أحداث علمية بارزة في عام 2017

نظم مطورة للذكاء الصناعي وثورة في علم الجينات... ومخاوف على بيئة الأرض

نظم الذكاء الصناعي... تقترب من ذكاء الإنسان
نظم الذكاء الصناعي... تقترب من ذكاء الإنسان
TT

أحداث علمية بارزة في عام 2017

نظم الذكاء الصناعي... تقترب من ذكاء الإنسان
نظم الذكاء الصناعي... تقترب من ذكاء الإنسان

شهد عام 2017 الذي يشارف على الانتهاء، منجزات علمية باهرة في ميادين تطوير النظم الآلية الذكية الموجهة لمختلف الاستخدامات العلمية والطبية والحياتية، وفي تقنيات الفضاء، ودراسات الكون، وعلوم الجينات ودراسات المخ البشري، وذلك في وقت تزداد فيه تحذيرات العلماء من مضاعفات التلوث والتغيرات المناخية على صحة كوكب الأرض وسكانه.
-- نظم ذكاء صناعي
على صعيد النظم الذكية المؤتمتة والروبوتات التي تعلم نفسها بنفسها، طورت برامج ونظم جديدة إذ نجحت «غوغل» في بداية العام في إظهار قدرة نظامها المسمى «ماستر» على هزم لاعب متمرس في لعبة منضدية شهيرة في الشرق الأقصى تسمى لعبة «غو» وذلك بعد فوز النظام 60 مرة بلا خسارة على مدى 7 أيام. ولم يكن نظام «ماستر» سوى تطوير لنظام الذكاء الصناعي «الفاغو». ونجح هذا النظام في الخامس من شهر ديسمبر (كانون الأول) الماضي من هزيمة «كي جي» بطل الشطرنج في الصين بعد أن قام النظام بتعليم نفسه على الشطرنج فترة أربع ساعات فقط.
وفي اليابان طور باحثون طائرة روبوتية لرش المياه على الزهور. وفي بداية العام أعلنت شركة يابانية للتأمين أنها استغنت عن أكثر من 30 موظفا لديها بعد شرائها لنظام الذكاء الصناعي «واطسن» من «آي بي إم».
وفي الميدان الطبي طورت جامعة هارفارد «روبوتا طريا» للتجوال حول القلب ومساعدته على العمل بهدف مساعدة المرضى المصابين بعجز القلب، بينما طور باحثون من جامعة نورثويسترن الأميركية نظام ذكاء يصل إلى مصاف الإنسان في تنفيذه للمهمات البصرية. وقام باحثون سويسريون بتصميم طابعة تجسيمية تطبع الخلايا والأنسجة الحية ونجح آخرون في إنتاج جلد بشري منها يمكن وضعه لترقيع الجلد البشري. وصنع علماء في جامعة منيسوتا الأميركية طابعة تجسيمية لإنتاج «جلد بيوني» يمكن وضعه على هيكل الروبوتات لمنحها «إحساسا بشريا». وأخيرا صنع باحثون من جامعة يوتا الأميركية مثقبا روبوتيا يسهل العمليات الجراحية على الجمجمة.

-- تغيرات مناخية مدمرة
التغيرات المناخية تضع الكوكب الأزرق على حافة الدمار المقبل وفقا لتقديرات العلماء التي يقدمونها بدقة أكبر، عاما بعد عام. وقد رصدت منظمة الأنواء الجوية العالمية أعلى زيادة حتى الآن في تركيز غاز ثاني أكسيد الكربون المسبب للتسخين الحراري، في جو الأرض.
- المحاصيل الزراعية. أشارت دراسة في يناير (كانون الثاني) الماضي إلى أن ارتفاع درجة حرارة الأرض سيؤدي إلى خطر حدوث خسائر كبيرة في محاصيل الحبوب في الولايات المتحدة بنهاية هذا القرن: الحنطة بنسبة 20 في المائة وفول الصويا بنسبة 40 في المائة والذرة بنسبة 50 في المائة.
- المحيطات والبحار. أشارت دراسة نشرت في مجلة «نتشر» في 19 يناير الماضي إلى حدوث انخفاض بنسبة 2 في المائة في مستوى الأكسجين في المحيطات خلال 50 سنة الماضية بسبب التسخين الحراري للأرض. وذكرت دراسة أخرى في مارس (آذار) أن المحيطات تسخن بنسبة 13 في المائة أسرع مما كان يعتقد سابقا. وقال علماء أستراليون من جامعة ملبورن إن مستوى البحار قد يرتفع 1.3 متر في العالم بحلول عام 2050 إذا لم يتم التخلي تماما عن حرق الفحم. كما رصد العلماء تلوث المياه بالبلاستيك إلى أعماق تصل إلى 11 كلم في المحيط الهادئ.
- انحسار الجليد. رصد العلماء ذوبان الأنهار الجليدية في آسيا، وتوقعوا انحسارها التام بحلول عام 2100، كما رصدوا حالات اخضرار مناطق في القارة القطبية الجنوبية بالطحالب لارتفاع بين 1 و3 مليمترات سنويا، بينما أشار تقرير نشرته وكالة «ناسا» الفضائية الأميركية إلى أن مساحات جليد البحار قد وصلت إلى أدناها في القارتين القطبيتين الشمالية والجنوبية.
وفي هذا العام رصد العلماء انفصال أكبر جبل جليدي يزن أكثر من تريليون طن عن القارة القطبية الجنوبية. كما شهد العام إعلان الرئيس دونالد ترمب في الأول من يونيو (حزيران) انسحاب الولايات المتحدة من اتفاقية باريس حول المناخ التي تمت المصادقة عليها في 4 نوفمبر (تشرين الثاني) 2016.
-- اكتشافات وابتكارات
- اكتشافات. من النجاحات المهمة في علوم الآثار اكتشاف العلماء لتجويف كبير داخل هرم خوفو في الجيزة.
وعثر العلماء على متحجرات في منطقة جبل إيغود في المغرب لبقايا إنسان حديث يعود أصله إلى 300 ألف عام أي أكثر بـ100 ألف عام من التاريخ المعتمد سابقا من قبل العلماء. كما نجح العلماء في وضع لقطة صورة مجسمة لما يمكن أن يكون أول زهرة نمت على الأرض قبل 140 مليون سنة مضت.
- ابتكارات. معجل «سيسام» (سمسم) للضوء أول منشأة للأبحاث المتقدمة افتتحت أعمالها في الأردن هذا العام بمشاركة علماء من فلسطين وإسرائيل وإيران.
ومن الابتكارات الأخرى نجاح باحثين من جامعة بيركلي الأميركية في صنع جهاز يولد الماء من الهواء الجاف يمكن تشغيله بطاقة الشمس. ويعمل الجهاز حتى إذا كانت نسبة الرطوبة لا تزيد على 20 إلى 30 في المائة وينتج 2.8 لتر من الماء خلال 12 ساعة. كما نجح باحثون في هارفارد في تصنيع الهيدروجين المعدني الذي يوجد عادة في كوكب المشتري الغازي.
وأعلن إيلون ماسك رئيس «تيسلا» في نوفمبر الماضي عن تصميم الشركة لأول شاحنة كهربائية شبه أوتوماتيكية سميت «تيسلا سيمي».
وعرضت شركة «كربون إنجينيرنغ» الكندية نهاية العام طريقة لإنتاج الغازولين ووقود الديزل المركبين صناعيا، بتوظيف ثاني أكسيد الكربون المستخلص من أجواء الأرض، والهيدروجين المستخلص من الماء. وأطلق على الطريقة التي اعتبرت الأولى من نوعها، اسم «من الهواء إلى الوقود».
-- الفضاء والكون
احتفلت «ناسا» بمرور 40 عاما على إطلاق سفينة «فوياجير1» في الخامس من سبتمبر (أيلول) عام 1977 التي تحولت مثل قرينتها «فوياجير 2» التي أطلقت في 20 أغسطس (آب) 1977 إلى أسطورة فضائية حيث إنها لا تزال تحلق في عالم ما بين النجوم خارج المجموعة الشمسية. وفي 28 نوفمبر الماضي شغلت فوياجير 1 محركاتها لتعديل مسارها لأول مرة منذ عام 1980 ما سيسمح بتمديد مهمتها لعام أو عامين.
ورصد العلماء نهاية هذا العام كويكبا جديدا قالوا إنه آت من أعماق الكون السحيق من خارج المجموعة الشمسية وأطلقوا عليه اسم «أومواموا»، وأضافوا أنه قد يحتوي على مياه جاءتنا من الكون البعيد. كذلك أعلنت «ناسا» عن اكتشافها لكوكب «أرض عملاقة» سميت «كيبلر - 90 آي» من خارج المجموعة الشمسية هي الثامنة التي تدور حول نجمة «كيبلر - 90».
وفي حقبة جديدة من ريادة الفضاء وقع الرئيس الأميركي دونالد ترمب في ديسمبر (كانون الأول) هذا العام على توجيه بأن ترسل وكالة الفضاء الأميركية «ناسا» من جديد رواد فضاء أميركيين إلى القمر، وذلك في الذكرى الـ45 لآخر بعثه مأهولة إلى القمر.
وتم هذا العام التقاط صور عالية الدقة لكوكب الأرض لأول مرة بواسطة واحد من الجيل الجديد للأقمار الصناعية المخصصة لدراسات الطقس، التي طورتها إدارة المحيطات والأجواء الوطنية الأميركية، تظهر فيها العواصف الثلجية والمطرية والأعاصير.
وحققت رائدة الفضاء الأميركية في 24 أبريل (نيسان) الماضي بيغي ويتسون رقما قياسيا لوجود رائد أميركي في الفضاء لفترة واحدة متواصلة. ورجعت الرائدة إلى الأرض في 2 سبتمبر بعد أن قضت 288 يوما زيادة، ما جعل فترة وجودها تمتد إلى 665 يوما.
ولأول مرة تمكنت شركة «سبيس إكس» الخاصة من إطلاق صاروخ فضائي وإعادته بعد أن قام بتزويد محطة الفضاء الدولية بالمعدات. وانتهت مهمة سفينة الفضاء «كاسيني» التي استمرت 13 عاما عندما دخلت في الغلاف الجوي لكوكب زحل. ونجح باحثون سويسريون من جامعة زيوريخ في وضع نظام لمحاكاة الكون افتراضيا أطلقوا عليه «الكون الافتراضي» الذي يتكون من 25 مليارا من المجرات التي صنعت من تريليوني جزء. وفي هذا العام اكتشف العلماء «الأرض الفائقة» في منطقة نجم القزم الأحمر «إل إتش إس 1140» قالوا إنها يمكن أن تكون مؤهلة للحياة.
ورصد علماء الفلك في الأول من يونيو الماضي ثالث موجة جاذبية، ما يدعم أكثر نظرية النسبية العامة التي قدمها ألبرت آينشتاين سنة 1916.
-- أبحاث الطب والجينات
في الأبحاث الجينية نفذ العلماء الأميركيون في 21 يوليو (تموز) لأول مرة في الولايات المتحدة عملية «قص جيني» بتقنية «كريسبر» المثيرة لجدل على أجنة بشرية. ثم في 2 أغسطس ولأول مرة عملية أخرى لإزالة عيب من الحمض النووي «دي إن إيه» بهذه التقنية. ونشرت بعدها في أكتوبر (تشرين الأول) طريقة محسنة للعلاج بهذه التقنية في مجلة «ساينس» الأميركية.
وعرض باحثون أميركيون ما يشابه «رحما صناعيا» للحملان، بهدف تطوير أنواع أفضل لحماية حياة الأطفال الخدج. وفي مايو (أيار) صنع باحثون في جامعة أكسفورد البريطانية «شبكية عين صناعية» باستخدام أنسجة بيولوجية طرية.
ووافقت وكالة الغذاء والدواء الأميركية على إجازة أول «عقار رقمي» يزود بأداة تتبع ورصد للدواء لمعرفة تناول المرضى له. ونجح علماء سويسريون في خلق فيروسات صناعية لاستهداف خلايا السرطان، تحفز جهاز المناعة لتوجيه خلاياه القاتلة نحو الأنسجة الخبيثة.
وأخيرا اكتشف العلماء أن السفر في الفضاء يؤدي إلى إحداث تغيرات في موضع وبنية الدماغ داخل الجمجمة، بعد دراستهم ومسحهم لرؤوس رواد الفضاء بجهاز الرنين المغناطيسي.
-- أبرز حدثين: أبحاث الجينات وفيزياء الفلك
اعتبر عالمان بريطانيان من الجمعية الملكية، وهي بمثابة أكاديمية العلوم في بريطانيا، التي تأسست قبل 400 عاما وتضم أكثر من 8 آلاف عالم، أن طريقة الهندسة الجينية لقص الجينات لإزالة العيوب الوراثية، واكتشاف موجات جاذبية جديدة في الكون، حدثان بارزان في عام 2017.
وقال السير جون سكيهيل الباحث في البيولوجيا الجزيئية إن طريقة «كريسبر» لقص الجينات توظف الإنزيم «كاس 9» وهو أحد الإنزيمات الذي عندما يرتبط بناقل موجه من الحمض النووي الريبوزي «آر إن إيه RNA» فإنه يتيح للعلماء زرع مركب جيني داخل الحمض النووي «دي إن إيه DNA» في الإنسان وإصلاح العطب الجيني.
من جهته قال أليكس هاليداي عضو الجمعية البروفسور في الجيوكيمياء بجامعة أكسفورد الذي يبحث في مجال نشوء المجموعة الشمسية إن الاختراق الأكبر في فيزياء الفلك تمثل في رصد موجات الجاذبية التي نجمت عن اصطدام نجمين نيوترونيين، إذ نجح العلماء في رؤية نتائج الاصطدام وميلاد جرم لامع جديد.
-- 800 «مجلة علمية» للأبحاث والأخبار الزائفة
المجلات «العلمية» الزائفة تنتشر في عالم الورق والإنترنت. ويعمل أصحاب هذه المجلات الزائفة على استقطاب العلماء والباحثين لنشر مواضيعهم على صفحاتها على الأغلب بعد توجيه دعوات إلى بريدهم الإلكتروني. ولا تجهد هيئة تحرير هذه المجلات نفسها بقراءة وتمحيص الأبحاث ونتائجها كما تفعل هيئات تحرير المجلات العلمية الرصينة.كما تحاول أيضا الطلب من الباحثين دفع الأموال لنشر أعمالهم.
ووفق الإحصاءات التي أوردها باحثون برئاسة ديفيد موهلر نشروا نتائجهم في السادس من سبتمبر الماضي في مجلة «نتشر» العلمية الرصينة، يوجد الآن أكثر من 800 مجلة من هذا النوع تنشر نحو 400 ألف مقالة في السنة. وحذر الباحثون من أن هذا النشر يؤدي إلى هدر الموارد - من النفقات على حيوانات الاختبار إلى تسريب بيانات المرضى - إضافة إلى إهدار المجهود العلمي لآلاف الباحثين الآخرين الذين قد يستندون إلى نتائجها لأن طرائق البحث لا تتواءم مع مواصفات الطرائق المعتمدة له.
وقالت لاريسا شلمسير الباحثة في معهد أبحاث مستشفى أوتاوا بكندا التي شاركت في الدراسة إن «الأعمال التي تنشر على صفحات مثل هذه المجلات يمكن أن توظف من قبل باحثين آخرين، رغم أنها يمكن أن تكون غير سليمة علميا». وأضافت أنه رغم الاعتقاد السائد بأن هذه المجلات توجد في الدول الأقل دخلا «فإن الدراسة أثبتت أن 57 في المائة من الأعمال والتقارير التي دققنا فيها وعددها 1907 من الدراسات الإكلينيكية أو شبه الإكلينيكية التي نشرت في مثل تلك المجلات جاءت من باحثين في دول متوسطة وعالية الدخل».


مقالات ذات صلة

بدء تطبيق المرحلة الإلزامية الأولى لتوحيد منافذ الشحن في السعودية

الاقتصاد مقر هيئة الاتصالات والفضاء والتقنية في الرياض (الموقع الإلكتروني)

بدء تطبيق المرحلة الإلزامية الأولى لتوحيد منافذ الشحن في السعودية

بدأ تطبيق المرحلة الإلزامية الأولى لتوحيد منافذ الشحن للهواتف المتنقلة والأجهزة الإلكترونية في السوق، لتكون من نوع «USB Type - C».

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد جانب من اجتماع خلال منتدى حوكمة الإنترنت الذي عقد مؤخراً بالعاصمة الرياض (الشرق الأوسط)

تقرير دولي: منظومات ذكية ومجتمعات ممكّنة تشكل مستقبل الاقتصاد الرقمي

كشف تقرير دولي عن عدد من التحديات التي قد تواجه الاقتصاد الرقمي في العام المقبل 2025، والتي تتضمن الابتكار الأخلاقي، والوصول العادل إلى التكنولوجيا، والفجوة…

«الشرق الأوسط» (الرياض)
تكنولوجيا تتميز سمكة «موبولا راي» بهيكلها العظمي الغضروفي وأجنحتها الضخمة ما يسمح لها بالانزلاق بسهولة في الماء (أدوبي)

سمكة تلهم باحثين لتطوير نموذج مرشّح مياه صناعي!

طريقة تغذية سمكة «موبولا راي» تدفع باحثي معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا لتطوير أنظمة ترشيح فعالة.

نسيم رمضان (لندن)
تكنولوجيا تعمل استراتيجيات مثل الأمن متعدد الطبقات واستخبارات التهديدات المتقدمة على تعزيز دفاعات الشركات السعودية (شاترستوك)

السعودية تسجل 44 % انخفاضاً في الهجمات الإلكترونية حتى نوفمبر مقارنة بـ2023

تواجه السعودية التحديات السيبرانية باستراتيجيات متقدمة مع معالجة حماية البيانات وأمن السحابة وفجوات مواهب الأمن السيبراني.

نسيم رمضان (لندن)
خاص تتضمن الاتجاهات الرئيسة لعام 2025 الاستعداد الكمومي وممارسات الأمن السيبراني الخضراء والامتثال (شاترستوك)

خاص كيف يعيد الذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمومية تشكيل الأمن السيبراني في 2025؟

«بالو ألتو نتوركس» تشرح لـ«الشرق الأوسط» تأثير المنصات الموحدة والذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمومية على مستقبل الأمن السيبراني.

نسيم رمضان (لندن)

هل أصبحنا على أعتاب مرحلة تباطؤ الذكاء الاصطناعي؟

هل أصبحنا على أعتاب مرحلة تباطؤ الذكاء الاصطناعي؟
TT

هل أصبحنا على أعتاب مرحلة تباطؤ الذكاء الاصطناعي؟

هل أصبحنا على أعتاب مرحلة تباطؤ الذكاء الاصطناعي؟

يوجه ديميس هاسابيس، أحد أكثر خبراء الذكاء الاصطناعي نفوذاً في العالم، تحذيراً لبقية صناعة التكنولوجيا: لا تتوقعوا أن تستمر برامج المحادثة الآلية في التحسن بنفس السرعة التي كانت عليها خلال السنوات القليلة الماضية، كما كتب كاد ميتز وتريب ميكل (*).

التهام بيانات الإنترنت

لقد اعتمد باحثو الذكاء الاصطناعي لبعض الوقت على مفهوم بسيط إلى حد ما لتحسين أنظمتهم: فكلما زادت البيانات التي جمعوها من الإنترنت، والتي ضخُّوها في نماذج لغوية كبيرة (التكنولوجيا التي تقف وراء برامج المحادثة الآلية) كان أداء هذه الأنظمة أفضل.

ولكن هاسابيس، الذي يشرف على «غوغل ديب مايند»، مختبر الذكاء الاصطناعي الرئيسي للشركة، يقول الآن إن هذه الطريقة بدأت تفقد زخمها ببساطة، لأن البيانات نفدت من أيدي شركات التكنولوجيا.

وقال هاسابيس، هذا الشهر، في مقابلة مع صحيفة «نيويورك تايمز»، وهو يستعد لقبول «جائزة نوبل» عن عمله في مجال الذكاء الاصطناعي: «يشهد الجميع في الصناعة عائدات متناقصة».

استنفاد النصوص الرقمية المتاحة

هاسابيس ليس الخبير الوحيد في مجال الذكاء الاصطناعي الذي يحذر من تباطؤ؛ إذ أظهرت المقابلات التي أُجريت مع 20 من المديرين التنفيذيين والباحثين اعتقاداً واسع النطاق بأن صناعة التكنولوجيا تواجه مشكلة كان يعتقد كثيرون أنها لا يمكن تصورها قبل بضع سنوات فقط؛ فقد استنفدت معظم النصوص الرقمية المتاحة على الإنترنت.

استثمارات رغم المخاوف

بدأت هذه المشكلة في الظهور، حتى مع استمرار ضخ مليارات الدولارات في تطوير الذكاء الاصطناعي. في الأسبوع الماضي، قالت شركة «داتابريكس (Databricks)»، وهي شركة بيانات الذكاء الاصطناعي، إنها تقترب من 10 مليارات دولار في التمويل، وهي أكبر جولة تمويل خاصة على الإطلاق لشركة ناشئة. وتشير أكبر الشركات في مجال التكنولوجيا إلى أنها لا تخطط لإبطاء إنفاقها على مراكز البيانات العملاقة التي تدير أنظمة الذكاء الاصطناعي.

لا يشعر الجميع في عالم الذكاء الاصطناعي بالقلق. يقول البعض، بمن في ذلك سام ألتمان الرئيس التنفيذي لشركة «أوبن إيه آي»، إن التقدم سيستمر بنفس الوتيرة، وإن كان مع بعض التغييرات في التقنيات القديمة. كما أن داريو أمودي، الرئيس التنفيذي لشركة الذكاء الاصطناعي الناشئة، «أنثروبيك»، وجينسن هوانغ، الرئيس التنفيذي لشركة «نيفيديا»، متفائلان أيضاً.

قوانين التوسع... هل تتوقف؟

تعود جذور المناقشة إلى عام 2020، عندما نشر جاريد كابلان، وهو فيزيائي نظري في جامعة جونز هوبكنز، ورقة بحثية تُظهِر أن نماذج اللغة الكبيرة أصبحت أكثر قوة وواقعية بشكل مطرد مع تحليل المزيد من البيانات.

أطلق الباحثون على نتائج كابلان «قوانين التوسع (Scaling Laws)»... فكما يتعلم الطلاب المزيد من خلال قراءة المزيد من الكتب، تحسنت أنظمة الذكاء الاصطناعي مع تناولها كميات كبيرة بشكل متزايد من النصوص الرقمية التي تم جمعها من الإنترنت، بما في ذلك المقالات الإخبارية وسجلات الدردشة وبرامج الكومبيوتر.

ونظراً لقوة هذه الظاهرة، سارعت شركات، مثل «OpenAI (أوبن إيه آي)» و«غوغل» و«ميتا» إلى الحصول على أكبر قدر ممكن من بيانات الإنترنت، وتجاهلت السياسات المؤسسية وحتى مناقشة ما إذا كان ينبغي لها التحايل على القانون، وفقاً لفحص أجرته صحيفة «نيويورك تايمز»، هذا العام.

كان هذا هو المعادل الحديث لـ«قانون مور»، وهو المبدأ الذي كثيراً ما يُستشهد به، والذي صاغه في ستينات القرن العشرين المؤسس المشارك لشركة «إنتل غوردون مور»؛ فقد أظهر مور أن عدد الترانزستورات على شريحة السيليكون يتضاعف كل عامين، أو نحو ذلك، ما يزيد بشكل مطرد من قوة أجهزة الكومبيوتر في العالم. وقد صمد «قانون مور» لمدة 40 عاماً. ولكن في النهاية، بدأ يتباطأ.

المشكلة هي أنه لا قوانين القياس ولا «قانون مور» هي قوانين الطبيعة الثابتة. إنها ببساطة ملاحظات ذكية. صمد أحدها لعقود من الزمن. وقد يكون للقوانين الأخرى عمر افتراضي أقصر بكثير؛ إذ لا تستطيع «غوغل» و«أنثروبيك» إلقاء المزيد من النصوص على أنظمة الذكاء الاصطناعي الخاصة بهما، لأنه لم يتبقَّ سوى القليل من النصوص لإلقائها.

«لقد كانت هناك عائدات غير عادية على مدى السنوات الثلاث أو الأربع الماضية، مع بدء تطبيق قوانين التوسع»، كما قال هاسابيس. «لكننا لم نعد نحصل على نفس التقدم».

آلة تضاهي قوة العقل البشري

وقال هاسابيس إن التقنيات الحالية ستستمر في تحسين الذكاء الاصطناعي في بعض النواحي. لكنه قال إنه يعتقد أن هناك حاجة إلى أفكار جديدة تماماً للوصول إلى الهدف الذي تسعى إليه «غوغل» والعديد من الشركات الأخرى: آلة يمكنها أن تضاهي قوة الدماغ البشري.

أما إيليا سوتسكيفر، الذي كان له دور فعال في دفع الصناعة إلى التفكير الكبير، كباحث في كل من «غوغل» و«أوبن أيه آي»، قبل مغادرته إياها، لإنشاء شركة ناشئة جديدة، الربيع الماضي، طرح النقطة ذاتها خلال خطاب ألقاه هذا الشهر. قال: «لقد حققنا ذروة البيانات، ولن يكون هناك المزيد. علينا التعامل مع البيانات التي لدينا. لا يوجد سوى شبكة إنترنت واحدة».

بيانات مركبة اصطناعياً

يستكشف هاسابيس وآخرون نهجاً مختلفاً. إنهم يطورون طرقاً لنماذج اللغة الكبيرة للتعلُّم من تجربتهم وأخطائهم الخاصة. من خلال العمل على حل مشاكل رياضية مختلفة، على سبيل المثال، يمكن لنماذج اللغة أن تتعلم أي الطرق تؤدي إلى الإجابة الصحيحة، وأيها لا. في الأساس، تتدرب النماذج على البيانات التي تولِّدها بنفسها. يطلق الباحثون على هذا «البيانات الاصطناعية».

أصدرت «اوبن أيه آي» مؤخراً نظاماً جديداً يسمى «OpenAI o1» تم بناؤه بهذه الطريقة. لكن الطريقة تعمل فقط في مجالات مثل الرياضيات وبرمجة الحوسبة؛ حيث يوجد تمييز واضح بين الصواب والخطأ.

تباطؤ محتمل

على صعيد آخر، وخلال مكالمة مع المحللين، الشهر الماضي، سُئل هوانغ عن كيفية مساعدة شركته «نيفيديا» للعملاء في التغلب على تباطؤ محتمل، وما قد تكون العواقب على أعمالها. قال إن الأدلة أظهرت أنه لا يزال يتم تحقيق مكاسب، لكن الشركات كانت تختبر أيضاً عمليات وتقنيات جديدة على شرائح الذكاء الاصطناعي. وأضاف: «نتيجة لذلك، فإن الطلب على بنيتنا التحتية كبير حقاً». وعلى الرغم من ثقته في آفاق «نيفيديا»، فإن بعض أكبر عملاء الشركة يعترفون بأنهم يجب أن يستعدوا لاحتمال عدم تقدم الذكاء الاصطناعي بالسرعة المتوقَّعة.

وعن التباطؤ المحتمل قالت راشيل بيترسون، نائبة رئيس مراكز البيانات في شركة «ميتا»: «إنه سؤال رائع نظراً لكل الأموال التي يتم إنفاقها على هذا المشروع على نطاق واسع».

* خدمة «نيويورك تايمز»