ضعف الدولار ينذر بحرب عملات

تحذيرات أوروبية وآسيوية من استخدام سعر الصرف سلاحاً تجارياً

ضعف الدولار ينذر بحرب عملات
TT

ضعف الدولار ينذر بحرب عملات

ضعف الدولار ينذر بحرب عملات

أثارت تصريحات وزير الخزانة الأميركية، ستيفن منوشين، في مؤتمر دافوس عن «الدولار الضعيف» موجة قلق وحيرة استدعت ردوداً أوروبية وآسيوية محذرة من حرب عملات. وقال منوشين: «الدولار الضعيف جيد للاقتصاد الأميركي»، فرد عليه محافظ البنك المركزي الأوروبي ماريو دراغي، محذراً من عدم احترام الولايات المتحدة الأميركية التزامها مع الدول الكبرى الأخرى تحت راية صندوق النقد الدولي، بعدم استخدام سعر الصرف سلاحاً تجارياً. وأكدت مصادر متابعة، أن تصريحات الوزير الأميركي زادت مخاوف الشركاء التجاريين للولايات المتحدة الأميركية، وصعد اليورو إثر تلك التصريحات إلى أعلى مستوى منذ 2014 أمام الدولار؛ إذ بلغت العملة الأوروبية 1.24 – 1.25 دولار خلال اليومين الماضيين.
وأضافت المصادر: «إن شبه استقرار العملات الرئيسية أو عدم تقلبها بشكل حاد يعود إلى اتفاق مبدئي، أو نظري، يرعاه صندوق النقد الدولي، بعدم ممارسة ما يسمى بـ(الخفض التنافسي) للعملة الذي يغري استخدامه بعض البلدان الراغبة بزيادة صادراتها على حساب شركائها التجاريين الآخرين».
واللافت أيضاً أن الرد على منوشين أتى من وزير خزانة سابق، وهو لورانس سومرز الذي حذر من تصريحات وممارسات تدفع الدولار إلى مستوى أدنى في وقت تعاني فيه العملة الخضراء من ضعف في الأسواق أصلاً، وقال: إن ذلك سيحدث «انهيارات». كما أن خبراء آسيويين حذروا من الإمعان في التعبير الرسمي الأميركي عن الفوائد المزعومة للدولار الضعيف؛ لأن الولايات المتحدة في حاجة إلى المستثمرين الأجانب، ولا سيما المكتتبون في سندات الدين العام. لأن كثافة ذلك الاكتتاب تخفض كلفة التمويل. أما إذا شاع الحديث عن الدولار الضعيف فإن المستثمرين القلقين سيخفضون شراء السندات أو على الأقل لن يكونوا متحمسين كثيراً لذلك. ويذكر محللون أن آخر مرة ظهر فيها الإعلان الرسمي الأميركي عن ضرورة خفض سعر صرف الدولار كان أوائل التسعينات من القرن الماضي، على لسان وزير الخزانة آنذاك عندما قال صراحة «نريد يناً قوياً» في سياق انتقاد ارتفاع الصادرات اليابانية وتفوقها على الأميركية. وكانت النتيجة أن الدولار تراجع بين أواخر 1993 وأوائل 1995 أكثر من 15 في المائة أمام العملة اليابانية.
إلى ذلك، شدد خبراء على أن حرب العملات قضية خطرة للغاية. فهي ستدفع حتماً لاعبين آخرين لخوضها من أكبر الدول الآسيوية المصدرة، ولا سيما الصين. كما أن الدولار الضعيف ينعكس سلباً على التجارة العالمية، خصوصاً لجهة ارتفاع أسعار السلع والمواد الأولية التي معظمها مسعّر بالدولار، حتى أن البعض يرى أن جزءاً من ارتفاع سعر برميل النفط مرده إلى انخفاض العملة الأميركية علماً بأن هناك عوامل أخرى أولها اتفاق «أوبك» ودول من خارجها (أبرزها روسيا) على خفض الإنتاج. ويرى القلقون أيضاً أن حرب العملات تجعل التنبؤ بالأسعار للمدى المتوسط أمراً بالغ الصعوبة، وهذا يضر بالخطط والتوقعات التي تضعها الدول لاقتصاداتها. ويذكر أن الأوروبيين هم الأكثر قلقاً حتى الآن بالنظر إلى ارتفاع سعر صرف اليورو واقترابه من المستوى الذي يبدأ معه التأثير السلبي عموماً وعلى الصادرات خصوصاً. وقال متداولون: إن أسواق الصرف احتفلت بالمؤشرات الاقتصادية الأوروبية التي ظهرت تباعاً في 2017، ويستمر ظهورها في بداية 2018، ولا سيما مؤشرات النمو والانتعاش الإنتاجي. وكان صعود اليورو بالنسبة لكثيرين مؤشراً على أن دول الاتحاد الأوروبي تودع تداعيات الأزمة التي كانت عصفت بها، خصوصاً في 2011، وما عرف آنذاك بأزمة الديون السيادية التي كادت تفكك الاتحاد.
وصعد اليورو العام الماضي أمام الدولار بأكثر من 14 في المائة، وتعزز هذا الاتجاه مع إعلان نية البنك المركزي الخروج تدريجياً من برنامج التيسير الكمي في الفصل الثالث من العام الحالي، وما رافق ذلك من توقعات بعودة الفائدة إلى الارتفاع. في المقابل، يشير مراقبون إلى أن إعلان خروج أوروبا من تداعيات الأزمة سابق لأوانه بالنظر لمؤشرات عدة، وليس أقلها معدل التضخم الذي يراوح مكانه حول 1.2 في المائة، علماً بأن المعدل المستهدف هو 2 في المائة الذي عنده يبدأ تطبيع السياسة النقدية الأوروبية والخروج من التدابير الاستثنائية التي فرضتها ظروف الأزمة، وهذا ما دفع ماريو دراغي إلى القول: «إن الأمل ضعيف برفع الفائدة هذه السنة».
على صعيد متصل، أكدت دراسة أعدها اقتصاديون أميركيون عن سياسة «إعادة العظمة إلى أميركا» التي تنتهجها الإدارة الجديدة، أن الصادرات لم تستفد من تلك السياسة، بل خسرت 4 في المائة خلال 2017. وقارن الباحثون ذلك مع دراسة سابقة لهم أكدت أن سياسة الانفتاح وتحسين الصورة التي انتهجتها كندا زادت الصادرات الكندية 10 في المائة.
في سياق موازٍ، حذر رئيس بنك «جي بي مورغان» من حرب العملات التي – برأيه - قد تدمر الاقتصاد العالمي، مشيراً إلى ضرورة منعها «بأي ثمن». وأضاف جاكوب فرينكل في تصريحات لوكالة «بلومبيرغ» إن حرب العملات هي انعكاس للحمائية في السياسة النقدية.
ورداً على الانتقادات التي وجهت إليه، كرر مونشين عدم قلق الولايات المتحدة في الأمد القصير من ضعف مستويات الدولار، لكنه استدرك قائلاً: إن الإدارة الأميركية لا تسعى إلى خوض حروب تجارية، لكنها تريد الدفاع عن مصالح واشنطن. وبيّن أن تراجع الدولار له فوائد مثلما له عيوب، مشيراً إلى أن بلاده ما زالت تؤمن بتحرير أسعار الصرف بما يتناسب مع الأمور على أرض الواقع في الأسواق. معرباً عن اعتقاده بأهمية قوة العملة على المدى الطويل، مبيناً أن الدولار وعلى مر الوقت سيعكس قوة اقتصاد الولايات المتحدة. بدورها، أكدت مديرة صندوق النقد الدولي كريستين لاغارد، أن الظروف الحالية التي يمر بها الاقتصاد العالمي لا تحتمل حرب عملات. وشددت على أن صندوق النقد الدولي لا يؤيد الإجراءات التي من شأنها كبح نمو الاقتصاد العالمي، مشيرة إلى أن قواعد التجارة العالمية يجب أن تكون عادلة وواضحة.



ستارمر يدفع من الرياض بالاستثمارات إلى المدن والمناطق في المملكة المتحدة

ترحيب برئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر خلال مراسم استقبال لمناسبة وصوله إلى مطار الملك خالد الدولي في الرياض (أ.ف.ب)
ترحيب برئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر خلال مراسم استقبال لمناسبة وصوله إلى مطار الملك خالد الدولي في الرياض (أ.ف.ب)
TT

ستارمر يدفع من الرياض بالاستثمارات إلى المدن والمناطق في المملكة المتحدة

ترحيب برئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر خلال مراسم استقبال لمناسبة وصوله إلى مطار الملك خالد الدولي في الرياض (أ.ف.ب)
ترحيب برئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر خلال مراسم استقبال لمناسبة وصوله إلى مطار الملك خالد الدولي في الرياض (أ.ف.ب)

بالتقاطع مع الزيارة الرسمية لرئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، للسعودية، كشف مكتبه عن أن إطلاق أول مشروع جديد لمصنع ألياف الكربون المخصب بالغرافين في السعودية، سيعزز الوظائف في شمال إنجلترا.

يأتي ذلك في وقت تحقق فيه مشاريع الطاقة الخضراء الكبرى مكاسب للمملكتين، مما يخلق أكثر من 4 آلاف فرصة عمل ويحقق خطة رئيس الوزراء للتغيير، وفقاً للسفارة البريطانية.

وشدد مكتب رئيس الوزراء البريطاني في إدلاء صحافي أرسلته «السفارة البريطانية» إلى «الشرق الأوسط»، على أنه في إطار تنفيذ خطة ستارمر للتغيير، فإنه سيستخدم رحلته الحالية إلى الخليج، باتجاه دفع الاستثمار إلى المدن والمناطق في جميع أنحاء المملكة المتحدة، في ظل السعي الدؤوب لتوثيق العلاقات مع السعودية، لزيادة الاستثمار وتعميق العلاقات الدفاعية والأمنية وتعزيز النمو والفرص الجديدة في الداخل والخارج.

كانت زيارة ولي العهد للمملكة المتحدة في عام 2018، قد أسهمت في توسيع نطاق التعاون وتنمية العلاقات بين البلدين، إذ أُطلق خلالها مجلس الشراكة الاستراتيجية السعودي - البريطاني. وأثمرت هذه الشراكة الاستراتيجية في نمو التجارة البينية بين البلدين بأكثر من 30 في المائة منذ 2018م حتى 2023، محققةً 103 مليارات دولار.

كما يسعى البلدان إلى تعزيز العلاقات الاقتصادية بينهما عبر مجموعة من الاستراتيجيات الاستثمارية والفعاليات، من بينها «منتدى الشراكة والأعمال السعودي - البريطاني» الذي يهدف إلى تحفيز التواصل والزيارات المتبادلة بين رجال الأعمال في البلدين، وتذليل العقبات أمام القطاع الخاص، للتوسع في المشاريع القائمة وضخ استثمارات جديدة، حيث تعد المملكة المتحدة ثاني أكبر مستثمر أجنبي في السوق السعودية بنحو 16 مليار دولار، ويعمل في المملكة أكثر من 1139 مستثمراً بريطانياً، كما افتتحت 52 شركة بريطانية مقرات إقليمية لها في الرياض.

شمال إنجلترا

وسيجني شمال إنجلترا، وفق مكتب رئيس الوزراء البريطاني، الفوائد المباشرة من التعاون الوثيق، بناءً على العلاقات الوثيقة بين نيوكاسل والسعودية، في وقت تعلن فيه شركة Graphene Innovation Manchester -ومقرها مانشستر- عن إطلاق أول إنتاج تجاري في العالم لألياف الكربون المخصبة بالغرافين، مع مشروع «نيوم جيغا» في السعودية بوصفه خطوة متقدمة في مجال المواد المتقدمة المستدامة بيئياً.

ويهدف المشروع إلى توليد استثمارات بقيمة 250 مليون جنيه إسترليني في مركز للبحث والابتكار في مانشستر الكبرى، مع توقعات بأن يخلق أكثر من ألف فرصة عمل للمهارات في المنطقة.

وقال ستارمر: «يجب أن تشعر كل منطقة ودولة في المملكة المتحدة بتأثير خطتنا للتغيير، ولهذا السبب أنا في الخليج لإقامة علاقات أوثق وتعزيز العلاقات التي تدعم مهمة النمو لدينا في كل ركن من أركان البلاد».

وأضاف: «عازمون على ضمان أن تؤدي الدبلوماسية الدولية إلى تحقيق نتائج محلية، سواء كان ذلك بمناقشة كيف يمكننا دعم التجديد في المملكة المتحدة أو دعم الصفقات التجارية التي تخلق فرص العمل -أجندتي الدولية تبدأ في الداخل».

ولتعزيز علاقة الطاقة الخضراء بين المملكتين، يدعم صندوق الأسهم الخاصة (HYCAP) ومقره أكسفورد، والخطط السعودية للوصول إلى صافي انبعاثات صفرية بحلول عام 2060 من خلال استثمار 785 مليون جنيه إسترليني لتطوير مجموعات التنقل الهيدروجيني في آيرلندا الشمالية وعبر المملكة المتحدة، وخلق أكثر من ألف فرصة عمل.

وسيعمل المشروع على توفير حافلات وشاحنات ومكونات حيوية تعمل بالهيدروجين وعناصر أخرى لإنتاج وتوزيع الهيدروجين، مع إزالة أكثر من 25 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون المرتبط بالنقل على مدار عمر المشروع.

وتعمل المملكتان معاً لإنشاء معهد دولي مشترك جديد للهيدروجين النظيف، مع دعم المعهد من مجموعة من الجامعات السعودية والبريطانية، بما في ذلك الدور الرائد لجامعة نيوكاسل، وتطوير أحدث الخبرات والمهارات في مجال الطاقة النظيفة.

وسيؤدي التعاون البحثي المشترك في مجال الطاقة النظيفة بين المملكتين إلى تعزيز سمعة منطقة الشمال الشرقي بوصفها قوة هندسية أكاديمية.

وسينضم عمدة شمال شرقي البلاد، كيم ماكغينيس، إلى رئيس الوزراء في السعودية لإحراز تقدم في المحادثات حول مزيد من الاستثمار في الطاقة الخضراء والفرص بين المملكة العربية السعودية والشمال الشرقي.

ومن المقرر أن يسافر وفد من الجامعات إلى السعودية خلال الأشهر المقبلة لتطوير المشروع.

ويمكن للطاقة النظيفة أن تكون مصدر وظائف المستقبل، وستوفر هذه الاستثمارات والشراكات الجديدة وظائف جديدة في صناعات جديدة، مما يعزز استقلال بلادنا في مجال الطاقة، ونمونا الاقتصادي.

وقال ستارمر: «هذه هي خطة الحكومة للتغيير في العمل، لجعلنا قوة عظمى في مجال الطاقة النظيفة وتحقيق عقد من التجديد».

وفي وقت سابق من هذا الشهر، وقَّعت شركة «كربون كلين»، المتخصصة في مجال التكنولوجيا النظيفة في المملكة المتحدة، تعاوناً مع شركة «أرامكو السعودية» للتعاون في مجال تكنولوجيا احتجاز الكربون المعيارية المبتكرة، بهدف خلق ألفي فرصة عمل في بريطانيا.

وأبرمت شركة الإسمنت المستدامة ومقرها المملكة المتحدة وشركة Next Generation SCM وشركة «إسمنت المدينة»، ومقرها السعودية، شراكة لتوريد الخرسانة المستدامة لإنتاج 2.5 مليون طن سنوياً من الإسمنت والمواد الخرسانية المستدامة.

ومن المتوقع أن يثمر ذلك عن استثمار 200 مليون جنيه إسترليني على مدى السنوات الخمس المقبلة وخلق أكثر من 200 فرصة عمل في المملكتين.

وتستفيد منطقة مانشستر الكبرى من الاستثمارات السعودية الكبيرة في مجال الإسكان، حيث ضخت «البوابة الدولية للاستثمار» مبلغ 41 مليون جنيه إسترليني في تجديد مصنع «برونزويك» في ستوكبورت. وأثمر ذلك عن إنشاء 277 شقة و24 منفذاً تجارياً، وبالتالي دعم هدف رئيس الوزراء المتمثل في بناء 1.5 مليون مسكن بحلول عام 2018.