجيب الريحاني» («الشرق الأوسط»)
جانب من شارع «نجيب الريحاني» («الشرق الأوسط»)

لم يتبقَّ من معالمه التاريخية سوى مسرح قديم مغلق، وأربع لوكاندات، وعدد من البنايات القديمة والحواري والأزقة، بعد أن كان في ثلاثينات وأربعينات القرن الماضي، بمثابة تجمع كبير للمقاهي والكازينوهات واللوكاندات والفنانين.
إنّه شارع «نجيب الريحاني»، بموقعه الحيوي المتقاطع مع شوارع «رمسيس» و«زكريا أحمد» و«عماد الدين» و«الجمهورية» و«كلوت بك» في وسط القاهرة الخديوية، ويحمل اسم الفنان رائد فن الكوميديا في مصر خلال القرن الماضي الذي جسد بعبقرية عدداً من الشخصيات الفكاهية مثل: «كشكش بك» و«سي عمر» و«أبو حلموس» و«الأستاذ حمام».
في جولة لـ«الشرق الأوسط» بالشارع الشهير، لوحظ تهالك كثير من بناياته، وقد غطّى كثيراً منها التراب والغبار، فضلاً عن زحام المارة الذين يتردّدون على الشارع لشراء احتياجاتهم من محال طلمبات المياه وقطع غيار الأجهزة الكهربائية، التي انتشرت على جانبي الشارع بامتداده، لا سيما في الجزء الواصل من شارع «عماد الدين» وحتى «كلوت بك».
يقول العم محمود جعفر (81 سنة)، وهو من أقدم المتردّدين على الشارع: «أول مرّة زرت فيها الشارع، كان قبل ثورة يوليو (تموز) 1952 مع بعض الأصدقاء، واعتدنا المشي من السيدة زينب في شارع الخليج المصري (بورسعيد) حالياً، وحتى باب الحديد بميدان رمسيس، وفي كثير من المرّات كنّا نتجوّل في شارعي نجيب الريحاني وكلوت بك، وقد اشتهر الشارعان باللوكاندات والمقاهي وورش صناعة الجلود والأحذية، وكذلك ترزية الملابس، فضلاً عن محلات بيع الخمور والخمارات وبيوت البغاء»، مشيراً إلى أنّ غالبيتها كان يتركز في شارع «كلوت بك»، والقليل منها في شارع «نجيب الريحاني».
يضيف الرجل الثمانيني: «غيّر كثير من أصحاب اللوكاندات والمقاهي ودور السينما الصيفية ومحلات بيع الخمور بشارع نجيب الريحاني عقب حريق القاهرة في مطلع عام 1952، الذي التهم جزءاً كبيراً منها، نشاطهم إلى تجارة لوازم المعدات الثقيلة والأوناش وقطع غيار الأجهزة الكهربائية من ثلاجات وبوتاجازات وأجهزة تكييف، وكانت أعدادهم قليلة، لكنّها ازدادت بمرور الوقت، حتى أصبحت على وضعها الحالي، والبعض الآخر قام بهدمها وبناء مولات تجارية لبيع قطع الغيار، لعل أشهرها (مول الريحاني) الذي بُني بدلاً من عقار قديم كان يحتوي على عدد من ورش حياكة الجلود والملابس أيضا».
ويحكي الحاج محمد سيد (من رواد الشارع القدامى) قائلا: «قديما كان الشارع يمتلئ باللوكاندات التي بلغ عددها في العهد الملكي أكثر من 30، ومثلها من محلات بيع الخمور، وعشرات المقاهي، واليوم لم يتبق منها سوى 4 فنادق بسيطة من الدرجة الخامسة؛ هي فنادق: (الريحاني) و(المنصورة) و(القاهرة) و(بدر)، و3 مقاه، ولا يوجد محل واحد لبيع الخمور، وتحولت 90 في المائة من محال ومعالم الشارع القديمة إلى محلات لبيع العدد ولوازم المعدات الثقيلة والأوناش وقطع الغيار والموتوسيكلات (الدراجات النارية)».
ويشير عم محمد سيد إلى أنّ شارع نجيب الريحاني كان يتردد عليه كثير من المشاهير، مثل سمير غانم والضيف أحمد ونور الشريف وفريد شوقي ونجيب الريحاني نفسه، وزينات صدقي التي سكنت في الشارع لفترة طويلة في العقار رقم «3»، مضيفاً أن «رابطة الجعافرة» التي اتّخذت مقراً لها في أفخم مباني الشارع قديما في أربعينات القرن الماضي، لا تزال موجودة حتى الآن، ويتردد عليها أبناء قبيلة الجعافرة بأسوان ممن يقيمون في القاهرة، كما أنّ مسجد الخواص والشاذلي، وهو مسجد أثري، لا يزال المسجد الحيوي والرئيسي في الشارع، ويعود بناؤه إلى النصف الثاني من القرن التاسع عشر.
من بين معالم شارع نجيب الريحاني التي لا تزال قائمة، مبنى جريدة «الجمهورية» القديم في تقاطعه مع شارع «زكريا أحمد»، ولكنّ المبنى تحوّل إلى مخزن للورق وقطع الغيار بعد أن انتقلت الجريدة وباقي صحف «دار التحرير» إلى المبنى الجديد في شارع رمسيس في مطلع الألفية الحالية، كذلك مسرح وسينما «استوديو مصر» في تقاطع شارع نجيب الريحاني مع شارع عماد الدين، وقد تحوّل المبنى إلى مكان مهجور ومأوى للقمامة والكلاب الضالة، بعد أن كان متوهّجا بالأعمال المسرحية والسينمائية المعروضة فيه، وكان يضم معملاً ضخما لطباعة الأفلام قبل عرضها. ومن الصدف العجيبة، أنّ المسرح الذي شيّده نجيب الريحاني ويحمل اسمه أيضاً، لا يقع في شارع نجيب الريحاني، وإنّما في «حارة علي الكسار» وهي الحارة الموازية لشارع الريحاني.
محمد كامل (صاحب محل لبيع الأدوات الكهربائية) يقول: «كثير من محلات شارع نجيب الريحاني بنظام التمليك، والقليل منها بنظام الإيجار القديم، ويحدد سعر المحل حسب مساحته، حيث يتعدى سعر المتر المربع منه أكثر من 40 ألف جنيه»، مشيراً إلى أنّ مصر في ثلاثينات وأربعينات القرن الماضي كانت غير مصر الآن، فالقاهرة قديماً كانت قائمة على أنشطة السينما والمسرح، وهو الدور الذي تراجع الآن وحلّت مكانه التجارة، وهي سياسة دولة على مدار 40 سنة مضت، فشارع نجيب الريحاني ليس وحده الذي تبدّلت الحال فيه، وإنّما شوارع «كلوت بك» و«عماد الدين» و«الجمهورية» و«عبد العزيز» تغيرت أنشطتها بالكامل عن تلك التي كانت قائمة في العهد الملكي.



بارود «النار بالنار» موهبة صاعدة لفتت المشاهد

عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)
عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)
TT

بارود «النار بالنار» موهبة صاعدة لفتت المشاهد

عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)
عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)

منذ الحلقة الأولى لمسلسل «النار بالنار» لفت تيم عزيز المشاهد في دور (بارود). فهو عرف كيف يتقمص شخصية بائع اليانصيب (اللوتو) بكل أبعادها. فألّف لها قالباً خاصاً، بدأ مع قَصة شعره ولغة جسده وصولاً إلى أدائه المرفق بمصطلحات حفظها متابع العمل تلقائياً.
البعض قال إن دخول تيم عزيز معترك التمثيل هو نتيجة واسطة قوية تلقاها من مخرج العمل والده محمد عبد العزيز، إلا أن هذا الأخير رفض بداية مشاركة ابنه في العمل وحتى دخوله هذا المجال. ولكن المخرج المساعد له حسام النصر سلامة هو من يقف وراء ذلك بالفعل. ويقول تيم عزيز لـ«الشرق الأوسط»: «حتى أنا لم أحبذ الفكرة بداية. لم يخطر ببالي يوماً أن أصبح ممثلاً. توترت كثيراً في البداية وكان همي أن أثبت موهبتي. وفي اليوم الخامس من التصوير بدأت ألمس تطوري».
يحدثك باختصار ابن الـ15 سنة ويرد على السؤال بجواب أقصر منه. فهو يشعر أن الإبحار في الكلام قد يربكه ويدخله في مواقف هو بغنى عنها. على بروفايل حسابه الإلكتروني «واتساب» دوّن عبارة «اخسر الجميع واربح نفسك»، ويؤكد أن على كل شخص الاهتمام بما عنده، فلا يضيع وقته بما قد لا يعود ربحاً عليه معنوياً وفي علاقاته بالناس. لا ينكر أنه بداية، شعر بضعف في أدائه ولكن «مو مهم، لأني عرفت كيف أطور نفسي».
مما دفعه للقيام بهذه التجربة كما يذكر لـ«الشرق الأوسط» هو مشاركة نجوم في الدراما أمثال عابد فهد وكاريس بشار وجورج خباز. «كنت أعرفهم فقط عبر أعمالهم المعروضة على الشاشات. فغرّني الالتقاء بهم والتعاون معهم، وبقيت أفكر في الموضوع نحو أسبوع، وبعدها قلت نعم لأن الدور لم يكن سهلاً».
بنى تيم عزيز خطوط شخصيته (بارود) التي لعبها في «النار بالنار» بدقة، فتعرف إلى باعة اليناصيب بالشارع وراقب تصرفاتهم وطريقة لبسهم وأسلوب كلامهم الشوارعي. «بنيت الشخصية طبعاً وفق النص المكتوب ولونتها بمصطلحات كـ(خالو) و(حظي لوتو). حتى اخترت قصة الشعر، التي تناسب شخصيتي، ورسمتها على الورق وقلت للحلاق هكذا أريدها».
واثق من نفسه يقول تيم عزيز إنه يتمنى يوماً ما أن يصبح ممثلاً ونجماً بمستوى تيم حسن. ولكنه في الوقت نفسه لا يخفي إعجابه الكبير بالممثل المصري محمد رمضان. «لا أفوت مشاهدة أي عمل له فعنده أسلوبه الخاص بالتمثيل وبدأ في عمر صغير مثلي. لم أتابع عمله الرمضاني (جعفر العمدة)، ولكني من دون شك سأشاهد فيلمه السينمائي (هارلي)».
لم يتوقع تيم عزيز أن يحقق كل هذه الشهرة منذ إطلالته التمثيلية الأولى. «توقعت أن أطبع عين المشاهد في مكان ما، ولكن ليس إلى هذا الحد. فالناس باتت تناديني باسم بارود وتردد المصطلحات التي اخترعتها للمسلسل».
بالنسبة له التجربة كانت رائعة، ودفعته لاختيار تخصصه الجامعي المستقبلي في التمثيل والإخراج. «لقد غيرت حياتي وطبيعة تفكيري، صرت أعرف ماذا أريد وأركّز على هدف أضعه نصب عيني. هذه التجربة أغنتني ونظمت حياتي، كنت محتاراً وضائعاً أي اختصاص سأدرسه مستقبلاً».
يرى تيم في مشهد الولادة، الذي قام به مع شريكته في العمل فيكتوريا عون (رؤى) وكأنه يحصل في الواقع. «لقد نسيت كل ما يدور من حولي وعشت اللحظة كأنها حقيقية. تأثرت وبكيت فكانت من أصعب المشاهد التي أديتها. وقد قمنا به على مدى يومين فبعد نحو 14 مشهداً سابقاً مثلناه في الرابعة صباحاً صورنا المشهد هذا، في التاسعة من صباح اليوم التالي».
أما في المشهد الذي يقتل فيه عمران (عابد فهد) فترك أيضاً أثره عنده، ولكن هذه المرة من ناحية الملاحظات التي زوده بها فهد نفسه. «لقد ساعدني كثيراً في كيفية تلقف المشهد وتقديمه على أفضل ما يرام. وكذلك الأمر بالنسبة لكاريس بشار فهي طبعتني بحرفيتها. كانت تسهّل علي الموضوع وتقول لي (انظر إلى عيني). وفي المشهد الذي يلي مقتلها عندما أرمي الأوراق النقدية في الشارع كي يأخذها المارة تأثرت كثيراً، وكنت أشعر كأنها في مقام والدتي لاهتمامها بي لآخر حد»
ورغم الشهرة التي حصدها، فإن تيم يؤكد أن شيئاً لم يتبدل في حياته «ما زلت كما أنا وكما يعرفني الجميع، بعض أصدقائي اعتقد أني سأتغير في علاقتي بهم، لا أعرف لماذا؟ فالإنسان ومهما بلغ من نجاحات لن يتغير، إذا كان معدنه صلباً، ويملك الثبات الداخلي. فحالات الغرور قد تصيب الممثل هذا صحيح، ولكنها لن تحصل إلا في حال رغب فيها».
يشكر تيم والده المخرج محمد عبد العزيز لأنه وضع كل ثقته به، رغم أنه لم يكن راغباً في دخوله هذه التجربة. ويعلق: «استفدت كثيراً من ملاحظاته حتى أني لم ألجأ إلا نادراً لإعادة مشهد ما. لقد أحببت هذه المهنة ولم أجدها صعبة في حال عرفنا كيف نعيش الدور. والمطلوب أن نعطيها الجهد الكبير والبحث الجدّي، كي نحوّل ما كتب على الورق إلى حقيقة».
ويشير صاحب شخصية بارود إلى أنه لم ينتقد نفسه إلا في مشاهد قليلة شعر أنه بالغ في إبراز مشاعره. «كان ذلك في بداية المسلسل، ولكن الناس أثنت عليها وأعجبت بها. وبعدما عشت الدور حقيقة في سيارة (فولسفاكن) قديمة أبيع اليانصيب في الشارع، استمتعت بالدور أكثر فأكثر، وصار جزءاً مني».
تيم عزيز، الذي يمثل نبض الشباب في الدراما اليوم، يقول إن ما ينقصها هو تناول موضوعات تحاكي المراهقين بعمره. «قد نجدها في أفلام أجنبية، ولكنها تغيب تماماً عن أعمالنا الدرامية العربية».