الرئيس الفرنسي يريد «اتفاق إطار» للحد من هيمنة إيران الإقليمية

تطرق لقضايا الإرهاب وسوريا والهجرة في خطاب أمام السلك الدبلوماسي

الرئيس الفرنسي يلقي خطابه أمام السلك الدبلوماسي المعتمد في باريس (رويترز)
الرئيس الفرنسي يلقي خطابه أمام السلك الدبلوماسي المعتمد في باريس (رويترز)
TT

الرئيس الفرنسي يريد «اتفاق إطار» للحد من هيمنة إيران الإقليمية

الرئيس الفرنسي يلقي خطابه أمام السلك الدبلوماسي المعتمد في باريس (رويترز)
الرئيس الفرنسي يلقي خطابه أمام السلك الدبلوماسي المعتمد في باريس (رويترز)

دعا الرئيس الفرنسي إلى «تأطير النشاطات الباليستية» الإيرانية وحصرها بما هو «ضروري فقط» والتأكد من غياب أية نشاطات «يمكن أن تثير قلق البلدان المجاورة». كذلك ندد إيمانويل ماكرون بالسياسة الإقليمية لإيران التي وصفها، بناء على ما تقوم به في العراق وسوريا ولبنان واليمن، بأنها «تضرب استقرار المنطقة وتُسهِم في أي حال في إثارة التوترات القوية». وبهذا الخصوص، دعا ماكرون أيضاً إلى فتح نقاش من أجل التوصل إلى «اتفاق إطار» حول الحضور الإقليمي لطهران، وذلك عبر «نقاش واضح وشفاف من أجل تأطير هيمنتها الخارجية على عدد من البلدان».
وجاءت تصريحات ماكرون في إطار الخطاب الذي ألقاه بعد ظهر أمس أمام السلك الدبلوماسي المعتمد في باريس بحضور رئيس الحكومة أدوار فيليب ووزيري الخارجية والدفاع وكبار مستشاريه، ما شكَّل جولة كاملة في سياسة فرنسا الخارجية ووضع برنامجاً متكاملاً لتحركاتها الدبلوماسية في عام 2018.
واستحوذت إيران والحرب على الإرهاب والأوضاع في سوريا والعراق وليبيا والهجرات المكثفة إلى أوروبا على حيز واسع من كلمة الرئيس الفرنسي الذي دافع عن موقفه المعلن والمتمسك بالمحافظة على الاتفاق النووي مع إيران. وسبق له أن أكد، مساء الأربعاء، بمناسبة استقباله للصحافة الفرنسية والعالمية، على ضرورة استمرار «الحوار الدائم» مع طهران، ولكن مع الاستمرار في «ممارسة الضغوط الدولية عليها»، ولكن من غير الوصول إلى القطيعة معها.
وفي كلمته أمس، اعتبر ماكرون أن التخلي عن الاتفاق النووي المبرم مع طهران في صيف عام 2015: «سيجعل منها كورية شمالية جديدة»، مضيفاً، في رسالة موجهة مباشرة إلى إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب، أن «لا بديل عن الاتفاق». لكنه في الوقت عينه يعترف بنواقصه والحاجة لاستكماله باتفاقيات أخرى مع إيران تستهدف نشاطاتها الباليستية وسياستها الإقليمية وما تعتبره باريس من «نزعتها للهيمنة» أو رغبتها في بناء محور «يمتد من الخليج إلى البحر الأبيض المتوسط». ورغم هذه التحفظات، كرر ماكرون أنه ما زال راغباً في القيام بزيارة إلى طهران علماً بأن الزيارة التي كان من المقرر أن يقوم بها وزير الخارجية جان إيف لودريان يوم الجمعة الماضي تم تأجيلها بسبب المخاوف الفرنسية من أن تُفسَّر على أنها «تزكية» للنظام الإيراني في تعاطيه مع الاحتجاجات والمتظاهرين، ما أوقع عشرات القتلى، وأفضى إلى القبض على المئات.
وفي هذا السياق، شدد الرئيس الفرنسي مجدداً على «يقظة بلاده» وسهرها على ضرورة احترام «حقوق الإنسان والحريات الأساسية»، في إيران، معدداً منها حرية التعبير والحق في التظاهر.
ومرة أخرى، انتقد ماكرون الرئيس الأميركي من غير أن يسميه من خلال تأكيده على أن «التغيير لا يمكن أن يأتي من الخارج»، وأنه يتعين أن يكون ثمرة المجتمع المعني حاصراً دور الأطراف الخارجية بـ«السهر» على احترام الحقوق والحريات الأساسية، ومن خلال الاستمرار في الحوار الثقافي والاقتصادي واللغوي.
وما يريده ماكرون، الذي عبر أمس مجدداً عن تمسكه بـ«سيادة واستقرار» الدول ورفضه لكل العوامل التي يمكن أن تهددهما، هو «تلافي الوصول إلى الحرب» بسبب التصريحات النارية عن طريق المحافظة على خيوط الحوار، وفي الوقت عينه «الوصول إلى استراتيجية إقليمية تمكن من محاصرة الممارسة الإيرانية». وأخيراً ربط ماكرون بين قيامه بزيارة طهران و«العودة إلى الهدوء واحترام الحريات»، مستبعداً حصولها في المستقبل القريب.
أما في الملف السوري، فقد ندد ماكرون بمساعي موسكو للاستحواذ عليه وفرض الحلول التي ترتئيها، في إشارة إلى ما تقوم به روسيا في «آستانة» و«سوتشي» بينما مفاوضات جنيف التي ترعاها الأمم المتحدة عبر المبعوث الخاص لأمينها العام تراوح مكانها وتنتقل من فشل إلى آخر. ومرة أخرى، سعى ماكرون إلى إقناع سامعيه بصحة مقاربته وواقعيته السياسية التي دافع عنها «من أجل أن نكسب معركة السلام»، بعد النجاحات التي تحققت ضد «داعش» في العراق وسوريا. وشرح ماكرون الأسباب التي تدفعه لقبول الحوار مع الرئيس السوري ومع من يمثله، والتخلي عن شرط إبعاده عن السلطة مؤكداً أنه «ليس من الذين ينظرون إلى إمكانية كسب معركة السلام بالامتناع عن الإقرار بوجود حكام في سوريا ورفض الحوار معهم».
وعاد ليطرح رؤيته بأن «داعش» هو عدو فرنسا والأسد عدو الشعب السوري «لكنه ما زال موجوداً». وبنظره، فإن الحل يجب أن يكون شاملاً بحيث تمثل جميع الاتجاهات والتيارات في الداخل والخارج، وأن يمر عبر الانتخابات المقبلة التي توفر «إمكانية التعبير لجميع المكونات» السورية.
وفي أي حال، فإن ماكرون يريد التخلي عن «المقاربات الأخلاقية» وحدها وفي الوقت نفسه «رفض تقديم التنازلات لبعض القوى»، في إشارة إلى روسيا وإيران وتركيا، التي ترى أنها قادرة وحدها على الوصل إلى «حل ثابت ودائم في سوريا». وجدير بالذكر أن الرئيس الفرنسي سيستضيف اليوم نظيره التركي، وستكون الحرب في سوريا على جدول محادثاتهما.
وبشأن الملف العراقي، دعا ماكرون إلى «القيام بعمل دبلوماسي» من أجل أن تكون الانتخابات «حرة» ومساعدة رئيس الوزراء حيدر العبادي من أجل تمكينه من «بناء دولة مستقرة وتهدئة الأمور مع الأكراد». وكما فعل في السابق لدى زيارة رئيس إقليم كردستان باريس الشهر الماضي، دعا ماكرون إلى نزع سلاح الميليشيات، لكنه لم يذكر منها الحشد الشعبي بل تلك التي «لا تعترف بها الحكومة أو القوات المسلحة الرسمية». ووعد الرئيس الفرنسي بأن تكون بلاده «يقِظة» من أجل «منع حصول أي عمل مخل بالاستقرار في العراق على صلة بقوى خارجية»، دون مزيد من الإيضاح.



فرنسا متأرجحة نحو التغييرات السورية... إقدام أم تروٍّ؟

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون متحدثاً في مؤتمر صحافي مشترك في وارسو مع رئيس الوزراء البولندي دونالد تاسك بمناسبة زيارة رسمية الخميس (د.ب.أ)
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون متحدثاً في مؤتمر صحافي مشترك في وارسو مع رئيس الوزراء البولندي دونالد تاسك بمناسبة زيارة رسمية الخميس (د.ب.أ)
TT

فرنسا متأرجحة نحو التغييرات السورية... إقدام أم تروٍّ؟

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون متحدثاً في مؤتمر صحافي مشترك في وارسو مع رئيس الوزراء البولندي دونالد تاسك بمناسبة زيارة رسمية الخميس (د.ب.أ)
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون متحدثاً في مؤتمر صحافي مشترك في وارسو مع رئيس الوزراء البولندي دونالد تاسك بمناسبة زيارة رسمية الخميس (د.ب.أ)

لا تشذ فرنسا في مقاربتها للملف السوري عن غيرها من الدول الأوروبية وغير الأوروبية وتتأرجح مواقفها بين الرغبة في الإقدام على الدخول بتفاصيله، والتروي بانتظار أن يتضح المشهد السوري وما تريده السلطة الجديدة وعلى رأسها «هيئة تحرير الشام» بقيادة أحمد الشرع (المكنى سابقاً أبو محمد الجولاني).

كذلك تريد باريس تنسيق مواقفها وخطواتها مع شريكاتها في الاتحاد الأوروبي رغم أن الدول المعنية ليست كلها منخرطة في الملف السوري بمقدار انخراط باريس أو برلين أو مدريد، وأفادت الخارجية الفرنسية بأن الملف السوري سيكون موضع مناقشات بين وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي يوم الاثنين المقبل.

ما تقوله المصادر الفرنسية، يُبين أن باريس، كغيرها من العواصم، «فوجئت» بسرعة انهيار النظام الذي تصفه بأنه «نظام قاتل» مسؤول عن وفاة 400 ألف شخص وكل يوم يمر يكشف عن المزيد من «فظاعاته»، فضلاً عن أنه أساء دوماً للمصالح الفرنسية خصوصاً في لبنان، ولم يحارب الإرهاب بل «شجعه» كما دفع ملايين السوريين إلى الخارج.

وتعدّ فرنسا أن سقوط نظام بشار الأسد شكل «مفاجأة»؛ إلا أنه شكل «بارقة أمل» للسوريين في الداخل والخارج، ولكنها مُكَبّلة بعدد كبير من التحديات والمخاطر؛ منها الخوف من «تمزق» سوريا، وأن تمر بالمراحل التي مر بها العراق وليبيا سابقاً، وأن تشتعل فيها حرب طائفية ونزاعات مناطقية وتنشط مجموعات «إسلاموية وجهادية»، وتدخلات خارجية، وأن تنتقل العدوى إلى لبنان كما حصل في السنوات 2015 و2016.

ملاحظات باريسية

وإزاء مفردات خطاب «معتدلة» تصدر عن أحمد الشرع والهيئة التي يرأسها وعلى ضوء صورة الحكومة الانتقالية التي رأت النور برئاسة محمد البشير، تتوقف باريس عند عدة ملاحظات: الأولى، اعتبار أن ما جرى «يفتح صفحة جديدة»، وأن الهيئة المذكورة لم ترتكب تجاوزات كبرى واعتمدت حتى اليوم خطاباً «معتدلاً» ووفرت ضمانات «كلامية»؛ إلا أن ما يهم فرنسا، بالدرجة الأولى، «الأفعال وليست الأقوال».

وما تريده باريس عميلة انتقال سلمي للسلطة وأن تضم جميع المكونات وأن تحترم الحقوق الأساسية للمواطنين والأديان والطوائف، وأحد معاييرها أيضاً احترام وضع النساء وحقوقهن، كذلك، فإن باريس ستعمل لأجل هذه الأهداف مع الشركاء العرب وأيضاً مع تركيا وإسرائيل.

بيد أن فرنسا لا تريد لا الإسراع ولا التسرع، وإن كانت تتأهب لإرسال مبعوث إلى سوريا يرجح أن يكون الدبلوماسي جان فرنسوا غيوم، لكنها تستبعد الاعتراف السريع بالسلطات الجديدة.

وأكدت وزارة الخارجية الفرنسية في بيان صادر عنها الخميس أن باريس ترى أنه «من السابق لأوانه في هذه المرحلة مناقشة رفع العقوبات المفروضة» على سوريا.

وكان وزير الخارجية المستقيل، جان نويل بارو، قد أجرى محادثات مع بدر جاموس، رئيس لجنة المفوضات السورية ومع ممثلين عن المجتمع المدني.

وقال بيان رسمي إن بارو ومحدثيه «عبروا عن الالتزام بتحقيق انتقال سياسي سلمي يشمل الجميع ويتماشى مع القرار 2254 الصادر عن الأمم المتحدة، يحمي المدنيين والحقوق الأساسية والأقليات».

كذلك أشار إلى «الاتفاق على أهمية الحفاظ على مؤسسات الدولة واحترام سيادة سوريا وسلامة أراضيها»، فضلاً عن «الإعراب عن قلقهم إزاء مخاطر التشرذم وانعدام الاستقرار والتطرّف والإرهاب، وضرورة استنفار الطاقات السورية والدولية من أجل تحاشيها».

اللاجئون

أما بالنسبة لملف عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، فإن باريس تقول إنها ليست من يقول لهؤلاء بالعودة أو بالامتناع عنها. إلا أنها بالمقابل تعدّ الشروط الضرورية لعودتهم مثل الأمن والعودة الكريمة «ليست متوافرة» رغم سقوط النظام القديم وقيام نظام جديد.

وتتوافق المواقف الفرنسية مع تلك التي صدرت عن مجموعة السبع، الخميس، التي أبدت الاستعداد لدعم عملية انتقالية في إطار يؤدي إلى حكم موثوق وشامل وغير طائفي في سوريا، مذكرة بأن العملية الانتقالية يجب أن تتسم بـ«احترام سيادة القانون وحقوق الإنسان العالمية، بما في ذلك حقوق المرأة، وحماية جميع السوريين، بمن في ذلك الأقليات الدينية والعرقية، والشفافية والمساءلة».

لاجئون سوريون في تركيا يسيرون نحو المعبر الحدودي بعد الإطاحة بنظام بشار الأسد (د.ب.أ)

وضمن هذه الشروط، فإن مجموعة السبع ستعمل مع أي حكومة سورية مستقبلية تلتزم بهذه المعايير وتكون نتاج هذه العملية وتدعمها بشكل كامل.

وبينما تقضم إسرائيل أراضي سورية، وتدفع تركيا بالقوات التي ترعاها في الشمال الشرقي إلى مهاجمة مواقع «قسد»، فإن مجموعة السبع دعت «الأطراف كافة» إلى الحفاظ على سلامة أراضي سوريا ووحدتها الوطنية واحترام استقلالها وسيادتها.

ومن جانب آخر، وفي الكلمة التي ألقتها بعد ظهر الخميس بمناسبة «القمة الاقتصادية الخامسة لفرنسا والدول العربية» التي التأمت في باريس، عدّت آن غريو، مديرة إدارة الشرق الأوسط والمغرب العربي في الخارجية الفرنسية، أن الوضع اليوم في المنطقة «بالغ التعقيد» في قراءتها للتطورات الأخيرة في سوريا وللوضع في الشرق الأوسط، وأن المنطقة «تشهد تحركات تكتونية» (أي شبيهة بالزلازل).

وتعتقد غريو أن هناك «حقيقتين» يتعين التوقف عندهما بشأن سوريا: الأولى عنوانها «انعدام اليقين»، والعجز عن توقع التبعات المترتبة على هذه التطورات ليس فقط في المنطقة ولكن أيضاً في الجوار الأوروبي، إذ إن المنطقة «تسير في أرض مجهولة» وتشهد تغيرات جيوسياسية رئيسية.

و«الحقيقة» الثانية عنوانها السرعة الاستثنائية التي تحصل فيها هذه التغيرات، مشيرة إلى أنه في عام واحد حصلت حرب غزة وحرب لبنان والحرب بين إسرائيل وإيران وانهيار النظام السوري، وهي تطورات غير مسبوقة، لا في أهميتها وتبعاتها ولا في زمنيتها.