{داعش} والسعي نحو إرساء «خلافة سيبرانية»

أبواقه تسعى إلى جذب المزيد من المتطرفين

ازدادت محاولات {داعش} لإيجاد بديل عن خلافته المزعومة بعد القضاء على معاقله («الشرق الأوسط})
ازدادت محاولات {داعش} لإيجاد بديل عن خلافته المزعومة بعد القضاء على معاقله («الشرق الأوسط})
TT

{داعش} والسعي نحو إرساء «خلافة سيبرانية»

ازدادت محاولات {داعش} لإيجاد بديل عن خلافته المزعومة بعد القضاء على معاقله («الشرق الأوسط})
ازدادت محاولات {داعش} لإيجاد بديل عن خلافته المزعومة بعد القضاء على معاقله («الشرق الأوسط})

في عصر التفجر التقني والهوس بالعالم الإلكتروني حتى الإدمان، تسعى التنظيمات الإرهابية لأن تصدح بأبواقها؛ سعياً لجذب المزيد من المتواطئين معهم في التطرف وإلغاء الآخر. وقد ازدادت محاولات تنظيم داعش لإيجاد بديل عن خلافته المزعومة، بعد أن تم القضاء على معاقله المركزية في كل من العراق وسوريا، وذلك من خلال تكثيف أنشطته الإلكترونية عن بعد والتي يتفاوت قياس مدى خطورتها في الآونة الأخيرة.
هذا التوغل في التواجد على الساحة الإلكترونية والقيام بهجمات إلكترونية يسعى إلى لفت الانتباه للتنظيم وإثبات استمرارية وجوده، بالأخص وأن كبح جماحه في مناطق النزاع لم يمنعه من تنفيذ الكثير من الهجمات التي تم نقلها إلى دول غربية انتقاماً منهم، وفي الآن نفسه نتيجة قدرتهم على التحريض إلكترونياً دون الحاجة إلى التواجد الفعلي في المكان ذاته. مثل هذه العمليات هي أشبه باستنباط مفهوم «المواطنة العالمية» ومن ثمّ تحويلها إلى «المواطنة الداعشية» ليصبح الانضمام إلى التنظيم متاحاً في دول مختلفة، ويلجأ كل من ينتمي إلى التنظيم إلى «القانون الداعشي» لتخريب العالم بدلاً من القانون الدولي لحقوق الإنسان.
بداية الوجود الإلكتروني لـ«داعش»
تجلى مدى تأثير تنظيم داعش إلكترونياً منذ بدء عملياته من خلال استقطابه أعداداً كبيرة من المندرجين تحت ألوية التنظيم وأدلجتهم. وقد برز الدور المهم لاستراتيجية «داعش» الإعلامية، واستخدامه الوسائل الدعائية «البروبغندا» من خلال تبحره في العالم الإلكتروني بأحدث التقنيات في التصوير والمونتاج، وحتى تميزه في أساليب الجذب من خلال وسائل التواصل الاجتماعي حسب الشريحة المستقطبة. الشبكة العنكبوتية باتت لتنظيم داعش وسطاً يتم عبره التخطيط للعمليات إرهابية والتوجيه عن بُعد. أحد أبرز قياديي التنظيم «المهندس الرئيسي» للعمليات الخارجية للتنظيم والمتحدث باسمه أبو محمد العدناني، الذي قتل في أغسطس (آب) 2016، اشتهر في جمعه ما بين الخبرة العسكرية والقدرة على الإقناع عبر الخطابة، وتمكنه من تجييش واستقطاب المؤيدين والتحريض على الشروع بهجمات تستهدف المدنيين في الغرب. هذا التوجه في استغلال العالم السيبراني استمر على النهج ذاته، بصورة أكثر حذراً نتيجة تشديد الرقابة من قِبل السلطات الدولية، بالأخص مع تضافر الجهود ما بين الجهات الأمنية والشركات الكبرى مثل «غوغل» و«تويتر» من أجل إزالة الحسابات المتطرفة أو كل ما يخص التنظيمات. مسؤولون بالأمن القومي الأميركي حذروا مجلس الشيوخ بأن انحسار تنظيم داعش في العراق وسوريا لن يقلل من قدرة التنظيم على أن يكون مصدر إلهام للقيام بهجمات تستهدف دولاً غربية من خلال الساحة الإلكترونية. وقد ذكرت لورا شياو، المديرة بالإنابة لمعلومات الاستخبارات بالمركز الوطني الأميركي لمكافحة الإرهاب، أن التنظيم قد بنى عملياته الخارجية خلال العامين الماضيين، وأعلن مسؤوليته عن ما لا يقل عن 20 هجوماً على مصالح غربية؛ الأمر الذي يعكس استمرارية توجهات التنظيم، وقدرته على تحريض المتطرفين في أوطانهم على إتيان هجمات إرهابية من خلال العالم الإلكتروني، وذلك على الرغم من التشديد القوي من قِبل السلطات الدولية، على الأنشطة الإلكترونية التي يشتبه في تورطها في أعمال إرهابية. وقد تمكّنت قوات التحالف من استهداف أعضاء التنظيم وشنّ غارات جوية تسببت في مقتل عدد كبير منهم من خلال تتبع أنشطتهم الإلكترونية والتعرف على مواقعهم الجغرافية، وذلك على نسق ما صرح به وزير الدفاع البريطاني غيفن ويليامسون: «إن البريطانيين الذين يقاتلون مع (داعش) يجب أن تحدد مواقعهم ويتم قتلهم». وذلك من أجل عدم السماح لهم بالعودة إلى أوطانهم والعبث فيها وتعليله المختصر لذلك: «ببساطة رأيي هو أن إرهابياً ميتاً لا يمكنه إلحاق الضرر ببريطانيا». بالأخص وأن الخطر الداعشي سيستمر حتى عن بعد أن تمت أدلجة المتطرفين في أوطانهم ممن لم يمرّ بتجربة القتال في مناطق النزاع. استشاري الأمن في مكتب رئيس وزراء بريطانيا، باتريك ماكجينيس، ذكر أن «بريطانيا لن تكون في أمان من الهجمات المنفذة من قبل تنظيم داعش حتى يتم إيقافهم من حملاتهم الدعائية إلكترونياً». ولا يتوقف ذلك بالطبع عند الحملات الدعائية، بل ويصل إلى التواصل مع المتأثرين بالتنظيم والتحريض على القيام بهجمات عبر عدد من التطبيقات مثل برنامج «تلغرام»؛ وهو ما يسهل لهم إرسال موضوعات مشفرة يمكن التواصل بها ما بين أعضاء التنظيم بسهولة.
القرصنة تدخل عالم الإرهاب
يتجلى مؤخراً نمط جديد من الإرهاب يتجاوز الحدود التقليدية ما بين الجرائم والأعمال التخريبية وما بين والإرهاب، وإدخال المسببات والأهداف السياسية لمثل هذه الجرائم، سواء كانت قرصنة إلكترونية مثل سرقة الحسابات البنكية أم قتلاً للمدنيين. وإن كان يصعب نسب هذه الهجمات إلى جماعات إرهابية مثل «داعش» أم من قبل قراصنة متأثرين بالتنظيم، بالأخص في عصر الإغراق في التعتيم على هويات أعضاء التنظيم واتباع نمط السريّة واستعمال الأسماء المستعارة من أجل حمايتهم وإخفاء علامات جرائمهم. إلا أن كل هذه الأعمال تستغل التطور الإلكتروني وتعطيل المواقع الإلكترونية الحيوية من أجل استعراض قوتهم والتأكيد على شيطنة الآخر وتكفيره وإيجاد ضرورة لقتله.
إلا أنه بشكل عام يظهر ثمة ارتباط ما بين القراصنة وتنظيم داعش منذ بداية عهده، حيث سعى إلى استقطاب القدرات الشبابية من الجنسيات المختلفة من أجل أن يساهموا معاً في تحقيق الأهداف «الداعشية» في حملاتها الدعائية. هؤلاء الذين تم استقطابهم توجهوا إلى «الخلافة الداعشية» في كل من العراق وسوريا، من أجل التغلغل في العالم الإلكتروني والتأثير على الآخرين. هذا التوجه السيبراني لا يزال متبعاً من حثّ للشباب من مختلف دول العالم ممن تميزوا بخبرتهم في العالم الإلكتروني والقرصنة، وتحفيزهم على التخريب باسم التنظيم. أحد أشهر القراصنة في تنظيم داعش البريطاني، جنيد حسين، وُصف بـ«العقل الإلكتروني المدبر» للتنظيم ممن كان له دور بارز في تجنيد الأعضاء، وقد لاقى حتفه في سوريا بغارة جوية، عُرف فيما قبل إعلانه الانضمام إلى التنظيم ببراعته في القرصنة، وقد تمت محاكمته إثر تمكنه من اختراق دفتر عناوين رئيس الوزراء البريطاني توني بلير، إضافة إلى اختراقه الأمني عدداً كبيراً من حسابات شركات ومؤسسات دولية تجاوزات 1400 اختراق. وتضمنت محاولات محاميه الدفاع عنه محاولات لإثبات عدم ارتباطه بالعمليات الإرهابية، وإن انضم فيما بعد إلى تنظيم داعش.
في حين تكشف تهديدات تنظيم داعش بجمعها ما بين أنشطة إلكترونية وقرصنة تخريبية وأخرى عسكرية، ببزوغ عهد جديد يخلط ما بين المفاهيم المختلفة للجرائم والعمليات التخريبية والإرهاب؛ فالقراصنة الذين لم تكن لهم توجهات سياسية من قبل أصبحوا جزءاً من المنظومة المتطرفة التي احتضنتهم وشجعتهم على التمادي في هجماتهم. فعلى سبيل المثال، ظهر إلى الملأ جيش الخلافة الإلكتروني مرتبطاً بتنظيم داعش ليقوم بالتهديد من خلال بث مرئي ظهر إلكترونياً باللغة العربية: «نحن قراصنة داعش سنواجهكم عبر حرب إلكترونية هائلة». ووصف المواجهة بـ«الأيام السوداء التي ستتذكرونها» والتي ستفسر عملياً من خلال عمليات تم وصفها: «سنخترق مواقع الحكومات والوزارات العسكرية والشركات والمواقع العالمية الحساسية». وكعادة الوسائل الإعلامية للمتطرفين، هناك استمرار في التهويل وتضخيم الأنشطة الإرهابية بغرض التخويف والإبهار، وإن كانت بنمط عشوائي لا يمت بصلة للهالة الإعلامية الإلكترونية التي لمع من خلالها أعضاء التنظيم في الفترة السابقة من خلال دعوتهم للمتطرفين من كل بقاع الأرض التوجه إلى ملاذهم ومنطقة خلافتهم المزعومة سابقاً في كل من العراق وسوريا».
يذكر أن ما يزيد على 17 مجموعة مختصة في القرصنة واختراق المواقع أعلنت ولاءها لتنظيم داعش، في حين يظهر كذلك توجه نحو استقطاب القراصنة «المنفردين» للهجوم على البنى التحتية الحيوية وشلّ حركتها. وقد وجهت جماعة تنظيم داعش للقرصنة تهديدها الأول والأكبر نحو العدو الأزلي للتنظيمات المتطرفة، أي الولايات المتحدة؛ إذ صرح باستهدافه المواقع الإلكترونية الأميركية، وبالفعل تم نشر معلومات عن الجيش الأميركي شملت أسماءهم وعناوينهم، ومن ثم بدء تحريض «الذئاب المنفردة» باستهدافهم بعد أن تم الكشف عن هوياتهم وأماكن تواجدهم. ويتجلى وجود تفاوت للجهات المستهدفة ما بين حكومات وجيوش والبنى التحتية المهمة، إضافة إلى الشبكات الإخبارية ومواقع إلكترونية مهمة مثل ما حدث مع شبكة القنوات الفرنسية «تي في 5»، التي قام القراصنة بتعطيبها لتستبدل صفحات مواقع قنواتها بشعارات خاصة بالتنظيم، إضافة إلى مهاجمة قراصنة تنظيم داعش وسائل إعلام إماراتية شملت صحيفة «الاتحاد» وقناة «أبوظبي» لتتجاوز بذلك البلدان الغربية.
في حين قام قراصنة مرتبطون بالتنظيم في عام 2016، بنشر قائمة بالآلاف من سكان نيويورك بأسمائهم وعناوينهم الإلكترونية بغرض استهدافهم. إلا أن كل ذلك بمثابة المحاولة المستميتة للاستمرار، بالأخص مع انحسار الوهج والنفوذ الإلكتروني للتنظيم، فمن حيث تعطيل المواقع فإنه بشكل عام مؤقت لا يكسب منه التنظيم سوى الشهرة الإعلامية بما يمثل هدفاً معنوياً أكثر من كونه مادياً ملموساً؛ إذ لا يحقق أهدافاً بعيدة المدى سوى الاحتفاء بمجدهم من قبل المناصرين، والسعي نحو استقطاب المزيد من التخريبيين من خلال نشر شعاراتهم في المواقع المعطلة، إضافة إلى عبارات في بعض الأحيان. في حين لا يتعدى المناصرون في الآونة الأخيرة الذئاب المنفردة، ومن جهة أخرى الكشف عن الأسماء والعناوين من أجل استهدافهم. وقد ظهرت هجمات مضادة لتنظيم داعش، بل تطور ذلك إلى الإعلان عن حركات مضادة لهم مثل شبح واتشولا تسعى إلى تعطيل الوكالات الإعلامية المرتبطة بـ«داعش» بهدف تعميق التشكيك في مصداقية المواقع المرتبطة بالتنظيم ونشر صور إباحية فيها، وقد قام التنظيم فعلاً بالتحذير من الموضوعات التي يتم طرحها عبر وكالة «أعماق» المرتبطة به، وعدم الوثوق بها نظراً لإغراق مواقعها بمثل هذه الهجمات.


مقالات ذات صلة

العراق: إحباط مخطط لـ«داعش» ضد شخصيات أمنية ومواقع حكومية في كركوك

العالم العربي جندي عراقي يقود دبابة (أرشيفية - رويترز)

العراق: إحباط مخطط لـ«داعش» ضد شخصيات أمنية ومواقع حكومية في كركوك

أفادت «وكالة الأنباء العراقية»، اليوم (السبت)، بأن جهاز الأمن الوطني أعلن إحباط مخطط «إرهابي خطير» في محافظة كركوك كان يستهدف شخصيات أمنية ومواقع حكومية.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي نازحون في مخيم حسن شام على بعد نحو 40 كيلومتراً غرب أربيل (أ.ف.ب)

في شمال العراق... تحديات كثيرة تواجه النازحين العائدين إلى ديارهم

تعلن السلطات العراقية بانتظام عن عمليات مغادرة جماعية لمئات النازحين من المخيمات بعدما خصصت مبالغ مالية لكلّ عائلة عائدة إلى قريتها.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
العالم العربي تنظيم «داعش» يتبنّى عملية استهداف حاجز لـ«قسد» في ريف دير الزور الشرقي (مواقع تواصل)

حملات التمشيط العسكري لم تمنع انتعاش «داعش» في سوريا

على رغم أن القوات الحكومية السورية تشن حملات تمشيط متكررة في البادية السورية لملاحقة خلايا تنظيم «داعش» فإن ذلك لم يمنع انتعاش التنظيم.

المشرق العربي قوة مشتركة من الجيش العراقي و«الحشد الشعبي» بحثاً عن عناصر من تنظيم «داعش» في محافظة نينوى (أ.ف.ب)

«داعش» يعلن مسؤوليته عن هجوم أدى لمقتل 3 جنود في العراق

قالت مصادر أمنية وطبية في العراق إن قنبلة زرعت على جانب طريق استهدفت مركبة للجيش العراقي أسفرت عن مقتل 3 جنود في شمال العراق.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي «قوات سوريا الديمقراطية» خلال عرض عسكري في ريف دير الزور (الشرق الأوسط)

أكراد سوريا يتحسبون لتمدد الحرب نحو «إدارتهم الذاتية»

ألقت نتائج الانتخابات الأميركية بظلالها على أكراد سوريا ومصير «إدارتهم الذاتية» بعدما جدد الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، التهديد بشن عملية عسكرية.

كمال شيخو (القامشلي)

«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
TT

«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)

ارت طموحات تنظيم «داعش» الإرهابي للتمدد مجدداً تساؤلات كثيرة تتعلق بطبيعة «مساعيه» في الدول خلال العام الجاري. واعتبر مراقبون أن «(أزمة كورونا) جددت طموحات التنظيم للقيام بعمليات إرهابية، واستقطاب (إرهابيين) عقب هزائم السنوات الماضية ومقتل زعيمه السابق أبو بكر البغدادي». ووفق خبراء ومتخصصين في الشأن الأصولي بمصر، فإن «التنظيم يبحث عن أي فرصة لإثبات الوجود»، مشيرين إلى «مساعي التنظيم في أفريقيا عبر (الذئاب المنفردة)، ومحاولاته لعودة نشاطه السابق في العراق وسوريا عبر تبني عمليات القتل»، موضحين أن «المخاوف من العناصر (الانفرادية) التي تنتشر في أوروبا وأميركا تتزايد، خاصة وأنها تتحرك بانسيابية شديدة داخل محيطهم الجغرافي».
وقال أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية، إن «(داعش) مثل تنظيمات الإرهاب تبحث عن فرصة مُناسبة للوجود، ومن الفُرص المُناسبة، وجود أي شكل من أشكال الفوضى أو الارتباك، وعندما تكون جهود الدول موجهة لمحاربة (كورونا المستجد)، فيبقى من الطبيعي أن يسعى التنظيم للحركة من جديد، وانتظار فرصة مناسبة لتنفيذ أهدافه، خاصة أن (داعش) في تعامله مع الفيروس روج لفكرة (أن كورونا عقاب إلهي لأعدائه، على حد زعم التنظيم)، خصوصاً أن (كورونا) كبد أوروبا خسائر كبيرة، وأوروبا في الدعايا الداعشية (هذا الغرب الذي يحارب الإسلام، على حد تصور الداعشيين)، لذا فـ(داعش) يستغل هذا، في مواجهة بعض الارتكازات الأمنية، أو الأكمنة، أو الاستهدافات بالشوارع، لإثارة فازعات، ومن الوارد تنفيذ بعض العمليات الإرهابية».
وأكد عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) استغل (أزمة الفيروس) بالادعاء في بيان له مارس (آذار) الماضي، بأن الفيروس (عذاب مؤلم من الله للغرب، خاصة للدول المشاركة في العمليات العسكرية ضده، على حد زعمه)، ويحاول التنظيم نشر الخوف من الوباء، والبحث عن إيجاد مصارف لتمويل العمليات الإرهابية».
ووفق تقرير سابق لمجموعة «الأزمات الدولية» في نهاية مارس الماضي، أشار إلى أن «التنظيم أبدى مع ظهور الفيروس (نبرة شماتة)، وأخبر عناصره عبر افتتاحية جريدة (النبأ) التابعة له في نهاية مارس الماضي، بضرورة استمرار حربهم عبر أرجاء العالم حتى مع تفشي الوباء... وادعى أن الأنظمة الأمنية والدولية التي تسهم في كبح جماح التنظيم على وشك الغرق، على حد قول التنظيم».
ويشير عبد المنعم في هذا الصدد، إلى أنه «بالعودة لزاوية (حصاد الأجناد) في عدد (النبأ) الأخير، زعم التنظيم أنه شن 86 هجمة إرهابية في شهر واحد، هو مارس الماضي، وهو أعلى رقم منذ نهاية نوفمبر (تشرين ثاني) الماضي، الذي سجل 109 هجمات، فيما عُرف بـ(غزوة الثأر) للبغدادي وأبو الحسن المهاجر اللذين قُتلا في أكتوبر (تشرين أول) الماضي في غارة جوية».
ووفق تقارير إخبارية محلية ودولية فإن «(داعش) يسعى لاستعادة سيطرته على عدد من المناطق في سوريا والعراق من جديد، وأنه يحتفظ بنحو من 20 إلى 30 ألف عضو نشط، ولا ينقصه سوى توفر المال والسلاح». وأشارت التقارير ذاتها إلى أن «التنظيم يحاول استغلال انشغال سوريا والعراق بمكافحة الفيروس، لاستعادة سيطرته على مناطق من الصحراء السورية في الغرب، إلى وادي نهر الفرات شرقاً، مروراً بمحافظة دير الزور والمناطق ذات الأغلبية السنية في العراق، والتي لا يزال يوجد فيها بعض عناصره».
ويشار أنه في أبريل (نيسان) الماضي، هاجم التنظيم بلدة السخنة في صحراء حمص، وأسفر عن مقتل 18. وفي دير الزور أعلن التنظيم مقتل اثنين... وفي العراق، قتل ضابط شرطة عند نقطة تفتيش في الحويجة غرب كركوك على يد التنظيم، كما قتل اثنان من مقاتلي البيشمركة الكردية في هجوم للتنظيم أبريل الماضي، كما أسفر هجوم للتنظيم على مطار الصادق العسكري عن مقتل اثنين.
وفي هذا الصدد، قال عمرو عبد المنعم، إن «أكثر هجمات (داعش) كانت في العراق أخيراً، وشهد التنظيم نشاطاً مكثفاً هناك»، مضيفاً: «في نفس السياق دعت فتوى نشرها التنظيم على (تلغرام) للهروب من السجون السورية، وهذا ما حدث، فقد هرب 4 نهاية مارس الماضي، من سجن تديره قوات سوريا الديمقراطية، وفقاً لتقارير إخبارية».
وسبق أن طالب أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» في سبتمبر (أيلول) الماضي، «بتحرير أنصار التنظيم من السجون ...»، وسبقه البغدادي «وقد حرض بشكل مُباشر على مهاجمة السجون في سوريا والعراق».
وبحسب المراقبين «حاول (داعش) أخيراً زيادة حضوره الإعلامي على منصات التواصل الاجتماعي مجدداً، بعد انهيار إعلامه العام الماضي». ورصدت دراسة أخيرة لمرصد الأزهر لمكافحة التطرف في القاهرة «تداول التنظيم تعليمات لعناصره عبر شبكات التواصل الاجتماعي، بالادعاء بأن الفيروس يمثل (عقاباً من الله، ويحتم اتخاذ خطوات لتكفير الذنوب)، وجعل التنظيم الإرهابي - على حد زعمه - السبيل الوحيد للخلاص من الفيروس، والقضاء عليه، هو (تنفيذ العمليات الإرهابية)، ولو بأبسط الوسائل المتاحة». اتسق الكلام السابق مع تقارير محلية ودولية أكدت «تنامي أعداد حسابات أعضاء التنظيم وأنصاره على مواقع التواصل خصوصاً (فيسبوك)، حيث تمكن التنظيم مجدداً من تصوير وإخراج مقاطع فيديو صغيرة الحجم حتى يسهل تحميلها، كما كثف من نشر أخباره الخاصة باستهداف المناطق التي طرد منها في العراق وسوريا، وتضمين رسائل بأبعاد عالمية، بما يتوافق مع أهداف وأفكار التنظيم».
ووفق عبد المنعم فإن «(داعش) يستغل التطبيقات الإلكترونية التي تم تطويرها في الفترة الأخيرة في المجتمع الأوروبي، والتي قدمتها شركات التكنولوجيا والذكاء الصناعي في أوروبا مثل تطبيق Corona-tracker لجمع البيانات عن المصابين، وتوجيه بعض الأسئلة لتحديد نسبة الخطورة، وفرض التنظيم على الأطباء والممرضين في الرقة الحضور اليومي الإجباري، ومن خالف تعرض لعقوبات شديدة».
وعن الواجهة التي يسعى «داعش» التمدد فيها خلال الفترة المقبلة. أكد الخبير أحمد بان، أن «أفريقيا هي الواجهة المفضلة لتنظيمي (داعش) و(القاعدة)، والفترة الأخيرة شهدت تصاعدا لعمليات في الغرب الأفريقي وداخل الساحل، وعمليات داخل موزمبيق، فـ(داعش) في حالة سباق لتصدر المشهد هناك، مع توفر آليات تساعده على ذلك من بينها، تهريب السلاح، وحركة العصابات». فيما أبدى عمرو عبد المنعم، تصوراً يتعلق بـ«زيادة العمليات الإرهابية في نيجيريا، وأنه طبقاً لبيانات صدرت أخيراً عما يُعرف باسم (ولاية غرب أفريقيا) أفادت بوجود أكثر من مائة مقاتل هاجروا لنيجيريا من سوريا والعراق».
وتجدد الحديث في فبراير (شباط) الماضي، عن مساعي «داعش» للوجود في شرق أفريقيا أيضاً، بعدما أظهرت صوراً نشرها التنظيم عبر إحدى منصاته تتعلق بتدريبات على أسلحة تلقاها عناصره في مرتفعات «غل غلا» الوعرة بولاية بونتلاند الواقعة شمال شرقي الصومال.
تعليقاً، على ذلك أكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) يهدف إلى السعي لمناطق بالقارة السمراء، بعيداً عن سوريا والعراق، لـ(تفريغ قدرات عناصره القتالية)، فضلاً عن تأكيد عبارة (أنه ما زال باقياً)».
تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية أشارت أيضاً إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال المراقبون إن «عودة هؤلاء أو ما تبقى منهم إلى أفريقيا، ما زالت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيراً منهم شباب صغير السن، وأغلبهم تم استقطابه عبر مواقع التواصل الاجتماعي».
فيما قال خالد الزعفراني، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، إن «مساعي التنظيم للتمدد داخل أفريقيا سوف تتواصل عبر (الذئاب المنفردة)»، مضيفاً أن «ما يقوم به التنظيم في أفريقيا، والعراق وسوريا أخيراً، لإثبات أن لديه قدرة على تحقيق إنجازات، وأنه (عابر للحدود)، وأنه غير مُتأثر بهزائم سوريا والعراق».
وكان أبو محمد العدناني، الناطق الأسبق باسم «داعش» قد دعا في تسجيل صوتي عام 2014 المتعاطفين مع التنظيم، إلى القتل باستخدام أي سلاح متاح، حتى سكين المطبخ من دون العودة إلى قيادة «داعش»... ومن بعده دعا البغدادي إلى «استهداف المواطنين». وتوعد التنظيم عبر مؤسسة الإعلامية «دابق» بحرب تحت عنوان «الذئاب المنفردة».
في ذات السياق، لفت أحمد بان، إلى أن «التنظيم يسعى لاكتشاف أي ثغرة لإثبات الوجود أو تجنيد عناصر جُدد، خاصة وأن هناك عناصر (متشوقة للإرهاب)، وعندما يُنفذ (داعش) أي عمليات إرهابية، تبحث هذه العناصر عن التنظيم، نتيجة الانبهار».
من جانبه، قال الخبير الأمني اللواء فاروق المقرحي، مساعد وزير الداخلية المصري الأسبق، إن «تنظيمات الإرهاب خاصة (داعش) و(القاعدة) لن تتوانى عن سياسة التجنيد، ومن هنا تنبع فكرة الاعتماد على (الذئاب المنفردة) أو (العائدين) بشكل كبير».
وبينما رجح زغلول «حدوث بعض التغيرات داخل (داعش) عام 2020». قال اللواء المقرحي: «لا أظن عودة (داعش) بفائق قوته في 2020 والتي كان عليها خلال عامي 2014 و2015 نتيجة للحصار المتناهي؛ لكن الخوف من (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، لاستنزاف القوى الكبرى»، لافتاً إلى أن «كثيرا من العناصر (الانفرادية) تتحرك في أوروبا وأميركا بانسيابية داخل الدول، وهذا هو الخطر».