أزمة ورقية تهدد مستقبل الصحف الإيرانية

اتهامات للحكومة باحتكار الورق وارتفاع ثمنه نحو 120 %

أزمة الورق أثارت مخاوف من إغلاق صحف إيرانية
أزمة الورق أثارت مخاوف من إغلاق صحف إيرانية
TT

أزمة ورقية تهدد مستقبل الصحف الإيرانية

أزمة الورق أثارت مخاوف من إغلاق صحف إيرانية
أزمة الورق أثارت مخاوف من إغلاق صحف إيرانية

على مدى الشهرين الماضيين عاشت الصحف الإيرانية لحظات عصيبة بعد أزمة في سوق الورق تحت تأثير ارتفاع سعر الدولار وتدهور الوضع الاقتصادي، وأُجبر بعض المجلات والصحف على التوقف لأيام، بينما لجأ عدد كبير منها إلى تقليص عدد الصفحات.
وارتفعت أسعار الصحف بنسبة 120% خلال الشهر الماضي. ويقول أصحاب الصحف إن المشكلة قد تشكل الضربة القاضية لها في ظل معاناتها المالية.
وتزامنت الأزمة الورقية مع موجة الانتقادات في الصحف والمجلات لأداء الرئيس الإيراني حسن روحاني بعد مرور مائة يوم على أدائه اليمين الدستورية، ووجه بعض أهل الصحافة أصابع اتهام غير مباشرة إلى الحكومة بافتعال الأزمة الورقية واحتكار سوق الورق، للضغط على الصحافة لتخفيف حدة الانتقادات.
وأُضيفت المشكلة إلى المشكلات التي تعاني منها الصحف الإيرانية، وتتقدمها مشكلة الرقابة والملاحقات القانونية من أجهزة النظام.
في يوليو (تموز) الماضي، قال مساعد شؤون الصحافة في وزارة الثقافة والإعلام، إن نحو 200 صحيفة في إيران تُصدر يومياً أقل من 900 ألف نسخة، وهي إحصائية نادرة تصدر منذ سنوات وشكّلت صدمة للمتابعين في بلد يقترب تعداده السكاني من 80 مليوناً.
وتنقسم الصحف الإيرانية إلى 3 أقسام رئيسية: القسم الأكبر تابع للتيار الإصلاحي المؤيد للحكومة الحالية، وتشكل محوره وسائل إعلام حزب « عمال البناء» الذي يجمع المؤيدين للرئيس الأسبق علي أكبر هاشمي رفسنجاني، وهي في وضع مالي مقبول إلى حد ما مقارنةً بالصحف المستقلة، وينضم إلى هذا الصنف الصحف التابعة مباشرة لمؤسسة الرئاسة الإيرانية وهي من الصحف الثرية مثل صحيفة « إيران».
والقسم الثاني، يضم صحف «الحرس الثوري»، ومؤسسة المرشد الإيراني علي خامنئي، ومؤسسة بلدية طهران، والصحف التابعة لفصائل الأحزاب المحافظة، وهي تتمتع بميزانية قوية تجعلها تقاوم العواصف الاقتصادية التي تضرب الصحافة عادةً، وهي لا تحظى بشعبية كبيرة ولكنها تعبر عن أجهزة صنع القرار في إيران. هذه الصحف على الأغلب لا تشتكي من ضعف الميزانية أو اختفاء الورق.
والقسم الثالث، وهو غالباً ينقسم بين الصحف والمجلات المستقلة التابعة لدور النشر والمثقفين، وصحف أخرى تابعة لنواب البرلمان المستقلين، وصحف قديمة تقاوم متغيرات الزمن وتراهن على مبيعاتها وأنصارها في الشارع الإيراني للبقاء على قيد الحياة، وتصنف إلى المجلات الثقافية والفنية التي تهتم بشؤون الأسرة والموضة والأطفال والسينما والموسيقى والمجلات الترفيهية، وهي تتحمل الضغط الأكبر من الأزمة الورقية.
وجاءت الأزمة بعد شهر من المعرض السنوي الذي تقيمه وزارة الإعلام والثقافة للاحتفاء بوسائل الإعلام والصحافة. وخلال افتتاح المعرض، الذي غاب عنه الرئيس الإيراني على خلاف التقليد السائد، وعد نائب الرئيس إسحاق جهانغيري بتقديم الدعم الحكومي للصحف. وأعرب عن عزم الحكومة حل المشكلات المعيشية التي يعاني منها أهل الوسط الصحافي.
كما قطع جهانغيري وعداً بتحقيق مطلب الصحافيين الأساسي خلال العام الماضي، وهو إعادة افتتاح نقابة الصحافيين بعد تعليق نشاطها في 2009.
ولكن الأزمة الورقية دفعت بعض الصحف إلى تقليص عدد الصفحات، وتغيير حجم القَطْع الصادرة فيه، والتوقف لأيام. لكن الصحف التي تواجه نقصاً حاداً في الموارد أعلنت وقف إصدارها لأكثر من أسبوعين.
واعتذرت أغلب المجلات والصحف إلى جمهورها عن الاختفاء القسري من كشك الصحافة. وصارح بعض منها مشتركيها عبر حساباتها في شبكات التواصل الاجتماعي حول الارتفاع «الجنوني» لأسعار الورق والنفقات، وهو ما تعجز الميزانية المحدودة لتلك الصحف عن مقاومته.
وتوقفت مجلة «كركدن» ذات الشعبية الواسعة بين جيل الشباب عن الصدور لعدد واحد، وقالت إنها اضطرت إلى التوقف نتيجة احتكار المؤسسات الحكومية للورق. وتوقفت مجلة «صدا» الثقافية السياسية، كما أعلنت صحيفة «باني فيلم» تقليص عدد ورقاتها من 8 إلى 4.
وكتب علي ميرفتاح، رئيس تحرير مجلة «كرکدن»، المعنية بالشؤون الفنية والثقافية الإيرانية، عبر حسابها في شبكة «تيليغرام»، إن المجلة لم تُنشر بسبب الأوضاع المتدهورة في سوق الورق. وتابع: «ربما أطلعتم الأخبار من هنا وهناك ماذا حل بسوق الأوراق. أولاً، القصور من الحكومة التي لم تتخذ الإجراءات اللازمة للحد من هذا الوضع السيئ. ثانياً، الصحف الثرية الحكومية والرسمية المرتبطة بمصادر القوة وتملك ميزانية نجومية ابتاعت كل الورق من السوق وتخزنه».
ورفض رئيس تحرير المجلة سياسة رفع أسعار الصحف والمجلات لمواجهة المشكلة. وأضاف: «لم نعثر على ورق أقل جودة من الورق الحالي الذي نطبع به المجلة في الوقت الحالي. يجب أن نصبر أسبوعاً لنرى ماذا يحصل».
وأوضح أنه ينوي كتابة مقال في صحيفة «اعتماد» لتوضيح «المصيبة» التي حلت بالأوساط الصحافية بسبب أسعار الورق.
لكن مساعد شوؤن الصحافة في وزارة الثقافة الإيرانية حسين انتظامي، أعلن في منتصف ديسمبر (كانون الأول)، أن الحكومة تعمل مع الجمارك على تخليص 10 آلاف طن من الورق، مضيفاً أن الحكومة ستزوِّد المطابع بالورق فور وصوله بيد الجهات المسؤولة.
وأشار انتظامي إلى تقديم البنك المركزي الإيراني مساعدات مالية للمستوردين بعد ارتفاع سعر العملة في الأسواق الإيرانية. ونقلت «إيرنا» عن انتظامي أن الشحنة تساعد في القضاء على الالتهاب الموجود في سوق الورق. كما دعا إلى مشاركة وزارات الصناعة والمناجم والتجارة في اتخاذ التدابير اللازمة لتفادي الأزمة في سوق الورق.
ودافع مساعد وزير الثقافة والإعلام عن المواقف الإيجابية للحكومة تجاه وسائل الإعلام والصحافة في القضاء على مسألة زيادة التعريفة الجمركية على الواردات، الأمر الذي أسهم في تعزيز ثقة المستوردين.
وارتفع سعر الورق بشكل غير مسبوق، وقال العديد من الناشرين وأصحاب الصحف إن التوقف عن نشر الصحف والكتب سيستمر حتى يتم إيقاف زيادة سعر الورق.
وحسب بابك عابدين، رئيس نقابة مستوردي الورق، فإن ارتفاع سعر أوراق الصحف يأتي نتيجة تذبذبات تشهدها أسواق الورق منذ 4 أشهر، كما حمّل تراجع قيمة العملة الإيرانية مقابل الدولار، و«عراقيل» الجمارك مسؤولية ما حصل للصحف الإيرانية.
وقال لوكالة «إيسنا» إن النقابة تلقت وعوداً من وزارة الصناعة والتجارة بتبادل العملة والعمل على ترويض الأسعار، لافتاً إلى أن الورق من «السلع الاستراتيجية» في إيران، وأن تبعات زيادة أسعارها تُلحق أضراراً بقطاع التصدير في إيران.
ونفى المسؤول الإيراني اتهامات الصحف حول وجود مافيا لتجارة الورق لعبت دوراً في احتكار الورق ورفع أسعاره. وربط الأزمة بتراجع قيمة العملة الإيرانية مقابل الدولار، وشكوك المستوردين في استيراد الورق.
وأبدى عابدين شكوكاً حول نهاية أزمة الورق والسيطرة على أسعاره، مطالباً المسؤولين بتشكيل لجان لمواجهة التحدي الذي ألحق أضراراً كبيرة بقطاع الصحافة في إيران.
وحذر مدير تحرير صحيفة «شرق» الإيرانية، الحكومة من «دومينو دمار الصحف» عبر رفع تكاليف استيراد الورق. وقال مهدي رحمانيان لوكالة «إيسنا» إنه «في حال فكرت الحكومة في رفع تكاليف الورق فإن ذلك يظهر أنها لا تفهم بديهيات الإدارة».
ووفقا لرحمانيان فإن أسعار الورق زادت بنسبة 60% خلال الأشهر القليلة الماضية، وهو ما يثقل كاهل الصحف الإيرانية التي تعاني من تراجع إقبال الإيرانيين على قراءة الصحف الورقية.
من جانبه، قال مدير تحرير صحيفة «بهار» الإصلاحية منصور قنواتي، إن وضع الصحف المستقلة في إيران يزداد سوءاً، وإن صحف هذا القطاع تسير على حافة الهاوية بسبب التنافس مع الصحف الحكومية.
وتابع أن الصحف المستقلة دخلت غرفة العناية المركزة عقب غلاء أسعار الورق، لافتاً إلى أن استمرار الوضع السيئ والضغوط على الصحف يتطلب استعداد المسؤولين الحكوميين للتفكير بمراسم دفن تلك الصحف.
واقترحت الصحف الإيرانية خلال الفترة الماضية عدة حلول على الحكومة من أجل السيطرة على حمى ارتفاع أسعار الورق.


مقالات ذات صلة

تونس والسنغال تتراجعان في تقرير «مراسلون بلا حدود» السنوي لحرية الصحافة

العالم العربي تونس والسنغال تتراجعان في تقرير «مراسلون بلا حدود» السنوي لحرية الصحافة

تونس والسنغال تتراجعان في تقرير «مراسلون بلا حدود» السنوي لحرية الصحافة

أظهر التقرير السنوي لحرية الصحافة لمنظمة «مراسلون بلا حدود»، اليوم الأربعاء، أن تونس والسنغال كانتا من بين الدول التي تراجعت في الترتيب، في حين بقيت النرويج في الصدارة، وحلّت كوريا الشمالية في المركز الأخير. وتقدّمت فرنسا من المركز 26 إلى المركز 24.

«الشرق الأوسط» (باريس)
العالم غوتيريش يندد باستهداف الصحافيين والهجوم على حرية الصحافة

غوتيريش يندد باستهداف الصحافيين والهجوم على حرية الصحافة

ندّد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش اليوم (الثلاثاء)، باستهداف الصحافيين، مشيراً إلى أنّ «حرية الصحافة تتعرّض للهجوم في جميع أنحاء العالم». وقال في رسالة عبر الفيديو بُثّت عشية الذكرى الثلاثين لـ«اليوم العالمي لحرية الصحافة»، إن «كلّ حرياتنا تعتمد على حرية الصحافة... حرية الصحافة هي شريان الحياة لحقوق الإنسان»، وفقاً لما ذكرته وكالة الصحافة الفرنسية. وأضاف أن «حرية الصحافة تتعرّض للهجوم في جميع أنحاء العالم»، مشيراً إلى أنّه «يتمّ استهداف الصحافيين والعاملين في الإعلام بشكل مباشر عبر الإنترنت وخارجه، خلال قيامهم بعملهم الحيوي.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
العالم صحافي ليبرالي في الصين يواجه تهمة «التجسس»

صحافي ليبرالي في الصين يواجه تهمة «التجسس»

ذكرت جمعية تعنى بالدفاع عن وسائل الإعلام أن تهمة التجسس وجهت رسمياً لصحافي صيني ليبرالي معتقل منذ عام 2022، في أحدث مثال على تراجع حرية الصحافة في الصين في السنوات الأخيرة، حسبما أفادت «وكالة الصحافة الفرنسية». كان دونغ يويو، البالغ 61 عاماً والمعروف بصراحته، يكتب افتتاحيات في صحيفة «كلارتي» المحافظة (غوانغمينغ ريباو) التي يملكها الحزب الشيوعي الحاكم. وقد أوقف في فبراير (شباط) 2022 أثناء تناوله الغداء في بكين مع دبلوماسي ياباني، وفق بيان نشرته عائلته الاثنين، اطلعت عليه لجنة حماية الصحافيين ومقرها في الولايات المتحدة. وقالت وزارة الخارجية اليابانية العام الماضي إنه أفرج عن الدبلوماسي بعد استجو

«الشرق الأوسط» (بكين)
العالم العربي المغرب: أربعة من وزراء الإعلام السابقين يرفضون لجنة مؤقتة لمجلس الصحافة

المغرب: أربعة من وزراء الإعلام السابقين يرفضون لجنة مؤقتة لمجلس الصحافة

بدا لافتاً خروج أربعة وزراء اتصال (إعلام) مغاربة سابقين ينتمون إلى أحزاب سياسية مختلفة عن صمتهم، معبرين عن رفضهم مشروع قانون صادقت عليه الحكومة المغربية الأسبوع الماضي، لإنشاء لجنة مؤقتة لمدة سنتين لتسيير «المجلس الوطني للصحافة» وممارسة اختصاصاته بعد انتهاء ولاية المجلس وتعذر إجراء انتخابات لاختيار أعضاء جدد فيه. الوزراء الأربعة الذين سبق لهم أن تولوا حقيبة الاتصال هم: محمد نبيل بن عبد الله، الأمين العام لحزب «التقدم والاشتراكية» المعارض، ومصطفى الخلفي، عضو الأمانة العامة لحزب «العدالة والتنمية» المعارض أيضاً، والحسن عبيابة، المنتمي لحزب «الاتحاد الدستوري» (معارضة برلمانية)، ومحمد الأعرج، عضو

«الشرق الأوسط» (الرباط)
المشرق العربي «الجامعة العربية» تنتقد «التضييق» على الإعلام الفلسطيني

«الجامعة العربية» تنتقد «التضييق» على الإعلام الفلسطيني

انتقدت جامعة الدول العربية ما وصفته بـ«التضييق» على الإعلام الفلسطيني. وقالت في إفادة رسمية اليوم (الأربعاء)، احتفالاً بـ«يوم الإعلام العربي»، إن هذه الممارسات من شأنها أن «تشوّه وتحجب الحقائق». تأتي هذه التصريحات في ظل شكوى متكررة من «تقييد» المنشورات الخاصة بالأحداث في فلسطين على مواقع التواصل الاجتماعي، لا سيما في فترات الاشتباكات مع القوات الإسرائيلية.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

المنتدى الروسي الأول لـ«الثقافة والإعلام والرقمنة» لمواجهة هيمنة الغرب

أحد المتكلمين في المنتدى (الشرق الأوسط)
أحد المتكلمين في المنتدى (الشرق الأوسط)
TT

المنتدى الروسي الأول لـ«الثقافة والإعلام والرقمنة» لمواجهة هيمنة الغرب

أحد المتكلمين في المنتدى (الشرق الأوسط)
أحد المتكلمين في المنتدى (الشرق الأوسط)

«إحدى الوظائف الرئيسية لوسائل الإعلام الجديدة تتمثّل في القدرة على توحيد الناس وكسر الحواجز الموجودة بين الثقافات» اختتم المنتدى الأول لـ«الثقافة والإعلام والرقمنة» أخيراً أعماله في موسكو، مطلِقاً آليات لتعزيز التواصل مع المؤسسات الثقافية والإبداعية في عشرات البلدان، بهدف تحويل المنتدى -كما قال منظموه- إلى «منصة فريدة لتبادل الخبرات وتطوير أساليب الابتكار والإبداع في عالم متعدد لا تهيمن عليه الثقافة الغربية وحدها بأساليبها القديمة».

جمع المنتدى، عبر النقاشات التي دارت خلال ورشات العمل «قادة الصناعات الإبداعية من روسيا ودول أخرى، لمناقشة آفاق تطوير الصناعة والمخاطر والفرص التي أحدثها التقدم السريع للتكنولوجيا الجديدة في حياة الناس وإبداعهم».

عاصمة عالمية للإعلام والثقافة

ووفقاً لحكومة العاصمة الروسية موسكو، التي رعت تنظيم المنتدى، فإن من بين أهداف إطلاقه «تحويله إلى فعالية تُنظّم بشكل دوري وتكريس رؤية جديدة للتعاون الثقافي والإعلامي والإبداعي تقودها موسكو». ومن جهتها، رأت رئاسة المنتدى أن موسكو «عزّزت عبره مكانتها بين عواصم الثقافة في العالم، وباتت تجذب انتباه الخبراء في الصناعات الإبداعية والمتخصصين المشهورين من مختلف أنحاء العالم، من الولايات المتحدة وفرنسا إلى الهند والصين». وبهذا المعنى فإن روسيا «ما زالت تحتفظ بهويتها الثقافية، على الرغم من العقوبات والتحديات المعاصرة، بل تمضي قدماً أيضاً نحو تطوير أشكال جديدة من التفاعل في مجالات السينما ووسائل الإعلام الجديدة وغيرها من الصناعات الإبداعية».

وحقاً، جمع منتدى «الثقافة والإعلام والرقمنة» في دورته الأولى متخصصين في مجالات السينما، والألعاب، والإعلام، والتكنولوجيا، والصناعات الإبداعية؛ للبحث عن توازن جديد بين الأهداف التجارية والمصالح العامة، وإمكانيات الآلات وقدرات البشر.

ولمدة يومين، تواصل المشاركون من مختلف دول العالم في ورشات عمل لبحث المواضيع الرئيسة المطروحة التي توزّعت على عدة محاور؛ بينها: اقتصاد وسائل الإعلام الجديدة، والتأثير المتبادل بين وسائل الإعلام الجديدة والسينما، والاتصالات، وتقنيات الذكاء الاصطناعي، فضلاً عن تطوير ألعاب الفيديو، والمساحات الافتراضية، والرياضات الإلكترونية.

تقارب وأرضية مشتركة

رؤية المنتدى تقوم، بالدرجة الأولى، على محاولة تعزيز التقارب والتنسيق من أجل «إيجاد أرضية مشتركة وتطوير أساليب جديدة وفريدة للإبداع بين روسيا ودول مجموعة (بريكس+)» والدول العربية، لا سيما في مجال منصات الثقافات وتشابكها. وبذا لا يُخفي المنظمون الهدف الأساسي المتمثل في محاولة «كسر» الحصار الغربي، والعمل على تشكيل منصة فريدة تُسهم في تطوير حوار دولي بين روسيا وشركائها في الدول العربية والبلدان الأخرى التي تعمل مثل روسيا لإيجاد روابط جديدة للتعاون في ظل التغيّرات السريعة على بيئة المعلومات العالمية.

لذا، رأى المنتدى في جلسات الحوار أن إحدى الوظائف الرئيسة لوسائل الإعلام الجديدة تتمثّل «في القدرة على توحيد الناس، وكسر الحواجز الموجودة بين الثقافات واللغات المختلفة عبر استخدام الشبكات الاجتماعية، والمدوّنات، ومحتوى الفيديو». وعدّ أن تأثير مساحة الإعلام الجديدة يتمثّل أيضاً في إمكانية إنشاء مبادرات مشتركة - مشاريع مشتركة، وأحداث ثقافية، وبرامج تعليمية تهدف إلى تعزيز الروابط وتوسيع آفاق التعاون المتبادل.

برنامج اليوم الأول تضمّن جلسة رئيسة بعنوان «مستقبل التواصل والتواصل من أجل المستقبل»، شاركت فيها نخبة من كبار المخرجين العالميين؛ مثل: أمير كوستوريكا، وأوليفر ستون، استعرضوا خلالها دور السينما في تجاوز الحواجز الثقافية وتعزيز التفاهم بين الشعوب. وفي كلمته، شدّد كوستوريكا على أن «السينما لا تُقاس بقيمتها المالية بقدر ما تحمله من مضامين وأفكار عميقة»، مشيراً إلى تأثير أفلام المخرج أندريه تاركوفسكي التي على الرغم من محدودية مشاهدتها عند إصدارها، اكتسبت قاعدة جماهيرية واسعة على مر الزمن، بفضل طرحها أسئلة جوهرية عن الحياة.

أما ستون فأكد أن «السينما اليوم في مرحلة تطور مستمر، تتضمّن رؤى فنية جديدة وإمكانيات إبداعية متاحة حتى في المدن الصغيرة»، داعياً إلى احتضان هذا التغيير وتقدير الماضي في الوقت ذاته.

الحضور العربي

وفي الجلسات عن العالم العربي، شارك لوبو سيوس مقدم البرامج الحوارية في دبي، وعلي الزكري رئيس قسم التحرير الرقمي في صحيفة «البيان» في دبيّ، وعلا الشافعي رئيسة تحرير صحيفة «اليوم السابع» المصرية، والصحافي اللبناني نبيل الجبيلي. وأكد المنتدى تعزيز الروابط بين الشعوب، كونها تُسهم في خلق أرضية مشتركة وتقديم طرق مبتكرة للإبداع. ورأى المشاركون أن العلاقات بين روسيا ودول «بريكس» لا سيما الدول العربية تستند إلى التفاعل الثقافي وتشابك الثقافات؛ مما يفتح آفاقاً جديدة للتعاون والإبداع المشترك.

وعن دور السينما، بين وسائل هذا التعاون، فإنها عُدّت جسراً فعّالاً يربط بين العالمين الروسي والعربي. إذ إن الأفلام لا تكتفي بعرض جوانب من حياة شعوب معينة، بل تساعد أيضاً على تجاوز الحواجز اللغوية والثقافية؛ مما يخلق قصصاً عالمية قادرة على التأثير في قلوب المشاهدين في كل مكان.

ومن ثم، تناول المنتدى دور الذكاء الاصطناعي بوصفه أداة واعدة في عملية التأليف والإنتاج السينمائي، بجانب بحث الفرص التي توفرها المنصات الرقمية لتمكين المواهب الشابة.

جانب من الحضور يسجلون اللحظة بهواتفهم الجوّالة (الشرق الأوسط)

منصة مهمة لتبادل الخبرات

مع مشاركة أكثر من 70 متحدثاً من 10 دول، شكّل المنتدى منصة مهمة لتبادل الخبرات وتعزيز التواصل الثقافي بين روسيا والعالم، بما يُسهم في دفع عجلة الابتكار والتنوع في قطاعي الإعلام والسينما العالميين. وفي تصريح لـ«الشرق الأوسط»، قال جورجي بروكوبوف، رئيس شركة موسكينو - مركز موسكو السينمائي، إن المنتدى -الأول من نوعه- يُنظّم «في لحظة محورية؛ إذ تعمل أدوات الذكاء الاصطناعي والابتكارات الرقمية على إعادة تشكيل الصناعات الإبداعية بشكل أساسي». وأردف أن «الملعب العالمي بات أكثر توازناً... وظهرت مناطق جديدة، أو عزّزت مناطق، كانت موجودة أصلاً في هذه الصناعة، مكانتها لتتحول إلى مراكز لإنتاج الأفلام والتلفزيون».

وأوضح بروكوبوف أن موسكو استثمرت، بمبادرة من رئيس بلديتها سيرغي سوبيانين، بكثافة في «بناء مجموعات إبداعية عالمية المستوى» في المدينة وإنشاء شبكات تعاون مع مراكز إبداعية مماثلة في جميع أنحاء العالم. ولقد انصب أحد البرامج الأساسية على تطوير صناعة السينما. وتابع أن «مجموعة صناعة الأفلام الروسية وصلت إلى حجم مماثل (من حيث مرافق الإنتاج ومعداتها المتطورة) لتلك الموجودة في كاليفورنيا أو مومباي (...) تتغيّر صناعة الأفلام العالمية بسرعة، ولم يعد الأمر يقتصر على (هوليوود)، النموذج القديم؛ حيث تُملى ثقافة واحدة، والأذواق العالمية تتلاشى». ثم كشف عن أن عدد الأفلام الروائية المنتجة في دول «بريكس» تضاعف أكثر من ثلاث مرات على مدى العقدين الماضيين، في حين ظل عدد الإنتاجات في الغرب ثابتاً إلى حد كبير.

داخل القاعة (الشرق الأوسط)

التطور في «بريكس» ودول الخليج العربي

ومن ثم، أفاد بأن تقنيات الذكاء الاصطناعي تسمح بتكييف المحتوى المتنوع مع السياقات المحلية بسلاسة. وبالنسبة إلى دول مجموعة «بريكس» فإنها، مثل روسيا، «تتطلّع إلى تعزيز التعاون مع القطاع الإبداعي المزدهر في الخليج العربي، بما يمثّل فرصة مثيرة لاستكشاف أسواق جديدة».

وزاد المسؤول أن الأوساط الروسية «تتابع باهتمام كبير ما يحدث في المملكة العربية السعودية. إن تفاني الحكومة في رعاية المواهب وجعل المملكة واحدة من المراكز الإبداعية الرائدة في العالم أمر رائع حقاً. ومن الملهم أن نرى كيف تتحوّل المملكة بسرعة إلى قوة إبداعية عالمية مع الحفاظ على تراثها الثقافي الغني».