حفل «غولدن غلوبس» تحوّل إلى منصّة نسائية بامتياز

نجمات هوليوود طالبن بالمساواة ووعدن بنيلها

جانب من كلمة أوبرا وينفري أثناء تلقيها جائزتها (أ.ب) - مقدم الحفل الكوميدي الأميركي سث مايرز (أ.ب)
جانب من كلمة أوبرا وينفري أثناء تلقيها جائزتها (أ.ب) - مقدم الحفل الكوميدي الأميركي سث مايرز (أ.ب)
TT

حفل «غولدن غلوبس» تحوّل إلى منصّة نسائية بامتياز

جانب من كلمة أوبرا وينفري أثناء تلقيها جائزتها (أ.ب) - مقدم الحفل الكوميدي الأميركي سث مايرز (أ.ب)
جانب من كلمة أوبرا وينفري أثناء تلقيها جائزتها (أ.ب) - مقدم الحفل الكوميدي الأميركي سث مايرز (أ.ب)

«مساء الخير، السيدات... وباقي السادة». هكذا استهل مقدم الحفل الخامس والسبعين لجوائز «غولدن غلوبس» سث مايرز كلمته الافتتاحية في الحفل الرسمي الكبير الأول بعد موجة الفضائح الجنسية التي ضربت مشاهير رجال هوليوود في الأشهر الأخيرة. وأكمل قائلاً: «قبل اختياري لتقديم هذه الحفلة اتجه التفكير لاختيار سيدة تقوم بذلك، لكن النساء اللواتي تم ترشيحهن خفن من مقاطعتهن من قِبل الفنادق فاعتذرن»، وذلك في إشارة إلى ما بات معروفاً من قيام المنتج الموصوم هارفي واينستين استدراج الممثلات والطامحات إلى غرفته في بعض الفنادق والتعرض لهن هناك.
باقي نكات مايرز كانت بعيدة عن جو الفضائح فتعرض سريعاً لدونالد ترمب تعليقاً على تغريداته الأخيرة، وقليلاً على مرشحي جوائز الحفل الذي كان من بين أنجح حفلات «جمعية هوليوود للمراسلين الأجانب» وهو ليس أمراً جديداً بحد ذاته، كون الاحتفال، على عكس حفل الأوسكار والبافتا مثلاً، يُقام في قاعة فندقية كبيرة تنتشر فيها الطاولات المستديرة عوض كراسي القاعات المصطفة ما يسمح للجالسين حرية أكبر في الحركة وتناول العشاء أيضاً.

الوضع الصعب
تقديم سث مايرز الجيد والشامل في مجمله لم يكن المحطة الوحيدة التي ميزت الحفل. هناك الممثلة إليزابيث موس التي فازت بجائزة أفضل ممثلة عن مسلسل تلفزيوني درامي التي عكست في كلمتها التوجه الجديد للفنانات العاملات في حقلي التلفزيون والسينما بتحدي الوضع السابق عندما كن يلتزمن بالصمت حيال سوء التعامل والمعاملة وأنواع التحرش الجنسي.
أفضل الكلمات الملقاة بالمناسبة كانت تلك التي فاحت بها الإعلامية أوبرا وينفري التي مُنحت جائزة سيسيل ب. ديميل الفخرية، وبذلك هي أول شخص أميركي من أصول أفريقية ينال هذه الجائزة منذ إنشائها قبل 66 سنة.
بعد أن عادت بذاكرتها إلى عام 1964 عندما شاهدت الممثل سيدني بواتييه يقف على منصة الأوسكار لتسلم جائزته عن بطولته لفيلم «براعم في الحقل» لرالف نلسون وكيف أنها كانت المرّة الأولى التي شاهدت فيها ممثلاً أسود البشرة يعتلي مثل هذه المكانة، وبعد أن شكرت الجمعية على هذه الجائزة وطالبت صحافييها بالمزيد من نشر الحقائق «في هذا الوضع الصعب»، حكت كيف أن امرأة اسمها رايسي تايلور تعرضت لاغتصاب عشر رجال بيض ثم تم تهديدها بالقتل إذا أعلنت ما أصابها وأضافت: «رايسي ماتت منذ عشرة أيام من دون أن تنال العدالة التي تستحق». وبعد أن أهابت بنساء ورجال هوليوود العمل على التعاون الوثيق والمنصف وقف الحضور لها في تصفيق وشوهد البعض منهم يمسح دموعه.
إذا ما أضفنا تعليقات وخطب فائزات أخريات (بينهن نتالي بورتمن وفرنسيس مكدونالد) فإن الليلة كانت تذكيراً بجو جديد يعم هوليوود داعماً المطالبة بالمساواة، ليس بين البيض والسود كما كان الحال في حفل أوسكار عام 2016 بل بين رجال ونساء هوليوود. والمؤكد أن هذا الحفل سيكون «ورقة كربون» حفل الأوسكار المقبل، حيث لا مفر من التعرض للموضوع ذاته، وللوضع السياسي بأكمله.
والوجوه الفائزة ليلة أول من أمس، الأحد، كانت متنوعة بما تسمح به الأعمال المشاركة ذاتها، صحيح أن الممثلة نتالي بورتمن أعابت على خلو مسابقة أفضل مخرج من وجود مرشحة أنثى، لكن ماذا يمكن فعله إذا لم تكن هناك مخرجة أنثى قدّمت فيلما يضاهي أيا من أعمال المخرجين الرجال؟ لا صوفيا كوبولا أنجزت عملاً جديراً عندما قدّمت في العام الماضي «المنخدعات»، ولا حتى كاثلين بيغيلو عرفت كيف تستغل فرصة تحقيق فيلم عن الأحداث العنصرية في الستينات عندما أنجزت في العام نفسه «دترويت».

قائمة الفائزين
حفل «غولدن غلوبس» مهم لجمعية تعرج تاريخها ماراً بسنوات لم تشأ هوليوود التعامل معها فيها. تلك السنوات البعيدة الذي بدت فيها الجائزة مجرد نتاج لمجموعة صغيرة من الصحافيين الباحثين عن مكان ما من الشهرة في عاصمة السينما. وبعد أن اكتسبت الجمعية حضورها المؤكد في مطلع السبعينات هزّتها فضيحة منح ممثلة رديئة هي بيا زادورها جائزة خاصة (باسم «نجمة العام»)، وذلك في مطلع الثمانينات، عن بطولتها لفيلم بعنوان «فراشة»، وذلك نتيجة ضغوط وإغراءات وفرها زوجها الذي كان يريد لزوجته الشهرة والنجاح بأي وسيلة ممكنة.
لكن الجمعية عملت على تصحيح اعوجاجها مرّة واحدة وإلى اليوم مدركة أن عليها مسؤولية أن تكون جادة ومهنياً محترفة في قراراتها. منذ ذلك الحين استطاعت طي صفحات التعرج تلك والانتقال إلى ثاني أهم مناسبات الجوائز الهوليوودية بعد الأوسكار.
جوائز هذا العام تدعم هذا التوجه مرّة أخرى والأفلام والشخصيات الفائزة هي من بين أفضل ما تم لهوليوود تقديمه بالفعل. بطبيعة الحال تختلف بعض المعايير والتفضيلات، ولهذا كان هناك مبدأ التصويت والاقتراع السريين وما ينتج عنهما من ترقب ومفاجآت.
• الفائز بغولدن غلوبس كأفضل فيلم درامي يعكس هذه الحقيقة. هو «ثلاث لوحات خارج إيبينغ، ميسوري» واختير من بين خمسة أفلام اثنان منها كانا يستحقانها كونهما فنياً أفضل هما «دنكيرك» و«شكل الماء».
الفائز الكوميدي في هذا النطاق كان، وكما توقعنا قبل ثلاثة أيام، فيلم «لايدي بيرد» وهو - عملياً - أفضل النخبة التي ترشحت ومنها «أنا تونيا» و«أخرج» و«فنان الكارثة».
• المخرج غويلرمو دل تورو فاز بجائزة أفضل مخرج، وكان مطروحاً كذلك في توقعاتنا، عن فيلمه «شكل الماء». حين وقف المخرج ليلقي كلمته داهمه الوقت ليرتفع عزف الفرقة الموسيقية إيذانا له بذلك فما كان منه إلا أن التفت إليها وقال: «انتظرت 25 سنة لمثل هذه الجائزة، تستطيعون إعطائي دقيقة إضافية». ونال ما أراد. كل المخرجين الذين شاركوه الترشيح كانوا يستحقون شرف المنافسة: ريدلي سكوت عن «كل المال في العالم» وستيفن سبيلبرغ عن «ذا بوست» وكريستوفر نولان عن «دنكيرك» ومارتن مكدوناف عن «ثلاث لوحات خارج إيبينغ، ميسوري». اللافت بالطبع أن مكدوناف خرج بجائزة أفضل فيلم درامي لكنه فشل في الحصول على جائزة أفضل مخرج، والعكس صحيح بالنسبة لغويلرمو دل تورو.
• سباق أفضل فيلم كوميدي أو موسيقي انتهى بفوز «لايدي بيرد» الذي توقعنا له الفوز هنا، ملاحظين بأنه أفضل الأفلام المتبارية في هذا المضمار، وهي «فنان الكارثة» و«أخرج» و«الاستعراضي الأعظم» و«أنا، تونيا».
• لم أكن مصيباً عندما استبعدت فرنسيس مكدورمند من جائزة أفضل ممثلة رئيسية في فيلم درامي. ربما طغا الإدراك بأن تعبيرها الأحادي طوال الفيلم أخفق في ترك التأثير الصحيح، علماً بأن شخصيتها في ذلك الفيلم تشهد أكثر من تبلور كان يتيح بعض التلوين في الأداء. لكن باقي أعضاء الجمعية منحوها ثقتها، ما يعزز احتمال فوزها بالأوسكار المقبل.
• على الجانب الرجالي فاز غاري أولدمان بالجائزة عن دوره في «الساعة الأدكن» (Darkest Hour) وهو كان ضمن التوقعات الأكثر احتمالاً. ثلاثة من منافسيه كانوا ثلة من الأقوياء في المهنة: توم هاكس ودانيال دي - لويس ودنزل واشنطن. الرابع كان شطحة خيالية أصابت لوثتها الممثل المبتدئ تيموثي شالاميه.
في هذا الإطار تبرز ملاحظة أن الفيلم الذي حمل عدة ترشيحات لكنه لم يفز بأي منها، وذلك على عكس توقعات نقاد «ذا هوليوود ريبورتر» و«فاراياتي» وسواهما من مصادر المعلومات السينمائية هو الفيلم الذي ترشح عنها تيموثي شالاميه وهو «نادني باسمك». وهو كان جمع أصواتاً لا بأس بعددها داخل وخارج الجمعية نسبة لمعالجة رومانسية وموضوع (عن المثلية) بات البعض يتباهى بتأييده بصرف النظر عن قيمة الفيلم المنتج.
• كان مفاجئاً فوز جيمس فرانكو بجائزة أفضل ممثل عن فيلم كوميدي لكنه فعل. وبالمقارنة مع خلانه المنافسين قدّم أفضل تنويعاً ممكناً وهو ما لم يتح لمنافسيه دانيال كالويا (عن Get Out) وهيو جاكمان («الاستعراضي الأعظم») وأنسل إلغورت («بايبي درايفر») وستيف كارل («معركة الجنسين»).
• في المقابل النسائي نالت الجائزة سواريس رونان عن «لايدي بيرد» متقدمة على جودي دنش («فيكتوريا وعبدل») وهيلين ميرين («طالب وقت الفراغ») ومارغوت روبي («أنا، تونيا») و«إيما ستون» («معركة الجنسين»). حقيقة أن هذه الأفلام - باستثناء «أنا، تونيا» - لم تصل لترشيحات أفضل فيلم كوميدي ألقت ظلالاً عليها ما ساعد «لايدي بيرد» على ربح جائزته الثانية بعد جائزة أفضل فيلم كوميدي.
• أما جائزة أفضل ممثل في دور مساند ففاز بها سام روكوَل عن دوره المستحق في «ثلاث لوحات...». الممثلون الآخرون في هذا الحفل كانوا جيدين وهم حسب تفوقهم ويليام دافو (عن «مشروع فلوريدا») وكريستوفر بلامر («كل المال في العالم») ورتشارد جنكينز («شكل الماء») ثم أرمي هامر عن «نادني باسمك».
• نسائياً فازت اليسون جيني بـ«غولدن غلوب» أفضل ممثلة مساندة عن «أنا، تونيا» ومنافساتها كن على جدارة خصوصاً أوكتافيا سبنسر في «شكل الماء».
• إذا لم يفز مارتن مكدوناف بجائزة أفضل إخراج عن «ثلاث لوحات...» فإنه فاز بجائزة أفضل سيناريو عن ذلك الفيلم. في الواقع هناك هنات كتابية في هذا الفيلم لكن كذلك الأمر في الأفلام الأربعة الأخرى المنافسة في هذا المجال وهي «لعبة مولي» و«لايدي بيرد» و«ذا بوست» و«شكل الماء».
• هذا الفيلم الأخير، «شكل الماء» عوض خسارته في سباق الكتابة بفوزه في سباق الموسيقى. وهو سباق حوى على موسيقى تقليدية من جون ويليامز لفيلم سبيلبرغ «ذا بوست» وأخرى ركيكة محاطة بأجواء مناسبة وضعها هانز زيمر لفيلم «دنكيرك». الموسيقيان الآخران هما جوني غرينوود عن «تهديد شبحي» وكارتر بوروَل عن «ثلاث لوحات...».
• «كوكو» كان أحد فيلمين توقعنا لهما الفوز في مسابقة أفضل رسوم. الآخر كان «في حب فنسنت». الفيلم الآيرلندي - الكندي «رابحة الخبز» كان بين تلك المتنافسة أيضاً.
• وأخيراً، هنا، فاز «في الاختفاء» للألماني (من أصل تركي) فاتح أكِن بالجائزة التي تعبر عن ذوات جمعية من الأجانب العاملين في هوليوود وهي جائزة «أفضل فيلم أجنبي». دراما حول امرأة تسعى للانتقام من قتلة زوجها وطفلهما تجاوز أعمالاً فنية بديعة أهمها «بلا حب» و«امرأة رائعة»، لكن لكل جائزة هفوتها.
• تلفزيونياً، فازت لورا ديرن بجائزة أفضل ممثلة مساندة عن دورها في مسلسل محدود (خمس حلقات عادة) «أكاذيب صغيرة كبيرة». وعن المسلسل نفسه فاز ألكسندر سكارغارد بجائزة أفضل ممثل مساند.
• عزيز أنصاري، الكوميدي الذي يشق طريقه بنجاح منذ بضع سنوات، عزز مكانته بالفوز بجائزة أفضل ممثل عن مسلسل كوميدي في «سيد في لاشيء» (Master of None) والجائزة الدرامية في هذا القسم ذهبت إلى سترلينغ ك. براون عن «هذا نحن».
• في الجانب النسائي ذهبت جائزة أفضل ممثلة كوميدية إلى راتشل بروسناهن عن دورها في «السيدة مويسل البديعة»، والمقابل الدرامي حصدته الممثلة إليزابيث موس عن «حكاية خادمة».


مقالات ذات صلة

بطلة «سنو وايت»: الفيلم يُنصف قِصار القامة ويواجه التنمر

يوميات الشرق مريم شريف في لقطة من فيلم «سنو وايت» (الشركة المنتجة)

بطلة «سنو وايت»: الفيلم يُنصف قِصار القامة ويواجه التنمر

رغم وقوفها أمام عدسات السينما ممثلة للمرة الأولى؛ فإن المصرية مريم شريف تفوّقت على ممثلات محترفات شاركن في مسابقة الأفلام الطويلة بـ«مهرجان البحر الأحمر».

انتصار دردير (القاهرة )
يوميات الشرق وجوه من فيلم «السادسة صباحاً» (غيتي)

من طهران إلى كابل... حكايات نساء يتحدّيْن الظلم في «البحر الأحمر»

«السادسة صباحاً» و«أغنية سيما» أكثر من مجرّد فيلمين تنافسيَّيْن؛ هما دعوة إلى التأمُّل في الكفاح المستمرّ للنساء من أجل الحرّية والمساواة.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق جوني ديب لفت الأنظار بحضوره في المهرجان (تصوير: بشير صالح)

اختتام «البحر الأحمر السينمائي» بحفل استثنائي

بحفل استثنائي في قلب جدة التاريخية ، اختم مهرجان «البحر الأحمر السينمائي الدولي» فعاليات دورته الرابعة، حيث أُعلن عن الفائزين بجوائز «اليُسر». وشهد الحفل تكريمَ

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق ياسمين عبد العزيز في كواليس أحدث أفلامها «زوجة رجل مش مهم» (إنستغرام)

«زوجة رجل مش مهم» يُعيد ياسمين عبد العزيز إلى السينما

تعود الفنانة المصرية ياسمين عبد العزيز للسينما بعد غياب 6 سنوات عبر الفيلم الكوميدي «زوجة رجل مش مهم».

داليا ماهر (القاهرة )
يوميات الشرق رئيسة «مؤسّسة البحر الأحمر السينمائي» جمانا الراشد فخورة بما يتحقّق (غيتي)

ختام استثنائي لـ«البحر الأحمر»... وفيولا ديفيس وبريانكا شوبرا مُكرَّمتان

يتطلّع مهرجان «البحر الأحمر السينمائي» لمواصلة رحلته في دعم الأصوات الإبداعية وإبراز المملكة وجهةً سينمائيةً عالميةً. بهذا الإصرار، ختم فعالياته.

أسماء الغابري (جدة)

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».