الجيش الإسرائيلي يغير أولويات استراتيجيته ويزيد مخاطر الصدام المسلح مع الفلسطينيين

نتنياهو وعباس يواجهان تساؤلات داخلية إزاء الخطوات القادمة للصراع

فلسطيني خلال مواجهات مع قوات الاحتلال الإسرائيلي في منطقة حدودية جنوب قطاع غزة أمس (رويترز)
فلسطيني خلال مواجهات مع قوات الاحتلال الإسرائيلي في منطقة حدودية جنوب قطاع غزة أمس (رويترز)
TT

الجيش الإسرائيلي يغير أولويات استراتيجيته ويزيد مخاطر الصدام المسلح مع الفلسطينيين

فلسطيني خلال مواجهات مع قوات الاحتلال الإسرائيلي في منطقة حدودية جنوب قطاع غزة أمس (رويترز)
فلسطيني خلال مواجهات مع قوات الاحتلال الإسرائيلي في منطقة حدودية جنوب قطاع غزة أمس (رويترز)

في أعقاب التوتر المتصاعد بين الإدارة الأميركية والسلطة الفلسطينية، منذ اعتراف الرئيس دونالد ترمب بالقدس عاصمة لإسرائيل في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، أجرت قيادة الجيش الإسرائيلي تعديلات على تقييماتها الاستراتيجية. وبعد أن كانت قد وضعت المعركة ضد إيران و«حزب الله» في سوريا ولبنان، إلى جانب التنظيمات المتشددة، وعلى رأسها «القاعدة» و«داعش»، في المرتبة الأولى من حيث التهديد والأخطار على إسرائيل، اعتبرت الوثيقة المعدّلة لـ«استراتيجية الجيش الإسرائيلي»، التي نشرت أمس (الجمعة)، أن «الجبهة الحربية مع الفلسطينيين هي الأكثر احتمالاً للاندلاع، مع أنها تبقى في المرتبة الثانية من حيث الأهمية ومستوى الخطر».
وجاء في الوثيقة المعدلة: إن احتمالات الاشتعال لن تقتصر على ما تفعله حركة «حماس» في قطاع غزة، وغيرها من التنظيمات القادرة على إطلاق صواريخ دقيقة باتجاه البلدات الإسرائيلية الجنوبية وأبعد، لكن هناك «خطراً واقعياً» للتصعيد العسكري في الضفة الغربية أيضاً. وقالت بعبارات صريحة: إن «على الجيش الإسرائيلي الاستعداد لـ(سيناريو متطرف) لتطور مواجهة مباشرة بين الجيش الإسرائيلي وبين جنود أجهزة الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية مثلما حدث خلال اجتياح الضفة في عام 2002، وقبل ذلك خلال معركة النفق في سنة 1996 (التي قتل فيها 100 رجل شرطة فلسطيني مقابل 17 جندياً إسرائيلياً)». كما تحدثت الوثيقة المعدلة عما وصفته بـ«تهديد منفّذ العملية الانفرادي»، على نمط العمليات التي وقعت منذ الهبة الفلسطينية الأخيرة (التي اندلعت في أكتوبر/تشرين الأول 2015)، عندما تتالت عمليات الطعن والدهس التي نفذها فلسطينيون لا ينتمون إلى الفصائل الفلسطينية، ويوليها جيش الاحتلال أهمية أكبر من عمليات ينفذها مقاتلون في الفصائل.
وكان رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، غادي آيزنكوت، وضع الوثيقة الاستراتيجية الأصلية، في منتصف عام 2015، ونشرت آنذاك نسختها العلنية بشكل غير مألوف. وقسّمت الوثيقة المعدلة المنطقة إلى جهات تهدد إسرائيل وجهات أخرى، هي الدول الصديقة أو دول بالإمكان إجراء تنسيق أمني معها. وشددت الوثيقة على أهمية ما يصفه الجيش الإسرائيلي بـ«المعركة بين الحروب»، في إشارة إلى العمليات العسكرية العلنية والسرية، مثل الاغتيالات والغارات الجوية في سوريا خصوصاً. وكتب آيزنكوت في مقدمة الوثيقة المعدلة إن «غايتنا هي الدفاع والانتصار». واعتبرت الوثيقة الاستراتيجية الأصلية الصراع مع إيران وأذرعها في سوريا ولبنان وغيرها بمثابة الخطر الأكبر، مع بعض التفاؤل بالتوصل إلى اتفاق نووي بين إيران والدول الكبرى. وكان موقف الجيش الإسرائيلي آنذاك «أكثر تفاؤلاً» من موقف رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، الذي رفض هذه المفاوضات بين الدول الكبرى وإيران، ولاحقاً الاتفاق الذي تم التوصل إليه. أما الوثيقة المعدلة، فأشارت إلى «إسهام إيران السلبي في مجالات أخرى»، تتمثل بإرساء «محور تأثير شيعي» وإمكانية نشوء احتمال لتهديد تقليدي خطير، بواسطة نشر «ميليشيات شيعية عند حدود إسرائيل وسوريا في الجولان». وقالت الوثيقة: إن هذا «تهديد يتعزز». لكنها وضعت الساحة الفلسطينية قبل الجبهة الإيرانية من حيث خطر سرعة الاشتعال.
وتتحدث الوثيقة المعدلة عن تحسب الجيش الإسرائيلي من «النيران الدقيقة للعدو»، التي من شأنها إلحاق أضرار بالبنية التحتية الإسرائيلية، وشراء أسلحة متطورة من شأنها تقييد قدرة الاجتياح البري الإسرائيلي، و«تهديد السايبر» من جانب جهات كثيرة، مشيرة أيضاً إلى أن هناك «توجهاً متواصلاً ويتعزز باستمرار بنقل القتال إلى أراضينا».
ويربط مراقبون إسرائيليون بين هذه التقييمات وبين التدهور المتواصل في العلاقات الأميركية – الفلسطينية، والتي ارتفعت درجة أخرى إثر تصريحات الرئيس ترمب، قبيل لقائه مع نتنياهو في دافوس، أول من أمس، والهجوم الشخصي على الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، والرد الفلسطيني عليها. ويلاحظ أن عباس ونتنياهو باتا يواجهان تساؤلات، كل في شارعه، حول «الخطوة القادمة بعد تأجيج الصراع». ففي إسرائيل، يتساءل اليمين: ما الذي قصده ترمب عندما قال: إن إسرائيل ستدفع ثمناً مقابل الاعتراف بالقدس عاصمة؟ ويتساءل أنصار السياسة الوسطية والليبرالية واليسارية: لماذا يجب أن نفرح في سياسة حشر الفلسطينيين في الزاوية بلا أمل؟ فإسرائيل هي التي ستتلقى نتائج انفجار الغضب الفلسطيني. بينما التساؤلات في الطرف الفلسطيني تركز على ما المصلحة في استمرار التصعيد مع الولايات المتحدة، وكيف يمكن النزول عن شجرة هذه المواجهة العالية؟ ولماذا لا تقترح فلسطين أن تتولى الرباعية الدولية شؤون إدارة المفاوضات، حيث الولايات المتحدة شريكة، بدلاً من الإعلان عن رفض الولايات المتحدة تماماً كوسيط ومقاطعتها؟
ونُشرت تقديرات في إسرائيل، أمس، تقول إن الإدارة الأميركية تفكر في توجيه ضربات سياسية ودبلوماسية أخرى للفلسطينيين إذا استمر التدهور، مثل إغلاق مكتب منظمة التحرير في الولايات المتحدة وإغلاق ممثليتها في واشنطن وفرض عقوبات على شخصيات قيادية بشبهة الإرهاب، بالإضافة إلى إجراءات أخرى.



«الصحة العالمية» تحذّر من «نقص حادّ» في المواد الأساسية بشمال قطاع غزة

منظمة الصحة العالمية تطالب إسرائيل بالسماح بإدخال مزيد من المساعدات إلى غزة (أ.ب)
منظمة الصحة العالمية تطالب إسرائيل بالسماح بإدخال مزيد من المساعدات إلى غزة (أ.ب)
TT

«الصحة العالمية» تحذّر من «نقص حادّ» في المواد الأساسية بشمال قطاع غزة

منظمة الصحة العالمية تطالب إسرائيل بالسماح بإدخال مزيد من المساعدات إلى غزة (أ.ب)
منظمة الصحة العالمية تطالب إسرائيل بالسماح بإدخال مزيد من المساعدات إلى غزة (أ.ب)

حذّرت منظمة الصحة العالمية، اليوم الخميس، من أنّ قطاع غزة، ولا سيّما شطره الشمالي، يعاني نقصاً حادّاً في الأدوية والأغذية والوقود والمأوى، مطالبة إسرائيل بالسماح بدخول مزيد من المساعدات إليه، وتسهيل العمليات الإنسانية فيه.

ووفقاً لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، وصفت المنظمة الأممية الوضع على الأرض بأنه «كارثي».

وقال المدير العام للمنظمة تيدروس أدهانوم غيبريسوس إنه عندما اندلعت الحرب في غزة، قبل أكثر من عام في أعقاب الهجوم غير المسبوق الذي شنّته حركة «حماس» على جنوب إسرائيل، في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، لجأ تقريباً جميع الذين نزحوا بسبب النزاع إلى مبان عامة أو أقاموا لدى أقارب لهم.

وأضاف، في مؤتمر صحافي بمقرّ المنظمة في جنيف: «الآن، يعيش 90 في المائة منهم في خيم».

وأوضح أن «هذا الأمر يجعلهم عرضة لأمراض الجهاز التنفّسي وغيرها، في حين يتوقّع أن يؤدّي الطقس البارد والأمطار والفيضانات إلى تفاقم انعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية».

وحذّر تيدروس من أن الوضع مروِّع بشكل خاص في شمال غزة، حيث بدأ الجيش الإسرائيلي عملية واسعة، مطلع أكتوبر الماضي.

وكان تقريرٌ أُعِدّ بدعم من الأمم المتّحدة قد حذّر، في وقت سابق من هذا الشهر، من أن شبح المجاعة يخيّم على شمال قطاع غزة؛ حيث اشتدّ القصف والمعارك، وتوقّف وصول المساعدات الغذائية بصورة تامة تقريباً.

وقام فريق من منظمة الصحة العالمية وشركائها، هذا الأسبوع، بزيارة إلى شمال قطاع غزة استمرّت ثلاثة أيام، وجالَ خلالها على أكثر من 12 مرفقاً صحياً.

وقال تيدروس إن الفريق رأى «عدداً كبيراً من مرضى الصدمات، وعدداً متزايداً من المصابين بأمراض مزمنة الذين يحتاجون إلى العلاج». وأضاف: «هناك نقص حادّ في الأدوية الأساسية».

ولفت المدير العام إلى أن منظمته «تفعل كلّ ما في وسعها - كلّ ما تسمح لنا إسرائيل بفعله - لتقديم الخدمات الصحية والإمدادات».

من جهته، قال ريك بيبركورن، ممثّل منظمة الصحة العالمية في الأراضي الفلسطينية، للصحافيين، إنّه من أصل 22 مهمّة إلى شمال قطاع غزة، قدّمت طلبات بشأنها، في نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، جرى تسهيل تسع مهام فقط.

وأضاف أنّه من المقرّر أن تُجرى، السبت، مهمّة إلى المستشفيين الوحيدين، اللذين ما زالا يعملان «بالحد الأدنى» في شمال قطاع غزة؛ وهما مستشفى كمال عدوان ومستشفى العودة، معرباً عن أمله في ألا تحدث عرقلة لهذه المهمة.

وقال بيبركورن إنّ هذين المستشفيين «بحاجة إلى كل شيء»، ويعانيان بالخصوص نقصاً شديداً في الوقود، محذراً من أنّه «دون وقود لا توجد عمليات إنسانية على الإطلاق».

وفي الجانب الإيجابي، قال بيبركورن إنّ منظمة الصحة العالمية سهّلت، هذا الأسبوع، إخلاء 17 مريضاً من قطاع غزة إلى الأردن، يُفترض أن يتوجه 12 منهم إلى الولايات المتحدة لتلقّي العلاج.

وأوضح أن هؤلاء المرضى هم من بين نحو 300 مريض تمكنوا من مغادرة القطاع منذ أن أغلقت إسرائيل معبر رفح الحدودي الرئيسي في مطلع مايو (أيار) الماضي.

لكنّ نحو 12 ألف مريض ما زالوا ينتظرون، في القطاع، إجلاءهم لأسباب طبية، وفقاً لبيبركورن الذي طالب بتوفير ممرات آمنة لإخراج المرضى من القطاع.

وقال: «إذا استمررنا على هذا المنوال، فسوف نكون مشغولين، طوال السنوات العشر المقبلة».