تسريبات أميركية تشير لوجود خطة بشأن إعمار جزء من قطاع غزة، تحمل اسم «شروق الشمس» أعدها فريق يقوده جاريد كوشنر، صهر الرئيس دونالد ترمب، والمبعوث الخاص إلى الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، بينما تتعثر «الخطة العربية الشاملة» بشأن الإعمار الذي يعد أبرز ملامح المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار بالقطاع المتعثرة حالياً.
تلك الخطة الأميركية المتداولة، تأتي بينما تبحث مصر إقامة مؤتمر لتمويل إعمار كامل غزة بالشراكة مع واشنطن بعد تأجيله نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، ويعتقد خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» أن «هذه عودة لمخططات تهجير الفلسطينيين مجدداً رغم الرفض المصري والعربي، ما قد يطرح 3 سيناريوهات: المضي في تلك الخطة الأميركية الجزئية في رفح الفلسطينية، ومن ثمّ تأجيل نظيرتها العربية الشاملة؛ أو الدمج بين الخطتين دون تهجير؛ أو تعطيل كل الخطتين لتعثر إتمام الاتفاق».
وتحدث تقرير نشرته صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، الجمعة، عن خطة أعدها كوشنر وويتكوف تسمى «مشروع شروق الشمس» بين الحكومات الأجنبية والمستثمرين لتحويل ركام غزة إلى وجهة ساحلية مستقبلية، ونقل سكان غزة «من الخيام إلى الشقق الفاخرة»، و«من الفقر إلى الازدهار»، دون تحديد أين سيقيم نحو مليوني فلسطيني نازح خلال فترة إعادة البناء.
وبحسب المسودة «ستبلغ تكلفة المشروع الإجمالية 112.1 مليار دولار على مدى عشر سنوات»، على أن تلتزم الولايات المتحدة بتقديم منح وضمانات ديون لـ«جميع مسارات العمل المطروحة» خلال تلك الفترة، لكن التحديات هائلة، وفق الصحيفة، لافتة إلى أن إعادة إعمار غزة مشروطة بأن تقوم «حماس» بـ«نزع السلاح وتفكيك جميع الأسلحة والأنفاق».
وسيُنفّذ الإعمار عبر أربع مراحل، تبدأ من الجنوب في رفح وخان يونس، ثم تتجه شمالاً إلى «مخيّمات الوسط»، وأخيراً إلى العاصمة غزة، وتتضمن إحدى الشرائح، المعنونة بـ«رفح الجديدة»، تصوراً لجعلها «مقر الحوكمة» في غزة وموطناً لأكثر من 500 ألف نسمة، يعيشون في مدينة تضم أكثر من 100 ألف وحدة سكنية، و200 مدرسة أو أكثر، وأكثر من 75 منشأة طبية، و180 مسجداً ومركزاً ثقافياً.
وهذه التسريبات تأتي بعد نحو 8 أيام من نقل موقع صحيفة «يديعوت أحرونوت» عن مسؤول إسرائيلي قوله إن «تل أبيب وافقت مبدئياً على دفع تكاليف إزالة الأنقاض من قطاع غزة وأن تتحمل مسؤولية العملية الهندسية الضخمة، وذلك بعد طلب من الولايات المتحدة الأميركية، وستبدأ بإخلاء منطقة في رفح جنوب القطاع من أجل إعادة إعمارها».

وفي 21 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، أكد كوشنر، في مؤتمر صحافي بإسرائيل، أن إعادة إعمار غزة في المناطق الخاضعة لسيطرة الجيش الإسرائيلي «مدروسة بعناية وهناك اعتبارات جارية حالياً في المنطقة الخاضعة لسيطرة جيش الدفاع الإسرائيلي، إذا أمكن تأمينها لبدء البناء، بوصفها غزة جديدة، وذلك بهدف منح الفلسطينيين المقيمين في غزة مكاناً يذهبون إليه، ومكاناً للعمل، ومكاناً للعيش»، مضيفاً: «لن تُخصَّص أي أموال لإعادة الإعمار للمناطق التي لا تزال تسيطر عليها (حماس)».
مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، السفير رخا أحمد حسن، يرى أن «خطة ترمب للسلام تعطي منذ البداية مساحة أكبر للأميركيين والإسرائيليين، والخطة الجديدة المطروحة للإعمار من جانب واشنطن، محاولة لتحقيق هدف تهجير الفلسطينيين مرة أخرى».
فيما يعتقد المحلل السياسي الفلسطيني، عبد المهدي مطاوع، أن «خطة شروق الشمس» تؤكد أن الولايات المتحدة لم تتخل عن فكرتها في ترحيل جزئي لسكان غزة مع ضخ استثمارات عقارية تحقق أمن إسرائيل فقط.
ووفق «وول ستريت جورنال»، فإن «بعض المسؤولين الأميركيين الذين اطّلعوا على (خطة شروق الشمس) يبدون شكوكاً جدّيةً بشأن مدى واقعيتها. فهم يستبعدون أن توافق حركة (حماس) على نزع سلاحها لبدء تنفيذ الخطة». وذكرت الصحيفة أنه «حتى في حال حدوث ذلك، يشكّك المسؤولون في قدرة الولايات المتحدة على إقناع دول ثرية بتحمّل تكلفة تحويل بيئة ما بعد الحرب إلى مشهد حضري عالي التقنية».
وعلى مقربة من هذه الشكوك، قال وزير الخارجية الأميركي، ماركو روبيو، في تصريحات الجمعة: «لن تقنع أحداً بالاستثمار في غزة إذا كان يعتقد أن حرباً أخرى ستندلع بعد عامين أو ثلاثة»، وأضاف: «لدينا ثقة كبيرة بأننا سنحصل على المانحين لجهود إعادة الإعمار والدعم الإنساني على المدى الطويل».
ويرى حسن أن روبيو يتحدث بحديث إسرائيل نفسه بشأن نزع سلاح «حماس»، ومن الصعب بدء المرحلة الثانية في ضوء عدم تحقيق التزاماتها مثل نشر «قوات الاستقرار» ونزع سلاح الحركة.
تلك التسريبات الأميركية، جاءت بعد نحو 17 يوماً من إعلان وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، في مؤتمر صحافي ببرلين، مع نظيره الألماني، يوهان فاديفول: «أننا نتشاور مع الولايات المتحدة لتكوين رئاسة مشتركة لمؤتمر الإعمار، ونأمل التوافق على توقيت في أسرع وقت ممكن لعقد هذا المؤتمر، بالتعاون مع الشركاء».

وبعد ذلك قال رئيس الوزراء القطري ووزير الخارجية، الشيخ محمد بن عبد الرحمن بن جاسم آل ثاني، في جلسة بـ«منتدى الدوحة»، أخيراً: «إننا سنواصل دعم الشعب الفلسطيني، لكننا لن نمول إعادة إعمار ما دمره الآخرون»، ووصفت وقتها تلك التصريحات القطرية، من جانب خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، بأنها «ضغط على واشنطن لدفع إسرائيل لتنفيذ انسحاب وبدء إعمار».
وكان مؤتمر إعمار قطاع غزة الذي كانت ستنظمه القاهرة في نهاية نوفمبر الماضي، أجل دون ذكر السبب، فيما قال المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية، تميم خلاف لـ«الشرق الأوسط»، نهاية الشهر الماضي، إن القاهرة تعمل مع الشركاء الإقليميين والدوليين على تهيئة البيئة المناسبة لنجاح مؤتمر «التعافي المبكر وإعادة الإعمار في قطاع غزة». في معرض ردّه على سؤال عن سبب تأجيل المؤتمر.
ويرى مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق أن ما يطرح أميركياً قد يؤخر عملية الإعمار وفق «الخطة العربية الشاملة»، مشيراً إلى أن تعثر مؤتمر الإعمار بسبب عدم إنهاء المرحلة الأولى وعدم انسحاب إسرائيل. وحول المتوقع، إزاء الخطة الجديدة للإعمار، أوضح أنه يمكن التزاوج بين الخطتين العربية والأميركية شريطة ألا يحدث تهجير للفلسطينيين.
ويعتقد المحلل السياسي الفلسطيني أن مستقبل الإعمار قد يشهد المضي في الخطة الأميركية بشكل منفرد، وتأخير الخطة العربية الشاملة، أو استمرار التعثر لعدم إنهاء المرحلة الأولى وعدم دخول أي من الخطتين حيز التنفيذ.









