جديد تصميمات الأثاث... روبوت للنوم ومصابيح تجمع بين الإضاءة والنباتات

في المعرض الدولي للأثاث في كولون

«روبوت النوم» وسادة تنظم تنفس الإنسان وتعزف موسيقى خافتة وتطلق صوت تحذير عند إطلاق النائم شخيراً عالياً (إ.ب.أ)
«روبوت النوم» وسادة تنظم تنفس الإنسان وتعزف موسيقى خافتة وتطلق صوت تحذير عند إطلاق النائم شخيراً عالياً (إ.ب.أ)
TT

جديد تصميمات الأثاث... روبوت للنوم ومصابيح تجمع بين الإضاءة والنباتات

«روبوت النوم» وسادة تنظم تنفس الإنسان وتعزف موسيقى خافتة وتطلق صوت تحذير عند إطلاق النائم شخيراً عالياً (إ.ب.أ)
«روبوت النوم» وسادة تنظم تنفس الإنسان وتعزف موسيقى خافتة وتطلق صوت تحذير عند إطلاق النائم شخيراً عالياً (إ.ب.أ)

في أكبر معرض للأثاث من نوعه في العالم في كولون (15 - 21 يناير/ كانون الثاني الحالي)، تم عرض المناضد والكراسي بلا ديكور، وبدت الأسرة مثل هياكل عظمية لا حشية فيها ولا قماش. ويقول المسؤولون عن المعرض: إن ما يراه الزائر يعبر عن «الفردانية» التي تعبر عن أهم النزعات السائدة في عالم أثاث اليوم.
وذكر ماركوس ماجيروس، المتحدث الرسمي باسم المعرض، أن الزبون في عالم أثاث اليوم هو الذي يقرر نوع الحشية في السرير، ويقرر ارتفاعه، ونوع القماش المستخدم فيه. وهذه هي أقصى الفردانية، التي تعني تفوق «الأنا» على الموديلات التي تطرحها الشركات.
ويضيف ماجيروس: «كنا في السابق نعيش كما ترسمه لنا مجلات التصاميم الداخلية لبيوت، لكننا اليوم نود الحصول على أكبر قدر من البساطة والراحة؛ ولذلك نختار أثاثنا ونوزعه بحسب إرادتنا».
وشارك في معرض الأثاث الدولي (إم م) أكثر من 1270 شركة من 50 بلداً، عرضت أكثر من 20 ألف قطعة أثاث جديدة ومبتكرة. ويشاهد الزائر في قاعات المعرض الـ11 كل ما يمكن أن يخطر على البال من قطع الأثاث والستائر والمصابيح والسجاد...إلخ
وبعد سيادة قطع الأثاث المتعددة الوظائف، مثل منضدة الطعام التي تتحول إلى طاولة مكتب بلمسة زر، وغلبة المعادن على الخشب، يشهد معرض هذا العام عودة إلى الخشب الطبيعي، وإلى المواد الجديدة المبتكرة التي تستجيب للنزعات السائدة.

الزبون يقرر

في القاعة 11 عرضت شركة «م د ف» الإيطالية كنبة خضراء تعبر أفضل تعبير عن نزعات المعرض الحالي. فالكنبة القائمة الزاوية المسماة «كوزي» تبدو وكأنها منقسمة في الوسط، لكن يورغ سينمان، ممثل الشركة، يقول: إنه مجرد خداع بصري؛ لأن الكنبة عبارة عن قطعة واحدة.
والكنبة عريضة قياساً بالكنبات التقليدية؛ لأن الموضة تتطلب ذلك، ولكن هناك وسائد مساعدة توفر للجالس الاتكاء بكل راحة. كما أن الزبون يقرر ارتفاع قوائم الكنبة، ويمكنه أن يختار بين 45 و64 سم. وأنتجت الشركة بعض هذه الكنبات، بحسب رغبة الزبون بحيث يمكن الجلوس عليها من جانبين. كما أنتجت نسخة أخرى من مواد لا تتأثر بضوء الشمس والعوامل المناخية، وتصلح للجلوس في الصالة شتاء، وللجلوس في الحديقة صيفاً.
وفي الأسرة، عرضت شركة «ليف» الألمانية هياكل أسرة تاركة للزبون حرية اختيار الألوان والمواد الأخرى. وقال ممثل الشركة فينفريد نيللنغ: إن الشركة صارت تبيع ألف سرير من هذه الأسرة الفاخرة في السنة، وتحقق دخلاً بالملايين منها. وهي أسرة يمكن تحويل جزء منها إلى مقعد مريح، ويمكن للزبون التلاعب بارتفاعها كما يريد.
ويستطيع الزائر في القاعة رقم 2 أن يتجول في «البيت 2018» من تصميم الفنانة التشيكية لوسي كولدونا. ويعبر البيت عن النزعات السائدة في المعرض، فهناك ألوان وتصاميم وديكور خاص بكل غرفة ويعبر عن وظيفة الغرفة في الحياة اليومية. يمتد البيت على مساحة 180 متراً مربعاً، والمطبخ مفتوح على الصالة التي أثثت بقطع أثاث تتيح تحويله إلى قاعة احتفالات أو غرفة نوم.

خمسة اتجاهات سائدة

وتحدث هوبرتوس كلاوس، من اتحاد صناعة الأثاث الألماني، عن خمسة اتجاهات رئيسية في معرض أثاث 2018، وهي الراحة والبساطة والنعومة والفردانية والإنارة، إضافة إلى نزعات أصغر تتمثل في اختيار المواد الجديدة والطبيعية ودمج الإلكترونيات في قطع الأثاث.
وبدلاً من مصادر الضوء الكبيرة في الغرف، تعرض الشركات اليوم طريقة الإنارة باستخدام المصابيح الصغيرة الكثيرة المبثوثة بين وداخل قطع الأثاث. وتتنوع هذه الإنارة بين الإنارة الطبيعية باستخدام ضوء الشمس، واستخدام «الأضوية» التي تنيرها البطاريات الصغيرة المدمجة.
ويضيف كلاوس، أن النزوع إلى الراحة والبساطة والفردانية يعبر عن حاجة الإنسان إليها في زمن الإرهاب والتوتر والزحام القائم خارج البيت. ويريد الناس لذلك قطع أثاث بسيطة في الصالون مثل قطع الأثاث «الاسكندنافية»، متينة، وصالحة لكل الغرف. كما يبحث الناس اليوم عن إضاءة مريحة تبعث على الهدوء أقرب ما تكون إلى ضوء الشموع في زمن الشاعر غوته (القرن الثامن عشر).
وفي المواد الجديدة عرضت شركة «غازدا» من البوسنة قطع أثاث من الخشب الحقيقي المتين والصقيل المكسو بطبقة من «لينوليوم». وذكر سينادا بيزيتش، المتحدث الصحافي باسم الشركة، أن اللينوليوم عبارة عن مزيج من زيت الكتان ومسحوق الفليّن. وهي مادة تكسو قطع أثاث شركته وتجعلها صقيلة وناعمة بشكل استثنائي. ولهذا؛ فإن سعر الكرسي من هذا النوع لا يقل عن 390 يورو، كما يقول بيزيتش.
وبعد الخشب السائل إلى يصب في قوالب، والكرتون المقوى أكثر من الخشب، عرضت شركة «فيتو» النمساوية المتخصصة في صناعة أثاث الحدائق مواد مصنوعة من «غوران» وهو عبارة عن حصو مطحون تم تحويله إلى مادة صلبة كالإسمنت باستخدام زيت الأكريل. وتقول مصادر الشركة إنها كراسي ومناضد لا تتأثر بالطقس ولا تكتسب حرارة أو برودة الطقس. والمهم أنها ليست ثقيلة رغم بنيتها الصخرية لأن عجينة طحين الحصو وزيت الأكريل صنعت فجوات هوائية صغيرة داخلها.
الرقمية في الأثاث

وطبيعي لا يمكن الحديث عن قطع الأثاث الجديدة وإغفال التقنية التي ما انفكت تتخلل أجزاؤها في كل معرض. وبعد محطات تعبئة الجوال واللابتوب المدمجة في الأسرة والمناضد امتدت النزعة اليوم إلى الكنبات والمقاعد والمرايا.
وزودت شركة «نيوتندسي» الألمانية مقاعد الطعام بمحطة صغير «غير مرئية» مدمجة يمكن للجالس أن يعبئ هاتفه الجوال منها. وكما في كراسي الراحة، ومقاعد المكاتب، حرصت الشركة على جعل مقاعد مائدة الطعام متحركة ومتغيرة الوضع كي يستخدمها الجالس للراحة أو الاستلقاء أو العمل.
ولأن الإنسان يقضي نحو 40 دقيقة يومياً في الحمام، فقد زودت شركة «بورغباد» الألمانية (القاعة 4) مرآة الحمام بأزرار مدمجة للتحكم بالإضاءة وتشغيل الأجهزة بطريقة اللمس لاسلكياً. ويستطيع المرء في الحمام التحكم بالإضاءة بين الخافتة المريحة للنوم في البانيو، أو البيضاء القوية أثناء الحلاقة عن طريق المرآة.
وتود شركة «أويبنغ» (القاعة 9) مساعدة ملايين الألمان الذين يعانون من الأرق عن طريق استخدام «روبوت النوم». وهذا الروبوت عبارة عن وسادة لا يزيد طولها على 40 سم، قادرة على تنظيم تنفس الإنسان عند حضنها من قبل النائم على صدره. كما يمكن للوسادة أن تعزف موسيقى خافتة، وأن تطلق صوت تحذير عن إطلاق النائم شخيراً عالياً. (السعر550 يورو).
و«البيوتوب» عبارة عن أوان زجاجية مكورة تشبه القناني تجري فيها تنمية النباتات الجميلة، وتوفر الإنارة في الغرف مثل المصابيح. وفضلاً عن العنصر الجمالي في الموضوع؛ فالنباتات تستمد الطاقة الضوئية من المصباح الصغير داخلـ«البيوتوب»، وتنير الغرف بأقل ما يمكن من الطاقة.
قطاع الأثاث ينتقل إلى الإنترنت

لا تزيد مبيعات شركات الأثاث الأوروبية عن طريق الإنترنت على نسبة 5.9 في المائة من مجموع المبيعات، بحسب اتحاد صناعة الأثاث الأوروبي. هذا، بينما ترتفع مبيعات قطاع الملابس والأحذية على الإنترنت إلى 25 في المائة.
ولهذا؛ يخطط قطاع الأثاث لتحقيق قفزة في المبيعات على الشبكة العنكبوتية بمساعدة تطبيقات لـ«سمارت فون» تتيح تصوير قطعة الأثاث ووضعها في عالم افتراضي يشبه غرفة أو بيت الزبون، وكل ذلك بالأحجام والألوان المناسبة.
ويستشهد هوبرتوس كلاوس، من اتحاد قطاع الأثاث، باستطلاع للرأي أجراه معهد «كانتار» لأبحاث السوق تقول: إن 48 في المائة من الزبائن يرون أن مثل هذا التطبيق قد يشجعهم على شراء قطع الأثاث على الإنترنت.
مع ذلك، فالنتائج مشجعة، ويقول 37 في المائة من الألمان إنهم اشتروا قطعة أثاث واحدة في الأقل على الإنترنت في السنوات العشر الأخيرة. وتنظر نسبة 32 في المائة بقلق إلى صورة قطعة الأثاث على الإنترنت ومدى انطباقها مع الواقع. إذ لا يحبذ الناس شراء الأثاث في الواقع الافتراضي ويفضلون الشراء في العالم الواقعي. ويرى كلاوس، أن على قطاع الأثاث أن يكون أكثر تحفظاً كلما زادت عروضه على الإنترنت؛ لأن الزبون لا يرى سوى صورة صغيرة من قطعة الأثاث.
وينتظر أن يجتذب المعرض أكثر من 300 ألف زائر ومختص وصحافي خلال أيامه الخمسة. ويخصص المعرض نهاية الأسبوع المقبلة فقط للزوار الاعتياديين.


مقالات ذات صلة

من الرياض... مبادرة من 15 دولة لتعزيز «نزاهة المحتوى عبر الإنترنت»

الخليج «منتدى حوكمة الإنترنت» التابع للأمم المتحدة تستضيفه السعودية بدءاً من اليوم الأحد وحتى 19 من الشهر الجاري (الشرق الأوسط)

من الرياض... مبادرة من 15 دولة لتعزيز «نزاهة المحتوى عبر الإنترنت»

صادقت 15 دولة من الدول الأعضاء في منظمة التعاون الرقمي، على إطلاق مبادرة استراتيجية متعددة الأطراف لتعزيز «نزاهة المحتوى عبر الإنترنت».

غازي الحارثي (الرياض)
يوميات الشرق الجهاز الجديد يتميز بقدرته على العمل ميدانياً مباشرة في المواقع الزراعية (جامعة ستانفورد)

جهاز مبتكر ينتِج من الهواء مكوناً أساسياً في الأسمدة

أعلن فريق بحثي مشترك من جامعتَي «ستانفورد» الأميركية، و«الملك فهد للبترول والمعادن» السعودية، عن ابتكار جهاز لإنتاج الأمونيا.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
تكنولوجيا تيم كوك في صورة جماعية مع طالبات أكاديمية «أبل» في العاصمة السعودية الرياض (الشرق الأوسط)

رئيس «أبل» للمطورين الشباب في المنطقة: احتضنوا العملية... وابحثوا عن المتعة في الرحلة

نصح تيم كوك، الرئيس التنفيذي لشركة «أبل»، مطوري التطبيقات في المنطقة باحتضان العملية بدلاً من التركيز على النتائج.

مساعد الزياني (دبي)
تكنولوجيا خوارزمية «تيك توك» تُحدث ثورة في تجربة المستخدم مقدمة محتوى مخصصاً بدقة عالية بفضل الذكاء الاصطناعي (أ.ف.ب)

خوارزمية «تيك توك» سر نجاح التطبيق وتحدياته المستقبلية

بينما تواجه «تيك توك» (TikTok) معركة قانونية مع الحكومة الأميركية، يظل العنصر الأبرز الذي ساهم في نجاح التطبيق عالمياً هو خوارزميته العبقرية. هذه الخوارزمية…

عبد العزيز الرشيد (الرياض)
خاص تم تحسين هذه النماذج لمحاكاة سيناريوهات المناخ مثل توقع مسارات الأعاصير مما يسهم في تعزيز الاستعداد للكوارث (شاترستوك)

خاص «آي بي إم» و«ناسا» تسخّران نماذج الذكاء الاصطناعي لمواجهة التحديات المناخية

«الشرق الأوسط» تزور مختبرات أبحاث «IBM» في زيوريخ وتطلع على أحدث نماذج الذكاء الاصطناعي لفهم ديناميكيات المناخ والتنبؤ به.

نسيم رمضان (زيوريخ)

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».