إشارات المرور الضوئية تحتفل بمرور 150 عاماً على بدء العمل بها

فكرة التواصل بين السيارات عبر التكنولوجيا الذكية خطوة لإلغائها

تنظيم الحركة - أول إشارة مرور تعمل بالغاز في لندن
تنظيم الحركة - أول إشارة مرور تعمل بالغاز في لندن
TT

إشارات المرور الضوئية تحتفل بمرور 150 عاماً على بدء العمل بها

تنظيم الحركة - أول إشارة مرور تعمل بالغاز في لندن
تنظيم الحركة - أول إشارة مرور تعمل بالغاز في لندن

تخيل مجموعة من الناس دخلت في نقاش حامٍ في غرفة مغلقة. قد يتحول النقاش إلى فوضى عارمة لو لم يكن هناك من يدير دفة الحوار. في وضع كهذا خارج نطاق السيطرة، لن تسمع سوى الصراخ والضوضاء العشوائي، والسبب هو أن كل من بالغرفة يريد يدلي بدلوه في الوقت ذاته، وسيحاول كل منهم التعبير عن وجهة نظره من دون مراعاة لما يريد أن يقوله الطرف الآخر. وفي مناخ كهذا لا بد أن ينتهي الأمر بفوضى عارمة.
الآن تخيل الأمر نفسه يحدث على طرقنا وفي شوارعنا، واستبدل بالناس المركباتِ في مخيلتك. لو أن الناس قادت مركباتها بصورة عشوائية من دون مراعاة لغيرها من المركبات على الطريق، فسوف ينتهي الأمر بنفس الفوضى، وربما يؤدي إلى حوادث تفضي في النهاية إلى كوارث.
وفي مخيلتك أيضاً قم بإدخال إشارات المرور لتحل محل منسِّق الحوار على الطريق، وسوف تتولى تلك الإشارات أمر التحكم في أعداد السيارات المتزايدة على الطريق ومن شأن ذلك أن يمنع الحوادث. إشارات المرور الضوئية تحتفل هذا العام بمرور 150 عاماً على اختراعها لتنظيم الحركة ومنع الفوضى والحوادث. وكانت أول إشارة مرور كهربائية في لندن عام 1925، والآن يوجد في وسط لندن 6300 إشارة مرور حيث يشكو سائقو التاكسي من الانتظار لساعات في الشوارع للمرور إذ إن معظم تلك الإشارات متصلة بالكومبيوتر لتنظيم سير الحركة في عاصمة الضباب، وقال صاحب تاكسي أسود لـ«بي بي سي»: «هنالك عدد كبير من الإشارات التي تؤدي إلى زحمة في الشوارع وانتظار قد يطول لعبور الإشارة».
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه الآن: «إلى أي مدى سوف تؤثر التكنولوجيا الذكية في حياتنا أو بالأحرى الاستغناء عن إشارات المرور في حياتنا اليومية».
الرد على ذلك يأتي عندما أعلنت شركة «فورد موتور كورب» ثاني أكبر منتج سيارات في الولايات المتحدة، اعتزامها إطلاق منصة رقمية اعتماداً على تكنولوجيا الحوسبة السحابية، لتتيح لمختلف مكونات منظومة النقل داخل المدينة العمل معاً من أجل ضمان حركة أكثر أمناً وفاعلية للناس. وستتيح المنصة تبادل البيانات الفورية بين مختلف وسائل النقل والناس المرتبطة بها، مثل نقل رسالة من السيارات الشخصية إلى المشاة وركاب الدراجات والإشارات الضوئية وأماكن انتظار السيارات.
وكان موقع «موتور تريند»، المتخصص في موضوعات التكنولوجيا، قد ذكر أن «فورد» تمضي بفكرة التواصل بين السيارات خطوات أبعد مما هو معروف الآن من تبادل السيارات بيانات حركة المرور والتحذير من مخاطر الطريق. فالتبادل الفوري والمباشر للبيانات والاتصالات الذي توفره المنصة المقترحة سيحسن حركة المرور في كثير من الشوارع وتقليل الزحام في المدن. في الوقت نفسه، سيكون في مقدور مطوري البرمجيات وشركات التكنولوجيا الاستفادة من قدرات هذه المنصة لتوفير المزيد من الخدمات للعملاء، بهدف تسهيل قيادة السيارات بصورة أكبر.
في الوقت نفسه، يمكن للمشاة إرسال إشارات إلى السيارة من خلال هواتفهم الجوالة، وهو ما يساعد السائقين في التعرف إلى وجودهم في الطريق. كما يمكن للإشارات الضوئية في المستقبل أن تحذر السيارات من احتمال وقوع حادث أو مواجهة موقف خطير لمنع المزيد من المشكلات على الطريق. كما يمكن للتكنولوجيا الحديثة المساعدة في مكافحة التلوث من خلال السماح للمدن بتحديد مناطق لا يسمح فيها بسير السيارات التقليدية، وقصرها على السيارات الكهربائية. كما توجد تطبيقات أخرى تتيح إدارة الهوية ومعالجة المدفوعات والخدمات الأخرى.
من جهة أخرى، قررت شركة خدمات الإنترنت والبرمجيات الأميركية «غوغل» إضافة تطبيقها للأوامر الصوتية المسموعة «غوغل أسيستنت» إلى نظام تشغيل النظام الرقمي في السيارات «أندرويد أوتو».
وبحسب موقع «سي نت دوت كوم»، فإن «غوغل» ستطرح النسخة الجديدة من نظام التشغيل «أندرويد أوتو» المزود بتطبيق «غوغل أسيستنت» في الولايات المتحدة خلال أيام.
لكن دعونا الآن وبمرور 150 عاماً لنلقي نظرة على تطور إشارات المرور عبر الزمان وكيف هذا العلامات الضوئية أمّنت حياة الناس من الحوادث والفوضى في الشوارع.
أول إشارة مرور بالغاز:
رغم أن الغرض من إشارة المرور تنظيم تدفق السيارات، فقد ظهرت إشارات المرور قبل اختراع السيارات بزمن طويل. تعود إشارات المرور إلى القرن التاسع عشر، فقد جرى تركيب أول إشارة ضوئية تعمل بالغاز في 10 ديسمبر (كانون الأول) 1868، وكان ذلك خارج مبني البرلمان في لندن. كان ذلك التصميم من ابتكار مهندس السكك الحديدية البريطاني (جي بي نايت)، وكان الغرض منه تنظيم حركة السيارات التي تجرها الخيول بتلك المنطقة، والسماح للمشاة بعبور الطريق بأمان.
كانت إشارات المرور التي تعمل بالغاز تحتاج إلى من يديرها باليد، وكانت تلك مهمة ضابط الشرطة. في الصباح، كان الضابط يستخدم ما يُعرَف بعمود الإشارة ليرفعها تارة ويخفضها تارة ليعطي الأوامر بالمرور أو التوقف. وفي المساء، وبدلاً من استخدام الذراع، كان يجري استخدام الإشارات التي تعمل بالغاز لتضيء باللون الأحمر وكان يعني الخطر أو الحذر، فيما كان اللون الأخضر يرمز إلى الطمأنينة والأمان كما هو معروف في أغلب الثقافات. ولأن تلك الإشارات كانت تعمل بالغاز، فكثيراً ما حدثت انفجارات خلال ساعات الليل لتصيب ضباط الشرطة الذين يديرونها بالجروح. ولذلك لم تكن الإشارات التي تعمل بالغاز آمنة بالقدر الكافي.
إشارة مرور كهربائية:
تطور العالم بصورة سريعة مع بداية القرن العشرين، ومع تطور الصناعة، أصبحت المدن أكثر ازدحاماً، ومع اختراع السيارات، ارتفعت معدلات الحركة على الطرق بدرجة كبيرة، ولذلك ظهرت الحاجة إلى نظام مروري أفضل.
في عام 2012، ابتكر رجل شرطة أميركي يدعى ليستر واير أول إشارة مرور تعمل بالكهرباء، وكان الدافع من ذلك هو قلقه من تزايد حركة المرور. جرى تثبيت أول إشارة مرور كهربائية بمدينة كليفلاند بولاية أوهايو، في 5 أغسطس (آب) 1914 عند تقاطع شارعي 105 وأوكليد أفينيو.
في تلك الفترة، قيل إن ذلك الاختراع سيمثِّل طفرة وانقلاباً في المرور بالمدن المزدحمة. وبالفعل فإن إشارات المرور الحالية لا تزال تعمل بالنظام نفسه الذي ابتكره الضابط الأميركي رغم مرور أكثر من مائة عام على اختراعها، حيث حلّت الذكرى الأولى بعد المائة لأول استخدام لها في 5 أغسطس 2015، وهي المناسبة التي احتفل بها موقع البحث العالمي «غوغل دودل».
كانت أول إشارة مرور تعمل فقط باللونين الأخضر والأحمر، ولم تكن تشمل اللون الأصفر، مثلما هو الحال في إشارات المرور الحديثة المستخدمة اليوم حيث عادت الإشارات إلى استخدام لونين فقط. وبدلاً من اللون الأصفر، كانت الإشارات يصدر عنها طنين للدلالة على أن لون الإشارة سيتغير بعد قليل.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».