«المنسي» عيسى عبيد... طموح حداثي في مستهل القرن الماضي

صدرت أولى مجموعاته القصصية في 1921

«المنسي» عيسى عبيد... طموح حداثي في مستهل القرن الماضي
TT

«المنسي» عيسى عبيد... طموح حداثي في مستهل القرن الماضي

«المنسي» عيسى عبيد... طموح حداثي في مستهل القرن الماضي

تكشفت مؤخراً صفحة مهمة من تاريخ الفن القصص المصري، والأدب العربي الحديث، بإعادة الهيئة العامة لقصور الثقافة المصرية طبع الأعمال القصصية الكاملة للكاتب عيسى عبيد، الذي صدرت أولى مجموعاته القصصية عام 1921، على أن يلحق بها طبع أعمال شقيقه شحاتة عبيد.
وتبيّن المقدمة الضافية للناقد والأكاديمي الدكتور صبري حافظ، الذي تولى مهمة الإعداد والتقديم لهذه الأعمال التي كاد يطويها النسيان، الأهمية الكبرى لإبداع الأخوين «عبيد»، وبالأخص عيسى، الذي بدأ مجموعتيه القصصيتين «إحسان هانم» و«ثريا» بمقدمتين مهمتين تبرزان طموحاً حداثياً وأفكاراً طليعية بدت غريبة عن سياق الأدب العربي في مطلع القرن الفائت، بل إن القصص ذاتها قوبلت باستغراب حتى إن صحافياً وصفها في ذلك الزمن بأنها «عالية جداً على عقلية الجمهور».
ولا يعرف الكثيرون شيئاً عن سيرة الأخوين «عبيد»، وهناك اختلاف حول كونهما من أصول مصرية، أمْ شامية، كما دوَّن البعض، وهو ما لا يرجحه حافظ، مستدلاَ بتعصب عيسى لمصريته، الذي لا يقل عن تعصب الزعيم الوطني مصطفى كامل. وكان أول من عرّف الجمهور بعيسى عبيد وشقيقه هو يحيى حقي في كتابه «فجر القصة القصيرة»، واصفاَ إياهما بـ«لغز فجر القصة المصرية»، ليعيد إليهما قدراً من الاهتمام، ويعاد بعد ذلك طباعة مجموعة قصصية لكليهما، وتكتب بعض المقالات عن أعمالهما، لكن سرعان ما طواهما النسيان مرة أخرى حتى تصدر أعمالهما الكاملة بجهد من الدكتور حافظ، الذي عثر على مسرحية ألّفها الأخوان معاً.
ولا تكتسب المجموعة القصصية الكاملة لعيسى عبيد أهميتها فقط من القصص المصرية المعاصرة والسابقة لزمانها بما تحمل من سمات طليعية حداثية، بل تتخذ المقدمتان اللتان تسبقان القصص أهمية كبرى؛ إذ أخذ عبيد على عاتقه طموح «المساعدة في إيجاد أدب عصري مصري خاص بنا وموسوم بطابع شخصيتنا وأخلاقنا»، كما يقول، مدفوعاً بآماله العظيمة في أن «الاستقلال التام لمصر عن بريطانيا العظمى لا بد أن يستقل معه الأدب المصري».
ونتيجة إيمانه بمبادئ ثورة 1919 التي فجّرها المصريون ضد الاحتلال الإنجليزي، و(التي ستحتفل مصر بمئويتها العام المقبل) أهدى الكاتب عيسى عبيد مجموعته القصصية الأولى «إحسان هانم» الصادرة عام 1921 إلى سعد باشا زغلول، قائد الوفد المصري الذي وكّله المصريون للتفاوض على جلاء الإنجليز عن مصر، واندلعت الثورة مع رفض بريطانيا سفره ونفيه خارج البلاد.
وتصلح المقدمة التي أعدها عيسى عبيد لمجموعته الأولى «إحسان هانم» ديباجةً لدستور الحداثة المصرية، بما تطمح إليه وبـ«الرغبة الشديدة في إيجاد أدب مصري موسوم بطابع شخصية الأمة المصرية حتى تعد أمتنا من الأمم المستقلة، مهما كان نظامها السياسي؛ لأن الأدب معيار رقي الأمة».
وكما يورد الدكتور حافظ، فإن هذه المقدمة تكشف عن «وعي راقٍ بما يمكن أن ندعوه بسسيولوجية الثقافة الأدبية في هذا الوقت المبكر من تاريخ الكتابة الأدبية والتنظير»، وبها «حاول عيسى عبيد أن يجعل من نفسه رسول النهضة القادمة في الأدب وبدأ في المنداة بها».
ويؤمن عيسى شديد الإيمان بأن «الثورة المنتظرة في عالم الأدب العصري المصري سترمي إلى القضاء على الأدب القديم الجامد المتشابه المبتذل، وستكون أشبه بالثورة التي قام بها فيكتور هوجو ضد الأدب المدرسي، وتلك التي نادى بها إميل زولا وجماعته ضد المذهب الخيالي لإيجاد مذهب الحقائق، أساس أدب الغد».
ويبدأ عبيد مقدمته بانتقاد الأدب السائد في عصره، مبرزاً ما سماه «عيوب الكاتب المصري وأمراض ذهنيته»، و«إقدام كتابنا في هذا الزمن على المسرح (الذي يسميه «المرسح» بنطق هذا الزمن)، الذي لا يظهر إلا الروايات الخيالية الضئيلة الجوفاء، مرجعاً ذلك لعوامل عدة، منها: مزاج الكتاب المصري ونفسيته، ولجوؤه للخيال إلى درجة مدهشة، حتى «أصبح هذا الخيال ظاهراً في كل رواية مصرية بتجنبه تصوير الحياة الحقيقية»، كما أن التقاليد الشرقية المقيدة قضت تقريباً على الاختلاط الجنسي، وضاعفت من أزماته (الكاتب) النفسانية الشديدة، كما أنه لم يتدرب بعد على الملاحظة والتحليل النفسي، فتبدو شخصياته أشباحاً بلا أرواح. هذا إلى جانب ضعف ملكة الوصف والتصوير (لدى مؤلفي هذا العصر).
وينتقد عيسى، السيد لطفي المنفلوطي، (كبير كتاب اليوم) بحسب وصف عبيد له، وروايته «تحت ظلال الزيزفون» التي حاول تعريبها عن ألفونس كار، بعد أن قضى بقسوة على شخصية «إستيفن» بطل الرواية.
ويضع عبيد عدداً من الدروس للكاتب المعاصر، ويرى أن غاية الرواية يجب أن تكون التحري عن الحياة، وتصويرها بأمانة وإخلاص، بحيث تكون عبارة عن «دوسيه» يطّلع فيه القارئ على تاريخ حياة إنسان أو صفحة من حياته... و«يدرس فيه أسرار الطبيعة البشرية وخفايا القلب الإنساني الغامض والتطور الاجتماعي والأخلاقي وعوامل الحضارة والبيئة والوراثة في نفوس الأشخاص؛ وذلك مع بعض التحفظ في إبداء حكمه أو آرائه الشخصية»، مشدداً على أن مهمة الكتاب الأساسية تشريح النفوس البشرية، وتدوين ما يكتشفه من الملاحظات.
ويوقن عيسى عبيد أن أفكاره عن الأدب أو ما وصفه بـ«الطريقة الجديدة ستصادف بادئ ذي بدء اعتراضاً شديداً ممن يتوهمون أنهم أساتذة جادت بهم العناية الإلهية لهداية الأمة وحملها على اتباع آرائهم»، لكنه مع ذلك لا يتوقف عن الإيمان بضرورة النهوض بالأدب ليواكب الثورة التي أشعلها المصريون والتي تنبئ بنهضة عامة، قائلاً إن «الثورة الفكرية التي تسري بقوة هائلة في دمائنا وحملتنا على محاربة كل شيء قديم تجعلنا نستبشر بحدوث نهضة عامة في مصر؛ لأن النهضة تتبع عادة الثورة، وتكون نتيجة طبيعة لها».
اللافت، انحياز عبيد، سواء في قصصه أو مقدمته، للمرأة، دافعاً لمزيد من تحرير النساء ومطالبته بمنحهن الحقوق الكاملة، مخصصاً عدداً كبيراً من القصص في المجموعتين (اللتين تحملان أسماء «ثريا» و«إحسان هانم») لإبراز ما تواجه المرأة من ظلم مجتمعي وإجحاف ومعاملة متدنية، مستنداً لإعجابه الشديد بالدور النسوي للمرأة المصرية «المخدرة والمحجبة»، ومشاركتها في ثورة 19، ونزولها «إلى ميدان العمل متظاهرة جنب الرجل، مطالبة بشجاعة وجرأة بحقوق بلادها؛ الأمر الذي لم تكن تستطيعه قبل أن تهيج الثورة جهازها العصبي».
ويبقى السؤال، هل تحقق ما نادى به عيسى عبيد خلال مقدمته وفي القصص التي تلتها؟، أو بصيغة أخرى «هل يستحق عمل عيسى عبيد منا الاهتمام به الآن بعدما قطعنا نصف العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين وبعد انصرام ما يقرب من القرن على كتابته، قطع فيه السرد العربي خطوات فساح مع التطور؟»، وهو ما يجيب عليه الدكتور صبري حافظ بـ«نعم وعن جدارة، وإلا لما كان ثمة داعٍ لتبديد الجهد والوقت في إخراج مثل هذه الأعمال للنور». ويضع حافظ أسباباً عدة لأهمية كتابات عيسى عبيد، أولها أن هذه الأعمال جزء أساسي من ذاكرة الخطاب السردي العربي، وثانيها أنها تشكل حلقة أساسية في تطور هذا الخطاب، وثالثها أن «العالم الذي جسدته هذه القصص قد مضى لغير رجعة، ولا سبيل إلى استنقاذه من براثن النسيان والضياع إلا عبر هذه النصوص؛ لأن دعوة عيسى لمذهب الحقائق وإلى الاحتفاء بالملاحظة مكّنته من أن يرصد لنا صفحة من تاريخ مصر الاجتماعي والإنساني، مسجلاً لنا صفحة من طبيعة الشخصية المصرية وخلجاتها ومشاغلها وهمومها ومطامحها، وتكتب لنا شريحة مهمة من شرائحها المتعددة لما تكتب قبل ولا أحسب أنها كتبت بعد بهذه الإحاطة والحساسية».



إدانات متجددة لمطربي «المهرجانات» بتعاطي المخدرات

مطرب المهرجانات مجدي شطة (صفحته على فيسبوك)
مطرب المهرجانات مجدي شطة (صفحته على فيسبوك)
TT

إدانات متجددة لمطربي «المهرجانات» بتعاطي المخدرات

مطرب المهرجانات مجدي شطة (صفحته على فيسبوك)
مطرب المهرجانات مجدي شطة (صفحته على فيسبوك)

تواصلت إدانات مطربي «المهرجانات» أمام القضاء بتهمة تعاطي المخدرات أو حيازتها، وكان أحدثها واقعة المطرب مجدي شطة الذي قضت محكمة الجنايات بمعاقبته غيابياً (الأربعاء) بالسجن المشدد 10 سنوات بعدما جرى ضبطه في مايو (أيار) الماضي خلال وجوده في سيارة ومعه ومرافقه السائق مواد مخدرة وسلاح.

وفي التحقيقات الأولية أخلت النيابة سبيل مطرب المهرجانات بكفالة مالية قدرها 10 آلاف جنيه (الدولار يساوي 49.70 في البنوك)، فيما غاب عن حضور جلسة محاكمته؛ مما أدى لصدور الحكم غيابياً، بينما يحق له الطعن على الحكم بموجب مواد قانون «الإجراءات الجنائية»، لكن مع اشتراط تسليم نفسه للمحكمة من أجل النظر في الطعن ودفوعه.

وشطة ليس الوحيد، من بين مطربي المهرجانات والمطربين الشعبيين، الذي يدان بأحكام قضائية في واقعة تعاطي مواد مخدرة أو حيازتها، فالأسبوع الجاري شهد الحكم على المطرب الشعبي سعد الصغير بالسجن المشدد لمدة 3 سنوات على خلفية اتهامه بحيازة مواد مخدرة وصل بها إلى مطار القاهرة قادماً من الولايات المتحدة.

كما أدين مطرب المهرجانات عصام صاصا بتعاطي المواد المخدرة، وقضت المحكمة بحبسه 6 أشهر مع الشغل في واقعة قيادته تحت تأثير المخدرات وصدمه لأحد الأشخاص خلال سيره على الطريق الدائري بالقاهرة؛ مما أسفر عن وفاة الضحية، فيما حصل على حكم مخفف بسبب التصالح وانقضاء الدعوى الجنائية في واقعة «القتل الخطأ»، ويقضي عقوبة الحبس راهناً.

مطرب المهرجانات عصام صاصا (صفحته على فيسبوك)

و«يعكس تكرار هذه الوقائع غياب وعي عدد من المطربين بما وصلوا إليه بعد الشهرة»، بحسب الناقد الفني المصري محمد عبد الرحمن، الذي يقول لـ«الشرق الأوسط» إن «عدم إدراك التغيرات التي حدثت في حياتهم نتيجة الشهرة والأضواء وما يتطلبه من التزام وانضباط أخلاقي وعدم مخالفة القانون؛ يكون السبب الرئيسي في تكرار مثل هذه الوقائع».

وأضاف أن «محاولات البعض استغلال شهرته لتمرير حيازته أو تعاطيه المخدرات باعتبار أنه لن يتعرض إلى تفتيش أو إجراءات أمنية خلال الاشتباه في حيازته للمخدرات أمر قد يمر أحياناً، لكن في النهاية من ينجح في التحايل على القانون مرة لن يستطع الاستمرار في ذلك مدى الحياة، وسيضبط وينال عقابه».

وكان مطرب المهرجانات حمو بيكا قد أكد في تصريحات متلفزة سابقة تعافيه من إدمان المخدرات، معلناً أنه قرر الإقلاع عن تناول المخدرات منذ سنوات، وتوقف عن تعاطيها، ويعالج في الوقت الحالي من أضرارها وتأثيرها على حياته.

وهنا يشير أستاذ الطب النفسي الدكتور جمال فرويز إلى «ضرورة التفرقة بين النجاح في الحياة العملية والاضطراب الذي قد يعاني منه الشخص في مراحل مختلفة بحياته»، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط» أن «بعض هؤلاء المطربين تكون لديهم اضطرابات شخصية تتواصل حتى مع شهرتهم ونجاحهم في عملهم».

وتابع: «البعض يلجأ لتعاطي المواد المخدرة اعتقاداً منه أنها ستبقيه أكثر تركيزاً وتفاعلاً مع الجمهور، خصوصاً مع طبيعة أعمالهم التي تجعلهم يستمرون في العمل لساعات طويلة ليلاً، بجانب سهولة حصولهم على المخدرات من المحيطين بهم»، مشيراً إلى أن «الأمر مرتبط بالسمات الشخصية بشكل أساسي وظروف النشأة، والشعور والاعتقاد الخطأ بالتأثيرات الإيجابية للمخدرات ودورها في خلق تفاعل مع الجمهور».