الثمار الروسية في سوريا... كسب الحرب لا يعني الانتصار

بوتين ووزير دفاعه لدى زيارتهما قاعدة حميميم الشهر الماضي (إ.ب.أ)
بوتين ووزير دفاعه لدى زيارتهما قاعدة حميميم الشهر الماضي (إ.ب.أ)
TT

الثمار الروسية في سوريا... كسب الحرب لا يعني الانتصار

بوتين ووزير دفاعه لدى زيارتهما قاعدة حميميم الشهر الماضي (إ.ب.أ)
بوتين ووزير دفاعه لدى زيارتهما قاعدة حميميم الشهر الماضي (إ.ب.أ)

مطلع ديسمبر (كانون الأول) 2017، أجرى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين جولة كبرى في الشرق الأوسط وزار ثلاث دول، هي تركيا وسوريا ومصر. اللافت أن جولة بوتين في الشرق الأوسط تزامنت مع إعلانه عزمه الترشح في الانتخابات الرئاسية عام 2018. في ظل هذه الظروف، كان من المهم بالنسبة للرئيس الروسي استغلال فعاليات الجولة لتذكير المواطن الروسي بـ«نجاحات» الدبلوماسية الروسية بقيادة بوتين. وبالفعل، نجح الرئيس الروسي في تحويل جولته إلى حدث لافت للأنظار. وخلال زيارته لسوريا، أعلن بوتين الانتصار أمام الإسلاميين الراديكاليين، وبدء الانسحاب العسكري الروسي من البلاد. وبناءً على هذا الإعلان، نرى من الضروري طرح تقييم للنتائج الحقيقية للوجود الروسي في سوريا عام 2017.
يمكن النظر إلى تشكيل شراكة ثلاثية بين موسكو وطهران وأنقرة وبناء منصة آستانة للتفاوض باعتبارهما الإنجازين الرئيسين للدبلوماسية الروسية في سوريا. وجاء الحوار بين الدول الثلاث انطلاقاً من عدد من الحاجات العملية والاعتبارات البراغماتية لدى كل من الدول الثلاث. وبحلول نهاية 2017، بدا واضحاً أن التعاون الثلاثي بين روسيا وإيران وتركيا يخدم مصالح الأطراف الثلاثة بالفعل.
من جهتها، نجحت أنقرة في استغلال هذه الصيغة التعاونية في التعبير عن قلقها بخصوص دور الأكراد المتنامي في الصراع السوري. كما نجحت تركيا بالفعل في الحد من تدفق اللاجئين السوريين على أراضيها وبناء «مناطق نفوذ سنية» داخل سوريا، بالتعاون مع موسكو وطهران. على الجانب الآخر، تمكنت إيران من ضمان نفوذها فيما يتعلق بالعمليات السياسية داخل سوريا، بجانب استعانتها بمساعدة روسية لبناء ما وصف بأنه جسر بري من طهران إلى بيروت.
أما روسيا، فكان من المهم للغاية بالنسبة لها استغلال هذا التحالف الثلاثي في بناء اتصالات مع المعارضة المسلحة لبشار الأسد، الأمر الذي حققته بالفعل بمساعدة تركيا، وإلزام كل من إيران وتركيا بالتزامات مختلفة تضمن إبداءهما قدراً أكبر من المرونة خلال مناقشة مبادرات روسية لتسوية الصراع في سوريا.
في الوقت ذاته، تدرك موسكو تماماً أن مثل هذا التحالف وليد ظروف معينة، وليس دائماً. عليه، فإنه ينبغي استخدام لفظ «تحالف» هنا بحرص شديد. في الواقع، تتبع روسيا وإيران وتركيا آراء مختلفة تجاه سوريا ما بعد الحرب، ولكل جانب أهدافه الخاصة داخل البلاد. ومع هذا، فإنها وجدت نفسها مضطرة للتعاون مع بعضها البعض سعياً وراء تحويل إنجازاتها العسكرية في سوريا إلى مكاسب سياسية، ومحاولة إطلاق عملية سياسية داخل سوريا بناءً على الشروط الموائمة للدول الثلاث. من دون ذلك، لن تتمكن أي منها من الاضطلاع بهذا الأمر بمفردها، وستفوق التكاليف المتفاقمة للوجود العسكري في سوريا أي مكاسب حالية.

محادثات آستانة ومستقبلها
ومع هذا، جاء نجاح عملية آستانة جزئياً فقط. كان المشاركون في اجتماعات آستانة خلال 2017 أخفقوا في تحقيق أي تقدم ملموس في إطلاق حوار سياسي مستدام بين الأطراف المتناحرة. بيد أنه في المقابل، نجحت المفاوضات في إقرار مناطق خفض التصعيد والحد من مستوى إراقة الدماء على الأرض. وعليه، أصبحت الصيغة التي أقرت في آستانة منصة مهمة لتسوية قضايا عسكرية وأخرى تتعلق بوقف إطلاق النار، في الوقت الذي تبقى مسألة التسوية السياسية حكراً على عملية جنيف. وبذلك يتضح أن منصتي آستانة وجنيف تحولتا إلى مسارين تفاوضيين يكملان بعضهما البعض، وليسا متعارضين.
ومع ذلك، فإنه في أعقاب إطلاق عملية آستانة، سرعان ما أدركت موسكو عيوبها: ذلك أن الانضمام إلى تركيا وإيران لم يكن كافياً لتسوية الأزمة السورية، ناهيك عن نشر إجراء وقف إطلاق النار في كامل أرجاء البلاد. ولذلك، نشطت موسكو خلال 2017 في بناء اتصالات مع أطراف إقليمية أخرى، ودعمت مفاوضات في القاهرة وعمان لإقرار وقف إطلاق النار في الغوطة الشرقية وراستان وجنوب سوريا.
إلا أن هذه الخطوة الروسية خلفت تداعيات مثيرة للجدل. من ناحية، ساعدت المفاوضات في القاهرة وعمان في تحقيق استقرار في الموقف على مستوى البلاد. وجاء فحوى ما تمخضت عنه المفاوضات متناغماً مع إطار عمل اتفاقات مايو (أيار) 2017، وإن كانت هذه المفاوضات منفصلة بوضوح عن عملية آستانة. من ناحية أخرى، أثارت الاتصالات الروسية ـ الأميركية أثناء محادثات عمان قلقاً بالغاً داخل إيران إزاء إمكانية أن تحل المفاوضات الجارية في الأردن محل عملية آستانة التي تتمتع إيران بنفوذ فيها. لكن هذه المخاوف تراجعت تدريجياً عندما شرعت روسيا في استغلال منصة آستانة في التأكيد وإضفاء الشرعية على قرارات جرى اتخاذها في عمان والقاهرة، مشددة على أن مفاوضات الأردن ومصر من المفترض أن تجذب عناصر إضافية نحو عملية التسوية السياسية في سوريا من أجل إطالة أمد عملية آستانة، وليس الحل محلها.
وعليه، أدت تحركات موسكو خلال النصف الثاني من عام 2017 إلى تحويل المفاوضات حول سوريا إلى منظومة متعددة المستويات. وما تزال عملية جنيف على رأس المنظومة باعتبارها منصة التفاوض التي تضفي الشرعية على جميع القرارات المحورية المرتبطة بسوريا، بينما يتمثل المستوى الثاني في عملية آستانة، التي ينبغي النظر إليها باعتبارها منصة تفاوض وسيطة تعين على تعزيز فاعلية محادثات جنيف من خلال استثناء القضايا العسكرية منها. بجانب ذلك، تساعد آستانة في فرض وإضفاء الشرعية على القرارات التي تتمخض عنها محادثات القاهرة وعمان، والتي تشكل بدورها المستوى الثالث من المفاوضات.

الرحيل عن سوريا؟
أثناء زيارته القاعدة العسكرية في حميميم في إطار جولته في الشرق الأوسط في ديسمبر (كانون الأول) 2017، أعلن بوتين انتصار روسيا في مواجهة تنظيم داعش، وبدء انسحاب تدريجي للقوات الروسية من سوريا. وليست هذه المرة الأولى التي يعلن الكرملين عزمه سحب قواته من سوريا، إذ في مارس (آذار) 2016 أعلنت روسيا بالفعل عزمها إنهاء عملياتها العسكرية في سوريا بدعوى أنها أنجزت. لكن بدلاً عن إعادة القوات الروسية إلى أرض الوطن، تورطت روسيا على نحو أعمق في الصراع الدائر في سوريا. ومع هذا، تبدو روسيا عاقدة العزم هذه المرة على الوفاء بوعدها مع تبدل الموقف داخل سوريا على نحو واضح.
في الواقع، تنظر روسيا إلى تحرير الموصل والرقة (المعقلين السياسي والآيديولوجي لتنظيم داعش) من جانب تحالف محاربة الإرهاب بقيادة الولايات المتحدة، علاوة على النجاحات التي حققها جيش الأسد في دير الزور وفي شرق سوريا باعتبارها نصراً حاسماً أمام «داعش». والاحتمال الأكبر على صعيد المستقبل المنظور أن تبدأ روسيا وإيران وتركيا عملية مشتركة ضد جماعة «تحرير الشام» داخل ما يطلق عليه إدلب الكبرى، ثم تقسيمها إلى مناطق نفوذ. ورغم أن هذا لا يعني نهاية الصراع المسلح في سوريا، فإنه بالتأكيد سيصبح أقل حدة.
جدير بالذكر أنه نتيجة الجهود الروسية والإيرانية، لحق ضعف كبير بقوات المعارضة غير الراديكالية أمام الأسد. واليوم، أصبحت هذه القوات على درجة أقل من الاستعداد للاستمرار في القتال عن ذي قبل. أيضاً، طرأ تحول على المزاج العام للمجتمع السوري في الفترة الأخيرة، ذلك أنه بعد مرور ما يقرب من سبعة أعوام على الصراع الدموي المدمر، اكتسبت قضايا السلام والاستقرار أهمية أكبر بكثير عن مشكلات السلطة والنظام السياسي المستقبلي. وبالتالي، فإن المرحلة الحالية من الصراع لن تتطلب الكثير من الوجود الروسي على الأرض.

البقاء داخل سوريا
مع هذا، ينبغي التنبيه هنا إلى أن روسيا تنسحب من الصراع المسلح فحسب، وليس الأزمة السورية ككل، بل على النقيض تنوي موسكو الاستمرار داخل سوريا لفترة طويلة. والملاحظ أنه خلال نوفمبر (تشرين الثاني) وديسمبر (كانون الأول)، تكثفت الجهود الدبلوماسية الروسية. ولم تنشط روسيا في مناقشة إمكانية تسوية الصراع مع الولايات المتحدة وعدد من دول الشرق الأوسط فحسب، وإنما بعثت كذلك بإشارات إلى الأسد بخصوص استعدادها لمساعدة دمشق في عملية إعادة الإعمار بعد الحرب.
وعليه، زار دميتري روغوزين، نائب رئيس الوزراء الروسي، دمشق، لمناقشة مشاركة شركات روسية في إعادة إعمار سوريا مع الأسد. وكشفت هذه الخطوة بدورها أن روسيا تعي جيداً أهمية اللحظة الراهنة لمستقبل وجودها بالبلاد.
ومع أن نظام الأسد المدعوم من روسيا بمقدوره اليوم اعتبار نفسه المنتصر في الحرب الأهلية، فإن هذا لا يضمن وجوداً مستقراً وآمناً لموسكو داخل سوريا ما بعد الحرب. المعروف أنه خلال الفترة النشطة للصراع المسلح، كانت المساعدات العسكرية للنظام السوري هي التي منحت موسكو نفوذاً داخل دمشق. لكن مع الانتقال إلى مرحلة ما بعد الحرب، تتراجع أهمية العامل العسكري باستمرار، ما يفسح الطريق أمام الجوانب المالية والاقتصادية للتعاون. ولا تزال هناك شكوك فيما إذا كان الاقتصاد الروسي المتداعي سيتمكن من إمداد موسكو بالموارد اللازمة لإطلاق عملية إعادة الإعمار. واللافت أن روسيا لم تبد في عجلة من أمرها بخصوص الإعلان عن استعدادها للمشاركة في عملية إعادة إعمار سوريا بعد الحرب. وجاءت زيارة روغوزين لدمشق فقط بعد محادثة هاتفية جرت بين الأسد ونظيره الإيراني حسن روحاني في 25 نوفمبر. وخلال لقائهما، شدد روحاني على أن إيران «على استعداد للمشاركة بنشاط في إعادة إعمار سوريا». وجعلت هذه التصريحات من زيارة روغوزين أمراً حتمياً، ذلك أنه كان من الضروري لموسكو أن تظهر أنها لن تتقهقر إلى موقع خلف طهران داخل سوريا ما بعد الحرب.
وبسبب محدودية مواردها، تحاول موسكو الحفاظ على أهميتها بالنسبة لدمشق عبر المسار الدبلوماسي من خلال الاضطلاع بدور نشط في صياغة العملية السياسية لتسوية الصراع. في الوقت الحالي، تركز موسكو جهودها الدبلوماسية على العمل مع الدول التي تملك نفوذاً على الأرض داخل سوريا.
وعليه جاءت الزيارة التاريخية لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز إلى موسكو في أكتوبر (تشرين الأول) 2017؛ أكدت روسيا أهمية تشكيل جبهة معارضة موحدة لتمثيل القوى المناهضة للأسد خلال اجتماع جنيف التالي. وعليه، عقد لقاء لهذه الجبهة بالفعل داخل الرياض نهاية نوفمبر. وفي الوقت ذاته، كثف الكرملين مشاوراته مع طهران وأنقرة لمناقشة الوضع حول عفرين وإدلب ومستقبل مناطق خفض التصعيد. أيضاً، تولي موسكو اهتماماً منفصلاً لتهدئة المخاوف الإيرانية والتركية إزاء ولاء روسيا تجاه شريكيها. كان لقاء بوتين وترمب، والاجتماعات الروسية المتكررة مع مسؤولين إسرائيليين والصمت الروسي تجاه استفتاء الاستقلال داخل كردستان العراق قد أثاروا مخاوف من أن روسيا تتحرك نحو التخلي عن إيران داخل سوريا.
لذلك، أصدر وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، في نوفمبر 2017، بياناً حول شرعية الوجود العسكري الإيراني داخل سوريا، يحمل في طياته إشارات إلى تل أبيب مفادها أن الكرملين يولي اهتماماً لتعاونه مع إيران لا يقل عن اهتمامه بالتعاون مع إسرائيل. أيضاً، جمد الكرملين الاستعدادات الجارية لعقد مؤتمر الحوار الوطني السوري الذي شكل محاولة لتعزيز أهمية المعارضة شبه الرسمية ودمج الأكراد فيها، سعياً نهاية الأمر لتعزيز مواقف جماعات المعارضة الموالية لموسكو في جنيف. إلا أن الاجتماع أرجئ من أجل التخفيف من حدة المخاوف التركية إزاء مشاركة الأحزاب الكردية كقوى مستقلة.

التحديات القادمة
رغم ما سبق، ما تزال روسيا بعيدة تماماً عن إبقاء العملية السياسية في سوريا تحت سيطرتها الكاملة. ومع أنها قد تبدو جيدة على الورق، فإن بعض المبادرات الروسية لا يجري دوماً تنفيذها بنجاح على أرض الواقع. على سبيل المثال، كان من المفترض أن يساعد الاجتماع الثلاثي لرؤساء روسيا وإيران وسوريا في 22 نوفمبر 2017، الدول الثلاث، في الحد من التوترات القائمة بينها، والعمل على صياغة موقف مشترك إزاء مستقبل العملية السياسية في سوريا. ومع هذا، لم تتحقق هذه الأهداف على نحو كامل.
وبينت المشكلات التي تواجه روسيا أنه رغم الدور المحوري لها في عملية التفاوض بخصوص سوريا، فإنه من الواضح أن مواردها وقدراتها ليست على المستوى المطلوب. في المقابل، لا تبدو أي من إيران أو تركيا على استعداد للاضطلاع بدور ثانوي في عملية التفاوض، الأمر الذي اتضح خلال المحادثات رفيعة المستوى الأخيرة. وربما تتمثل النتيجة الأهم لهذه المحادثات في إرجاء عقد مؤتمر الشعب السوري في سوتشي، الذي كان مقرراً له بادئ الأمر مطلع ديسمبر (كانون الأول) 2017، لأجل غير مسمى. وفي تلك الأثناء، يبدو أن كل ما يربط الدول الثلاث مصالح ظرفية وتشابهات تكتيكية، وليس أهدافاً استراتيجية مشتركة. ويكشف هذا بدوره أن أي طرف سيسعى لصياغة العملية السياسية لتسوية الصراع السوري سيواجه تحديات خطيرة لن يكون من السهل التغلب عليها.
إضافة لذلك، ثمة مشكلة أخرى تواجه موسكو وتدفعها نحو العمل بسرعة ـ شعورها باليأس. بمرور الوقت، يبدو واضحاً على نحو متزايد أن الأسد نجح في البقاء في السلطة، ومن غير المحتمل أن تتمكن أي قوة من إجباره على الخروج من الرئاسة، ناهيك عن إقناع النظام «البعثي» بالمشاركة في حوار وطني بالمعنى الحقيقي.
من جانبهما، أعربت مستشارة رئيس النظام السوري بثينة شعبان ونائب وزير الخارجية فيصل المقداد بالفعل عن تشككهما إزاء جدوى عملية التفاوض تحت رعاية الأمم المتحدة. ويتمحور الموقف السوري الرسمي حول فكرة ضرورة عقد أي مفاوضات مع المعارضة فقط بعد «إنجاز نزع تسليح» الأخيرة وضمان «عدم تدخلها في الشؤون الداخلية للبلاد».
تبعاً لهذه الرؤية، فإن الحوار الوطني الشامل الذي ينبغي أن يرسم ملامح مستقبل الدولة السورية سيتحول إلى مفاوضات بين طرف منتصر وآخر مهزوم. أما موضوع التفاوض فيدور حول وضع تعريف لحدود دمج المعارضة في الكيانات الواقعة تحت سيطرة الحزب «البعثي»، شرط أن تلتزم بجميع مطالب دمشق. وتنظر القيادة الروسية لدورها هنا باعتبارها قوة وسيطة قادرة على التأثير على النظام السوري. وحتى التوصل لتسوية لا يعني بالضرورة بالنسبة للمعارضة السورية أن النظام لن يحاول معاقبة خصومه بعد إلقائهم السلاح.
وتكشف نتائج الصراع المسلح السوري أن النظام بمعاونة حلفائه نجح في الفوز في الحرب، لكنه عجز عن تحقيق السلام وتسوية المشكلات التي أدت لاشتعال الأزمة في المقام الأول عام 2011.
* نيكولاي كوزانوف ـ زميل باحث في «تشاتام هاوس» بلندن ومحاضر في الجامعة الأوروبية في سان بطرسبورغ
* ليونيد إيسايف ـ محاضر لدى المدرسة العليا للاقتصاد التابعة للجامعة الوطنية للبحوث، موسكو، روسيا
*خاص بـ«الشرق الأوسط»



دمشق و«قسد» تُسارعان لإنقاذ اتفاق الدمج قبل انقضاء المهلة

مسلحون من «قسد» خلال عرض عسكري في مدينة القامشلي (أرشيفية - رويترز)
مسلحون من «قسد» خلال عرض عسكري في مدينة القامشلي (أرشيفية - رويترز)
TT

دمشق و«قسد» تُسارعان لإنقاذ اتفاق الدمج قبل انقضاء المهلة

مسلحون من «قسد» خلال عرض عسكري في مدينة القامشلي (أرشيفية - رويترز)
مسلحون من «قسد» خلال عرض عسكري في مدينة القامشلي (أرشيفية - رويترز)

قال أشخاص مشاركون في محادثات لدمج القوات الكردية مع الدولة السورية، أو مطلعون عليها، إن المسؤولين السوريين والأكراد والأميركيين يسعون جاهدين لإظهار تقدم في اتفاق متعثر قبل المهلة المحددة بنهاية العام.

وذكرت المصادر السورية والكردية والغربية التي تحدّثت إلى «رويترز» أن المناقشات تسارعت في الأيام القليلة الماضية، على الرغم من تزايد الإحباط بسبب التأخيرات، وحذّر بعضهم من أن تحقيق انفراجة كبيرة أمر غير مرجح.

وقال 5 من المصادر إن الحكومة السورية الانتقالية أرسلت مقترحاً إلى «قوات سوريا الديمقراطية» التي يقودها الأكراد وتُسيطر على شمال شرقي البلاد.

وأضاف أحد المسؤولين السوريين ومسؤول غربي و3 مسؤولين أكراد أن دمشق عبّرت في الاقتراح عن انفتاحها، على أن تُعيد «قوات سوريا الديمقراطية» تنظيم مقاتليها، وعددهم نحو 50 ألف مقاتل، في 3 فرق رئيسية وألوية أصغر، ما دامت ستتنازل عن بعض سلاسل القيادة، وتفتح أراضيها لوحدات الجيش السوري الأخرى.

ولم يتضح ما إذا كانت الفكرة ستمضي قدماً أم لا، وقللت عدة مصادر من احتمالات التوصل إلى اتفاق شامل في اللحظات الأخيرة، قائلة إن هناك حاجة إلى مزيد من المحادثات.

الشرع مصافحاً عبدي عقب توقيع اتفاق اندماج «قسد» في الجيش السوري في 10 مارس الماضي (إ.ب.أ)

ومع ذلك، قال مسؤول بـ«قوات سوريا الديمقراطية»: «نحن أقرب إلى اتفاق أكثر من أي وقت مضى».

وذكر مسؤول غربي ثانٍ أن أي إعلان في الأيام المقبلة سيكون هدفه جزئياً «حفظ ماء الوجه»، وتمديد المهلة والحفاظ على الاستقرار في دولة لا تزال هشّة بعد عام من سقوط الرئيس السابق بشار الأسد.

وذكرت معظم المصادر أنه من المتوقع ألا يرقى أي شيء، تفرزه هذه المساعي، إلى مستوى الاندماج الكامل لـ«قوات سوريا الديمقراطية» في الجيش ومؤسسات الدولة الأخرى بحلول نهاية العام، وهو المنصوص عليه في اتفاق تاريخي بين الجانبين في 10 مارس (آذار).

ويُهدد الفشل في رأب الصدع الأعمق المتبقي في سوريا بإشعال صدام مسلح قد يعرقل خروجها من حرب استمرت 14 عاماً، وربما يستدرج تركيا المجاورة التي تُهدد بالتدخل ضد المقاتلين الأكراد الذين تعدّهم إرهابيين.

ويتبادل الجانبان الاتهامات بالمماطلة والتصرف بسوء نية، فـ«قوات سوريا الديمقراطية» لا ترغب في التخلّي عن الحكم الذاتي الذي فازت به بوصفها الحليف الرئيسي للولايات المتحدة خلال الحرب، التي سيطرت بعدها على سجون تنظيم «داعش» وموارد النفط الغنية.

وقالت عدة مصادر إن الولايات المتحدة، التي تدعم الرئيس السوري أحمد الشرع، وتحث على دعم عالمي لحكومته الانتقالية، نقلت رسائل بين «قوات سوريا الديمقراطية» ودمشق وسهّلت المحادثات، وحثت على التوصل إلى اتفاق.

تركيا: صبرنا ينفد

ومنذ أن فشلت جولة كبيرة من المحادثات بين الجانبين في الصيف، تصاعدت الاحتكاكات، بما في ذلك المناوشات المتكررة على طول عدد من خطوط المواجهة في الشمال.

وسيطرت «قوات سوريا الديمقراطية» على جزء كبير من شمال شرقي سوريا، حيث يوجد معظم إنتاج البلاد من النفط والقمح، وذلك بعد هزيمة مسلحي «داعش» في 2019.

وقالت «قوات سوريا الديمقراطية» إنها تنهي عقوداً من القمع ضد الأقلية الكردية، لكن الاستياء من حكمها تنامى بين السكان الذين يغلب عليهم العرب، بما في ذلك الاستياء من التجنيد الإجباري للشباب.

وقال مسؤول سوري إن الموعد النهائي للاندماج في نهاية العام ثابت، ولا يمكن تمديده إلا «بخطوات لا رجعة فيها» من «قوات سوريا الديمقراطية».

وقال وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، اليوم، إن تركيا لا تريد اللجوء إلى الوسائل العسكرية، لكنه حذّر من أن الصبر على «قوات سوريا الديمقراطية» «ينفد».

عناصر من «قسد» في شمال شرقي سوريا (أ.ف.ب)

وقلل المسؤولون الأكراد من أهمية المهلة، وقالوا إنهم ملتزمون بالمحادثات من أجل تحقيق الاندماج العادل.

وقال سيهانوك ديبو، وهو مسؤول في «الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا»، إن «الضمانة الأكثر موثوقية لاستمرار صلاحية الاتفاق تكمن في مضمونه، لا في الإطار الزمني»، مشيراً إلى أن الأمر قد يستغرق حتى منتصف 2026 لمعالجة جميع النقاط الواردة في الاتفاق.

وكانت «قوات سوريا الديمقراطية» قد طرحت في أكتوبر (تشرين الأول) فكرة إعادة تنظيم نفسها في 3 فرق جغرافية بالإضافة إلى الألوية. ومن غير الواضح ما إذا كان هذا التنازل، الوارد في الاقتراح الذي قدمته دمشق في الأيام القليلة الماضية، سيكون كافياً لإقناعها بالتخلي عن السيطرة على الأراضي.

وقال عبد الكريم عمر، ممثل «الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا»، التي يقودها الأكراد في دمشق، إن الاقتراح الذي لم يُعلن عنه يتضمن «تفاصيل لوجيستية وإدارية قد تسبب خلافاً وتؤدي إلى تأخير».

وصرح مسؤول سوري كبير لـ«رويترز» بأن الرد السوري «يتسم بالمرونة لتسهيل التوصل إلى توافق من أجل تنفيذ اتفاق مارس».


وزير الخارجية المصري: إسرائيل تتحمل تعثر «اتفاق غزة»... ونعوّل على ترمب لإنفاذه

وزير الخارجية المصري: إسرائيل تتحمل تعثر «اتفاق غزة»... ونعوّل على ترمب لإنفاذه
TT

وزير الخارجية المصري: إسرائيل تتحمل تعثر «اتفاق غزة»... ونعوّل على ترمب لإنفاذه

وزير الخارجية المصري: إسرائيل تتحمل تعثر «اتفاق غزة»... ونعوّل على ترمب لإنفاذه

بعد ساعات من إعلان وزارة الخارجية المصرية إطلاق «الكتاب الأبيض» بشأن مبدأ الاتزان الاستراتيجي في الدبلوماسية المصرية، حاورت «الشرق الأوسط» وزير الخارجية الدكتور بدر عبد العاطي، في مكتبه بالعاصمة الإدارية الجديدة، حول عدد من الملفات التي تضطلع فيها القاهرة بأدوار تتراوح ما بين الوساطة والشراكة والحوار والاتصالات الدبلوماسية.

في حديثه أكد عبد العاطي «تميز» العلاقات المصرية - السعودية، معلناً التحضير للاجتماع الأول لـ«مجلس التنسيق الأعلى المصري - السعودي»، بحضور ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، والرئيس عبد الفتاح السيسي. وأشار وزير الخارجية المصري إلى التنسيق مع الرياض في ملفات إقليمية عدة، بينها غزة وأمن البحر الأحمر، مؤكداً أن القاهرة والرياض هما جناحا الأمتين العربية والإسلامية ودونهما لن يصلح حالهما.

وحمَّل عبد العاطي إسرائيل مسؤولية تعثر الانتقال إلى المرحلة الثانية من اتفاق غزة، وقال إن «الاتصالات مستمرة مع الجانب الأميركي لنقل الرؤية المصرية بشأن الكيانات الانتقالية، وعلى رأسها مجلس السلام وقوة الاستقرار»، مشدداً على موقف القاهرة بأن تكون قوة الاستقرار «قوة حفظ سلام لا فرض سلام». وتحدث عن حصر السلاح في غزة لا نزعه.

كما نفى عبد العاطي الاتهامات الموجهة لبلاده بلعب دور ميداني في السودان، مؤكداً دعم مصر للدولة ومؤسساتها، وعلى رأسها الجيش السوداني، وهو «ما لا يمكن مساواته مع أي ميليشيا أو أي إطار غير خارج الدولة»، على حد تعبيره.

وأشار وزير الخارجية إلى تطور العلاقات مع تركيا، مؤكداً أن «بناء الشراكات لا يعني التوافق في كل الملفات بنسبة 100 في المائة». كما جدد التأكيد على أن البحر الأحمر للدول المشاطئة، وشدَّد على حق بلاده في الدفاع عن أمنها المائي بعد وصول المفاوضات مع إثيوبيا إلى «طريق مسدود».

وبدا لافتاً تقاطع الاتصالات الأميركية - المصرية في ملفات عدة، من بينها غزة والسودان و«سد النهضة»، في إشارة واضحة إلى حوار وصفه عبد العاطي بـ«الإيجابي» بين القاهرة وواشنطن. وفيما يلي نص الحوار:

 

* نبدأ بملف غزة، رغم الجهود المبذولة لتنفيذ «خطة ترمب»، لماذا يتعذر الوصول للمرحلة الثانية من الاتفاق؟

- الأمر مرتبط بالتعاون والالتزام من الجانب الإسرائيلي بخطة الرئيس ترمب، وهي خطة واضحة تم تنفيذ المرحلة الأولى منها بالكامل باستثناء جثة وحيدة يتم البحث عنها وسط آلاف الأطنان من الركام والمتفجرات التي خلفها العدوان الإسرائيلي على غزة. نحن نعوّل على الدور الأميركي وقيادة ترمب للعمل على إنفاذ الخطة والانتقال إلى المرحلة الثانية، ورغم كل الانتهاكات الإسرائيلية المستمرة يومياً، لا بد أن نعيد التأكيد على ضرورة تثبيت اتفاق وقف إطلاق النار والمضي قدماً في تنفيذ المرحلة الثانية بكل استحقاقاتها، بما في ذلك إعادة الانتشار والانسحاب الإسرائيلي من داخل قطاع غزة، ووفقاً للخطة، ولما تضمنه أيضاً قرار مجلس الأمن 2803، ونرمز حالياً إلى الكيانات الانتقالية المؤقتة التي تم النص عليها في قرار مجلس الأمن، سواء ما يتعلق بمجلس السلام أو قوة الاستقرار الدولية أو اللجنة الإدارية الفلسطينية. نحن جاهزون، ولا بد من الضغط في اتجاه الدخول في المرحلة الثانية والعمل على تنفيذها.

 

* بمناسبة الحديث عن الكيانات الانتقالية، ما آخر تطورات تشكيل «مجلس السلام العالمي»؟

- نحن على تواصل مستمر مع الجانب الأميركي، لا سيما أن الولايات المتحدة معنية بشكل كامل بوضع خطة ترمب موضع التنفيذ على أرض الواقع. الاتصالات مستمرة مع الجانب الأميركي على كل المستويات، السياسي والأمني والاستخباراتي؛ بهدف تذليل أي مشاكل موجودة. ومصر بصفتها دولة عربية وإسلامية وواحدة من الدول الثماني التي اجتمعت بالرئيس الأميركي في نيويورك على هامش أعمال الجمعية العامة لأمم المتحدة ودعمت رؤيته، لديها تصور يتوافق مع الرؤية العربية والإسلامية، خاصة فيما يتعلق بهذه الأطر الانتقالية المؤقتة، ونحن نتفاعل ونتحاور مع الجانب الأميركي بشكل إيجابي.

نحن ننقل رؤيتنا بأن «مجلس السلام» مهم للغاية ولا بد من تدشينه، ولا بد من أن تتركز صلاحياته في تعبئة وحشد الموارد المالية الخاصة بتنمية غزة وإعادة إعمارها والتعافي المبكر، وأيضاً مراقبة صرف أموال إعادة الإعمار، وإذا كان هناك صندوق سيتم تدشينه من جانب البنك الدولي لهذا الغرض فلا بد أن يكون تحت رعاية هذا المجلس وإشرافه.

 

* ما آخر تطورات تشكيل «قوة الاستقرار»، وهل ستضم قوات من مصر ودول عربية؟

- نحن في حوار جدي وإيجابي مع الجانب الأميركي؛ لأن هذه القوة لا بد أن يكون طبيعتها حفظ السلام وليس فرض السلام، وهناك بون شاسع بين الاثنين. حفظ السلام يعني التركيز على مراقبة مدى التزام طرفي الاتفاق بوقف إطلاق النار، إضافة إلى المساعدة في تشغيل المعابر، أما فرض القانون أو إقرار النظام العام الداخلي فهذه صلاحيات أصيلة للشرطة الفلسطينية التي يتعين نشرها داخل قطاع غزة، وإلى جانب ذلك تؤكد مصر ضرورة تشكيل اللجنة غير الفصائلية، اللجنة «التكنوقراط»؛ لتتولى إدارة الأمور الحياتية في القطاع. ومصر قدمت قائمة من 15 اسماً هناك توافق بين الفصائل عليها.

 

* هل سيكون هناك مشاركة مصرية أو عربية في القوة الدولية؟

- بالتأكيد مصر تدعم تشكيل القوى الدولية، وهناك أطر مختلفة لتقديم الدعم اللوجستي والفني لهذه القوة. وبالتأكيد نحن منخرطون في أعمال القيادة والسيطرة، ومصر موجودة في «اللجنة المدنية العسكرية» في كريات غات بجنوب إسرائيل، والتي تم تشكيلها لمتابعة تنفيذ اتفاق شرم الشيخ.

 

* هناك حديث عن نزع سلاح حركة «حماس»، فهل يمكن أن توافق الحركة على ذلك؟

- خطة ترمب تتحدث عن حصر السلاح وتسليمه وليس نزع السلاح. وهذه أمور سيتم التفاهم بشأنها بين الفصائل الفلسطينية. وأعتقد أن هناك إمكانية في إطار التفاهم بين الفصائل للوصول إلى صيغة تتضمن تسليم الأسلحة بشكل متدرج في الإطار الفلسطيني - الفلسطيني.

 

* قدمت مصر خطة لإعادة إعمار غزة. وأعلنت استعدادها لاستضافة مؤتمر لتمويل إعادة الإعمار، فإلى أين وصلت الجهود؟

- هناك تنسيق كامل مع الجانب الأميركي على المستوى السياسي، وتحدثت مؤخراً مع وزير الخارجية ماركو روبيو وأيضاً مع جارد كوشنير. هناك حوار ممتد ننقل فيه رؤيتنا بشأن مكان وتوقيت عقد المؤتمر والاستفادة من الزخم الحالي.

 

* هل في موعد قريب؟

- حتى الآن لم يتم تحديد موعد، لكننا ننخرط في حوار مع الجانب الأميركي لتحديده.

 

* السعودية كانت من الدول الرئيسية الداعمة للحراك السياسي من أجل وقف الحرب في غزة والاعتراف بالدولة الفلسطينية، فكيف تقيّم العلاقات السعودية - المصرية؟ وكيف تصف دور المملكة إزاء الملفات الإقليمية المهمة؟

- علاقات المصرية والسعودية علاقات متميزة للغاية، وهي علاقات أبدية بين بلدين وشعبين شقيقين. وبالتأكيد مصر والمملكة هما جناحا الأمتين العربية والإسلامية، ولن ينصلح حالهما إلا بالتنسيق الكامل والتعاون الكامل بين جناحي الأمة.

هناك تنسيق على كل المستويات بين مصر والمملكة في ضوء توجيهات عليا من الرئيس السيسي وولي العهد الأمير محمد بن سلمان؛ للارتقاء بهذه العلاقات في كل المستويات الاقتصادية والتجارية والاستثماريّة، وفي مجالات الطاقة والمجالات القنصلية أيضاً.

التنسيق على المستوى السياسي في أبهى وأفضل حالاته. وقريباً سيتم عقد الاجتماع الأول لمجلس التنسيق الأعلى.

 

* متى يُتوقَع عقد الاجتماع؟

- يجري الآن الاختيار من بين مواعيد مختلفة، ونأمل أن يُعقَد في الربع الأول من العام المقبل.

 

* إلى أين وصلت الجهود المصرية لوقف الصراع في السودان؟

- الجهود المصرية مستمرة، ولا يمكن أن تتوقف على الإطلاق؛ لأن السودان هي الفناء الخلفي لمصر لذلك فالاتصالات المصرية مستمرة بشكل يومي على كل المستويات، سواء مع مجلس السيادة أو الحكومة أو الجيش السوداني، من منطلق الحرص المصري على الحفاظ على المؤسسات الوطنية، وفي مقدمتها الجيش الوطني، فضلاً عن الحفاظ على وحدة السودان وسيادته وسلامة أراضيه.

أما على مستوى الرباعية الدولية، فمصر في انخراط وتواصل مستمرين مع السعودية والإمارات والولايات المتحدة لبحث سبل وقف هذه الحرب المروعة، وتتواصل مصر مع الأمم المتحدة لحشد وتعبئة الموارد الإنسانية وفتح الممرات الإنسانية وإقامة ملاذات آمنة. كما ننسق أيضاً مع بريطانيا وقطر، وكلتاهما أبدت رغبة في الإسهام والمشاركة جنباً إلى جنب مع الرباعية الدولية. ولن نهدأ إلا بالتوصل إلى هدنة ووقف إطلاق نار بما يمهد إلى إقامة أو تدشين عملية سياسية شاملة لا تقصي أحداً. فما يحدث في السودان أمر يدمي القلوب ولا يمكن السماح أو القبول باستمراره.

 

* هل هذه الهدنة ممكنة في ظل استمرار النزاع واتهامات بدعم أطرافه؟

- هدف هذه الهدنة هو بالتأكيد تهيئة الظروف نحو وقف دائم لإطلاق النار بما يؤسس للعملية السياسية، نحن نسعى لهذا بما يحقق مصلحة السودان، ولا يمكن ولا نقبل بتقسيم السودان، أو نقبل بوضع مؤسسة الدولة السودانية على قدم المساواة مع أي كيانات موازية نرفضها تماماً ولا يمكننا أن نعترف بها.

 

* تُتَهم القاهرة عادة بأن لها دوراً ميدانياً فيما يخص الحرب السودانية، فهل هذا صحيح؟

- هذه أكاذيب. مصر لا تنخرط إلا في إطار وقف وخفض التصعيد. وموقف مصر واضح ومعلن، وهو مع الحلول السياسية والدبلوماسية؛ لأنه ببساطة شديدة لا يوجد حل عسكري للأزمة في السودان.

 

* تدعم مصر مؤسسات الدولة السودانية، فهل يتسبب موقف القاهرة الواضح إزاء طرفي الحرب في إرباك علاقاتها الإقليمية؟

- هناك طرف يمثل الدولة الوطنية ومؤسساتها ولا يمكن مساواته مع أي ميليشيا أو أي إطار غير خارج الدولة، وبالتالي فالحفاظ على الدولة ومؤسساتها وفي قلبها الجيش الوطني مسألة مهمة جداً ومفروغ منها.

 

* ألا يربك ذلك علاقات مصر الإقليمية؟

- لا، على الإطلاق.

 

* لا يمكن إغفال الوضع في ليبيا، فما موقف مصر من استمرار الأزمة؟

- الوضع في ليبيا يثير القلق، ولا يمكن أن نقبل بتكريس الانقسام الحالي بين الشرق والغرب، ولا بد من العمل على توحيد مؤسسات الدولة، وفي القلب منها الجيش الوطني والمؤسسات الأمنية؛ بهدف تهيئة الظروف نحو إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية بالتزامن. نحن نسعى لتحقيق ذلك، وكان هناك حوار مطول مع مبعوث الرئيس ترمب إلى أفريقيا مسعد بولس، أكّدنا خلاله على أنه لا مخرج للوضع في ليبيا سوى من خلال التحضير لإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية.

 

* المشير خليفة حفتر التقى الرئيس السيسي أخيراً بالقاهرة، وكان هناك حديث عن ملف ترسيم الحدود البحرية، وسبق لمصر أن أبدت اعتراضاً على اتفاقيات تركية - ليبية في هذا المجال، فما الخطوات التي تتخذها مصر في هذا الملف؟

- نعم، نحن لا نعترف بمذكرة التفاهم الموقَّعة بين الجانب التركي والحكومة «غير الشرعية» حكومة السراج آنذاك في الغرب، وأبلغنا مجلس الأمن والأمم المتحدة بهذا الموقف، ولدينا حوار مع الجانب الليبي حول الأمر الذي يعدّ مسألة ثنائية تخص البلدين.

 

* هل هناك حوار أيضاً مع الجانب التركي في هذا الإطار؟

نعم، هناك حوار عام ومشاورات على المستوى الوزاري وغير الوزاري، يتم خلالها تناول الأوضاع في ليبيا والعمل على تجاوز أي نقاط قد تكون خلافية. ومواقف مصر واضحة ومعلنة وسبق الحديث عنها في أنقرة وفي كل أنحاء العالم. والقاهرة تؤكد دائماً على ضرورة خروج القوات الأجنبية من ليبيا وتفكيك الميليشيات، وأن ترسيم الحدود البحرية مسألة ثنائية بين مصر وشقيقتها ليبيا.

 

* شهدت العلاقات المصرية - التركية تطورات في الآونة الأخيرة، فكيف يمضي مسار التقارب بين البلدين؟

- تمضي العلاقات بشكل جيد جداً ونعدّ حاليا للاجتماع الثاني لمجلس التنسيق الاستراتيجي المقرر عقده العام المقبل في القاهرة وبحضور الرئيس التركي رجب طيب إردوغان؛ كون الاجتماع الأول كان في أنقرة.

 

* هناك تباينات بين مواقف مصر وتركيا إزاء بعض الملفات الإقليمية، فكيف توازن مصر بين علاقاتها مع تركيا في ظل هذه التباينات؟

- هناك تنسيق مشترك، ونحن نبني شراكات، وليس معنى ذلك التوافق في كل الملفات بنسبة 100 في المائة؛ فهذا أمر يستعصي حتى ما بين الأشقاء. وبالتالي، نحن نبني على نقاط الاتفاق الموجودة ونحاول التوصل إلى تفاهمات حول النقاط العالقة.

 

* دعمت مصر الصومال وأكدت مراراً حرصها على استقرار منطقة القرن الأفريقي، لكن أحياناً ينظر لأي تحركات مصرية بأنها تستهدف الضغط على إثيوبيا؟ لماذا؟

- هذه أكاذيب وأوهام ولا علاقة لها بالواقع، مصر علاقتها بالصومال تمتد إلى آلاف السنين، وبالتالي نحن معنيون باستقراره. ولذلك؛ ستشارك مصر في بعثة حفظ السلام بناءً على طلب من الاتحاد الأفريقي ومن الحكومة الصومالية، وبهدف واحد هو تمكين الحكومة الصومالية من فرض سيطرتها ومكافحة الإرهاب.

 

* تدعم مصر الصومال ودول القرن الأفريقي، فما خطة مصر لأداء دورها إزاء الأمن في البحر الأحمر؟ ومع من تتعاون؟

- نحن معنيون أيضاً بقضية الاستقرار في القرن الأفريقي وأيضاً حوكمة البحر الأحمر، وننسق بشكل كامل مع السعودية والدول العربية والأفريقية المشاطئة للبحر الأحمر، وهناك توافق كامل بأن حوكمة هذه المنطقة، خليج عدن والبحر الأحمر، يخص الدول المشاطئة فقط ولا دخل لأي دولة أخرى، ولن نسمح بأي نفاذ بحري لأي أغراض عسكرية لأي دولة غير مشاطئة.

 

* يقودنا الحديث عن مساعي الدول غير المشاطئة للوجود على البحر الأحمر، إلى إثيوبيا وملف سد النهضة، فما خطة مصر للتعامل مع هذا الملف؟

- الموقف مصري واضح تماماً، وسبق أن أعلنا أن المسار التفاوضي وصل إلى طريق مسدود ولا مجال لاستئنافه حالياً؛ لأنه ليس ما يبرر ذلك بعد استنزاف 13 سنة في مفاوضات عبثية بسبب سوء النية من الطرف الآخر. ومصر تحتفظ لنفسها بحق الدفاع الشرعي عن النفس المكفول في ميثاق الأمم المتحدة إذا حدث ضرر لأمنها المائي.

 

* ما المسارات الأخرى بعد إيقاف المفاوضات؟ وفي ظل وجود السد كأمر واقع؟

- مصر تتابع الوضع على الأرض، وإذا حدث ضرر لأمنها المائي سيكون هناك رد فعل.

 

* هل تطمح مصر لوساطة أميركية في هذا الملف؟

- هناك حديث مع الجانب الأميركي ومع أطراف أخرى، لكن لن تحدث أي انفراجة في هذا الملف ما لم يعي الجانب الإثيوبي أن نهر النيل نهر عابر للحدود، ومن ثم فهو لا يخضع لسيادة إثيوبيا. والمجاري المائية العابرة للحدود مثل نهر النيل تخضع لقواعد القانون الدولي، خاصة فيما يتعلق بمبادئ الإخطار المسبق وعدم إحداث أي ضرر بالدول التي يمر بها النهر.

 

* كيف تنظر مصر إلى التطورات الأخيرة في سوريا؟ وهل لا تزال لدى القاهرة تحفظات إزاء الإدارة السورية الجديدة؟

- مصر يعنيها بشكل مبدئي وبشكل شديد الأهمية الاستقرار والخير لسوريا والشعب السوري، ونحن ندعم الشعب السوري بكل قوة وندين إدانة كاملة أي انتهاكات للسيادة السورية من جانب إسرائيل. وأنا على اتصال مع وزير الخارجية السوري وكنت قد التقيته مؤخراً في الدوحة. وإذا كانت هناك أي نصائح نقدمها، فإن ذلك من باب الأخوة والحرص على أمن سوريا واستقرارها ومساعدتها ودعمها في استرداد أراضيها المحتلة، والعمل على كف الجانب الإسرائيلي عن التدخل في شؤون سوريا.

نحن نتحدث عن أهمية الانفتاح لكل مكونات المجتمع السوري وعدم إعطاء الذرائع لأي دولة خارجية أن تنصّب نفسها داعمة لأي أقلية كما تحاول إسرائيل أن تفعل، ومن ثم نقول إن الدولة والحكومة السورية هي المعنية بشكل أساسي بتقديم كل الدعم والحماية والتواصل مع كل أطياف الشعب السوري.

أيضاً قضية المقاتلين الأجانب لا بد من التعامل معها، وكذلك قضية الإرهاب فلا يجب أن تكون سوريا قاعدة لتهديد أي دولة من دول المنطقة.

 

* قدمت مصر مبادرة إزاء لبنان؟ فما آخر تطورات الجهود المصرية؟

- نبذل جهوداً مكثفة، وكثيرة للغاية على كل المستويات مع كل الأطراف الدولية والإقليمية المعنية، وأجريت اتصالات مكثفة مع إسرائيل وإيران والولايات المتحدة لتجنيب لبنان ويلات أي تدخلات أو أي عمليات عسكرية تمس بمقدرات الشعب. ونحن نثمّن كل الخطوات التي اتخذها الجيش اللبناني وكل الإنجازات التي تحققت في منطقة جنوب الليطاني فيما يتعلق بفرض سيادة الدولة وسيطرتها، كما نثمن تأكيد الحكومة اللبنانية التزامها باتفاق وقف العدائيات الموقَّع العام الماضي وتنفيذه في كل ربوع لبنان وليس فقط في منطقة جنوب الليطاني. ومصر لا تدخر وسعاً لدعم لبنان وشعبها وقيادتها.


حراك أميركي - يمني لتعزيز الشراكة واحتواء خلافات الشرعية

العليمي استقبل في الرياض السفير الأميركي ستيفن فاغن (سبأ)
العليمي استقبل في الرياض السفير الأميركي ستيفن فاغن (سبأ)
TT

حراك أميركي - يمني لتعزيز الشراكة واحتواء خلافات الشرعية

العليمي استقبل في الرياض السفير الأميركي ستيفن فاغن (سبأ)
العليمي استقبل في الرياض السفير الأميركي ستيفن فاغن (سبأ)

أظهرت سلسلة لقاءات واتصالات أجراها سفير الولايات المتحدة لدى اليمن ستيفن فاغن، مع رئيس وأعضاء مجلس القيادة الرئاسي اليمني، اتجاهاً أميركياً نحو تثبيت الشراكة السياسية والأمنية مع الحكومة اليمنية واحتواء الخلافات داخل معسكر الشرعية، في مرحلة تتسم بتعقيد المشهد المحلي، وازدياد التحديات الإقليمية المرتبطة بالأمن والاستقرار في اليمن.

وشملت هذه التحركات لقاءً جمع السفير فاغن برئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي، أعقبه لقاء آخر مع عضو المجلس الشيخ عثمان مجلي، إلى جانب اتصال مرئي مع عضو المجلس اللواء سلطان العرادة، في سياق مشاورات تناولت مسار العلاقات الثنائية، والتطورات السياسية والعسكرية، والملفات ذات الأولوية، وفي مقدمها مكافحة الإرهاب، والتعامل مع تهديدات الحوثيين المدعومين من إيران.

ووفق ما رشح عن هذه اللقاءات، فقد تركزت المباحثات مع رئيس مجلس القيادة على مستوى الشراكة اليمنية - الأميركية، والدور الذي تضطلع به واشنطن في دعم الدولة اليمنية، سواء على الصعيد السياسي في المحافل الدولية، أو في ملف مكافحة الإرهاب، وردع شبكات تهريب السلاح والتمويل المرتبطة بإيران. كما برز ملف الإصلاحات الحكومية كأحد محاور النقاش، في ظل الحاجة إلى دعم دولي مستمر يخفف من الضغوط الاقتصادية والإنسانية.

في هذا السياق، جرى التطرق إلى المستجدات في المحافظات الشرقية، وما رافقها من إجراءات أحادية، والجهود الإقليمية التي تقودها السعودية، والإمارات، لاحتواء التوتر، وإعادة تطبيع الأوضاع، بما يحافظ على التوافق داخل إطار الشرعية، ويمنع انعكاس الخلافات الداخلية على وحدة القرار الأمني والعسكري.

القيادة اليمنية شددت خلال هذه المشاورات على أهمية الالتزام بالمرجعيات الحاكمة للمرحلة الانتقالية، وفي مقدمتها إعلان نقل السلطة، واتفاق الرياض، بوصفها الإطار الناظم للشراكة السياسية، محذرةً من أن أي تجاوز لهذه المرجعيات قد يخلق فراغات تستغلها الجماعة الحوثية والتنظيمات الإرهابية، بما يفاقم التحديات الأمنية.

مقاربة أوسع

في اتصال مرئي أجراه السفير الأميركي ستيفن فاغن، مع عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني سلطان العرادة، برزت مقاربة أوسع لطبيعة المرحلة التي يمر بها اليمن، بوصفها مرحلة مركَّبة تتداخل فيها الأبعاد السياسية والعسكرية والاقتصادية.

وأكد العرادة أن مواجهة هذه التحديات تتطلب موقفاً دولياً أكثر صرامة، ودعماً عملياً يمكّن الحكومة من استعادة مؤسسات الدولة، وتجفيف مصادر تمويل الميليشيات، ومنع تقويض الجهود الأممية. وفق ما أورده الإعلام الرسمي.

التحذير من تداعيات التساهل الدولي مع الممارسات الحوثية شكّل نقطة تقاطع في هذه النقاشات، إذ اعتُبر هذا التساهل عاملاً مشجعاً على استمرار التصعيد، وعرقلة مساعي السلام، وخلق بيئة غير مستقرة تؤثر على الأمن اليمني والإقليمي، وعلى خطوط الملاحة الدولية.

السفير الأميركي مجتمعاً مع عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني عثمان مجلي (سبأ)

أما لقاء السفير الأميركي مع عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني عثمان مجلي، فقد ركّز على أبعاد التهديد الإيراني في اليمن، ودور طهران في دعم القدرات العسكرية للحوثيين، وما يمثله ذلك من خطر على الداخل اليمني، ودول الجوار، والأمن البحري في البحرين الأحمر والعربي.

كما جرى تأكيد دور تحالف دعم الشرعية في الحفاظ على السلم الاجتماعي في المناطق المحررة، ودعم مؤسسات الدولة، والبنك المركزي، لاستكمال الإصلاحات الاقتصادية.

وحسبما أورد الإعلام الرسمي اليمني، أعاد السفير الأميركي تأكيد ثوابت موقف بلاده الداعم لوحدة اليمن، وسلامة أراضيه، ووحدة مجلس القيادة الرئاسي والحكومة، والتزام واشنطن بالشراكة في مكافحة الإرهاب، والتخفيف من المعاناة الإنسانية، وتعزيز فرص الاستقرار والتنمية.