المغربي علي بادو كان أستاذاً لماكرون والحب الأول لابنة ميتران

هجر تدريس السياسة وصار نجماً تلفزيونياً والصهر المفضل للفرنسيين

علي بادو ومازارين - الأستاذ المغربي الذي درس على يديه الرئيس ماكرون
علي بادو ومازارين - الأستاذ المغربي الذي درس على يديه الرئيس ماكرون
TT

المغربي علي بادو كان أستاذاً لماكرون والحب الأول لابنة ميتران

علي بادو ومازارين - الأستاذ المغربي الذي درس على يديه الرئيس ماكرون
علي بادو ومازارين - الأستاذ المغربي الذي درس على يديه الرئيس ماكرون

ظل الفرنسيون، لعدة عقود، يخصون النجم التلفزيوني ميشال دروكير بلقب «الصهر المثالي»، أي الزوج الذي يتمناه الآباء والأمهات لبناتهم، إلى أن تمكن شاب يحمل الجنسيتين المغربية والفرنسية من انتزاع اللقب بعد ظهوره على شاشة التلفزيون كأحد المشاركين في برنامج «النشرة الكبرى» على «كانال بلوس». كان ذلك قبل 10 سنوات، حين لفت علي بادو أنظار المشاهدين بسعة ثقافته المترافقة مع ابتسامة جميلة وتواضع جم. لكن ظهور الشاب المغربي في وسائل الإعلام كان قد سبق عمله في التلفزيون بسنوات، فقد نشرت مجلة «باري ماتش» الواسعة الانتشار صورته على غلافها أوائل تسعينات القرن الماضي باعتباره زميل مازارين، ابنة الرئيس الأسبق فرنسوا ميتران، والحب الأول في حياتها. وقد كان مقدراً له أن يكون «صهر الجمهورية»، لولا أنهما انفصلا بعد 4 سنوات، لتتزوج مازارين من مغربي آخر، وتنفصل عنه لاحقاً.
وواصل علي بادو مسيرة تفوقه، ليحصل على التأهل لتدريس الفلسفة وهو في سن الـ23 عاماً، قبل أن يتفرغ للعمل الإعلامي، ويواصل إلقاء المحاضرات في معهد العلوم السياسية العريق في باريس. وكان له برنامجه اليومي الذي يشرف فيه على فريق متميز من الصحافيين والمعلقين، ويستضيف الشخصيات التي تصنع الأحداث في حوار خالٍ من الرسميات، وبنبرة تغلب عليها الأسئلة الجريئة وبعض الفكاهة. وقد تعززت صورته يوم تناقش بشكل صريح وشجاع مع الروائي الفرنسي ميشال ولبيك، صاحب رواية «خضوع» التي أثارت كثيراً من اللغط لهجومها على العقائد. وفي حين تبارى بقية المشاركين في البرنامج في إشادتهم بجرأة المؤلف الشهير، فإن بادو اعترض على الرواية، وقال للكاتب: «روايتك أقلقتني، وقد شعرت بالإهانة لمجرد أن اسمي علي. أنا أنتمي إلى الثقافة الإسلامية، وأحب الكتب، ومن هذا المنطلق قرأت روايتك، فوجدت نفسي - كمسلم - لا همّ لي سوى الزواج بأربع نساء وحبسهن في المنزل، وفرض قانوني على الجميع رغماً عنهم؛ إن روايتك معادية للإسلام بشكل واضح». ويقدم بادو، حالياً، برنامجاً أسبوعياً على قناة «فرانس 5»، وثانياً في محطة «فرانس كولتور»، مع مقابلة يجريها مع أحد السياسيين كل جمعة لإذاعة «فرانس أنتير». وبعد انتخاب إيمانويل ماكرون، أدلى بادو بحديث لمجلة «فانيتي فير»، كشف فيه أن عدداً من تلاميذه صاروا وزراء ومستشارين، كما أنه كان أستاذاً للرئيس الفرنسي الجديد في معهد العلوم السياسية، ووصفه بأنه كان «طالباً لامعاً يطرح أفكاراً أصيلة متماسكة تعكس نضجاً كبيراً». ولد علي بادو في باريس، لأب كان يعمل في السلك الدبلوماسي، وكان جدّاه - من ناحية أبيه وأمه - مقاتلين في سبيل تحرر المغرب واستقلاله عن فرنسا، عرفا النفي والمطاردة، وصار أحدهما مديراً للمراسم في بلاط الملك محمد الخامس، جد العاهل المغربي الحالي. وقد أنهى الثانوية في مدرسة «هنري الرابع» الخاصة بالمتفوقين. وبحكم عمل والده في عدة بلدان في العالم، بالإضافة إلى المغرب، ومنها الولايات المتحدة التي عاش فيها أربع سنوات، حتى بلوغه الثامنة، أتقن اللغة الإنجليزية وغيرها من اللغات الأوروبية. ولما جرى تعيين أبيه سفيراً للمغرب في السويد، اختار الابن البقاء في باريس لاستكمال دراسته. أما ابنة عمه ياسمينة بدو، فهي محامية معروفة، وكانت وزيرة للصحة. لذلك نشأ علي بادو في ظل تاريخ عائلي وارف ساهم في صياغة شخصيته.
وقال عنه ميشال دينيزو، المسؤول السابق عن «كانال بلوس»: «اكتشفت علي بادو بفضل زوجتي التي تعتبر من المستمعين الأوفياء للراديو. وكانت قد استمعت إليه يقدم ملاحظات نقدية عن الكتب الجديدة، ولفتت انتباهي إلى أن هذا الولد يملك ثقافة عالية ونظرات ثاقبة ومدهشة للأدب».
واليوم، ينتمي علي إلى «الموجة الجديدة» من نجوم التلفزيون. وبخلاف ثقافته ودأبه، يتميز بمقدرة على إشاعة جو من المرح حتى في أكثر الموضوعات ثقلاً، دون أن يسقط في فخ التهريج والإسفاف. فمن المعروف أن الإسفاف والتهريج صارا من الدعائم التي يتسلق عليها عدد من مقدمي البرامج في كثير من القنوات الفرنسية. ونظراً لاهتمام بادو بقضايا العنصرية، لا سيما التمييز ضد العرب، فقد سبق للوزير جاك لانج أن اختاره لمهمات تتعلق بمنح فرص للمثقفين المتحدرين من أوساط الهجرة. لكن مسيرة الولد المغربي الذي يبلغ اليوم من العمر 43 عاماً لم تكن كلها 10 على 10. فقبل سنتين، كشفت السلطات شبكة لبيع رخص مزورة لقيادة السيارات، وورد اسم النجم التلفزيوني بين الذين استفادوا منها، فاضطر إلى نشر تغريدة يعتذر فيها عن تلك الجنحة. وعلى الصعيد العائلي، ارتبط بالممثلة شارلوت لوبون، وأعلنا خطوبتهما، قبل أن ينفصلا بعد 9 سنوات من الحياة المشتركة. وبهذا، يعود علي بادو إلى خانة العزاب المرشحين للقب «الصهر المثالي» مجدداً.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».